يجب أن تدرك إسرائيل في حربها الحالية على الجبهة اللبنانية أن «حزب الله» ليس «حماس»، وأن لبنان ليست غزة، وأن حسن نصر الله ليس يحيى السنوار.
قد تبدو هذه العناصر بديهية ومنطقية وواضحة وضوح الشمس المشرقة للعيان، وهي بالتأكيد لا تخفى على نتنياهو ولا على رئاسة الأركان الإسرائيلية، وجهازي «الموساد» و«الشاباك».غطرسة القوة، ومفهوم التصفية والإحلال الذي يسيطر على الائتلاف الحاكم الآن في إسرائيل يجعله يصاب بنوع من الخلل الفادح في التقدير الاستراتيجي للأمور.
لبنان ليس 365 كم مربع مثل غزة، ولكن 10452 كم مربع، وليس محاصراً حصاراً جغرافياً حديدياً، ولكن له امتداد جغرافي مع سوريا، وله إطلالة بحرية، وممرات جوية توفر له الإمداد والتموين والتسليح، وليس كما هو الحال في غزة المخنوقة براً وبحراً وجواً.
«حزب الله» لديه على الأقل 150 ألف صاروخ من مديات تبدأ من 7 كم إلى 20 إلى 50 إلى 120 حتى 200 كم وأكثر، أي يمكن أن تصل في حال استخدامها إلى أبعد مدى على خريطة إسرائيل.
«حزب الله» لديه 120 ألف مقاتل محارب، ولديه لبنة بشرية محيطة به قادرة على الاستدعاء في القتال لا تقل عن 200 ألف مقاتل.
«حزب الله» له أهمية قصوى في المكانة لدى إيران والحرس الثوري، وحسن نصر الله له مكانة مميزة عند المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، الذي يمسك شخصياً ملف المعاملات الخاصة بـ«حزب الله» وأمينه العام، ولكن هل هذا كله يبرر للحزب القدرة على اتخاذ قرار التصعيد العسكري في الحرب منفرداً دون حساب مصالح 17 طائفة أخرى وقوى سياسية مخالفة له؟
مسألة الموقف من الحرب الحالية مركبة ومعقدة للغاية، فهي من ناحية تستلزم التضامن ضد العدوان الإسرائيلي الوحشي، ومن ناحية أخرى هي فرض صراع دموي مدمر من قبل رغبة الحزب في التضامن مع «حماس» دون استشارة إرادة شعب صبور منهك يعاني من الإفلاس المالي، والفساد السياسي، والانقسام الطائفي، والانهيار لمؤسساته، ويعيش أكثر من عامين بلا رئيس جمهورية، وفي ظل حكومة مؤقتة وبرلمان شبه معطل!
مسكين لبنان يعيش معضلة لا حل لها!
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: إسرائيل وحزب الله تفجيرات البيجر في لبنان رفح أحداث السودان الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إسرائيل وحزب الله تفجيرات البيجر في لبنان غزة وإسرائيل رفح حزب الله
إقرأ أيضاً:
سيناريوهات التعايش بين العهد والثنائي
في خضم التحولات السياسية المُعقدة التي يشهدها لبنان، يبرز سؤال مصيري بشأن طبيعة العلاقة التي سيرسمها العهد الجديد مع الثنائي الشيعي، "حزب الله" و"حركة أمل". تُشكّل هذه العلاقة اختبارًا حاسمًا لاستقرار البلاد، خاصة في ظل بيئة إقليمية مُتفجرة وتداخلات خارجية عميقة. تتنافس هنا ثلاثة سيناريوهات رئيسية، كل منها يحمل تداعيات مختلفة على مستقبل لبنان، الذي يئن تحت وطأة أزمات اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة.
السيناريو الأول يرتكز على سياسة الإقصاء واتخاذ قرارات أحادية الجانب لتغيير التوازنات السياسية بعد الحرب الإسرائيلية الاخيرة، وهو مسار تنتهجه بعض الأصوات الداعية لاستعادة السيادة. لكن هذا النهج يحمل مخاطر عالية، إذ أن محاولة تجريد "حزب الله" الذي يمتلك ترسانة عسكرية وتأثيرًا أمنيًا وسياسيًا واسعًا من نفوذه بالكامل، من دون تفاهم مسبق قد يؤدي إلى مواجهات داخلية أو انفجار الشارع، خاصة في المناطق التي تُشكّل معاقل لهذه القوى. تاريخيًا، أثبتت المواجهات المباشرة مع اي جماعة طائفية، مع غياب التوافق الشعبي الواسع حولها، انها قد تؤدي إلى حرب أهلية مُبطنة، خصوصًا مع وجود انقسامات مذهبية واجتماعية حادة.
أما السيناريو الثاني فيتجه نحو "الاحتواء" عبر تفاهمات تُحافظ على التوازنات القائمة، مع محاولة استيعاب هذه القوى ضمن لعبة سياسية مُقننة. لكن نجاح هذا الخيار مرهون بدعم خارجي، خصوصًا من دول خليجية قادرة على ضخ أموال لإعادة الإعمار وخلق فرص اقتصادية تُهدئ من غضب الشارع. المشكلة هنا أن العلاقة بين "حزب الله" والدول الخليجية لا تزال باردة بسبب الصراعات الإقليمية القديمة، ما يجعل أي اتفاقٍ ضعيفًا أمام تقلبات التحالفات الخارجية. مع ذلك، قد تُفضي هذه الصيغة إلى هدنة طويلة الأمد، تُدار خلالها الخلافات عبر حوارات مُغلقة، من دون حل جذري لإشكالية السلاح.
السيناريو الثالث يتمحور حول هجوم سياسي وإعلامي مُمنهج لتحجيم نفوذ "حزب الله" و"أمل" عبر كسب المعركة الانتخابية المقبلة، وتحشيد الرأي العام ضد أدائهما، خاصة في ظل تزايد الانتقادات الداخلية لفساد النخب الحاكمة وارتباطها بأجندات خارجية. لكن هذا المسار يواجه تحديات كبرى، فالقوتان تمتلكان قاعدة جماهيرية صلبة، وقدرة على تعبئة الشارع عبر خطاب حزبي وأيديولوجي، كما أن التغيير الانتخابي في لبنان بطيء وغير مضمون النتائج بسبب قانون الانتخاب المعقد وتشابك المصالح الطائفية.
لا يمكن فصل هذه السيناريوهات عن السياق الإقليمي المُتسارع، فلبنان ليس جزيرة معزولة. أي تصعيد بين إسرائيل وإيران، أو تغيير في تحالفات دول الخليج، أو تطورات في الملف النووي، قد تُعيد رسم الخرائط بين ليلة وضحاها. "العهد الجديد" سيكون أمام خيارات صعبة: إما المغامرة بمواجهة قد تُفجّر البلد، أو التعايش مع واقع قديم تحت ضغوط اقتصادية هائلة، أو المراهنة على زمن سياسي طويل لتغيير المعادلات من الداخل. في كل الأحوال، الثمن سيدفعه اللبنانيون، الذين علقوا بين مطرقة الواقعية وسندان التدخلات الخارجية.
المصدر: خاص "لبنان 24"