بوابة الوفد:
2025-07-29@08:29:41 GMT

محاكمات السوشيال ميديا

تاريخ النشر: 26th, September 2024 GMT

فى زمننا هذا، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعى ليست مجرد وسيلة للتواصل وتبادل الآراء، بل منصة للتحقيق والمحاكمة والإدانة الفورية، ربما لم تعد السوشيال ميديا مجرد مسرح للأخبار والنقاشات، بل أصبحت ساحة يتم فيها إعدام سمعة الناس قبل أن تقول العدالة كلمتها، وهذه الظاهرة باتت خطراً حقيقياً يهدد المبادئ الأساسية للعدالة.

قضية الشيخ التيجانى هى نموذج صارخ لهذه الظاهرة، فقبل أن تُعرض قضيته على القضاء وتُتاح له الفرصة للدفاع عن نفسه، وجد نفسه ضحية حكم المجتمع الإلكترونى، حيث تُحرك الأزرار، تتداول الأخبار، وتُطلق الأحكام دون تثبت، الجميع أصبح قاضياً، الجميع أصبح محامياً ومدعياً.

منذ اللحظة التى انتشرت فيها أخبار الحادثة، رأينا سيلاً من التعليقات والمنشورات التى أدانت الشيخ والتى أصبحت جزءًا من «الإعدام المجتمعي» الذى يتعرض له الأشخاص على السوشيال ميديا دون دليل واضح، ودون انتظار كلمة القضاء، يُسارع البعض إلى التشهير والإدانة، قد يكون الدافع هو الرغبة فى تحقيق مشاهدات أو جذب انتباه المتابعين، ولكن فى نهاية المطاف يكون الثمن هو سمعة الأشخاص وربما حياتهم.

ما حدث مع الشيخ التيجانى ليس حالة فردية، بل هو جزء من ظاهرة واسعة، باتت السوشيال ميديا منصة للتعذيب النفسى وإطلاق الشائعات، تلك التعليقات الحادة، والمواقف المتطرفة، تُصدر أحكاماً مسبقة بناءً على مقتطفات أو إشاعات غير مؤكدة، يصبح الشخص المتهم محاصراً بتلك الأحكام قبل أن تصل قضيته إلى قاعة المحكمة.

العدالة تستدعى التروي، الصبر، والاستماع إلى جميع الأطراف قبل إصدار الحكم ، نحن كمجتمع يجب أن نعود إلى قيمنا الأصيلة التى تدعو إلى العدل، والإنصاف، والتحرى، الأخلاقيات التى حكمت المجتمعات عبر التاريخ كانت دائماً تحترم حق كل شخص فى الدفاع عن نفسه والاستفادة من الإجراءات القضائية العادلة.

إن وسائل التواصل الاجتماعي، رغم أنها أداة قوية لتوصيل الأفكار وفتح النقاشات، يجب أن تكون أيضاً منصة تعكس قيم الأخلاق والعدالة، ويجب أن نتذكر أننا لا نملك الحق فى الحكم على الآخرين قبل أن تقول المحكمة كلمتها، نحن بحاجة إلى ثقافة تستند إلى التحقق والتروى قبل إطلاق الأحكام، ثقافة تنبذ الشائعات وتدعو إلى الإنصاف والعدل.

ختاماً، لا بد أن ندرك أن «الإعدام المجتمعي» على السوشيال ميديا لا يضر فقط بالضحايا المباشرين، بل يهدد النسيج الاجتماعى بأسره. لذلك، دعونا نكون أكثر وعياً ومسئولية فى استخدامنا لهذه المنصات، ونُحكم العقل قبل العاطفة، ونترك للقضاء دوره فى تحقيق العدالة.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: السوشیال میدیا قبل أن

إقرأ أيضاً:

اللغة التي تفشل

تكتمل الكارثة بالعجز اللغوي عن وصفها. لم نعد قادرين على القول؛ لأن القول لم يعد قادرًا على ممارسة أفعاله، ولأن القول العاري من الإرادة موعود بخيانة نفسه. سولماز شريف، الشاعرة الأمريكية الإيرانية الأصل كانت قد كتبت ذات مرة:

«كل قصيدة فعل.

كل فعل عمل سياسي.

ولذا فكل القصائد سياسية». (اقرأ مقالتها «الخصائص شبه المشتركة بين السياسي والشعري: المحو» بترجمة مزنة الرحبية، على مجلة الفلق الإلكترونية).

تذكرنا شريف، فيما ننسى، بأن تسييس القصيدة ليس مسألة اختيار، بل هو شرط شعري مسبوق بشرط أول: أن تكون القصيدة فعلاً. فعل القصيدة شرط شعري لا حياد عنه. على القصيدة أن تفعل فعلها السياسي، «أن تدقَّ جدار الخزان» بتعبير غسان كنفاني كي تتحقق شعريًا. وبهذا المعنى تضع سولماز شريف شعرنا المكتوب في خضم الكارثة أمام تحدٍ وجودي يعيدنا للبحث في أزمة سابقة تتعلق بالدولة والحرية، وبالفضاء السياسي للغة عمومًا: كيف نكتب شعرًا «فاعلًا» بلغة معقَّمة معطَّلة سياسيًا من الأساس؟ فإذا كانت الخطب المنبرية الصريحة تفشل فشلها الذريع في الفعل، فكيف لإيماء الشعر أن يفعل بهذه اللغة المقهورة سياسيًا؟! يدهشني أن أقرأ عن غزيين يحاولون تعلم اللغة الإنجليزية كلغة طوارئ يترجمون بها معاناتهم للعالم. ولعل هذا الشاهد هو الأبلغ على فشل هذه اللغة، العربية، وعلى عطالتها السياسية، اللغة التي لم تعد تسعف، ولم تعد تلبي مهمة التواصل والوصول.

«قهر اللغة» هو الفصلُ الأقسى من فصول هذه الإبادة المفتوحة، حين تنتحر الكلمات على حدود السياج الخفي، الفاصل الواصل بين اللفظ ودقة المعنى. اللغة المقهورة التي ظلت عاجزة عن الفعل السياسي نكتشف اليوم، في امتحانها الأصعب، أنها مصابة بالعجز حتى أن الإيفاء بوظيفتها الأخيرة «التعبير». ولكن من منَّا الآن على استعداد ليقرَّ بعجز لغته عن التعبير، فضلاً عن الإتيان بجديد في هذا المناخ من الاستعصاء المرير، استعصاء ما بعد الصدمة؟!

سؤال الإبداع في الإبادة هو أيضًا سؤال إشكالي من ناحية أخلاقية وفلسفية في الآن نفسه: كيف لنا، قبل أي شيء، أن نبحث في الإبادة عن معنى؟ معنى جديد؟ كيف نطالب بإبداع من وحي الإبادة دون أن نجد في هذا المطلب تناقضًا فلسفيًا من قبل أن يكون أخلاقًيا؟ أوليس في هذا التسول البائس تواطؤًا يجعل من الكتابة «الجمالية» عن الإبادة تطبيعًا لها، أو توكيدًا ضمنيًا لما تسعى لاستنكاره؟ ربما تصبح مقولة أدورنو الشهيرة عن استحالة كتابة الشعر بعد «أوشفيتز» ضرورية في هذا السياق، حتى وإن بدت لنا مكابرة الكتابة في هذا الظرف، رغم قهر اللغة، مكابرةً أخلاقيةً مشروعة، بذريعة أن بديلها المطروح ليس سوى الصمت، الصمت عن الجريمة.

ما الذي يمكن فعله بهذه اللغة التي تفشل؟ على مدى عامين تقريبًا وأنا أراقب لغتي بخوف وحذر. الإبادة المستمرة هناك تمتحن لغتي هنا كما لم أعرف من قبل امتحانًا في اللغة. كيف يكتب اليوم من لم يهيئ نفسه وأدواته من قبل لاستقبال العالم بهذه الصورة؟ ثمة وحشية فاجرة، أكبر من طاقة اللغة على الاستيعاب. عنف يحشرني في زاوية ضيقة من المعجم، وهو ما يجبرني على تعلم أساليب جديدة في المراوغة والتملص للنجاة من هذا الحصار، حصار السكوت الذي لا يقترح إلا الكلام الجاهز.

أستطيع أن أحدد يوم السابع من أكتوبر 2023 تاريخًا لبداية مرحلة جديدة من لغتي. صرتُ كثير التَّفكر في اللغة باعتبارها موضوعًا موازيًا للعالم. بات عليَّ أن أُعقلن لغتي أكثر، أن أرشِّدها، وأن أتحداها في الوقت نفسه. يظهر هذا في تلعثمي وتعثري بالألفاظ كلما حاولتُ الكتابة أو الحديث عن الإبادة التي لم أعد أستطيع التعبير عنها بأي شكل من الأشكال دون الدخول في صراع مع اللغة وإمكانياتها. حتى وأنا أكتب كلمة «إبادة» الآن أصطدم بفراغ عدمي بعد الكلمة، وأدخل في متاه مفتوح لا يؤدي إلى أي شيء، عدم يحيل هذه الكلمة إلى مجرد لفظة إجرائية فقدت حوافها وحدودها من فرط الاستهلاك اليومي.

تختبر الحرب قدرة الشعر والفكر على امتصاص الصدمة واستقبال الفجيعة. حدث هذا جليًا في عقب الصدمة التي ولَّدتها النكسة سنة 1967، سنة الانقلابات الشخصية والتحولات الكبرى في صفوف الشعراء والمثقفين العرب. وهو ما يحدث اليوم وعلى مدى أشهر في صورة أكثر بطئًا وتماديًا. والحرب تأتي لتفحص جهوزية اللغة ولتعيد تشكيلها في نهاية المطاف. إنها تعبثُ بالعلاقة بين الدال والمدلول، وتبعثر الاستعارات القديمة لتأتي باستعاراتها الجديدة، وتفرض مع الوقت معجمها الموحَّد الذي توزعه على الجميع. كما تفتحُ الحرب الباب للشعراء الهواة لتقديم استقالاتهم والانصراف البيوت (لا شاعر للمهمات الصعبة اليوم)، وإن كانت في الوقت نفسه توفر مناخًا انتهازيًا لهذه الفئة من الشعراء المتسلقين على المراثي وأحصنة الحماسة.

سالم الرحبي شاعر وكاتب عُماني

مقالات مشابهة

  • الفستان المنقوش.. مي حلمي بإطلالة صيفية تثير السوشيال ميديا
  • بالتوب كروب .. إطلالة ياسمين عز تثير السوشيال ميديا بجسمها الممشوق
  • ست اتجوزت رجلين في فرح واحد.. حالة غريبة تشعل السوشيال ميديا في العالم | اعرف القصة
  • بالكاش مايوه .. بسنت شوقي تشعل السوشيال ميديا بإطلالة جريئة
  • شاهد بالصور.. “أصبحت أكتفي بمن لا يُطفئ ضوئي”.. الحسناء السودانية “لوشي” تعود لخطف الأضواء على السوشيال ميديا بإطلالة ساحرة
  • تحقيقات النيابة تكشف تورط تاجر أسلحة فى ترويجها عبر السوشيال ميديا
  • اللغة التي تفشل
  • صورة نادرة للزعيم عادل إمام وزوجته في مرحلة الشباب تتصدر السوشيال ميديا
  • زينة تتصدر التريند بعد ظهورها الأخير مع طفلين توأم على السوشيال ميديا
  • دفاع النواب: الشائعات عبر السوشيال ميديا أخطر من الحروب والشعب نجح فى إحباطها