سودانايل:
2025-03-25@06:37:07 GMT

هل توجد طبقة أرستقراطية راقية في السودان؟!

تاريخ النشر: 27th, September 2024 GMT

كتب الأستاذ الجامعي د.محمد عبد الحميد

قد لا يخلو مجتمع ما من الطبقات، فوجود الطبقات الإجتماعية حالة ملازمة للإجتماع البشري، وتنشأ الطبقات وفقاً لنظام القيم السائد، أو لقوام العمل بما يحتويه من أدوات إنتاج. وتتفاوت المجتمعات في تكويناتها الطبقية وفقاً للعاملين السابقين بوصفهما أكبر محركين للفرز الطبقي، وتتغلغل البنى الطبقية في جذور المجتمع بحيث تصبح عاملاً محدداً للقبول الإجتماعي، أو مدخلاً للرضا النفسي والإجتماعي أو محفزاً للتمرد على بنية المجتمع عبر ما يُعرف بالصراع الطبقي Class struggle ضمن المنظومة الإجتماعية Social stratification.

. فالحراكات الإجتماعية الكبرى كالثورات على سبيل المثال وأنماط الانتاج الإقتصادي في غالب الأحيان هي التي تؤكد على حقيقة وجود الطبقات الإجتماعية وما يستتبعها إما من امتيازات أو حالات حرمان. وهذا ما تؤكده حركة التاريخ السياسي والبنى الاقتصادية وتقوم عليه الشواهد الموضوعية... غير أن هنالك مجتمعات لم تشهد حالات فرز طبقي بالمعنى الصراعي المترسخ كما في أوربا القرون الوسطى وحتى ما بعد الثورة الصناعية أو في روسيا القيصرية قبل الثورة البولشفية، أو في دول كالهند وباكستان ومصر بدرجة أقل. كل هذه المجتمعات شهدت ومازالت تشهد حالة من الفرز الطبقي المتواصل نسبة لطريقة توزع وسائل الإنتاج بداخلها وما استقرت عليه الممارسة الإجتماعية بترسيخ ذلك الواقع في الممارسة السياسية وما تدعمه مجموعة البنى الفوقية.. فطبقة النبلاء سواء في أوربا أو روسيا و"الزميندارية" - ملاك الأراضي - في الهند وباكستان والباشاوات في مصر تقف شواهد على وجود الفرز الطبقي الحاد في تلك المجتمعات.
غير أن الوضع في السودان أكثر إختلافاً، ذلك أن المجتمع السوداني لم يشهد مثل هذه الفروق الطبقية. فبرغم أنه مجتمع زراعي - رعوي، إلا أنه لم يكن يشهد اقطاع كما كان الحال في تلك المجتمعات، وقد حاول الإنجليز إبان استعمارهم للسودان أن يخلقوا طبقة من هذا النوع - اقطاعية- خاصة من الأسر الدينية الكبرى - أسرتي المهدي والميرغني - حيث لم تتوقف محاولاتهم في اقطاعهم الأراضي الزراعية وحسب، بل ذهبت لخلع ألقاب عليهما تتسم بمدلولها الإجتماعي الطبقي مثل لقب (Sir) لكل من عبد الرحمن المهدي وعلي الميرغني كتمييز لهما عن بقية الشعب. غير أن تلك المحاولة قد توقفت عند هذا الحد (اللقب فقط) وإن كان قد إستتبعته بعض الإمتيازات الإقتصادية، إلا أنهما لم يتحولا لا كأفراد ولا كأسر لطبقة مختلفة ذات امتيازات طبقية مميزة.. وقد يكون ذلك بفضل حركة نمو المتعلمين من أبناء المدن الذين شكلوا نواة طبقة برجوازية نازعتهم في القيادة السياسية والزعامة الشعبية، فبرز من أوساط الأهالي - عامة الناس- قيادات سياسية صارت في أحيان أكثر شعبية من هؤلاء السادة.. فطلائع الاتحاديين السياسية تقف أكبر دليل على ذلك، كما أن تولي شخص مثل فضل الله برمة ناصر لرئاسة حزب الأمة عقب رحيل الإمام الصادق المهدي تؤشر على أن الامتيازات الطبقية الأسرية ليست لها ذلك الوزن في التشكلات السياسية وإن كان مازال الأمر رهين بردة فعل أفراد أسرة المهدي فيما بعد الحرب ذلك أن رئاسة فضل الله برمة للحزب تعتبر رئاسة في حكم المؤقتة.
على عموم الأمر، من الواضح أن وجود طبقة أرستقراطية بالمعني الحقيقي غير موجود في السودان، وبالتالي لم تُولد أي ممارسات تدل على وجود طبقة مخملية راقية بالمعنى الأرستقراطي ذات عادات وتقاليد راسخة. بل حتى أن الأغنياء في السودان لا يشكلون طبقة إجتماعية محددة إذ يمكن تصنيفهم كطبقة وسطى عليا Upper middle class بحكم عاداتهم وتقاليدهم التي لم تنفك عن سائر أبناء هذه الطبقة ممن يمكن تسميتهم بالبرجوازية، فالتواشج والتداخل الإجتماعي لم يجعلا الأثرياء معزولين طبقياً عن مجرى الحياة العام في السودان، ويمكن ملاحظة ذلك في طريقة العيش في المدن نسبة للتدامج العميق ولأن معظم حالات الغني إرتبطت بمجهودات إنتاجية عبر سلسلة من الأنشطة التجارية والصناعية عبر تدرج وسط أكثر من جيل في الأسرة الثرية.. فمدينة كأمدرمان يصعب أن تفرز فيها الغني من الفقير، بل حتى فقراء أمدرمان القديمة يشعرون بحالة من الغنى والثراء لمجرد انتمائهم لهذه المدينة، فالإنتماء للمدينة يشكل في حد ذاته نوعا من رأس المال الإجتماعي لسكانها. ومرد ذلك يرجع بشكل أساسي لوجود ما يمكن تسميته ب (شفرة الحياة الأمدرمانية) وهي حاصل جمع مجموعة من التفاعلات كالتواصل القائم على السلوك واللغة (منطوقة ورمزية) والشعور بالانتماء لثقافة تتخصب ذاتياً بدفع من تيار قوي مفعم بالتسامح والتصاهر والإندماج بين مختلف الفئات (أغنياء وفقراء
وأعراق وملل ونحل وعقائد... إلخ). وكذلك الأمر ينطبق على كثير من المدن الكبرى في السودان.. بل إن سكان مدينة أمدرمان عادة ما يسخرون من أغنياء " الغفلة" الذين حازوا على ثروات بفعل الأنشطة الطفيلية التي أفرزت نوعا جديدا من الأثرياء بفعل ما عُرف بسياسة التمكين إبان حكم الإنقاذ 1989- 2019م. ومبعث السخرية أن معظم هؤلاء الأغنياء الجدد ذوي خلفيات قروية جاءوا شبه معدمين للمدينة، ولم تترسخ في سلوكياتهم الثقافة المدينية ولم يفلحوا في فك تلك الشفرة التي تمثل الجهاز الحيوي للبقاء ضمن فضاء مجتمع المدينة، وقد تُلاحَظُ حالة التريّف الكبير الذي طرأ على المدن الكبرى ومع ذلك فإن هؤلاء الأثرياء الجدد يحاولون أن يجدوا لأنفسهم موطئ قدم في الأوساط الإجتماعية بوصفهم (طبقة مخملية راقية) يعتليها حالة من الوهم يصور لها أن الولوج لتلك الطبقة محصورا فقط في العلاقة بمركز السلطة السياسية (الموقع من التنظيم السياسي إبان حكم الإنقاذ)، و ركوب السيارات الفارهة والزواج بالحسان مثنى وثلاثة ورباع و امتلاك القصور والعمارات والمزارع في أطراف المدينه. ويتسابق أبناؤهم في إبراز مفاخر ذات محتوى فارغ بإقامة الأعراس الباذخة. والمناسبات التي تبرز فيها نساؤهم المكنوزات من المصوغات الذهبية وفاخر الثياب دون عادات متأصلة لطبقة راسخة.

د. محمد عبد الحميد

wadrajab222@gmail.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی السودان

إقرأ أيضاً:

مصر.. بيان رسمي عن لغز اكتشاف أعمدة أسفل هرم خفرع

#سواليف

أثارت أنباء متداولة عبر مواقع إلكترونية ومنصات تواصل اجتماعي جدلا واسعا في #مصر تزعم اكتشاف #أعمدة #غامضة أسفل #هرم الملك #خفرع في #الجيزة أحد أبرز معالم الحضارة المصرية القديمة.

وأكد عالم الآثار المصرية الشهير ووزير الأثار المصرية الأسبق الدكتور زاهي حواس أن ما يُشاع حول وجود أعمدة تحت هرم خفرع “لا أساس له من الصحة”، مشيراً إلى أن هذه الادعاءات مصدرها “غير متخصصين” في تاريخ #الأهرامات والحضارة المصرية القديمة.

وأوضح حواس -في بيان له- أن المجلس الأعلى للآثار لم يمنح أي تصريحات أو أذونات لأي أفراد أو بعثات للعمل داخل الهرم، كما نفى استخدام أجهزة رادار أو أي تقنيات حديثة للكشف عن مثل هذه الهياكل المزعومة.

مقالات ذات صلة نظرة عامة على الإقامة السياحية في أبوظبي 2025/03/22

وأضاف حواس: “هرم خفرع بني على قاعدة صخرية تم نحتها بعمق 8 أمتار وقد أثبتت الدراسات العلمية أنه لا توجد أعمدة أو فراغات تحته، وكل ما قيل مجرد افتراءات لا تستند إلى أدلة علمية ولا توجد بعثات تعمل حاليا في الهرم”.

لم يكتفِ حواس بالنفي العلمي بل ذهب إلى اتهام مروجي هذه الشائعات بمحاولة “النيل من الحضارة المصرية” واصفا إياهم بأنهم يسعون لخلق الجدل والتشكيك في إرث مصر العريق، مؤكدا أن هذه “المحاولات الفاشلة” لن تجد مكاناً في التاريخ، قائلاً: “سوف ترمى هذه الإشاعات في مزبلة التاريخ”.

بدأت القصة عندما نشرت مواقع إلكترونية غير رسمية تقارير تزعم أن اكتشافا جديدا تم رصده باستخدام تقنيات حديثة أظهرت وجود أعمدة أو غرف سرية تحت هرم خفرع، ثاني أكبر أهرامات الجيزة، والتي لاقت رواجا كبيرا بين عشاق الغموض والمؤمنين بنظريات المؤامرة، لكنها اصطدمت بحائط الرفض من المؤسسات العلمية الرسمية.

مقالات مشابهة

  • تطور جديد بالأزمة السياسية التي تعصف في كوريا الجنوبية
  • طريقة عمل زربيان عدني من المطبخ اليمني
  • مسؤولة أممية: السودان من الدول الأولى على مستوى العالم التي تعاني أعلى معدلات انتشار سوء التغذية الحاد والملايين يواجهون الجوع
  • نقل البرلمان توصي بزيادة حصة البيتومين للقاهرة لإصلاح طبقة الرصف لكوبري الصنايع
  • وزير الخارجية: يجب التركيز على الحلول التي تضمن بقاء السودان موحدا ومستقرا
  • مصطفى بكري: أتمنى أن تسمو القوى السياسية بالسودان على الخلافات وترد للجيش اعتباره
  • من طهران.. شفق نيوز تكشف فحوى الرسالة التي حملها عبد المهدي للحوثيين
  • مصطفى بكري: التحديات التي تواجه مصر تتطلب الوقوف خلف القيادة السياسية.. ومتمسكون برفض تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه
  • مصر.. بيان رسمي عن لغز اكتشاف أعمدة أسفل هرم خفرع
  • القوات نعت هدى شديد: تميّزت بمسيرة إعلاميّة راقية