هل انتهى عصر السيطرة على الأسلحة النووية؟
تاريخ النشر: 27th, September 2024 GMT
شهد العالم خلال السنوات الأخيرة انسحاب الولايات المتحدة وروسيا من عدد من المعاهدات الرئيسية للحد من التسلح، لتبقى معاهدة "نيو ستارت" الوحيدة قيد التنفيذ حتى الآن، ومن المقرر أن تنتهي صلاحيتها في عام 2026. فهل اقترب العالم من نهاية عهد اتفاقيات السيطرة على السلاح النووي؟
وفي تطور مثير للقلق، أعلنت روسيا تعليق مشاركتها في معاهدة "نيو ستارت"، التي تهدف إلى تقييد عدد الرؤوس النووية ووسائل الإطلاق مثل الصواريخ والقاذفات.
إذا ما انتهت معاهدة "نيو ستارت" من دون التوصل إلى بديل، فإن ذلك سيشكل سابقة خطيرة، إذ ستكون هذه هي المرة الأولى منذ سريان معاهدة "ستارت" الأولى عام 1994 التي لن تخضع فيها أكبر قوتين نوويتين في العالم لأي قيود على نشر الرؤوس النووية ووسائل إطلاقها، مما قد يؤدي إلى سباق تسلح جديد يعيد تشكيل موازين القوى النووية العالمية.
ويقول تقرير نشره موقع "راديو فري يوروب" إن السيناريو، قد يؤدي إلى زيادة غير مسبوقة في عدد الرؤوس الحربية والمنصات النووية، مما يعيد إلى الأذهان توترات الحرب الباردة.
وعام 2022، هدد الرئيس الروسي ، فلاديمير بوتين، باستخدام "كل الوسائل المتاحة" للدفاع عن روسيا، في إشارة واضحة إلى إمكانية استخدام الأسلحة النووية.
تصريحات بوتين أثارت في وقتها، قلقا دوليا واسعا، إذ قال الرئيس الأميركي، جو بايدن "لأول مرة منذ أزمة الصواريخ الكوبية، نواجه تهديدًا مباشرًا باستخدام الأسلحة النووية".
ورغم تصريحات بوتين التهديدية، وتحذير بايدن، إلا أن مراقبين يرون بأن استخدام موسكو للسلاح النووي مستبعد.
في المقابل أكد محللون غربيون، أن مجرد التلويح بالأسلحة النووية يعيد إلى الواجهة مخاوف سباق تسلح نووي قد يشهد العالم فيه توترات جديدة.
بداية التوتر؟بدأ تآكل معاهدات التحكم في الأسلحة النووية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما انسحبت الولايات المتحدة من معاهدة الحد من الصواريخ الباليستية (Anti-Ballistic Missile Treaty)، التي وُقعت في عام 1972، وكانت واحدة من أولى المعاهدات، إلى جانب الاتفاق المؤقت الناتج عن أولى محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، المعروفة باسم SALT I، التي كانت تهدف إلى تجنب سباق تسلح من خلال الحفاظ على توازن القوة بين الاتحاد السوفيتي سابقا والولايات المتحدة.
There are 14,995 nuclear weapons in the world. Read more: https://t.co/FVAg94rlo2 pic.twitter.com/lxh50Sd8GA
— World Economic Forum (@wef) August 18, 2017كانت معاهدة ABM تهدف إلى القضاء على أحد الأسباب التي قد تدفع الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفيتي لامتلاك ترسانة ضخمة من الأسلحة، فمع وجود قدرة محدودة على إسقاط الصواريخ الواردة، ستكون الحاجة إلى أعداد هائلة من الرؤوس الحربية أقل.
المعاهدة الثنائية الرئيسية التالية التي انهارت كانت معاهدة القوات النووية متوسطة المدى (INF)، التي حظرت الصواريخ الأرضية ذات المدى بين 500 و5.500 كيلومتر.
وكانت الولايات المتحدة، اتهمت، روسيا منذ فترة طويلة بعدم الالتزام بالمعاهدة، حيث وجدت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما أن صاروخ كروز الذي اختبرته روسيا في عام 2014 انتهك حدود مدى المعاهدة.
بعدها أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترامب عن انسحابها من المعاهدة في أكتوبر 2018، وردت روسيا بالمثل.
يُذكر أن تلك المعاهدات الثنائية كانت وراء خفض عدد الرؤوس الحربية من أكثر من 60 ألف رأس حربي عندما تم التوقيع على معاهدة INF في عام 1987 إلى أقل من 10 آلاف رأس حربي عندما تم توقيع "ستارت الجديدة" في عام 2011.
الصين.. خصم جديد في المشهد النوويإلى جانب التوترات الروسية الأميركية، يبرز التهديد النووي الصيني كعامل جديد يعقد أي جهود محتملة للحد من انتشار الأسلحة النووية.
خلال الحرب الباردة، كانت التهديدات النووية تقتصر على الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ولكن مع توسع الصين في بناء ترسانتها النووية، أصبحت هذه الدولة الآسيوية قوة نووية رئيسية لا يمكن تجاهلها.
في عام 2023، أشارت اللجنة البرلمانية الأميركية إلى أن الصين لم تعد تُعتبر تهديدًا نوويا ثانويا مقارنة بروسيا.
وبحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، فإن الصين توسع بشكل كبير قدراتها النووية، ومن المتوقع أن تستمر في هذا النمو خلال العقد المقبل.
ومع الوقت، قد تصل بكين إلى مستويات تقارب الولايات المتحدة وروسيا فيما يتعلق بنشر الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
مستقبل الاتفاقيات النوويةيبقى السؤال مفتوحا حول ما إذا كان العالم سيشهد عودة سباق تسلح نووي جديد مع انتهاء معاهدة "ستارت الجديدة" دون بديل.
بعض المحللين يعتقدون أن الولايات المتحدة قد لا تحتاج إلى زيادة ترسانتها النووية بشكل كبير لتتفوق على خصومها، ولكن التطورات الحالية تشير إلى أن العالم قد يكون على أعتاب حقبة جديدة من التوترات النووية.
يقول براناي فادي، المدير الأول لشؤون التحكم في الأسلحة ونزع السلاح ومنع انتشار الأسلحة في مجلس الأمن القومي الأميركي، إنه في حين يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لاحتمالية "اختفاء" القيود المنصوص عليها في معاهدة "ستارت الجديدة" دون بديل، فإن الولايات المتحدة لا "تحتاج إلى زيادة قواتها النووية لتتناسب أو تتفوق على العدد الإجمالي المشترك لمنافسيها".
وفي ظل تعقيدات المشهد النووي العالمي، وتزايد اللاعبين الدوليين مثل الصين، يواجه العالم تحديات غير مسبوقة قد تجعل الحفاظ على استقرار استراتيجي نووي أمرا أكثر صعوبة.
وإذا لم تتحرك القوى الكبرى للتوصل إلى اتفاقيات جديدة، فقد يجد العالم نفسه أمام سباق تسلح نووي جديد يهدد أمن البشرية، يؤكد تقرير الإذاعة الأوروبية.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأسلحة النوویة نیو ستارت سباق تسلح فی عام
إقرأ أيضاً:
هل تخلت إسرائيل عن ضرب منشآت إيران النووية بسبب ترامب؟
في ظل المحادثات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران حول الاتفاق النووي، يبدو أن إسرائيل غيرت موقفها من شن هجوم عسكري على المنشآت النووية الإيرانية، بعد دخول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فثمة تحول في الاستراتيجية الإسرائيلية، حيث تفضل الآن الطريق الدبلوماسي على الخيار العسكري.
هكذا يعتقد المحلل السياسي لصحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، إيتمار آيخنر، ففي تقرير له يذكّر بأن إسرائيل عارضت لسنوات طويلة أي اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي، معتبرة أن طهران تسعى إلى تطوير أسلحة نووية تحت غطاء برنامجها النووي السلمي.
وقد قدمت إسرائيل أدلة ووثائق، مثل ما أسماه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "الأرشيف النووي"، لتأكيد انتهاكات إيران للاتفاق النووي الموقع في 2015، والذي انسحبت منه الولايات المتحدة في 2018 تحت إدارة ترامب الأولى.
دبلوماسية بديلا للتهديدويقول آيخنر إن إسرائيل كانت دائما تفضل خيار الضربات العسكرية كوسيلة لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية. ومع ذلك، يبدو أن التهديدات المتكررة بشن هجوم مشترك مع الولايات المتحدة قد تراجعت في ظل التطورات الأخيرة، خاصة بعد أن بدأت إدارة ترامب محادثات مع طهران.
إعلانفمع عودة ترامب إلى السلطة، بدأت الولايات المتحدة في إجراء محادثات مع إيران عبر وسيط سويسري، مما أدى إلى تغيير في حسابات إسرائيل.
ووفقا للتقرير، فإن إسرائيل، التي كانت تعارض أي اتفاق مع إيران، أصبحت الآن أكثر انفتاحا على الخيار الدبلوماسي، شريطة أن يمنع الاتفاق إيران من الحصول على أسلحة نووية.
وقد أعلن ترامب مؤخرا أنه أرسل رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي يدعوه فيها إلى التفاوض على اتفاق نووي جديد. وقال ترامب في مقابلة مع قناة فوكس نيوز "آمل أن تجري مفاوضات، لأنها ستكون أفضل بكثير لإيران". هذه الخطوة جاءت بعد أن اتصلت إيران بالولايات المتحدة عبر سويسرا لاستكشاف إمكانية إجراء محادثات.
كما واصل ترامب تهديداته ضد إيران، حيث قال في تصريحات صحفية "نحن في المراحل النهائية مع إيران، سيكون الأمر مثيرا للاهتمام، نحن في اللحظات الأخيرة.. على أي حال، ستكون مشكلة كبيرة. إنه وقت مثير للاهتمام في تاريخ العالم، ولكن هناك وضع مع إيران أن شيئا ما سيحدث قريبا، قريبا جدا".
خيارات إسرائيلووفقا للمحلل السياسي، فإن إسرائيل تدرس في الوقت الحالي عدة خيارات للتعامل مع الملف النووي الإيراني، بما في ذلك فرض عقوبات أكثر صرامة، والحفاظ على خيار عسكري ذي مصداقية، ودعم المحادثات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران.
ويضيف "وعلى الرغم من أن إسرائيل لا تثق تماما في إيران، إلا أنها لا تستبعد إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد إذا كان ذلك سيحقق الهدف الأساسي المتمثل في منع طهران من امتلاك أسلحة نووية".
ويلفت في هذا السياق إلى تصريح مسؤول إسرائيلي لصحيفة واشنطن بوست بأن إسرائيل كانت قد صاغت خططا لهجوم مشترك مع الولايات المتحدة ضد المنشآت النووية الإيرانية بعد هجوم أكتوبر الأخير. ومع ذلك، فإن التطورات الأخيرة تشير إلى أن إسرائيل تفضل الآن المسار الدبلوماسي، خاصة في ظل التنسيق الكبير بين واشنطن وتل أبيب فيما يتعلق بالتعامل مع إيران.
إعلانويقول المحلل السياسي إنه على الرغم من التحول نحو الدبلوماسية، فإن إسرائيل لا تزال تحتفظ بخيار الضربة العسكرية كاحتمال قائم، مشيرا في هذا السياق إلى أن إسرائيل أجرت مؤخرا مناورات عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة، حيث شاركت طائرات مقاتلة إسرائيلية مع قاذفات أميركية.
ويؤكد أن "هذه المناورات، التي تحدث في ظل إدارة ترامب، تهدف إلى إرسال رسالة واضحة إلى إيران مفادها أن الدولتين منسقتان وتريدان تحقيق نفس الهدف، بغض النظر عن الطريق الذي سيتم اختياره".
ويسلط آيخنر الضوء على التصريحات الإيرانية المضادة، ومنها تصريح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي لوكالة الأنباء الفرنسية، حينما قال إن برنامج إيران النووي لا يمكن تدميره بعمل عسكري، مشيرا إلى أن إيران لن تتردد في الرد بشكل حاسم إذا تعرضت منشآتها النووية للهجوم، وأن أي هجوم إسرائيلي على إيران سيؤدي إلى اندلاع حريق واسع في الشرق الأوسط.
ويلفت إلى رغبة إيران الحقيقية في التوصل لاتفاق نووي مع الغرب، لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى رفع العقوبات وتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد.
ولكن آيخنر الذي يرى أن "الثقة بين الطرفين لا تزال في أدنى مستوياتها، مما يجعل أي تقدم نحو اتفاق نووي جديد تحديا كبيرا"، يؤكد أن الخيارات مفتوحة، سواء كانت دبلوماسية أو عسكرية بالتنسيق مع الولايات المتحدة.
ويختم المحلل السياسي تقريره، قائلا "مع استمرار المحادثات والتهديدات يبقى مستقبل العلاقات بين هذه الأطراف غير مؤكد، لكن التطورات الأخيرة تشير إلى أن الدبلوماسية قد تكون الطريق الأفضل لتحقيق الاستقرار في المنطقة".