ـ ينص علماء التجويد على وجوب أو لزوم المد عددا معينا من الحركات فهل هذا الوجوب شرعي كالوجوب عند علماء الأصول مثلا، وهل يؤثر عدم المد بالحركات الواجبة في صحة الصلاة؟

هذه المسألة لا يقتصر بيان الحكم فيها على حكم المدود، وإنما كلام أهل العلم يدور في حكم الالتزام بأحكام التجويد عند قراءة كتاب الله عز وجل هل حكمه الوجوب أو أن له حكما آخر، مع اتفاق الجميع على علو منزلة علم التجويد وأنه من العلوم التي يجب تعلمها فرضا كفائيا على هذه الأمة، وأنه من العلوم الشريفة الجليلة التي تعين على إتقان تلاوة كتاب الله عز وجل، وعلى تحسين تلاوته، والإتيان به كما بلغه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أصحابه الكرام رضوان الله تعالى عليهم، الذين بلغوه لمن جاء بعدهم.

لكن البحث في هذا السؤال هو في حكم الإتيان بأحكام التجويد في التلاوة لا في التعلم ولا في الفضل، فهذا أمر تقدمت الإشارة إليه ولا ينبغي أن يختلف حوله بقطع النظر عن القول الراجح في مسألة حكم الالتزام أو التقيد بأحكام التجويد في القراءة، وأشهر الأقوال في هذه المسألة قولان: قول عند علماء التجويد أنفسهم فهم ينتصرون لعلمهم ويرون الوجوب، ويقصدون بذلك الوجوب الشرعي، لأنهم يرون أنه الكيفية التي تلقي بها كتاب الله عز وجل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي الكيفية التي أمر أن يقرأ بها، وهي التي علمها أصحابه رضوان الله تعالى عليهم، وهي تحسين للصوت بإعطاء كلمات القرآن الكريم وحروف هذه الكلمات حقها ومستحقها، ولذلك فإن أكثر علماء التجويد إن لم يكونوا جميعا يرون وجوب التقيّد بأحكام التجويد عند تلاوة كتاب الله عز وجل وترتيله، ولكن أكثر الفقهاء لا يتفقون معهم في هذا، ويرون أنه مع علو منزلة علم التجويد، إلا أن القول بالوجوب الرعي للإتيان بأحكام التجويد لا يستند إلى دليل، وأن المقصود من التجويد تحسين الصوت

والإتيان بحقوق حروف كلمات القرآن الكريم، وإعطاء هذه الحروف حقها ومستحقها، لكن لا يبلغ الحال إلى تأثيم من خالف في أمر من أحكام التجويد.

والقول الأعدل هو أن من أحكام التجويد ما هو واجب شرعا وهو ما تعلق به إقامة المبنى بما لا يخل بالمعنى، هذا القدر واجب شرعا، لأنه يفضي إلى لحن فاحش، واللحن الفاحش يفضي إلى إبطال الصلاة، لأن المعنى تغير فالقدر الذي يخل بالمبنى فيفسد المعنى يجب الإتيان به، يجب إتقانه وضبطه بناء على قواعد علم التجويد، وأما ما هو دون ذلك مما لا يفضي إلى إخلال بالمعنى يمكن أن يؤدي إلى لحن خفي لا إلى لحن فاحش أي لا يتغير به المعنى ولا يخل به الإعراب فإنه سنة مرغب فيها، لكن لا يبلغ حد الوجوب الشرعي، وهذا قول وسط فيه رفع للمشقة والكلفة، وهو متفق مع ما سار عليه المسلمون عبر عصورهم، لأن كتاب الله عز وجل لكل المسلمين، للعرب والعجم للأبيض والأحمر والأسود والأصفر وهم جميعا يقرؤونه باختلاف ألسنتهم وأوطانهم وأعراقهم، فيصعب أن يأتوا بكل أحكام التجويد، ولكن القدر الذي يحفظ المبنى ويقيم المعنى ولا يؤدي إلى لحن فاحش هذا أمر لا ينبغي النزول عنه.

كما أن التكلف في أحكام التجويد بما يؤدي إلى إخلال المعنى كالتطريب وإدخال ما يشبه الألحان هو أيضا مما يحرم في كتاب الله عز وجل، وما كان أقرب إليه أي من التطريب والتلحين والتكلف الظاهر فهو مكروه، وما كان مؤديا إلى مزيد من تحسين الصوت لتفهيم المعنى لكن تركه لا يؤدي إلى إخلال بالمعنى فهو مسنون مستحب ينبغي حفظه كما علمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه.

وأما الأدلة باختصار شديد، فلأنه كما تقدم لا يوجد دليل ينص على أن من أخل بشيء من أحكام التجويد أنه آثم شرعا،

وإنما ما دلت عليه الأدلة تتعلق بكيفية النطق لإقامة مباني هذه الحروف بما يحفظ معانيها، فما ورد على سبيل المثال من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا سئل عن قراءته، فقالت أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها عندما وصفت قراءته، قالت كان يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد مدا، وفي بعض الروايات فإنه كان يترسل حتى تعد الحروف، هذا لا يدل على الوجوب الشرعي في كل حكم من أحكام التجويد وإنما يدل على أن الإتيان بهذه الأحكام أمر مسنون مرغب فيه.

وفي رواية عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سمع قارئا يقرأ شيئا من كلام الله عز وجل وكان فيه مد متصل، فقرأ دون مد فقال ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها بالمد، ولذلك تقدم بأن ذلك لا يؤخذ منه قطعا لا يؤخذ منه أن أحكام التجويد كلها في مرتبة واحدة وهو الوجوب الشرعي. إنها سنة قولية وفعلية مرغب فيها إلا القدر الذي يمكن أن يفضي إلى لحن فاحش وإخلال بالمعنى.

وضربوا لذلك أمثلة مثلا في سورة الإسراء كان يفخم التاء من مستورا في قوله تعالى: " وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا " ففخم التاء وقال مسطورا فهذا لحن فاحش، أو في مسطورا أيضا في نفس السورة رقق الطاء حتى صارت تاء فهذا أيضا من اللحن الذي يؤدي إلى إخلال بالمعنى، هذه من أمثلة ما يكون حفظه من أحكام التجويد واجبا شرعا لأنه يؤدي إلى تغيير المعنى لأن التفريط فيه يؤدي إلى إخلال بالمعنى لما نتج من إخلال بالمبنى، فلم تعط الحروف حقوقها، فأدى ذلك إلى لحن فاحش، وهذا القول قول عدل وسط مرضي وإلا فالخلاف في المسألة تقدمت الإشارة إليه والله تعالى أعلم.

- هناك ما يتم تداوله من أن بعض القراء يقومون بإدخال أصواتهم في آلات معينة تدخل على أصواتهم شيئا من التحسين فتخرج القراءة لذيذة جدا وجميلة وجذابة لكنها ليست صوت القارئ الحقيقي إنما بتأثير تلك الآلة، هذا التصرف هل يصح مع القرآن الكريم؟

يمكن أن يلحق حكم هذه المسألة بمسألة سابقة دار حولها الحديث، وهي القراءة بالمقامات، فإذا كانت هذه الأجهزة لا تستعمل المعازف والموسيقى، ولا يحتاج القارئ إلى أن يتدرب أو يتعلم على شيء من المعازف أو الآلات الموسيقية، وكانت تعين على تحسين الصوت، لأجل مزيد تفهيم المعنى وتدبره دون تكلف أو مبالغة، وليس في استعمال هذه الأجهزة شيء من الامتهان لكلام الله عز وجل، وإنما هي من الوسائل المعينة على التدبر وعلى تفهيم المعاني فلا يظهر أن في استعمالها حرجا، إذا سلمت من هذه الشروط، وسلمت من هذه المحاذير، وكان القارئ فيها أيضا لم يخرج عن حدود الاعتدال في التقيد بأحكام التجويد ولم يبلغ حد التكلف فيما يسمع بعد ذلك بمعالجة هذه الأجهزة أو البرامج ولم يكن هناك ما لا يتناسب مع كلام الله عز وجل ومنزلته مما لا يليق به فلا يظهر حرج في استعمالها، أما إذا انخرم شيء من هذه الشروط فلا يجوز استعمالها والله تعالى أعلم.

- هل ورد شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد انتهاء صلاة الجماعة يتعلق بالمصافحة بين المصلين؟

لا لم يرد شيء، الصحيح أنه إذا كان البحث في ثبوت المصافحة بعد الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فالصحيح أن هذا الفعل في هذا الموضع بالذات لا يستند إلى أمر مسنون أثر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على وجه الخصوص ولذلك استعمل الفقهاء جملة ترددت كثيرا في كتبهم أن المصافحة بعد الصلاة لا أصل لها، ويقصدون أن هذا الفعل لا يستند إلى دليل خاص يمكن أن يأخذ منه مشروعية هذا الفعل بعد الصلاة أنه مما يسن الإتيان أو يندب الإتيان به بعد الفراغ من الصلاة.

لكن إن حصل فلا مانع، فإن مد مسلم إلى أخيه يده ليصافحه فعلى الآخر أن يمد يده إليه للمصافحة، لأنه داخل في عموم الأدلة الدالة على فضل السلام بين المسلمين والمصافحة بينهم، وأنه يغفر لهما بمصافحتهما ويقصد من ذلك اللمم والصغائر من الذنوب، لكن أن لا يؤدي ذلك إلى صرف المصلين عن الإتيان بالأذكار والأوراد والأدعية وما يسن الإتيان به بعد الفراغ من الصلاة، وأن لا يظن أنه مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن صحبه رضوان الله تعالى عليهم، لا، وإنما هو داخل في عموم ما ورد في المصافحة ولكن هذا يكون في حق من لم يلتق بأخيه من قبل من لم يصافح من قبل إن كان في سفر أو كان غائبا أو لم ينتبه إليه، وفرغا من اذكارهما ودعائهما واغتنما ذلك الوقت الذي يكون بعد الصلوات فحينئذ لا مانع، لكن أن يظن أنه مسنون أو أنه يستند إلى أصل في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أن يكون عادة متخذة جارية يمكن أن ينكر على من لم يفعلها، فهذا لا أصل له، ولا ينبغي أن يشتغل الناس به، أما على الجهة المتقدمة في بيان الجواز فلا مانع، والله تعالى أعلم.

- لدينا في المسجد عادة عند بعض الناس وهي المصافحة قبل خطبة الجمعة، بحيث عندما يدخل الواحد يقوم بمصافحة من حوله ومن يعرفهم، ما رأي فضيلتكم في هذا؟

هذا فيه انصراف عن ما هو أولى وأجدر بهم من ذكر الله عز وجل ومن الصلاة ومن تلاوة كتاب الله عز وجل

يوم الجمعة ومن التهيؤ لسماع الخطبة وأداء الصلاة وقد يحدث ذلك تشويشا على القارئين أو المشتغلين بأذكارهم وأورادهم أو المنصرفين إلى صلواتهم، فإذا كان هؤلاء يظنون بأنه مما يحمد فعله يوم الجمعة عند دخولهم إلى المسجد أو في غير الجمعة فليس هذا بصحيح، وإنما عليهم أن يتجهوا إلى أداء ركعتين قبل الجلوس ثم أن يشتغلوا إن كان الوقت يسمح لهم خاصة لمن أتى مبكرا لفضيلة التبكير أن يشتغلوا بتلاوة كتاب الله عز وجل أو بذكر الله عز وجل بصنوف الذكر المستحبة أو بالصلاة إلى أن يأتي الخطيب، لكن مع ذلك ورد عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنهم كانوا يتحدثون إلى أن يأتي الخطيب، فأن يكون بينهم حديث دون تشويش على المشتغلين بطاعة بذكر أو تلاوة لكتاب الله عز وجل، وكان حديثهم فيما هو مباح من أمر الدين والدنيا أو من علم نافع أو من نصح فيما بينهم فلا يغلظ عليهم، لكنهم تركوا ما هو أولى وأجدر وما هو أوفر لهم حظا في مثل تلك الساعات المباركة من يوم الجمعة إلى ما هو أدنى، هذا لا ينبغي للمسلم، والله تعالى أعلم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم یستند إلى لا ینبغی یفضی إلى یمکن أن شیء من فی هذا

إقرأ أيضاً:

طاعات بعد رمضان.. عبادات احرص عليها في هذه الأيام

من الطاعات التي تعقب شهر رمضان صيام الست من شوال، فعن ثوبان مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها» [رواه ابن ماجه].

ماذا بعد رمضان؟.. الإفتاء توضح كيفية التخلص من الفتور في العبادةعبادات يجوز أداؤها عن الغير .. أمين الفتوى يكشف عنهاطاعات بعد رمضان

يقول ابن حجر الهيتمي: «لأن الحسنة بعشر أمثالها، كما جاء مفسرا في رواية سندها حسن ولفظها «صيام رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام – أي: من شوال – بشهرين فذلك صيام السنة» أي: مثل صيامها بلا مضاعفة نظير ما قالوه في خبر: ﴿قل هو الله أحد﴾ تعدل ثلث القرآن وأشباهه، والمراد ثواب الفرض وإلا لم يكن لخصوصية ستة شوال معنى؛ إذ من صام مع رمضان ستة غيرها؛ يحصل له ثواب الدهر لما تقرر فلا تتميز تلك إلا بذلك.

واستطرد: حاصله أن من صامها مع رمضان كل سنة تكون كصيام الدهر فرضاً بلا مضاعفة ومن صام ستة غيرها كذلك؛ تكون كصيامه نفلا بلا مضاعفة كما أن يصوم ثلاثة من كل شهر تحصله أيضا» [تحفة المحتاج].


الذكر بعد رمضان

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، إن المأثور من الذكر المساعد على الثبات على العبادة بعد رمضان، هو ترديد ذكر "يا وارث" 1000 مرة ما بين المغرب والعشاء، وهذا ما ورد من المجربات عن العلماء السابقين.

وقال “جمعة”: عليك أخي الكريم بذكر الله؛ لما ورد فى قوله- تعالى-: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.. [الرعد : 28].

علامات قبول الطاعة بعد رمضان

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن المخاصمة سبب لعدم قبول الأعمال عند الله أو التوبة من الذنوب، ففي الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس؛ فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا".

وطالب عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، خلال أحد الدروس الدينية، بالتخلق بخلق المسامحة، حتى ولو أخطا الآخر في حقنا، وأضاف: "فقد كنا قديما عندما يعتدى علينا أحد؛ نقول له: "الله يسامحك" التي لم نعد نسمعها الآن، وأيضًا كنا نقول "صلي على النبي-صلى الله عليه وسلم-"، وأيضًا: "وحدوا الله"، فنحتاج هذه الأدبيات والأخلاق، وتراثنا الأصيل المشبع بأخلاق الإسلام يجب أن يعود مرة أخرى".

واستطرد: "القصاص لا نستوفيه من أنفسنا، وإنما يكون من خلال القضاء الذي وضعه الشرع لنا كضابط، فعندما يظلمنا أحد؛ لا نقتص منه بأيدينا، وإنما نلجأ للقاضي؛ ليقتص لنا".

مقالات مشابهة

  • الحساب الموثق بالعلامة الزرقاء المنسوب الى ياسر العطا في منصة X مزيف
  • حكم زيارة القبور والأضرحة في الإسلام.. أمين الفتوى يجيب
  • طاعات بعد رمضان.. عبادات احرص عليها في هذه الأيام
  • استقبل ونائبه المهنئين بعيد الفطر.. المفتي: حريصون على نشر العلم الشرعي بالأحكام العامة والخاصة
  • آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها
  • أنوار الصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام
  • سماحة المفتي العام و”نائبه” يستقبلان المهنئين بعيد الفطر
  • المفتي العام ونائبه يستقبلان المهنئين بعيد الفطر المبارك
  • المفتي العام يحذر من تداول نسخة من القرآن الكريم
  • الإخلاص والخير.. بيان المراد من حديث النبي عليه السلام «الدين النصيحة»