سودانايل:
2025-04-17@20:53:08 GMT

هل توجد طبقة أرستقراطية راقية في السودان؟!

تاريخ النشر: 27th, September 2024 GMT

كتب الأستاذ الجامعي د.محمد عبد الحميد

قد لا يخلو مجتمع ما من الطبقات، فوجود الطبقات الإجتماعية حالة ملازمة للإجتماع البشري، وتنشأ الطبقات وفقاً لنظام القيم السائد، أو لقوام العمل بما يحتويه من أدوات إنتاج. وتتفاوت المجتمعات في تكويناتها الطبقية وفقاً للعاملين السابقين بوصفهما أكبر محركين للفرز الطبقي، وتتغلغل البنى الطبقية في جذور المجتمع بحيث تصبح عاملاً محدداً للقبول الإجتماعي، أو مدخلاً للرضا النفسي والإجتماعي أو محفزاً للتمرد على بنية المجتمع عبر ما يُعرف بالصراع الطبقي Class struggle ضمن المنظومة الإجتماعية Social stratification.

. فالحراكات الإجتماعية الكبرى كالثورات على سبيل المثال وأنماط الانتاج الإقتصادي في غالب الأحيان هي التي تؤكد على حقيقة وجود الطبقات الإجتماعية وما يستتبعها إما من امتيازات أو حالات حرمان. وهذا ما تؤكده حركة التاريخ السياسي والبنى الاقتصادية وتقوم عليه الشواهد الموضوعية... غير أن هنالك مجتمعات لم تشهد حالات فرز طبقي بالمعنى الصراعي المترسخ كما في أوربا القرون الوسطى وحتى ما بعد الثورة الصناعية أو في روسيا القيصرية قبل الثورة البولشفية، أو في دول كالهند وباكستان ومصر بدرجة أقل. كل هذه المجتمعات شهدت ومازالت تشهد حالة من الفرز الطبقي المتواصل نسبة لطريقة توزع وسائل الإنتاج بداخلها وما استقرت عليه الممارسة الإجتماعية بترسيخ ذلك الواقع في الممارسة السياسية وما تدعمه مجموعة البنى الفوقية.. فطبقة النبلاء سواء في أوربا أو روسيا و"الزميندارية" - ملاك الأراضي - في الهند وباكستان والباشاوات في مصر تقف شواهد على وجود الفرز الطبقي الحاد في تلك المجتمعات.
غير أن الوضع في السودان أكثر إختلافاً، ذلك أن المجتمع السوداني لم يشهد مثل هذه الفروق الطبقية. فبرغم أنه مجتمع زراعي - رعوي، إلا أنه لم يكن يشهد اقطاع كما كان الحال في تلك المجتمعات، وقد حاول الإنجليز إبان استعمارهم للسودان أن يخلقوا طبقة من هذا النوع - اقطاعية- خاصة من الأسر الدينية الكبرى - أسرتي المهدي والميرغني - حيث لم تتوقف محاولاتهم في اقطاعهم الأراضي الزراعية وحسب، بل ذهبت لخلع ألقاب عليهما تتسم بمدلولها الإجتماعي الطبقي مثل لقب (Sir) لكل من عبد الرحمن المهدي وعلي الميرغني كتمييز لهما عن بقية الشعب. غير أن تلك المحاولة قد توقفت عند هذا الحد (اللقب فقط) وإن كان قد إستتبعته بعض الإمتيازات الإقتصادية، إلا أنهما لم يتحولا لا كأفراد ولا كأسر لطبقة مختلفة ذات امتيازات طبقية مميزة.. وقد يكون ذلك بفضل حركة نمو المتعلمين من أبناء المدن الذين شكلوا نواة طبقة برجوازية نازعتهم في القيادة السياسية والزعامة الشعبية، فبرز من أوساط الأهالي - عامة الناس- قيادات سياسية صارت في أحيان أكثر شعبية من هؤلاء السادة.. فطلائع الاتحاديين السياسية تقف أكبر دليل على ذلك، كما أن تولي شخص مثل فضل الله برمة ناصر لرئاسة حزب الأمة عقب رحيل الإمام الصادق المهدي تؤشر على أن الامتيازات الطبقية الأسرية ليست لها ذلك الوزن في التشكلات السياسية وإن كان مازال الأمر رهين بردة فعل أفراد أسرة المهدي فيما بعد الحرب ذلك أن رئاسة فضل الله برمة للحزب تعتبر رئاسة في حكم المؤقتة.
على عموم الأمر، من الواضح أن وجود طبقة أرستقراطية بالمعني الحقيقي غير موجود في السودان، وبالتالي لم تُولد أي ممارسات تدل على وجود طبقة مخملية راقية بالمعنى الأرستقراطي ذات عادات وتقاليد راسخة. بل حتى أن الأغنياء في السودان لا يشكلون طبقة إجتماعية محددة إذ يمكن تصنيفهم كطبقة وسطى عليا Upper middle class بحكم عاداتهم وتقاليدهم التي لم تنفك عن سائر أبناء هذه الطبقة ممن يمكن تسميتهم بالبرجوازية، فالتواشج والتداخل الإجتماعي لم يجعلا الأثرياء معزولين طبقياً عن مجرى الحياة العام في السودان، ويمكن ملاحظة ذلك في طريقة العيش في المدن نسبة للتدامج العميق ولأن معظم حالات الغني إرتبطت بمجهودات إنتاجية عبر سلسلة من الأنشطة التجارية والصناعية عبر تدرج وسط أكثر من جيل في الأسرة الثرية.. فمدينة كأمدرمان يصعب أن تفرز فيها الغني من الفقير، بل حتى فقراء أمدرمان القديمة يشعرون بحالة من الغنى والثراء لمجرد انتمائهم لهذه المدينة، فالإنتماء للمدينة يشكل في حد ذاته نوعا من رأس المال الإجتماعي لسكانها. ومرد ذلك يرجع بشكل أساسي لوجود ما يمكن تسميته ب (شفرة الحياة الأمدرمانية) وهي حاصل جمع مجموعة من التفاعلات كالتواصل القائم على السلوك واللغة (منطوقة ورمزية) والشعور بالانتماء لثقافة تتخصب ذاتياً بدفع من تيار قوي مفعم بالتسامح والتصاهر والإندماج بين مختلف الفئات (أغنياء وفقراء
وأعراق وملل ونحل وعقائد... إلخ). وكذلك الأمر ينطبق على كثير من المدن الكبرى في السودان.. بل إن سكان مدينة أمدرمان عادة ما يسخرون من أغنياء " الغفلة" الذين حازوا على ثروات بفعل الأنشطة الطفيلية التي أفرزت نوعا جديدا من الأثرياء بفعل ما عُرف بسياسة التمكين إبان حكم الإنقاذ 1989- 2019م. ومبعث السخرية أن معظم هؤلاء الأغنياء الجدد ذوي خلفيات قروية جاءوا شبه معدمين للمدينة، ولم تترسخ في سلوكياتهم الثقافة المدينية ولم يفلحوا في فك تلك الشفرة التي تمثل الجهاز الحيوي للبقاء ضمن فضاء مجتمع المدينة، وقد تُلاحَظُ حالة التريّف الكبير الذي طرأ على المدن الكبرى ومع ذلك فإن هؤلاء الأثرياء الجدد يحاولون أن يجدوا لأنفسهم موطئ قدم في الأوساط الإجتماعية بوصفهم (طبقة مخملية راقية) يعتليها حالة من الوهم يصور لها أن الولوج لتلك الطبقة محصورا فقط في العلاقة بمركز السلطة السياسية (الموقع من التنظيم السياسي إبان حكم الإنقاذ)، و ركوب السيارات الفارهة والزواج بالحسان مثنى وثلاثة ورباع و امتلاك القصور والعمارات والمزارع في أطراف المدينه. ويتسابق أبناؤهم في إبراز مفاخر ذات محتوى فارغ بإقامة الأعراس الباذخة. والمناسبات التي تبرز فيها نساؤهم المكنوزات من المصوغات الذهبية وفاخر الثياب دون عادات متأصلة لطبقة راسخة.

د. محمد عبد الحميد

wadrajab222@gmail.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی السودان

إقرأ أيضاً:

رئيس حزب الأسود الحرة يدافع عن اقتحام الدعم السريع معسكر زمزم ويؤكد: لا توجد حرب بدون انتهاكات

متابعات ــ تاق برس   دافع رئيس حزب الأسود الحرة السوداني عن الدعم السريع ووصفه بأنه قوة وطنية مثلها مثل الجيش السوداني. وردا على سؤال فضائية “الحدث” عن الانتهاكات الكبيرة التي ارتكبها الدعم السريع ولم تصدر مثلها من الجيش على حد سؤالها، رد سليم بأنه لا توجد حرب بدون انتهاكات وان ما بدر من قوات الدعم السريع أمر طبيعي في ظل الحرب المشتعلة. ونفى سليم حدوث أي انتهاكات من قبل قوات الدعم السريع ولفت إلى أن اقتحام الدعم السريع لمعسكر زمزم له ما يبرره ونوه إلى أن زمزم تحول إلى معسكر عسكري بدلا عن كونه معسكر للنازحين الأمر الذي دفع بقوات الدعم السريع لاقتحامه والسيطرة عليه. ويعتبر حزب الأسود الحرة الحزب الوحيد بشرق السودان المؤيد لتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع وانخرط رئيسه سليم في العديد من الاجتماعات لتشكيل الحكومة الموازية. الدعم السريعحزب الأسود الحرةمعسكر زمزم

مقالات مشابهة

  • بالفرو.. بوسي تثير الجدل بإطلالة راقية| شاهد
  • شركة كهرباء السودان: تأخر عودة الخدمة يعود إلى تكرار عمليات القصف التي استهدفت الشبكة
  • إعادة تشغيل جهاز الطبقي المحوري في المشفى الوطني بحماة
  • رباح المهدي: حميدتي قد زدت عليهم باحتلال بيوتهم واغتصاب بناتهم وإذلال شيوخهم، والعمالة الكاملة
  • رئيس حزب الأسود الحرة يدافع عن اقتحام الدعم السريع معسكر زمزم ويؤكد: لا توجد حرب بدون انتهاكات
  • بيان دولة الإمارات بشأن مرور سنتين على اندلاع الصراع في السودان .. تصريحات معالي لانا نسيبة، مساعدة وزير الخارجية للشؤون السياسية
  • الإمارات تدين الفظائع التي ترتكب في السودان وتدعو إلى وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار
  • سهلة جدا .. طريقة عمل المسقعة بالبشاميل
  • نائب رئيس حزب الامة القومي: الحرب التي شنتها المليشيا هدفت الى طمس هوية السودان
  • هل توجد ملابس ممنوعة على النساء أثناء الإحرام؟.. أمينة المرأة توضح