بوابة الوفد:
2024-11-17@07:29:27 GMT

عالمٌ فى رحاب الإبداع

تاريخ النشر: 26th, September 2024 GMT

كان لى خالٌ فى قريتنا، شيخ وقور جاوز السبعين من عمره، وبلغت به التجارب مبلغها الذى تصفو معه التجربة، فتجود بالحكمة الخالصة، والكلمة الصادقة، والرأى السديد. 

تبدو على مُحيّاه أمارات الذكاء والحضور؛ كنت كثيراً ما استعذب الجلوس معه دوماً ولا أمل من حديثه الشيق، وكانت جلسته فيوضات من فقه وعلم وأدب وذوق وترقية وحياة، هو الشيخ مهدى على عبدالرحيم، طيّب الله ثراه، كان يدَرِّس لنا ونحن تلاميذ فى المرحلة الإعدادية اللغة العربية والتربية الدينية، ويراقب تطورنا فيما بعدها حتى تخرّجنا فى كلياتنا ثم التحقنا بالدراسات العليا، ولمّا كبرنا فرح بنا فرحاً شديداً حينما علم بحصولنا على الدكتوراه، لأنه كان مُحبّاً للعلم، فخوراً به، وبمن ينتسب إليه، لا يعرف فى الحياة أسمى منه قيمة، ولا أنفع فى الدارين منه وسيلة ولا غايّة.

كان من طلاب المعرفة الإلهيّة حقيقةً، لا يلتفت إلى دنيا، ولا تستهويه مفاتنها، ولا يجرى وراء منفعة شخصية، كان الحق على لسانه أبلجَ ناصعاً لا يخشى فيه لومة لائم، ولربما تسببّت جراءته فى الحق فى استعداء بعضهم ممّن كانوا يكرهون طلاقة الحق ويعشقون صولة الباطل. 

تعلمت منه سر الحَوْقلة، فقد كان يكثر من قول (لا حول ولا قوة إلا بالله)، وكان يرى فيها سرَّاً عجيباً، ويحثنا على المداومة عليها، ويحدثنا شغوفاً عن عجائب الدوام عليها، رحمه الله رحمة واسعة. 

وذات يوم فى إحدى جلساته الصافية تطرق الحديث معه إلى العلم والعلماء، وإلى الرّدة عنه والفتور منه، وإلى التفوق فيه ثم النكوص عن هذا التفوق؛ وحدّثنا عن الأدب والأدباء وإبداع المبدعين، فإذا به يجود من وحى خبرته بألطف ما سمعت وخبرت، وبأثمن ما قرأت وعرفت من نفائس الوعى والمعرفة وتذوق الحقائق على النموذج الذى لا كلفة فيه ولا فى التعبير عنها حين يُراد من الكلفة الزخرفة والتنميق أو يُراد من التعبير عنها غير ما هو مكنون فى النفس ومبثوث فى طويا الضمير.

قال الشيخ المُحنك البصير، والذى هو فى سن الكهولة: هكذا يا ولدى علمتنى الحياة: أن العلم مركوزٌ فى نقاء الطبائع الإنسانية ارتكاز النار فى الهشيم؛ ما إنْ تتوهج شعلة النار فى عود واحد من أعواد كومة متراكمة من هشيم حتى تتقد وتشتعل ثم تلتهب وحافزها ما وراءها كامنٌ فيها يدفعها إلى مزيد من التلهب والاشتعال. 

وكذلك العلوم والآداب والمعارف والفنون مركوزة فى طبع الطابع المطبوع على البحث والنظر أو على السليقة العلميّة أو الأدبية متى وجد الباعث على إخراجها من باطن إلى ظاهر، ومن داخل إلى خارج، ومن مستور خفى إلى مجلو واضح لا ظلمة فيه ولا كثافة.

إذا نحن وجدنا الباعث على إخراج «الجوانيّ» الكامن فى أعماق الذات حين تعى جُوَّانيها، صار ما بالداخل قوة حرية بالاهتمام والاكتراث أكثر ممّا نأخذه من ظواهر الأمور وسفاسفها. 

يكمن الباعث ممّا لاشك فيه فى ذلك الفتيل الأول لإشعال هذه القوة الباطنة المستترة، وهى قوة «الاستعداد». 

والاستعداد جذوة روحيّة عميقة ما تلبث أن تهيج فى جوف صاحبها حتى تأخذه من فوره إلى البحث والتفتيش أخذاً يُفْرقه عن غيره من بنى جلدته. 

قوة الاستعداد هى قطعا من قوة الوجود الروحي، تلك القوة الفطرية فى بنى الإنسان يتفاوت الباذلون المجتهدون فيها كتفاوت الأنصبة فى موازين الحياة بين الربح والخسران؛ وتنقسم بينهم - وما هى بالقسمة الضيزى - حسب الجهد المتوافر لخدمة الاستعداد الباعث للعلو والارتقاء. 

واحدٌ منهم يعليها ويرفعها ويجند نفسه لخدمتها، والآخر يهبط بها إلى الدرجة التى تتلاشى معها، فيسقط دونها، فلا ارتفاع إلى حيث ترتفع فى موازينه وتقديراته غيرها، ولا رقى لها ولا تجنيد لخدمتها حيث لم تعد هى مصدر اهتمامه ولا مبعث أفكاره وسلوكياته ولا حركة نشاطه. 

واحدٌ راح يراها أقوى من كل قوة سواها، وواحد لا يعبأ بها ولا ينظر إنْ نظر إلى شيء من دلالتها لا لشيء إلا لأنها لا تدرك بالنظر ولا تنال بمدارك المحسوس، على الرغم من أنها توجد للجميع: الغافل منهم والنبيه، واليقظ فيهم لمقوماتها والسَّهيان، الطامع فى أن ينال منها حظاً رفيع المستوى والقنوع. 

تلك إذن ليست بالقسمة الضيزى، ولا هى بالجائرة على حقوق العباد والمخاليق.

الكلُّ - يا ولدى - مُدْرِكٌ منها على حسب استعداده، وفورتها فيه من فورة استعداده، فإذا انقسم الناس فيها إلى رجل يرفعها ورجل يخفضها، فالاستعداد فى طليعة هذا الانقسام الذى يغلب عليه الإيمان على الجحود والنكران: الإيمان بها كقوة ناهضة للفرد إذا هو فهم هذه القوة، وعمل بما يجعله أهلاً لتلقى مواردها وعطاياها. 

ثم إذا هو عرف أن هذه القوة من فيض الروح ومن وازع الضمير يتحرك ما إنْ تحركت ويرتفع متى ارتفعت فيه قواه الصالحة للبقاء وللعلو وللمطالب الإنسانية السامية على وجه العموم.

وعجباً كل العجب لهذا الشيخ المُحنك الخبير!

المصدر: بوابة الوفد

إقرأ أيضاً:

التشكيلي العراقي مصطفى دزئي: أسوان بلد الإبداع ومصدر إلهام لكل فنان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

شارك الفنان التشكيلي العراقي، مصطفى دزئي، بالورش الفنية المقامة على هامش الدورة الثامنة من مهرجان طيبة الدولي للفنون التلقائية ومسرح الطفل، والتي تقام بمدينة أسوان خلال الفترة من 10 وحتى 15 من شهر نوفمبر الجاري بمشاركة عدد من البلدان العربية بينها: تونس، وسلطنة عمان، والكويت، والأردن، والعراق، والسودان، بجانب مصر.

"دزئي" شارك الطلاب الموهوبين بمدارس أسوان في مجموعة الورش الفنية، التي أقيمت بمسرح فوزي فوزي على كورنيش أسوان، بالتعاون مع مديرية التربية والتعليم وفرع ثقافة أسوان، واستهدفت اكتشاف وتشجيع المواهب وصقل مهاراتهم، وشارك فيها بجانب مصطفى دزئي، فنانون من سلطنة عمان، والأردن.

أسوان هي وجهة مفضلة لعشاق السياحة الثقافية بالعالم

وعبّر الفنان التشكيلي العراقي، مصطفى دزئي، عن سعادته بوجوده على أرض أسوان، بلد الفن والإبداع والقلوب الطيبة، ومصدر إلهام لكل فنان، وذلك بحسب قوله، وأكد أنه سبق له وأن زار أسوان من قبل، ويحرص على زياتها كلما أتى من العراق إلى مصر، مؤكداً أن اسوان هي وجهة مفضلة لعشاق السياحة الثقافية بالعالم العربي والعالم.

وتحدث مصطفى دزئي، في تصريحاته بمدينة أسوان، عن رؤيته للمشهد التشكيلي العربي، فقال إن الحركة التشكيلية العربية تنهض على الدوام، وتتمتّع بقامات فنية باتت تُنافس على مستوى العالم، واعتبر أن المهرجانات الفنية على غرار مهرجان طيبة الدولي للفنون بأسوان، هي سبب مُهم في حالة الحراك والتطوّر التي يشهدها المشهد التشكيلي بالعالم العربي.

يُذكر أن الفنان التشكيلى العراقى، دزئى، هو أكاديمى يقوم بتدريس مادة السيراميك بمعهد الفنون الجميلة في أربيل، كما عمل محاضراً لمادة الخزف فى بعض الجامعات، وهو متخصص فى فنون الرسم والكاريكاتير، إلى جانب الخزف والفخار، وسبق له أن شارك فى عدد كبير من المهرجانات الدولية فى العراق ومصر، وغيرهما من بلدان العالم.

فعاليات مهرجان طيبة الدولي للفنون التلقائية ومسرح الطفل، تُقام للعام الثامن على التوالي، برعاية الهيئة المصرية العامة لتنشيط السياحة،  والهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، ومحافظة أسوان، تستقطب العشرات من الفنانين المصريين والعرب والأجانب، وتتوزّع فعاليات المهرجان من بين عروض مسرحية، وفلكلورية، وتشكيلية.

ويُعد المهرجان مناسبة يلتقي فيها فنانون من ثقافات ومدارس مختلفة، ويتبادلون الأفكار والرؤى، ويتعرفون على تجارب فنية جديدة، ويوظفون خبراتهم في مجالات الفنون المسرحية والتشكيلية في اكتشاف المواهب وتنمية مهارات المبدعين من طلاب المدارس في أسوان.

مقالات مشابهة

  • تلفزيون سلطنة عُمان.. نصف قرن من الإبداع وتعزيز الوعي
  • يسري نصر الله يطالب الرقابة على المصنفات الفنية بمزيد من الحرية في الإبداع
  • 20 نوفمبر.. تأجيل محاكمة متهم بقتل صديقه في أوسيم
  • اللغة التي يفهمها ترامب
  • اللغة التى يفهمها ترامب
  • حبس عاطلين مُتهمين بسرقة مطعم
  • اليوم.. عرض عالمي أول لفيلم "برج القوة" بمهرجان القاهرة
  • باحثات وكاتبات: الإبداع النسوي تجاوز الذات إلى القضايا الكبرى
  • "جمعية الكتّاب" تكرّم مجلة "مرشد بجائزة الإبداع الأدبي
  • التشكيلي العراقي مصطفى دزئي: أسوان بلد الإبداع ومصدر إلهام لكل فنان