بوابة الوفد:
2024-09-26@22:51:04 GMT

الثابت والمتغير

تاريخ النشر: 26th, September 2024 GMT

قضية الثابت والمتغير من أهم القضايا التى يجب الوقوف عندها ببصيرة وأناة وتمييز دقيق، فالنص المقدس ثابت، والشروح والحواشى والآراء التى كتبت أو قيلت حول النص اجتهادات قد تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص والمستفتين، وما كان راجحًا فى عصر وفق ما اقتضته المصلحة فى ذلك العصر قد يكون مرجوحًا فى عصر آخر إذا تغيرت ظروف هذا العصر وتغير وجه المصلحة فيه، والمُفْتَى به فى عصر معين، وفى بيئة معينة، وفى ظل ظروف معينة، قد يصبح غيره أولى منه فى الإفتاء به إذا تغيّر العصر، أو تغيّرت البيئة، أو تغيّرت الظروف، ما دام ذلك كله فى ضوء الدليل الشرعى المعتبر، والمقاصد العامة للشريعة ؛ وكان صادرًا عن من هو – أو من هم- أهل للاجتهاد والنظر.

وقد قرر العلماء الثقات عددا من القواعد الكلية والفرعية التى تضبط ميزان المفتى، والمجتهد، والمجدد على حد سواء، نذكر منها : «لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان»، و«الأصل فى المنافع الإباحة والأصل فى المضار التحريم»، و«لا ضرر ولا ضرار»، و«الضرر يُزال»، «الضرر لا يُزال بضرر مثله أو أكبر منه»، «يُتحمل الضرر الخاص لدفـع الضـرر العـام»، «الضـرر الأشـد يُـزال بالضـرر الأخـف» «المصلحة العامة مقدمة على الخاصة»، و«درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة«، «لا تدفع المفسدة اليسيرة بتضييع المصلحة الكبيرة»، «إذا تعارضت مفسدتان دفعت الأشد بالأخف»، «المشقة تجلب التيسير»، «الضرورات تبيح المحظورات»، «ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها»، «العادة محُكّمة»، «المعروف عرفا كالمشروط شرطا»، «المنكر لا يُزال بمنكر أعظم منه»، «اليقين لا يزول بالشك».

كما قرر العلماء - أيضا -  أن كل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور , وعن الرحمة إلى ضدها, وعن المصلحة إلى المفسدة , وعن الحكمة إلى العبث , فليست من الشريعة فى شيء.

وإذا كانت العبادات فى جملتها تدخل فى نطاق الثابت فهى علاقة تتصل بخاصة العبد فيما بينه وبين الله (عز وجل)، فإن الشريعة الإسلامية ومرونتها قد فتحت أبواب المرونة والسعة واسعة أمام معالجة المتغيرات فيما يتصل بمعاملات الناس بعضهم مع بعض بيعًا وشراءً، وإقامة مجتمع، ونظام حكم، بما يحقق المصالح المعتبرة للأفراد والدول معا، فى ضوء الحفاظ على ثوابت الشرع الشريف، على أن يقوم بعملية الاجتهاد والتجديد أهل النظر من العلماء المتخصصين المستنيرين غير المنعزلين عن واقعهم، يقول الإمام الشاطبي (رحمه الله) : بالاستقراء وجدنا الشارع قاصدًا لمصالح العباد، والأحكام تدور على ذلك , فترى الشيء الواحد يُمنَع فى حال لا تكون فيه مصلحة , فإذا كان فيه مصلحة جاز .

ويؤكد الإمام القرافى (رحمه الله) على ضرورة فهم ما كان مبنيا على عادات القوم فى زمانه ومكانه فيقول : إن إِجراءَ الأحكام التى مُدْرَكُها العوائدُ مع تغيُّرِ تلك العوائد فهو خلافُ الإِجماع وجهالةٌ فى الدّين … بل لو خرجنا نحن من ذلك البلد إِلى بلَدٍ آخر، عوائدُهم على خلافِ عادةِ البلد الذى كنا فيه أفتيناهم بعادةِ بلدهم، ولم نعتبر عادةَ البلد الذى كنا فيه, وكذلك إِذا قَدِمَ علينا أحدٌ من بلدِ عادَتُه مُضَادَّةٌ للبلد الذى نحن فيه لم نُفتِه إِلَّا بعادةِ بلدِه دون عادةِ بلدنا، ويقول ابن القيم (رحمه الله): وَمَنْ أَفْتَى النَّاسَ بِمُجَرَّدِ الْمَنْقُولِ فِى الْكُتُبِ عَلَى اخْتِلَافِ عُرْفِهِمْ وَعَوَائِدِهِمْ وَأَزْمِنَتِهِمْ وَأَمْكِنَتِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ وَقَرَائِنِ أَحْوَالِهِمْ فَقَدْ ضَلَّ وَأَضَلَّ، ويقول ابن عابدين(رحمه الله) إن المسائل الفقهية إما أن تكون ثابتة بصريح النص وإما أن تكون ثابتة بضرب من الاجتهاد والرأى , وكثير منها يبنيه المجتهد على ما كان فى عرف زمانه بحيث لو كان فى زمان العرف الحادث لقال بخلاف ما قاله أولا ولهذا قالوا فى شروط الاجتهاد : إنه لا بد من معرفة عادات الناس, فكثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان لتغير عرف  أهله.

 

الأستاذ بجامعة الأزهر

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الثابت والمتغير أ د محمد مختار جمعة الأستاذ بجامعة الأزهر أهم القضايا رحمه الله

إقرأ أيضاً:

النداء الأخير

تحرص اسرائيل فى كل عملياتها القذرة التزام مبدأ الغموض الحذر، فلا تسقط فى غواية التفاخر الطفولى لأسباب أمنية وقانونية هدفها الواضح بث الرعب والهلع فى قلوب اعدائها، هكذا كانت أصداء انفجار آلاف أجهزة البيجر والراديو فى حادثين منفصلين بالضاحية الجنوبية كأنها واحدة من سلسلة أفلام جيمس بوند، عليك فقط  تتبع خط سير هذه الأجهزة وستلاحظ خطة خداع محكمة بغية تفريق دمها بين القبائل فى تايوان إلى اليابان، والمجر، وإسرائيل، حتى عادت إلى لبنان. كلّهم يتبرأون منها خشية التورط فى لعنة الانتقام العبثي، تشير أصابع الاتهام إلى شركة إلكترونيات صغيرة فى تايوان تدعى جولد أبولو لكن مؤسس الشركة شو تشينج كوانج  نفى صلتة بها وصرح بأنه قد باع حقوق ترخيص العلامة التجارية إلى شركة بى ايه سى المجرية قبل ثلاث سنوات وتم تأسيس هذه الشركة الوهمية 2022، يعمل فيها شخص واحد وهى الايطالية كريستيانا بارسونى المدير التنفيذى والمؤسس التى أنكرت صلتها بالتصنيع و قالت انها مجرد وسيط تجارى من دون موقع تصنيع أو عمليات والعجيب أن هنالك كتيبا دعائيا نُشر على موقع لينكد إن ثمانى منظمات تزعم أنها عملت معها بما فى ذلك وزارة التنمية الدولية البريطانية!! ثم اختفت بارسونى ولا يستطيع احد الوصول إليها وقد ذكر تقرير صحفى لنيويورك تايمز يستند فيه إلى تصريحات منسوبة إلى ثلاثة مسئولين إسرائيليين سابقين أن الشركة المجرية المزعومة كانت فى الواقع واجهة اقتصادية للموساد وإنه تم إنشاء شركتين وهميتين أخريين للمساعدة فى إخفاء هويات عملاء الموساد الذين كانوا هم بالفعل الذين ينتجون ويوردون أجهزة البيجر المفخخة الى لبنان واللافت أنه تم تحويل مبلغ 1.8 مليون دولار مرتبطة بالعملية مرت عبر بلغاريا وتم إرسالها لاحقاً إلى المجر و قد كشف مسئولون أمريكيون كيف تم تفجير أجهزة البيجر وذلك عن طريق رسائل تلقتها قبل ثوانٍ من التفجير بدت وكأنها آتية من قيادة حزب الله، ويرجح الخبراء أن هذه الرسائل هى من  قامت بتفعيل بطارية الجهاز التى انفجرت فى أيدى وجيوب عناصر الحزب كما تظهر مقاطع الفيديو 

ونشر موقع اكسيوس ان لم إسرائيل لم تكن تنوى تنفيذ خطتها الخبيثة فى الوقت الراهن ولكنها اضطرت لذلك بعدما خشيت من أن المؤامرة على وشك أن تُكشف خيوطها وكانت الخطة الأصلية أن يكون هجوم أجهزة الإرسال هو الطلقة الأولى فى حرب شاملة تستهدف شللا كليا أو جزئيا لغرف قيادة العمليات والسيطرة لكن بعدما علمت إسرائيل أن حزب الله بدأ ينتابه الشك قررت تنفيذ الهجوم مبكراً. لا جدال ان هذه العملية المركبة نجحت فى إلحاق أضرار و خسائر عسكرية فادحة سواء على المستوى البشرى أو المعنوى وألقت بظلال الشك على مدى الاختراق الأمنى الكارثى ليس لحزب الله فقط وإنما لكل محور المقاومة وانعكس ذلك ايجابيا على معنويات المجتمع الاسرائيلى الذى كان يعيش أوقاتا عصيبة نتيجة خسائر حرب غزة التى سيمر عليها عام بعد أيام قليلة.

بعيدا عن تحليل نتائج هذه العملية على مستوى الصراع الجيوسياسى الدائر فى الشرق الأوسط، اعتقد أن هناك ثمة تداعيات خطيرة على مستقبل التجارة العالمية التى تعتمد على سلاسل الإمداد والتوريد وسيصبح عامل الثقة هو المحرك الرئيسى، حيث بدأت دول عديدة تتحسس خطورة نجاح هكذا عملية على امنها القومى وطرحت موخراً  أسئلة مشروعة حول مدى امكانية استخدام المنتجات المدنية فى الحروب العسكرية مثل السيارات الكهربائية والهواتف الناقلة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والكاميرات ربما قد تكون مزودة ايضاً بالمتفجرات ولم لا ففى وقت الحروب تصبح كل الوسائل مشروعة. لذا يبدر للأذهان سبب وجدوى مشروع طريق الحرير الصينى الذى اذا تم تفعيله سيعتبر المسمار الأخير فى نعش النظام العالمى القديم وبداية حقبة جديدة تحددها نتائج حرب اوكرانيا والشرق الأوسط وهو ما لن ترضى أو تقبل به واشنطن و حلفاؤها آنساتى سيادتى لقد بدأت مرحلة تكسير العظام بين الحيتان الكبيرة بعدما اصبح اللعب على المكشوف.

مقالات مشابهة

  • النداء الأخير
  • وهران: الإطاحة بشبكة إجرامية مختصة في سرقة المركبات وتزوير ملفاتها القاعدية
  • اغتنم الفرصة.. بنك مصر يقدم شهادة ابن مصر الثلاثية بأعلى عائد ادخاري
  • هل أخطأ حزب الله؟!
  • وزير خارجية العراق يؤكد موقف بلاده الثابت في دعم استقرار السودان
  • الملك وولي العهد يعزيان حاكم أم القيوين في وفاة الشيخ عبدالله بن أحمد بن راشد المعلا
  • الملك سلمان وولي عهده يعزيان حاكم أم القيوين في وفاة الشيخ عبدالله بن أحمد بن راشد المعلا
  • القيادة تعزي حاكم أم القيوين في وفاة الشيخ عبدالله بن أحمد بن راشد المعلا
  • الرئيس الأمريكي: مستعدون للتعاون مع الصين من أجل المصلحة المشتركة