الهوية الوطنية حائط الصد الأول فى مواجهة الحروب الفكرية
تاريخ النشر: 26th, September 2024 GMT
أصبح العالم ساحة للحروب ليست فقط الحروب العسكرية، ولكن أيضا الحروب الفكرية التى تستهدف تدمير الشعوب وتفكيك المجتمعات، وهو الخطر الذى فطنت إليه القيادة السياسية على مدار السنوات الماضية، فكان السعى المستمر نحو تنمية الوعى وتعزيز الهوية الوطنية التى تُعد بمثابة حائط الصد الأول للأفكار الغريبة والشاذة التى تستهدف المجتمعات العربية والإسلامية، فالهوية الوطنية تضم مجموعة من السمات التى تُميز كل دولة عن غيرها، وتتضمن الموقع الجغرافى والتاريخ، والثقافة والدين، لذلك فإن تعزيز هذه العناصر داخل أفراد المجتمع ضرورة لتعزيز الولاء والانتماء للوطن، فالهوية الوطنية تلعب دورا مهما فى رفع شأن الأمم وتقدمها وازدهارها، وبدونها تفقد الأمم كل معانى وجودها واستقرارها.
وتحرص الدولة المصرية على مدار تاريخها على حماية الهوية الوطنية المصرية الفريدة من أى محاولات لطمسها أو تشويهها، خاصة خلال العشر سنوات الأخيرة التى زادت فيها المخاطر والتحديات التى تواجه الهوية المصرية، لذلك كان تعزيز الهوية الوطنية جزءا رئيسيا من برنامج حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، حيث أكدت أن أهمية الهوية الوطنية للمجتمع تكمن فى غرس القيم الإيجابية وروح الانتماء والولاء للوطن داخل أفراده، فى كونه عنصرًا جوهريا لتحقيق التماسك بين فئات المجتمع المتنوعة والمختلفة، وهو ما يتسق مع نص المادة ٤٨ من الدستور المصرى والتى تنص على التزام الدولة بإتاحة الثقافة لمختلف فئات الشعب دون تمييز بسبب القدرة المالية أو الموقع الجغرافي، لذلك فمن الضرورى عند وضع الرؤية الخاصة بتعزيز الهوية الوطنية مراعاة حصول أصحاب الهوية على الحقوق ذاتها، كحق التعليم، وحق التعبير عن الرأي، وحق الحياة بكرامة، وحق العمل، وغير ذلك من الحقوق التى تجسد معانى الهويّة الوطنية، كذلك الواجبات وهو ما تحاول الدولة المصرية العمل عليه من خلال مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان المصرى التى تستهدف تعظيم استفادة كل مواطن من موارد الدولة.
وفى خطوة تعكس جدية الدولة فى التعامل مع قضية الهوية الوطنية، فإن استراتيجية مصر 2030 لم تغفل عن وضع رؤية خاصة بحالة الثقافة والهوية الوطنية، حيث نصت على أنه بحلول عام 2030 يكون هناك منظومة قيم ثقافية إيجابية فى المجتمع المصري، تحترم التنوع والاختلاف وتمكين المواطن المصرى من الوصول إلى وسائل اكتساب المعرفة، وفتح الآفاق أمامه للتفاعل مع معطيات عالمه المعاصر، وإدراك تاريخه وتراثه الحضارى المصري، وإكسابه القدرة على الاختيار الحر وتأمين حقه فى ممارسة وإنتاج الثقافة، على أن تكون العناصر الإيجابية فى الثقافة مصدر قوة لتحقيق التنمية، وقيمة مضافة للاقتصاد القومي، وأساسًا لقوة مصر الناعمة إقليميًا وعالميًا.
وفى خطوة مهمة أعلنت الحكومة الاستجابة للمطالب الخاصة بإطلاق استراتيجية للحفاظ على الهوية الوطني، وتشكيل الوعى وفق خطط تنمية ثقافية عادلة، ومواصلة وزارة الثقافة خطتها لتفعيل وتنفيذ التوصيات الصادرة عن لجنة الثقافة والهوية الوطنية بالحوار الوطني، وهو ما يساهم بشكل جدى فى مواجهة الأفكار المتطرفة والشاذة ومحاولات سرقة الهوية وتزييف التراث، والعمل على الوعى الجمعى ووضع برامج للتوعية، وترسيخ القيم الإنسانية وتفعيل قيم المواطنة، والارتقاء بالذوق العام المصرى وتأصيل الحس الجمالي، فى ظل الانفتاح الذى تسببت فيه وسائل التواصل الاجتماعى والتى جعلت العالم قرية صغيرة من السهل نشر الأفكار من خلالها، الأمر الذى يتطلب دعم صناعة الوعى وتوثيق العلاقة بين الدولة والمواطن.
وأخيرا.. الدولة المصرية تدرك أهمية ترسيخ الهوية الوطنية، لذلك تعمل بجدية على خوض هذه المعركة الهامة على عدد من المحاور بداية من تطوير المناهج الدراسية لتشمل مزيدًا من التاريخ المصرى والثقافة الوطنية، بالإضافة إلى تدشين حملات توعية دينية وثقافية للشباب والمراهقين من خلال مراكز الشباب والأندية الاجتماعية، وتعزيز مشاركة الشباب سياسيا واجتماعيا وتمكينهم اقتصاديا، وتعزيز روح التوافق والتلاحم بين فئات الشعب المصري، وبناء الإنسان المصرى بما يجعله مؤهلا لخوض التحديات الراهنة، فضلا عن نشر الفكر الذى يتناسب مع قيم المجتمع الدينية والتراثية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الهوية الوطنية حائط الصد الأول حازم الجندى العالم ساحة الهویة الوطنیة
إقرأ أيضاً:
فيش وتشبيه الرئيس السورى القادم!!
يستعد قائد هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع، -محمد الجولانى سابقًا- لخوض انتخابات الرئاسة السورية، هذه هى الحقيقة التى يعرفها الجميع ولا يُنكرها الشرع نفسه، فما يحدث من تحسين لمظهر الرجل وصناعة الإعلام الغربى والتركى لشخصيته الجديدة التى تبدو «مُتَفرنِجةْ» مع ملامحه «الوسيمة» وابتسامته «الكيوت» هو قطعًا صناعة لشخصية جديدة ستؤدى أدوارًا فى مشروع الشرق الأوسط الجديد خلال المرحلة القادمة.
ولكن الواقع الذى لن يستطيع صانعو هذه الشخصية معالجته هو أن الرئيس السورى القادم «قاعدى المنشأ داعشى الفكر جهادى الأداة متطرف الإتجاه»!! هذه هى الحقيقة الوحيدة فى الفيلم السينمائى الذى نشاهده ولاينطلى على أحد، وهى الحقيقة التى لايصلح معها وضع المساحيق ولا تغيير الملامح، لأن العلة فى العقل وليست فى الشكل الذى يمكن تزييفه دون القدرة على إفراغ العقل من مضمونه!!
ما لن يستطيع صانعى هذه الشخصية فعله -أيضًا- هو إقناعنا بمسماه الجديد!! فنحن إلى الآن لسنا واثقين فى أن إسم الرئيس السورى القادم هو إسم حقيقى.. فقد أقنعنا الإعلام الغربى عبر سنوات طويلة أن الرجل اسمه «محمد الجولاني» وقالوا لنا إنه إرهابى أشِرْ وقاتل لايرحم بل وضعوه على قوائم الإرهاب لفترة ليست بالقليلة.. وهم أنفسهم الذين يبحثون اليوم إزالة إسمه من هذه القوائم التى تضم المُطاردين أمنيًا حول العالم.. وهم أيضًا الذين يحرصون على تلقيبه بإسمه الجديد أحمد الشرع.. وهم بالتالى الذين يحاولون الضغط على ذاكرتنا لكى ننسى إسم محمد الجولانى على اعتباره أن إسم الجولانى كان مجرد غلطة مطبعية!!
عمومًا.. الأمر لم يمر حتى فى الغرب.. فهناك من يريد تحقيق أكبر مكاسب ممكنة من وراء السماح بوجود أحمد الشرع -محمد الجولانى سابقًا- وهو ما نفهمه من تصريح وزير الخارجية الهولندي، كاسبار فيلد كامب، الذى قال أمس الأول: من السابق لأوانه رفع «هيئة تحرير الشام» من قوائم العقوبات الأوروبية ورفع العقوبات عن سوريا سيكون مرتبطًا بإطلاق مسار سياسى وضمان حقوق الأقليات.
.. ومن هنا ستبدأ المساومة والضغط على الشرع الذى سيأخذ سوريا وشعبها إلى مصيرٍ مجهول، لأن أسوأ مسار هو الذى يكون معروفًا مسبقًا ولا يقاومه أحد، فالرئيس السورى الجديد مضطرٌ لأن يسمع الكلام من يومه الأول، وهو ماحدث بالفعل عندما قال منذ يومين: «لسنا فى مواجهة مع تل أبيب والأراضى السورية لن تستخدم فى الهجوم على إسرائيل» والغريب أنه قال فى مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز»الأمريكية: «إننا ملتزمون باتفاق 1974 مع إسرائيل».. رغم أن إسرائيل نفسها أعلنت انهيار الاتفاقية ثم قامت باحتلال المنطقة المتاخمة لجبل الجولان المحتل ورغم إعلان نتنياهو أن الجولان أصبحت إسرائيلية للأبد!!
أزيدك من البيت شعر.. سيبقى الجولانى الذى أسمى نفسه الشرع على قائمة المطلوبين بتهمة الإرهاب.. ولن يتم رفع إسمه من القوائم إلا إذا قرر طرد القوات الروسية من سوريا وإلغاء الإتفاق الذى بموجبه تمكنت روسيا من بناء قاعدة حميميم الجوية العسكرية لها فى اللاذقية والتى مكنتها من الإطلال على المياه الدافئة فى البحر المتوسط.. وقطعًا سيكون الشرع فى موقف صعب لأنه حاول إرضاء روسيا منذ أيام وقال سنفتح معها صفحة جديدة.. ولكن الولايات المتحدة أوصلت له الرسالة على الفور مع وسطاء إما أن يخرج الروس من سوريا أو تبقى أنت على قوائم الإرهاب!!
نعود لموضوعنا.. ماهو الإسم الرسمى والشرعى والمسجل للرئيس القادم؟ وهل له ملف فى السجل المدنى بدولة سوريا الشقيقة؟ هل سيقوم بعمل فيش وتشبيه مثلما يحدث فى دولنا العربية لمعرفة تاريخه الجنائى والأمني؟ تخيل لو ذهب أحمد الشرع الذى كان يسمى محمد الجولانى إلى مركز شرطة دمشق لعمل «فيش وتشبيه» ثم يقوم بتسليم أصابعه للفنى بالمعمل الجنائى.. ماذا سيظهر فى النتيجة؟.. قد يظهر أنه مطلوب القبض عليه؟، أو قد يظهر أنه قد فقد الجنسية السورية بعد إسقاطها عنه، لأنه كان يحارب الجيش السورى.
وبمنطق «الورق ورقنا والدفاتر دفاترنا».. قد يتم تعديل النتيجة.. ولكن هل سيتم تعديل الوضع الدولى الضاغط على سوريا الآن؟ وهل فعلًا الولايات المتحدة ستقبل -بوساطة تركية- استكمال سيناريو صعود أحمد الشرع لرئاسة سوريا.. وهى التى كانت تنعته بـ «الإرهابى القاتل الدموى»!!
الموضوع كبير.. وتقسيم سوريا قادم لامحالة.. والشرع وتنظيمه يدفعون الثمن مقدمًا.. ولكنهم لايعرفون أن هناك مهرًا غاليًا سيتم تقديمه، وهو التنازل عن الجولان لإسرائيل باتفاقات جديدة، وأن هناك «مؤخر تعاقد»، وهو الموافقة على بناء قواعد أمريكية على طول ساحل البحر المتوسط، ومثلما خرج بشار الأسد بعدما فقد السيطرة على سوريا ولم يبقى له سوى دمشق.. سيصل الشرع إلى السلطة بشرط فقده للسيطرة على الأراضى السورية ولن يتبقى له -أيضًا- سوى دمشق وريفها!!