كثرة الخلافات الأسرية تعود على الأبناء بتأثيرات سلبية كثيرة، أهمها الزج بهم في جحور الوحدة، وما يتبعها من اضطرابات نفسية ثقيلة مثل الحزن والقلق والتشتت والاكتئاب، ووسط تيارات التطرف الجارفة التي تجتاح كثيرين عبر منصات التواصل الاجتماعي، يصبح هؤلاء الأبناء أكثر عرضة للتأثر بهذه التيارات والانجراف معها.

. فما العلاقة بالتفصيل بين هاتين الظاهرتين؟ وكيف يمكن لأولياء الأمور حماية أبنائهم من تيارات الشر المختلفة؟، وعلى رأسها التطرف.

حملة «تعزيز قيم الهوية الوطنية»

ويأتي تسليط الضوء على العلاقة بين كثرة الخلافات الأسرية وانجراف الأبناء مع تيارات التطرف الفكري في إطار حملة توعوية أطلقتها «الوطن» بعنوان «تعزيز قيم الهوية الوطنية»، تحت شعار «اختر طريقك.. في الوطن النجاة والآمان»، وتهدف إلى التصدي لجميع أفكار التطرف وتعزيز القيم الوطنية، والتي جاءت ضمن 3 حملات توعوية لمواجهة الانحراف والتطرف الاجتماعي والفكري والديني تحت شعار «مجتمع صحي آمن.. أوله وعي وأوسطه بناء وآخره تنمية».

الخلافات الأسرية وانجراف الأبناء في تيارات التطرف الفكري

هناك علاقة مباشرة بين كثرة الخلافات الأسرية وانجراف الأبناء في تيارات التطرف الفكري؛ إذ تعد الأسرة هي حجر الزاوية في بناء المجتمعات السليمة، وهي بيئة حاضنة للأبناء وتشكل شخصياتهم وتوجهاتهم، ولذلك فإن الخلافات الأسرية المتكررة والمتصاعدة قد تؤدي إلى عواقب وخيمة، من بينها انجراف الأبناء نحو التطرف الفكري نتيجة زعزعة شعورهم بالطمأنينة والاستقرار والشبع.

بحث الأبناء عن ملاذ آمن

وجاء الربط بين كثرة الخلافات الأسرية وزيادة فرص انجراف الأبناء في تيارات التطرف الفكري نتيجة لعدة أسباب أوضحتها الدكتورة صفاء حمودة، أستاذ الطب النفسي بطب الأزهر، خلال حديثها لـ«الوطن»، منها الشعور بالاستياء والحقد؛ إذ قد يدفع الشعور بالاستياء والحقد تجاه أحد الوالدين أو كليهما، بسبب الخلافات الأسرية المستمرة، بعض الأبناء إلى البحث عن ملاذ في الأفكار المتطرفة التي تقدم لهم شعورًا بالانتماء والقوة، كما أن غياب الأمان العاطفي والاستقرار الأسري يجعل الأبناء أكثر عرضة للتأثر بالأفكار المتطرفة التي تقدم لهم بديلًا عن الحب والحنان الأسري.

من الأسباب الأخرى التي تربط بين هاتين الظاهرتين هي ضعف ثقة الأبناء بأنفسهم التي تنتج عن تدهور العلاقات الأسرية، مما يجعلهم يميلون للانضمام إلى جماعات متطرفة تبني لهم صورة إيجابية عن أنفسهم، فضلًا عن رغبة هؤلاء الأبناء في البحث عن هويتهم، ما قد يجعلهم يلجأون إلى الأفكار المتطرفة التي تقدم لهم إجابات جاهزة عن أسئلتهم الوجودية.

كيف يمكن حماية الأبناء من خطر التطرف؟

ويتعين على أولياء الأمور دور كبير لحماية الأبناء من الانجراف مع هذه التيارات والتورط في الأفكار المتطرفة، وذلك من خلال فتح قنوات حوار مفتوحة مع أبنائهم، والاستماع إلى آرائهم ومخاوفهم، وحل الخلافات بطرق سلمية وعقلانية، وأيضًا يجب على الأسرة أن تبذل قصارى جهدها لبناء علاقات قوية ومتينة بين أفرادها، مبنية على الاحترام المتبادل والثقة، إلى جانب توفير الدعم العاطفي اللازم لأبنائهم، وأن يشعرونهم بالأمان والحب.

كما يحتاج أولياء الأمور إلى توعية أبنائهم بأخطار التطرف الفكري، ومساعدتهم في التفكير النقدي وتحليل المعلومات، حتى لا ينجرف الأبناء مع مثل هذه التيارات، بل يمكنهم التعامل مع كل ما يتعرضون له بشيء من الحكمة والعقلانية، وأيضًا عدم الخوف من رفض كل ما يتعارض معهم، وبالتالي التصدي لجميع الأفكار المتطرفة.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: حملة الوطن تعزيز الهوية الوطنية والدينية والاجتماعية الأفکار المتطرفة الأبناء فی

إقرأ أيضاً:

محمود محمد طه بين التجديد والاتهام- قراءة موضوعية في الجدل الفكري السوداني

لم يعرف المجتمع السوداني طيلة تاريخه الحديث طرحًا فكريًا وإصلاحياً تجاوز رؤية الإمام المهدي، الذي أعاد صياغة الواقع الديني والاجتماعي في السودان وفق تصوره الإسلامي القائم على المهدوية. لكن في القرن العشرين، برزت محاولات فكرية عديدة حاولت تقديم قراءات جديدة للإسلام، مثل أفكار محمود محمد طه، التي أثارت جدلاً واسعاً بين من يعتبرها تجديداً ومن يراها هدماً للثوابت الإسلامية.

جاءني أحدهم بمجموعة من التساؤلات حول فكر محمود محمد طه، ومن بينها:
هل يمكن اعتبار فكر محمود محمد طه إصلاحياً أم أنه فكر هدمي؟
هل دعا محمود محمد طه إلى تجاوز الأحكام الفقهية أم تجاوز كلام الله سبحانه وتعالى؟
ما هي الأخلاق التي دعا إليها محمود محمد طه، وهل كانت مجرد ارتهان للثقافة الغربية؟

على مستوى العالم الإسلامي، شهدت الحركات الفكرية الإسلامية تنوعًا في الطرح الإصلاحي، بدءًا من محمد عبده ورشيد رضا، مرورًا بأبي الأعلى المودودي وسيد قطب، ووصولاً إلى مالك بن نبي، وعبد الله دراز، وفضل الرحمن، وعلال الفاسي. كل هؤلاء المفكرين قدموا اجتهادات متنوعة في فهم الإسلام وتطبيقه في الواقع الحديث، لكن بدرجات متفاوتة من القبول والرفض. في السودان، بقي الجدل محصورًا حول طرح محمود محمد طه، الذي حاول تجاوز الأحكام الفقهية التقليدية نحو ما أسماه "الرسالة الثانية من الإسلام"، وهو طرح واجه معارضة حادة، سواء من المؤسسة الدينية الرسمية أو التيارات الإسلامية المختلفة.

هل كان فكر محمود محمد طه إصلاحياً أم هدماً؟
إن تصنيف الفكر الإصلاحي يختلف باختلاف زاوية النظر إليه. يرى أنصاره أنه قدم اجتهادًا يتماشى مع متطلبات العصر، بينما يراه معارضوه خروجًا صريحًا عن تعاليم الإسلام. لقد قام طه بتقسيم الإسلام إلى "رسالة أولى" تتجسد في الأحكام الفقهية التي نزلت في المدينة، و"رسالة ثانية" تعود إلى المبادئ الأخلاقية والروحية للإسلام المكي. من هذا المنطلق، دعا إلى إعادة قراءة النصوص الدينية وفقاً لمقاصد الشريعة الكبرى وليس وفق الأحكام الفقهية التقليدية.

لكن المشكلة الأساسية في طروحاته أنه لم يتوقف عند نقد اجتهادات الفقهاء، بل تجاوز ذلك إلى رفض بعض الأحكام القطعية، مما جعله عرضة لاتهامات بالخروج عن الإسلام. إن طرحه يختلف جذريًا عن الاجتهادات الإصلاحية التي قدمها مفكرون آخرون، مثل محمد عبده أو مالك بن نبي، الذين سعوا إلى التوفيق بين النصوص الدينية ومتطلبات العصر دون التخلي عن الأصول القطعية.

هل دعا محمود محمد طه إلى تجاوز كلام الله؟
يُتهم محمود محمد طه بأنه تجاوز كلام الله واستبدله بتفسيرات بشرية خاضعة للظروف الاجتماعية. لكن من وجهة نظر أنصاره، لم يكن يدعو إلى تجاوز النصوص بقدر ما كان يسعى إلى إعادة تأويلها وفق رؤيته، مستندًا إلى فكرة أن الأحكام الفقهية هي اجتهادات بشرية تتغير بتغير الزمان والمكان.

غير أن هذا التفسير واجه اعتراضات قوية، لأن بعض ما دعا إليه محمود محمد طه كان يتعلق بأحكام قطعية، مثل الحدود، التي اعتبرها صالحة لعصر معين وليست جزءًا ثابتًا من الشريعة. وهذا ما جعل الكثيرين يرون في فكره خروجًا عن الثوابت الإسلامية، في حين يرى آخرون أنه اجتهاد يمكن مناقشته من داخل المنظومة الإسلامية وليس بالضرورة رفضه كليًا.

هل كان محمود محمد طه مرتهنًا إلى الثقافة الغربية؟
من الانتقادات الموجهة إلى طه أنه تأثر بالطرح الليبرالي الغربي أكثر من تأثره بالفكر الإسلامي التقليدي. فقد ركز على مفاهيم الحرية والمساواة بأسلوب يجعله أقرب إلى الفكر الغربي الحداثي منه إلى الرؤية الإسلامية الكلاسيكية. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن مشروعه نشأ في سياق سوداني محض، وكان يهدف إلى التعامل مع الإشكالات التي تواجه المسلمين في العصر الحديث.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل كان طه أول من تأثر بهذه الأفكار؟ بالطبع لا، فقد سبقه العديد من المفكرين الإسلاميين الذين سعوا إلى إعادة تفسير الإسلام بطرق تتماشى مع العصر، مثل محمد إقبال في الهند، وفضل الرحمن في باكستان، وعلال الفاسي في المغرب. الفرق أن طه ذهب إلى مدى أبعد في رؤيته، مما جعله عرضة للنقد العنيف.

سواء اتفقنا مع محمود محمد طه أم اختلفنا معه، لا يمكن إنكار أنه يمثل تيارًا فكريًا حاول إعادة قراءة النصوص الإسلامية وفق رؤية جديدة. المشكلة لم تكن في طرح الأسئلة، بل في طبيعة الأجوبة التي قدمها، والتي جعلته في صدام مع المؤسسة الدينية التقليدية. لكن هذا لا يعني أن النقد الفكري له يجب أن يكون من باب الاتهام المطلق، بل يجب أن يكون مبنيًا على التحليل الموضوعي، تمامًا كما تعامل الفكر الإسلامي مع العديد من المفكرين السابقين الذين أثاروا الجدل قبل أن يتم تقييمهم لاحقًا في سياقاتهم التاريخية والفكرية.

zuhair.osman@aol.com

   

مقالات مشابهة

  • محمود محمد طه بين التجديد والاتهام- قراءة موضوعية في الجدل الفكري السوداني
  • إسبانيا: اعتقال 7 أشخاص بتهمة نشر التطرف عبر الرياضة ووسائل التواصل الاجتماعي
  • محمد بن راشد: الإمارات يد تبني ويد تحمي
  • اليوم.. اجتماع جديد للحزبين الكورديين بشأن تشكيل الحكومة: مساحة الخلافات بدأت تضيق
  • "الإلتزام بالإسلام الوسطي ونبذ التطرف".. ندوة بأوقاف الفيوم 
  • مستشار شيخ الأزهر: الإمام الأكبر وجه بإطلاق برامج لمواجهة الأفكار المتطرفة
  • على غرار أستراليا.. إندونيسيا تحمي الأطفال من الفضاء الرقمي
  • حظك اليوم برج القوس الاثنين 3 فبراير 2025.. لا توسع الخلافات الأسرية
  • مُحافظ الخرج يستقبل مجلس إدارة جمعية التنمية الأسرية بالمحافظة
  • بيرم: أهل الجنوب يصنعون المعادلة التي تحمي الوطن