تحرص اسرائيل فى كل عملياتها القذرة التزام مبدأ الغموض الحذر، فلا تسقط فى غواية التفاخر الطفولى لأسباب أمنية وقانونية هدفها الواضح بث الرعب والهلع فى قلوب اعدائها، هكذا كانت أصداء انفجار آلاف أجهزة البيجر والراديو فى حادثين منفصلين بالضاحية الجنوبية كأنها واحدة من سلسلة أفلام جيمس بوند، عليك فقط تتبع خط سير هذه الأجهزة وستلاحظ خطة خداع محكمة بغية تفريق دمها بين القبائل فى تايوان إلى اليابان، والمجر، وإسرائيل، حتى عادت إلى لبنان.
ونشر موقع اكسيوس ان لم إسرائيل لم تكن تنوى تنفيذ خطتها الخبيثة فى الوقت الراهن ولكنها اضطرت لذلك بعدما خشيت من أن المؤامرة على وشك أن تُكشف خيوطها وكانت الخطة الأصلية أن يكون هجوم أجهزة الإرسال هو الطلقة الأولى فى حرب شاملة تستهدف شللا كليا أو جزئيا لغرف قيادة العمليات والسيطرة لكن بعدما علمت إسرائيل أن حزب الله بدأ ينتابه الشك قررت تنفيذ الهجوم مبكراً. لا جدال ان هذه العملية المركبة نجحت فى إلحاق أضرار و خسائر عسكرية فادحة سواء على المستوى البشرى أو المعنوى وألقت بظلال الشك على مدى الاختراق الأمنى الكارثى ليس لحزب الله فقط وإنما لكل محور المقاومة وانعكس ذلك ايجابيا على معنويات المجتمع الاسرائيلى الذى كان يعيش أوقاتا عصيبة نتيجة خسائر حرب غزة التى سيمر عليها عام بعد أيام قليلة.
بعيدا عن تحليل نتائج هذه العملية على مستوى الصراع الجيوسياسى الدائر فى الشرق الأوسط، اعتقد أن هناك ثمة تداعيات خطيرة على مستقبل التجارة العالمية التى تعتمد على سلاسل الإمداد والتوريد وسيصبح عامل الثقة هو المحرك الرئيسى، حيث بدأت دول عديدة تتحسس خطورة نجاح هكذا عملية على امنها القومى وطرحت موخراً أسئلة مشروعة حول مدى امكانية استخدام المنتجات المدنية فى الحروب العسكرية مثل السيارات الكهربائية والهواتف الناقلة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والكاميرات ربما قد تكون مزودة ايضاً بالمتفجرات ولم لا ففى وقت الحروب تصبح كل الوسائل مشروعة. لذا يبدر للأذهان سبب وجدوى مشروع طريق الحرير الصينى الذى اذا تم تفعيله سيعتبر المسمار الأخير فى نعش النظام العالمى القديم وبداية حقبة جديدة تحددها نتائج حرب اوكرانيا والشرق الأوسط وهو ما لن ترضى أو تقبل به واشنطن و حلفاؤها آنساتى سيادتى لقد بدأت مرحلة تكسير العظام بين الحيتان الكبيرة بعدما اصبح اللعب على المكشوف.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: النداء الأخير شركة إلكترونيات
إقرأ أيضاً:
«راجعين ندفن الحبايب».. «زيارة قبور الشهداء» أول مشوار للغزيين بعد العودة
على طول محور «نتساريم»، أو ما يعرف بين الغزيين بشارع «صلاح الدين»، الذى يربط شمال قطاع غزة بجنوبه، كانت جثث الشهداء متناثرة، إذ لم يتبقَّ منها سوى رفات وهياكل عظمية وجماجم أحرقتها أشعة الشمس وعبثت بها الكلاب والقطط، أو قطع ملابس بالية كانت هى الدليل الوحيد على صاحبها.
وعلى بعد أمتار من هذا المشهد كانت أسرة «حجازى» تبحث عن رفات أحد أفرادها الذى استهدفته قناصة الاحتلال الإسرائيلى التى كانت تتمركز فى المنطقة، أثناء محاولته العودة إلى منزله فى الشمال مطلع شهر يوليو الماضى، حيث يقف الطفلان «محمد وخالد»، أقارب الضحية العشرينى «فهد»، بينما يمسكان بكفيهما الصغيرين ثلاث جماجم بشرية يقلبانها يميناً ويساراً ولأعلى وإلى أسفل، ويتفحصانها من الداخل والخارج فى سبيل العثور على أى علامة تدلهم على هويته، وما إن كانت تلك الرفات تعود لفقيدهم.
ويحكى «محمد»، بينما ترتسم علامات الحزن على وجهه ويختنق صوته بالدموع: «انصدمنا من كمية بقايا الجثث اللى وجدناها على الطريق، ومش إحنا لحالنا اللى كنا بندور على شهيدنا، بالعكس فيه عالم كتير موجودين فى نتساريم يمكن مئات العائلات بيدوروا على الجثث تبعهم، لأن هذا الشارع كان مكاناً للإعدام الميدانى واصطياد المدنيين، وكل اللى مش لاقى حد من أقاربه بييجى هون للبحث وفيه عائلات صار لها من يوم الهدنة بتدور كل يوم على أولادها أو أى شىء يدل عليهم»، ليصرخ «خالد»: «محمد لقيت علامة وسن مكسور فى هاى الجمجمة وفهد كانت عنده نفس السن معناه إنه هو فهد»، لتجتاح الطفلين مشاعر مختلطة، ويقول «محمد»: «والله مانى عارف أفرح إنى لقيت جزء من جثة قريبى وهدفنها ويصير ليه قبر نزوره، ولا أحزن على فقده وإن إنسان كان كله حياة ونشاط ماضلش منه غير جمجمة مرمية على الطريق، الله يرحم روحه وتكون منعَّمة فى الجنة».
وفى مدينة غزة، وتحديداً فى حى الشيخ رضوان بالقرب من مخيم الشاطئ، كانت تلك وجهة المصور الصحفى الثلاثينى على جاد الله، بمجرد عودته إلى الشمال، حيث قبور أفراد عائلته التى استشهدت منتصف شهر أكتوبر 2023، حيث دفنت جثامين والده وشقيقه التوأم «خالد وصلاح»، وشقيقته «دعاء» تحت الركام، ويقول: «كنت أحلم بالعودة إلى الشمال وزيارة قبور أسرتى، فأنا لم أتمكن من وداعهم ولم أستطع انتشال سوى جثة والدى من تحت أنقاض منزلنا المكون من 3 طوابق وذهبت لدفنه وحيداً، والآن يتوجب أن أذهب لوداعهم وقراءة الفاتحة لهم وطلب الرحمة لأرواحهم».
يجلس «على» على ركبتيه بعد أن خلع درعه الصحفية واضعاً يديه فوق صدره، بينما تنظر عيناه إلى لوح حجرى كبير مكتوب عليه أسماء أشقائه يسبقها كلمة «الشهيد» فيما يحدِّث نفسه بصوت مرتفع: «أبكيكم كأنه اليوم الأول للرحيل، أبكيكم والدمع ينهمر وكأن الأرض كلها ضاقت ولم تبصر عيناى غير هذه الحجارة التى تنزل السكينة على قلبى إنكم ها هنا أحياء ترزقون تسمعوننى وتشعرون بى، وتنتظرون اللقاء كما أنتظر.. اللهم إنى رضيت فى ساعة عزّ علىّ فيها الرضا، فاجمعنى بمن سبقوا فى جنات النعيم واجعل الجنة مستقرنا ومعاشنا ودار الخلود».