معهد الأورام..ألم باليل ومذلة بالنهار
تاريخ النشر: 26th, September 2024 GMT
يوميات العذاب ..أبطالها السرطان والفقروسوء المعاملةوالدة طفلة مريضة تصرخ باكية يارب انا تعبت خدني وريحني من الي انا فيه
«المرض الوحش» هكذا كان يطلق المصريون على مرض السرطان فى الثمانينيات والتسعينيات والعقد الأول من القرن الحالي، فقد كان الجميع لا يطيق مجرد ذكر «السرطان»، فلما انتشر المرض وزادت أعداد المصابين به انتشر اسمه بين الناس، فتداولوا اسمه صريحا وليس تلميحا كما كان فى الماضي.
وأول ما يفكر فيه من يصاب بهذا المرض اللعين هو التوجه إلى معهد أورام قصر العينى لتلقى العلاج، ولأن أعداد المصابين بالمرض أكبر من قدرة المعهد، فإن من يفز بالعلاج فيه يعتبره باقى المرضى سعيد الحظ.
دخلت معهد أورام قصر العينى أحد أقدم وأشهر معاهد الأورام فى مصر وربما فى الشرق الأوسط كله لرصد حالة مرضى السرطان الذين يتلقون العلاج فيه، فوجدت فى استقبالى صرخة ألم ممزوجة بالمرارة يقول صاحبها «ارحمنا يا رب.. بنموت من العذاب»، ووجدت آخرين عاجزين حتى عن الصراخ من شدة مرضهم فاكتفوا بالأنين المكتوم.
والغريب أن تلك الصرخات وذلك الأنين نغمة اعتاد عليها الأطباء وكل موظفى المستشفيات العامة.
وهنا فقط أدركت سر انتشار آلاف الاستغاثات لمرضى داخل المستشفيات العامة، والتى توثق بالصوت والصورة مدى الإهمال الذى يلاحق المنظومة الصحية دون أى تدخل من المسئولين!
ووصل الحال لدرجة أن المستشفيات العامة صارت ساحات معارك بين المرضى وأهاليهم من ناحية وبين موظفى وممرضى وأطباء المستشفيات العامة من ناحية أخرى، وإحدى أشهر تلك المعارك مؤخرا كانت مشاجرة دارت بين الفنان تامر ضيائى وفرد أمن داخل المعهد القومى للأورام بالتجمع الأول، سقط على أثرها «ضيائي» أرضا ومات!
والفنان «ضيائي» الذى مات لم يكن بينه وبين موظفى المعهد «تار بايت» ولا خلاف على شيء ما من أمور الدنيا، فقط كانت زوجته تعانى من ألم شديد فتوجه بها إلى معهد الأورام لتلقى العلاج سريعاً ليخفف عنها الآلام التى تنهش جسدها.. فكانت نهايته الموت!
توجهت إلى المعهد القومى للأورام بقصر العيني، وأنا أبتهل إلى الله أن يكون أحسن حالا من غيره، خاصة وأن أغلب مرضاه من «غلابة الغلابة».
تمنيت أن يكون معهد الأورام بقصر العينى أفضل من غيره خاصة وأنه تم إنفاق 2.5 مليار جنيه، على تطويره وجميع ومستشفيات قصر العينى، لتقديم أفضل وأسرع خدمة طبيعة للمواطن المصري.
تمنيت أن يكون معهد أورام قصر العينى أكثر إنسانية خاصة بعدما سمعت وقرأت تصريحات عديدة للدكتور محمد عبدالمعطى سمرة عميد المعهد القومى للأورام، يؤكد فيها أن المعهد القومى للأورام هو أول مركز أكاديمى متكامل لعلاج مرضى السرطان بالشرق الأوسط والمنطقة العربية.
توجهت صباحا إلى مستشفيات قصر العينى، فوجدت أمام جميع أبواب معهد الأورام مرضى يفترشون الأرصفة منهم العاجز عن الحركة تماماً، ومنهم من ينام على الأسفلت وبيده «كانولا» يتلقى من خلالها جرعات من المحاليل والأدوية بعدما أجبروه على الخروج من المعهد لعدم وجود مكان، ووجدت أيضا مرضى ينهش أجسادهم المرض الخبيث، وينتظرون رحمة أى مسئول بالمعهد ليسمح لهم بالدخول لتلقى ولو جرعة واحدة من العلاج.
سيد حامد -52 عاماً مزارع من مدينة بنها عاصمة محافظة القليوبية، أحد المرضى الذين يفترشون رضيف معهد الأورام، والذى أكد أنه يحضر للمعهد باستمرار لمقابلة أى طبيب لأمراض الدم، ولكن موظفى أمين المعهد يمنعون دخوله ويرفضون أيضا أن ينتظر أمام باب المعهد مباشرة ويصرخون فى وجهه قائلين «روح شوفلك رصيف اقعد عليه لحد ما الدنيا تهدى شوية ونشوف هتدخل ولا لأ»!
وبكلمات ذليلة حزينة يواصل «سيد حامد»: «يوميا أحضر للمعهد طالبا الدخول لتلقى العلاج وانتظر من الساعة الثامنة صباحاً حتى الساعة الثانية والنصف ظهراً أمام المعهد فى درجة حرارة لا يتحملها بشر، وأتعرض للذل والمهانة، من أفراد الأمن ، وأتحمل كل ذلك على أمل السماح لى بدخول المعهد أو على الأقل ألتقى بطبيب يعالجنى ولكنى فشلت».
تركت «سيد حامد» ونظرت بطول الرصيف فلم أجد إلا مرضى مكلومين على الأرض ينهش المرض أجسادهم من الداخل وتحرق الشمس جلودهم من الخارج، ولهذا راح بعضهم يبحث عن ورقة جورنال أو قطعة كرتون يتقى بها حر الشمس.
بعض المرضى لم يقوَ جسده على تحمل الألم فأغمض عينيه ولا أدرى هل هو نائم أم فى غيبوبه بسب مرضه.
لاحظ أحد المرضى اندهاشى وحيرتى أمام ما أراه من مشاهد فقال: كل يوم من ده، فيه ناس هنا من الفجر علشان تحجز لها دور بدرى وتتمكن من دخول المعهد.
عذاب على الأعتاب
تركت المرضى مكلومين على الرصيف يلعقون مهانة وألما ومرارة وتوجهت إلى شبابيك مبنى معهد الأورام فلم أجد إلا معاملة منزوعة الإنسانية من أفراد الأمن الإدارى على بوابات دخول المرضي، ووجدت على الأرض سيدة فى بداية الخمسين من العمر، نحيفة الجسد يظهر عليها آثار نهش سرطان وبيدها اليمنى «كانولا» كانت السيدة غير قادرة على التحرك او التحدث، فقط تئن وتقول «بموت ارحمونى مش قادرة دخلونى جوه».. ولكن لا أحد يجيبها أو يحاول مساعدتها!
وإلى جانب هذه السيدة تقف سيدة أخرى جاءت من قريتها للعلاج من سرطان الثدى الذى تعانى منه منذ سنوات، كانت السيدة بصحبة طفلها الذى تتعكز عليه وبيدها دوسيه بلاستيك بداخله الفحوصات الطبية السابقة التى تقدمها لكل طبيب ولكن أرهقها المرض والوقوف على القدمين فوضعت الدوسيه البلاستيك تحت رأسها وافترشت الأرض أمام باب دخول المعهد بجانبها صغيرها، وراحت تبكى مرارة عذاب الانتظار الذى لا ينتهى ابداً.
وعلى بعد خطوات من تلك السيدة، كانت سيدة سبعينية تجلس على مقعد حديدى حملته معها من منزلها لتجلس عليه أمام المعهد انتظارا لدورها فى دخول المعهد!
والغريب أن تلك السيدة لم تكن لتطيق الجلوس على الكرسى طويلا من شدة الألم، فسرعان ما تترك الكرسى وتجلس على الأرض حتى يرهقها جلوس الأرض فتطلب ممن حولها مساعدتها للنهوض من على الأرض والجلوس على الكرسى من جديد!
سألت هذه السيدة عن موعد وصولها إلى معهد الأورم فقالت: أنا هنا أمام معهد الأورام من الساعة السادسة والنصف صباحاً انتظارا للسماح لى بدخول المعهد للعلاج».
تركت المرضى، ودخلت إلى المعهد فوجدت مشهدا أكثر إيلاما تتصدره طفلة لا تتعدى الثلاث سنوات، حافية القدمين نهشها المرض وكانت ملقاة على الأرض فى حالة إرهاق شديدة بجانبها شنطة سفر، ويهاجمها الذباب المنتشر داخل المعهد، سألت أحد الواقفين بجوارها عن حالها فقال: «إن والدتها أتت إلى العهد وهى تحمل على كتفيها الطفلة وعلى ظهرها شنطة السفر، كانت الأم غارقة فى عرقها والطفلة فى نوبة من البكاء، وعندما رأت الأم تزاحم المرضى بالمئات والمشاجرات بين المرضى وبين العاملين بالمعهد لتسلم أوراقهم، حاولت تسليم أوراق طفلتها لكنها فشلت وكررت المحاولة عدة مرات وفشلت أيضا فبكت بحرقة وصرخت بصوت عالٍ: «يا رب أنا تعبت خدنى وريحنى من اللى أنا فيه» ووضعت طفلتها الصغيرة على الأرض وتركتها وبجوارها شنطة السفر، واختفت الأم فيما ظلت الطفلة تبكى حتى أرهقها التعب ودخلت فى نوم عميق.
هنا غرف انتظار الكشف
فى غرف انتظار عيادة الأطفال وقف مئات من المرضى وافترش بعضهم الأرض وسط زحام خانق، فيما جلست طفلة مريضة سرطان تصرخ «بابا هاتولى بابا..عاوزه بابا.. انت فين يا بابا» ومن شدة الزحام لم ينتبه إليها أحد وكان البعض يدوسها بالأقدام!
وبعد فترة من الوقت حضر إليها والدها المغلوب على أمره وجلس على ركبتيه بجانب ابنته فألقت برأسها على صدره لتشعر ببعض الأمان.
وعلى مشارف عيادة الأشعة العلاجية، يتزاحم المرضى بشكل جنونى لمقابلة الطبيب المعالج، وعلى أعتاب العيادة صندوق قمامة ممتلئ عن آخره ويجلس جانبه مريض هده المرض، بينما لا تتوقف المشاجرات بين المرضى وعمال المعهد وسط اتهامهم بالتلاعب فى ترتيب أسماء المنتظرين من المرضى الحاضرين من فجر اليوم للقدرة على مقابلة الطبيب المعالج.
ولا يكتفى الإهمال الطبى الذى يشهده المعهد القومى للأورام يومياً، ولهذا صار مرتعا للوسطاء ودفع الاتاوات والاكراميات لأفراد الأمن الداخلى للموافقة على زيارة المرضى أو دخول المعهد لإجراء أشعة الأورام.
ويقول الحاج إبراهيم المغربى شيخ من محافظة المنوفية «بعد تجديد المعهد القومى للأورام كنا نعتقد أن المعهد صار صرحا طبيا يساعد فى علاج المرضى بشكل متحضر وإنسانى ولكن عندما وصلت إليه عشت أسوأ أيام حياتى، فأنتظر بالساعات والأيام لمقابلة طبيب أو لإجراء أشعة».
ويضيف: «نعانى من إهمال طبى كبير فى معهد أورام قصر العينى عكس ما يقال فى المؤتمرات الرسمية، فالواقع أسوأ بكثير مما يتم ترويجه عن الخدمات العلاجية التى نبحث عنها، نحن أموات يفترسنا مرض السرطان تحت رعاية مسئولى المعهد.
إنفوجراف
• 135 ألف مريض جديد للسرطان فى مصر سنويا.
• معهد الأورام بقصر العينى يعالج ما يقارب ربع عدد مرضى السرطان فى مصر.
• الزيادة فى عدد إصابات السرطان ترجع إلى زيادة عدد السكان وانتشار مسببات السرطان ومن أهمها انتشار التدخين بين الرجال والنساء.
• علاج السرطان فى مصر يتم على نفقة الدولة والتأمين الصحي.• 10 ملايين توفوا بسبب مرض السرطان على مستوى العالم فى العام. 2.26 مليون حالة مصابة بسرطان الثدي.• 2.21 مليون حالة مصابة بسرطان الرئة.• 1.93 مليون حالة مصابة بسرطان القولون والمستقيم.• 1.41 مليون حالة مصابة بسرطان البروستات.• 1.20 مليون حالة مصابة بسرطان الجلد «غير الميلانوما».• 1.09 مليون حالة مصابة بسرطان المعدة.•1.80 مليون حالة وفاة مريض بسرطان الرئة.• 900 ألف و600 حالة وفاة مريض بسرطان القولون والمستقيم.• 830 ألف حالة وفاة مريض بسرطان الكبد.• 769 ألف حالة وفاة مريض بسرطان المعدة.• 685 ألف حالة وفاة مريض بسرطان الثدي.• 400 ألف طفل سنوياً يصاب بالسرطان.سرطان عنق الرحم أكثر أنواع السرطان شيوعاً فى 23 دولة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: المرض الوحش الثمانينيات والتسعينيات المعهد القومى للأورام المستشفیات العامة معهد الأورام على الأرض فى مصر
إقرأ أيضاً:
بروتوكول تعاون بين معهد بحوث الإلكترونيات وجامعة ساكسوني مصر للعلوم التكنولوجية
أكد الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الاهتمام بتفعيل مبدأ "التكامل" ضمن مبادئ الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي، عبر تعزيز الشراكة بين المراكز البحثية والجامعات المصرية، لضمان توحيد الجهود وتعظيم الاستفادة من الإمكانيات العلمية والبحثية بمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي بما يمكنها من تحقيق عوائد علمية واقتصادية للدولة.
وفي هذا الإطار وقع معهد بحوث الإلكترونيات بروتوكول تعاون مع جامعة ساكسوني مصر للعلوم التكنولوجية والتطبيقية (SEU).
وقع البروتوكول الدكتورة شيرين محمد عبد القادر محرم، رئيس معهد بحوث الإلكترونيات، ورئيس مجلس إدارة المدينة العلمية، والدكتورة غادة بسيوني القائم بأعمال رئيس جامعة ساكسوني مصر.
ويهدف البروتوكول لتطوير مهارات طلاب الجامعة وتأهيلهم لسوق العمل عن طريق دورات تدريبية تطبيقية متقدمة في معامل معهد بحوث الإلكترونيات المجهزة بأحدث الأجهزة التكنولوجية، بالإضافة إلى دعم مشروعات التخرج الطلابية.
كما يمتد التعاون أيضًا ليشمل تقديم الدعم التقني والإداري والقانوني للطلاب المتميزين أصحاب المشاريع القابلة للتصنيع الكمي، وتمكينهم من تأسيس شركاتهم الخاصة عبر حاضنات الأعمال بمدينة العلوم والتكنولوجيا لأبحاث وصناعة الإلكترونيات التابعة للمعهد، بما يسهم في تطوير مهارات الكوادر الشبابية وتعزيز قدراتهم العملية، ويحقق التكامل بين المعهد وجامعة ساكسوني مصر.
وأشارت الدكتورة شيرين عبد القادر محرم، رئيس المعهد، إلى أن توقيع البروتوكول يأتي في إطار تنفيذ إستراتيجية المعهد والتي تتماشى مع الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي، وذلك من خلال إتاحة كافة إمكانيات المعهد والمدينة العلمية لخدمة الشباب بهدف تحفيز الابتكار والإبداع وتوطين التكنولوجيا، والاستفادة من قدرات المعهد من الأجهزة والتكنولوجيات والخبرات العلمية والعلاقات بمراكز الأبحاث الدولية لخدمة طلاب الجامعات.
وأكدت حرص المعهد على توقيع شراكات إستراتيجية مع مختلف الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة، بما يعكس التزامه بدعم الطلاب وتطوير مهاراتهم العملية، وفتح معامل المعهد لاستقبالهم ومساعدتهم.
ومن جانبها، أعربت الدكتورة غادة بسيوني، القائم بأعمال رئيس جامعة ساكسوني مصر، عن أهمية البروتوكول في تحقيق أهداف الجامعة لتنمية العلاقات بين المؤسسات الأكاديمية والمراكز البحثية، ودعم معايير الجودة، بما يضمن لخريجي الجامعة فرص عمل واعدة ومستقبل مهني مشرق.
جدير بالذكر أن جامعة ساكسوني مصر للعلوم التكنولوجية والتطبيقية (SEU) تمتاز كواحدة من الجامعات التكنولوجية الخاصة في مصر بالاعتماد على الخبرات الألمانية في تصميم مناهجها وبرامجها التعليمية، مما يجعلها نموذجًا رائدًا في تقديم تعليم عالي الجودة يواكب متطلبات سوق العمل.
كما يعد معهد بحوث الإلكترونيات واحدًا من أكبر المعاهد البحثية المتخصصة في مجال هندسة الإلكترونيات وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، ويمتلك قاعدة من المعامل البحثية يبلغ عددها 28 معملًا بحثيًّا، بالإضافة إلى المدينة العلمية التابعة للمعهد، ويعمل كبيت خبرة في إجراء البحوث والدراسات العلمية والتطبيقية في مجالات هندسة الإلكترونيات والاتصالات والحاسبات والمعلوماتية لخدمة قطاعات الخدمة والصناعة والاتصالات والطاقة، ودعم الاقتصاد القومي صناعيًا وإستراتيجيًا من خلال زيادة القيمة المضافة من حيث الجودة والإنتاجية.