هل توجد طبقة أرستقراطية راقية في السودان؟!
تاريخ النشر: 27th, September 2024 GMT
كتب الأستاذ الجامعي د.محمد عبد الحميد
قد لا يخلو مجتمع ما من الطبقات، فوجود الطبقات الإجتماعية حالة ملازمة للإجتماع البشري، وتنشأ الطبقات وفقاً لنظام القيم السائد، أو لقوام العمل بما يحتويه من أدوات إنتاج. وتتفاوت المجتمعات في تكويناتها الطبقية وفقاً للعاملين السابقين بوصفهما أكبر محركين للفرز الطبقي، وتتغلغل البنى الطبقية في جذور المجتمع بحيث تصبح عاملاً محدداً للقبول الإجتماعي، أو مدخلاً للرضا النفسي والإجتماعي أو محفزاً للتمرد على بنية المجتمع عبر ما يُعرف بالصراع الطبقي Class struggle ضمن المنظومة الإجتماعية Social stratification.
غير أن الوضع في السودان أكثر إختلافاً، ذلك أن المجتمع السوداني لم يشهد مثل هذه الفروق الطبقية. فبرغم أنه مجتمع زراعي - رعوي، إلا أنه لم يكن يشهد اقطاع كما كان الحال في تلك المجتمعات، وقد حاول الإنجليز إبان استعمارهم للسودان أن يخلقوا طبقة من هذا النوع - اقطاعية- خاصة من الأسر الدينية الكبرى - أسرتي المهدي والميرغني - حيث لم تتوقف محاولاتهم في اقطاعهم الأراضي الزراعية وحسب، بل ذهبت لخلع ألقاب عليهما تتسم بمدلولها الإجتماعي الطبقي مثل لقب (Sir) لكل من عبد الرحمن المهدي وعلي الميرغني كتمييز لهما عن بقية الشعب. غير أن تلك المحاولة قد توقفت عند هذا الحد (اللقب فقط) وإن كان قد إستتبعته بعض الإمتيازات الإقتصادية، إلا أنهما لم يتحولا لا كأفراد ولا كأسر لطبقة مختلفة ذات امتيازات طبقية مميزة.. وقد يكون ذلك بفضل حركة نمو المتعلمين من أبناء المدن الذين شكلوا نواة طبقة برجوازية نازعتهم في القيادة السياسية والزعامة الشعبية، فبرز من أوساط الأهالي - عامة الناس- قيادات سياسية صارت في أحيان أكثر شعبية من هؤلاء السادة.. فطلائع الاتحاديين السياسية تقف أكبر دليل على ذلك، كما أن تولي شخص مثل فضل الله برمة ناصر لرئاسة حزب الأمة عقب رحيل الإمام الصادق المهدي تؤشر على أن الامتيازات الطبقية الأسرية ليست لها ذلك الوزن في التشكلات السياسية وإن كان مازال الأمر رهين بردة فعل أفراد أسرة المهدي فيما بعد الحرب ذلك أن رئاسة فضل الله برمة للحزب تعتبر رئاسة في حكم المؤقتة.
على عموم الأمر، من الواضح أن وجود طبقة أرستقراطية بالمعني الحقيقي غير موجود في السودان، وبالتالي لم تُولد أي ممارسات تدل على وجود طبقة مخملية راقية بالمعنى الأرستقراطي ذات عادات وتقاليد راسخة. بل حتى أن الأغنياء في السودان لا يشكلون طبقة إجتماعية محددة إذ يمكن تصنيفهم كطبقة وسطى عليا Upper middle class بحكم عاداتهم وتقاليدهم التي لم تنفك عن سائر أبناء هذه الطبقة ممن يمكن تسميتهم بالبرجوازية، فالتواشج والتداخل الإجتماعي لم يجعلا الأثرياء معزولين طبقياً عن مجرى الحياة العام في السودان، ويمكن ملاحظة ذلك في طريقة العيش في المدن نسبة للتدامج العميق ولأن معظم حالات الغني إرتبطت بمجهودات إنتاجية عبر سلسلة من الأنشطة التجارية والصناعية عبر تدرج وسط أكثر من جيل في الأسرة الثرية.. فمدينة كأمدرمان يصعب أن تفرز فيها الغني من الفقير، بل حتى فقراء أمدرمان القديمة يشعرون بحالة من الغنى والثراء لمجرد انتمائهم لهذه المدينة، فالإنتماء للمدينة يشكل في حد ذاته نوعا من رأس المال الإجتماعي لسكانها. ومرد ذلك يرجع بشكل أساسي لوجود ما يمكن تسميته ب (شفرة الحياة الأمدرمانية) وهي حاصل جمع مجموعة من التفاعلات كالتواصل القائم على السلوك واللغة (منطوقة ورمزية) والشعور بالانتماء لثقافة تتخصب ذاتياً بدفع من تيار قوي مفعم بالتسامح والتصاهر والإندماج بين مختلف الفئات (أغنياء وفقراء
وأعراق وملل ونحل وعقائد... إلخ). وكذلك الأمر ينطبق على كثير من المدن الكبرى في السودان.. بل إن سكان مدينة أمدرمان عادة ما يسخرون من أغنياء " الغفلة" الذين حازوا على ثروات بفعل الأنشطة الطفيلية التي أفرزت نوعا جديدا من الأثرياء بفعل ما عُرف بسياسة التمكين إبان حكم الإنقاذ 1989- 2019م. ومبعث السخرية أن معظم هؤلاء الأغنياء الجدد ذوي خلفيات قروية جاءوا شبه معدمين للمدينة، ولم تترسخ في سلوكياتهم الثقافة المدينية ولم يفلحوا في فك تلك الشفرة التي تمثل الجهاز الحيوي للبقاء ضمن فضاء مجتمع المدينة، وقد تُلاحَظُ حالة التريّف الكبير الذي طرأ على المدن الكبرى ومع ذلك فإن هؤلاء الأثرياء الجدد يحاولون أن يجدوا لأنفسهم موطئ قدم في الأوساط الإجتماعية بوصفهم (طبقة مخملية راقية) يعتليها حالة من الوهم يصور لها أن الولوج لتلك الطبقة محصورا فقط في العلاقة بمركز السلطة السياسية (الموقع من التنظيم السياسي إبان حكم الإنقاذ)، و ركوب السيارات الفارهة والزواج بالحسان مثنى وثلاثة ورباع و امتلاك القصور والعمارات والمزارع في أطراف المدينه. ويتسابق أبناؤهم في إبراز مفاخر ذات محتوى فارغ بإقامة الأعراس الباذخة. والمناسبات التي تبرز فيها نساؤهم المكنوزات من المصوغات الذهبية وفاخر الثياب دون عادات متأصلة لطبقة راسخة.
د. محمد عبد الحميد
wadrajab222@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی السودان
إقرأ أيضاً:
برامج الحماية الإجتماعية والاستجابة للمتغيرات.. ندوة لإعلام الداخلة بالوادي الجديد
نظم مركز إعلام الداخلة بمحافظة الوادي الجديد اليوم، ندوة تثقيفية تحت عنوان "برامج الحماية الاجتماعية والاستجابة للمتغيرات الاقتصادية المحلية والعالمية"، وذلك بقاعة الوحدة المحلية لمركز ومدينة بلاط.
وحاضر فيها هاشم عبد الرؤوف، مدير عام إدارة التضامن الاجتماعي بمركز بلاط، والمهندس سلامة محمد، رئيس مركز ومدينة بلاط، بمشاركة عدد من القيادات التنفيذية والشعبية، والمستفيدين من برامج الحماية الاجتماعية، وموظفي مختلف الإدارات التنفيذية، وأعضاء الجمعيات الأهلية.
استهدفت الندوة التوعية بآليات الحماية الاجتماعية، ودورها في التخفيف من آثار التغيرات الاقتصادية على الفئات المستحقة للدعم، إلى جانب تسليط الضوء على الجهود الحكومية في توفير برامج تكافل اجتماعي تعزز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
في البداية، أشار هاشم عبد الرؤوف مدير إدارة التضامن الإجتماعي بمركز ومدينة بلاط إلى أن الحماية الاجتماعية تعد أحد أهم الأدوات التي تعتمدها الدولة لدعم الفئات الأكثر احتياجًا، موضحًا أن البرامج المقدمة من وزارة التضامن الاجتماعي، مثل "تكافل وكرامة"، وبرامج الدعم النقدي والمساعدات العينية، تهدف إلى تمكين الأسر الفقيرة وضمان الحد الأدنى من المعيشة الكريمة. كما أوضح أن الوزارة تعمل على تطوير منظومة الحماية الاجتماعية لتواكب المتغيرات الاقتصادية، من خلال التوسع في المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، ودعم التشغيل الذاتي.
من جانبه، أكد المهندس سلامة محمد، رئيس مركز ومدينة بلاط، أن الدولة تولي اهتمامًا كبيرًا بتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي، مشيرًا إلى أن القيادة السياسية تبذل جهودًا حثيثة لمواجهة التحديات الاقتصادية العالمية وتأثيراتها المحلية، من خلال تقديم حزم دعم إضافية وتحقيق العدالة الاجتماعية. كما شدد على ضرورة توعية المواطنين بكيفية الاستفادة من برامج الدعم المختلفة، وتعزيز التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع.
كما تناولت الندوة التحديات التي تواجه تنفيذ برامج الحماية الاجتماعية، مثل الزيادة السكانية، والضغوط الاقتصادية، وتأثير الأزمات العالمية، وناقشت الحلول الممكنة لتعزيز كفاءة هذه البرامج وضمان وصولها إلى المستحقين الفعليين.
وفي ختام الندوة، أوصى المشاركون بأهمية تكثيف الحملات التوعوية حول برامج الحماية الاجتماعية، وتسهيل إجراءات الحصول على الدعم، إلى جانب تعزيز دور المجتمع المدني في دعم الفئات الأكثر احتياجًا، والتوسع في المشروعات التنموية التي توفر فرص عمل مستدامة.
أدار الندوة محمود عزت، أخصائي إعلام بمركز إعلام الداخلة، بحضور مروة محمد الاعلامية بالمركز .