مناظير الجمعة 27 سبتمبر، 2024
زهير السراج
manazzeer@yahoo.com
* أثار فيديو لصبية مصرية مبثوث على مواقع التواصل الاجتماعي غضباً عارما في الشارع المصري، واشعل النيران في قلوب المصريين ضد السودانيين، وكان من الممكن ان تحدث كارثة بعد التفاعل الكبير معه من ملايين المصريين في معظم انحاء العالم ومطالبتهم بطرد السودانيين المقيمين في مصر باعتبارهم مصدر تهديد للامن والسلامة، وأعلن الكثيرون مقاطعة السودانيين وطالبوا بعدم التعامل معهم واخراجهم من الشقق السكنية، وهدد البعض باستخدام العنف لحماية انفسهم من الوحوش السودانية، وتكهربت الاجواء بشكل غير مسبوق في معظم المدن المصرية الكبرى ضد السودانيين، خاصة مع الفيديوهات التي بثها بعض المصريين وأشاعوا فيها وصول الكوليرا الى مدينة اسوان مع السودانيين القادمين من السودان، رغم نفى السلطات المصرية لوجود كوليرا في مصر !
* كغيري مِن الذين شاهدوا الفيديو، صدقتُ كل ما جاء فيه، للحبكة الممتازة والبراعة الكبيرة التي أدت بها الصبية الدور الذي كتبته ومثلته واخرجته بنفسها، مستخدمةً كل أدوات الجذب واستجداء العطف من ملامح بريئة وآهات وصراخ ودموع تقطر كالسيل وتزلزل كيان كل من يراها تتدفق على وجنتي الطفلة البريئة وكأنها ممثلة محترفة من الدرجة الاولى (واتوقع لها نجاحا بارعا في مجال التمثيل إذا إختارته ووجدتْ من يمهد لها الطريق للولوج إليه).
* ووصل بى الأمر من شدة التأثر والعطف أنني خجلت من كوني (سوداني) أنتمي لنفس الجنسية التي ينتمي إليها المجرمون الخمسة الذين اعتدوا عليها في احد شوارع محافظة الجيزة بالعاصمة المصرية القاهرة، وضربوها وهددوها بالمطاوي والسكاكين وحاولوا سرقتها، وتمنيتُ لو أعثر عليهم لأمزقهم إربا وألقي بجثثهم طعاما للكلاب، ولعنتُ في سري وجهري الزمن الذي جعلني أحيا لارى سمعة بلدي ووطني واهلى تنحدر الى هذا القاع السحيق، وتتمرغ كرامة وشهامة السودانيين التي عرفوا بها في الوحل والطين، وارتفعت حالة الإكتئاب التي أعاني منها منذ اندلاع الحرب العبثية في وطني العزيز ومعاناة اهله الطيبين الكرام الى اعلى درجة!
* تخيل .. خمسة رجال أشداء يهجمون كالوحوش الضارية على طفلة بريئة باللكم والصفع والمطاوي والسكاكين ــ حسب رواية الطفلة في الفيديو وهى تبكى وتتشنج ــ بدون ان يراعوا لطفولتها وبراءتها ودموعها وصرخاتها وتوسلاتها، أو للدولة التي أوتهم واستضافتهم ووفرت لهم الأمن والحماية وأنقذتهم من الحرب البشعة التي تحرق بلادهم وتشردهم وتحولهم الى نازحين ولاجئين وجوعى ومرضى ومتسولين. والله لا ألوم أي مواطن مصري انفعل لمأساة تلك الطفلة البريئة وقال فينا ما قال، وطالب بطردنا، إذا كان ذلك هو سلوكنا وتصرفنا تجاه الجميل الذي صنعوه لنا، ولو حدث ذلك من مواطنين مصريين لطفلة في السودان لما كان رد فعلنا اقل من رد فعل المصريين!
ظللت في حالة إكتئاب بضع ساعات كانت من أسوا الساعات التي مررت بها في حياتي وكنت شبه ميت، إلى أن أنقذتني وأعادتني الى الحياة والاعتزاز بسودانيتي وأهلى الكرام، الشرطة المصرية بذكائها وتصرفها الذكي وتحسبها من حدوث فتنة واحتكاكات بين المصريين وضيوفهم السودانيين، ووصولها السريع الى الطفلة لمعرفة تفاصيل الجريمة التي وقعت لها واتخاذ الاجراءات المناسبة، واكتشافها من التحقيقات وفحص الكاميرات في مكان وقوع الجريمة المزعومة، أن القصة ملفقة من أولها إلى آخرها، فاصدرت بيانا تنفي فيه وقوع الجريمة، لا من سودانيين ولا من غيرهم، واعترفت الطفلة بأنها فعلت ذلك لتجذب إهتمام أمها واسرتها بها !
* ولكنها في حقيقة الامر فعلت ما فعلت ــ حسب الصحافة المصرية ــ لتجذب الانتباه وتحصل على اكبر عدد من المشاهدات، ويصبح الفيديو الأكثر شيوعا على الانترنت (تريند)، ويحقق للطفلة الشهرة التي تحلم بها، وتجني النقود الكثيرة التي تغري بها منصات التواصل الاجتماعي روادها لصناعة المحتويات والحصول على المال، لتكسب من ورائهم المليارات من شركات الاعلان، فصار الناس كالمجانين لا يكترثون لأي شأى (لا فضيلة، ولا حقيقة، ولا علم، ولا اخلاق ولا أى شئ)، الشئ الوحيد المهم هو المال الذي يجب أن يأتي عبر أية وسيلة وبأية طريقة (جريمة، عري، إشاعات، أكاذيب، تلفيق وإدعاءات كاذبة)، كما فعلت الطفلة المصرية التي تخلت عن براءتها وتحولت الى متوحشة وكاذبة ومجرمة من اجل النقود السايبة، وهى مأساة يعيشها ملايين وربما مليارات في هذا العصر، وليست مأساة الطفلة المصرية وحدها .. ولا يدري أحد ماذا سيحدث غدا !
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
ماري أنطوانيت والألعاب النارية “القاتلة”!
المكسيك – أصبحت الألعاب النارية منذ زمن بعيد لا غنى عنها في الاحتفالات المختلفة بما في ذلك المناسبات الوطنية، ومع ذلك فقد تتحول بهجة هذه الألعاب بأصواتها الزاهية وفرقعاتها إلى مأس مفجعة.
هذا الأمر يحدث باستمرار قديما وحديثا. على سبيل المثال شهدت منطقة بشمال العاصمة المكسيكية في 20 ديسمبر 2016، انفجارا بمتجر للألعاب النارية أودى بحياة 35 شخصا وإصابة 59 آخرين.
في مناسبة ثانية بالمكسيك أيضا في عام 2018، لقي 8 أشخاص مصرعهم بالقرب من العاصمة مكسيكو سيتي، وخلال موكب ديني بإحدى الكنائس، جلب المشاركون بمناسبة الاحتفال بعيد القديسة ماري ألعابا نارية وضعت أمام الكنيسة. فجأة ومن دون سابق إنذار انفجرت الألعاب النارية وخلفت وراءها هذا العدد من الضحايا علاوة على إصابة أكثر من خمسين شخصا آخرين.
المكسيك شهدت مأساة ثالثة مشابهة في مارس 2013. في تلك المرة انفجرت شاحنة تحمل ألعابا نارية خلال موكب ديني في ولاية تلاكسكالا المكسيكية. أحد صواريخ الألعاب الناري سقط بالصدفة على مظلة أخفيت بها شحنة خطرة. الانفجار أودى بحياة 15 شخصا، وأصاب بعاهات وجروح متفاوتة 154 آخرين.
مأساة من هذا النوع حدثت في الولايات المتحدة في عام 2013 أثناء الاحتفال بذكرى استقلالها بمدينة سيمي فالي بولاية كاليفورنيا. خرج سكان المدينة للاحتفال بهذه المناسبة الوطنية، وفيما كانت الأنظار تتابع بشغف انطلاق الألعاب النارية وما ترسمه من صور براقة في السماء، انفجرت على حين غرة إحدى المقذوفات متسببة في إصابة 36 شخصا بينهم 12 طفلا بجروح خطيرة تراوحت بين الحروق والتمزقات.
مأساة كبيرة بسبب الألعاب النارية طالت مدينة أنسخديه، الواقعة بشرق هولندا. حدث انفجاران ضخمان في مستودع شركة هولندية متخصصة في إنتاج الألعاب النارية، تلاه حريق هائل أودى بحياة 23 شخصا بينهم أربعة من رجال الإطفاء، كما أصيب حوالي ألف آخرين. الانفجار والحريق الذي تبعه تسببا أيضا في تدمير حوالي 400 منزل.
هذه الخسائر البشرية والمادية الكبيرة ترجع إلى قوة الانفجارات الهائلة. أحد الانفجارين قدرت قوته بحوالي 5000 كيلو غرام من مادة تي إن تي.
الحادث الشهير الأقدم بجريرة الألعاب النارية جرى في القرن الثامن عشر في فرنسا. أثناء الاحتفال بزفاف ماري أنطوانيت ودوفين وريث العرش الفرنسي حينها والذي عرف لاحقا باسم الملك لويس السادي عشر، أعدت عروض كبيرة للألعاب النارية المنتجة من قبل الأخوين روجيري. الألعاب النارية تسببت في أحداث عرضية أفضت إلى مأساة كبرى في ذلك العرس الملكي.
وصف المؤرخ هنري ساذرلاند في كتاب عن تاريخ باريس ما جرى قائلا: “كان كل شيء يسير على ما يرام، وحين اجتاحت عاصفة من الرياح الحشد فجأة، انفجرت عدة ألعاب صاروخية جزئيا فقط. كانت الألعاب النارية، مثل العديد من الاختراعات ذات الأصل الإيطالي، لا تزال حديثة نسبيا لأغلب الجمهور الفرنسي، وذلك إلى جانب الانزعاج وحتى الخوف من خطر سقوط المقذوفات المشتعلة بين الآلاف من المتفرجين المتحمسين والمزدحمين، كان كافيا لتفسير الارتباك الرهيب الذي أدى إلى عدة مئات من الحوادث المميتة”. انتشر الذعر بين الحشود، وتدافعت أعداد كبيرة في شارع رويال الضيق وتعرض من سقط منهم للدهس. السلطات وقتها ذكرت أن 133 شخصا قتلوا، إلا أن المؤرخ ساذرلاند يعتقد أن أعداد الضحايا كانت أكبر بكثير، وأنها تجاوزت ألفا ومئتي شخص. هو ذكر في هذا الصدد أن إحدى العائلات لم يبق منها أحد على قيد الحياة.
تلك الحادثة القديمة ظلت آثارها لسنوات على أجساد عدد من سكان باريس الذين كانوا في ذلك العرس وتعرضوا لسوء حظهم، للدوس بقوة في أماكن مختلفة من أجسادهم بأقدام الجموع الفزعة من فرقعة الألعاب النارية.
المصدر: RT