أنقرة- استحوذت التطورات السياسية في تركيا هذا الأسبوع على اهتمام الرأي العام بشكل لافت، حيث دخلت البلاد مرحلة حساسة مع تصاعد التوترات بين أروقة السلطة والمعارضة.

وفي صدارة هذه التطورات، برز موقف حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، الذي لمّح إلى احتمال الدفع نحو انتخابات مبكرة، إذا تم تأييد الحكم الصادر بحق رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو.

ويواجه إمام أوغلو حكما بالسجن ومنعا من ممارسة العمل السياسي بتهمة إهانة أعضاء المجلس الأعلى للانتخابات فيما عرف بـ"قضية الأحمق"، ويقف على مفترق طرق، مما يضع مستقبل المشهد السياسي التركي أمام منعطف حاسم في حال تأييد الحكم الصادر بحقه.

ما القصة؟

تعود جذور القضية إلى عام 2019، حين وجه وزير الداخلية السابق، سليمان صويلو، انتقادات لاذعة لإمام أوغلو بعد حديثه في "المؤتمر الأوروبي للسلطات المحلية والإقليمية" وانتقاده للحكومة التركية، حيث قال صويلو: "أقول للأحمق الذي يذهب إلى البرلمان الأوروبي ويشكو تركيا، إن هذه الأمة ستجعلك تدفع ثمن ذلك".

إمام أوغلو لم يتأخر في الرد وصرّح: "الأحمق هو من ألغى الانتخابات في إسطنبول"، في إشارة واضحة إلى قرار المجلس الأعلى للانتخابات بإلغاء نتائج الانتخابات البلدية التي فاز بها ذلك العام. وهو ما دفع أعضاء المجلس إلى رفع دعوى قضائية ضد إمام أوغلو بتهمة الإهانة العلنية، مما أدى إلى إحالة القضية إلى مكتب المدعي العام في إسطنبول، حيث تم اتهامه رسميا "بإهانة الموظفين العموميين".

في 14 ديسمبر/كانون الأول 2022، أصدرت المحكمة الجنائية السابعة في إسطنبول حكما يقضي بسجن إمام أوغلو لمدة عامين و7 أشهر و15 يوما، بالإضافة إلى منعه من ممارسة العمل السياسي لمدة 4 سنوات، وهو ما شكّل صدمة للأوساط السياسية ودفع المعارضة إلى رفع سقف اعتراضاتها على هذا القرار.

مع بداية عام 2023، انتقلت القضية إلى محكمة الاستئناف للنظر في الحكم الصادر بحق إمام أوغلو، ولا تزال حتى الآن قيد النظر، حيث ينتظر ما ستؤول إليه هذه المحاكمة التي قد تكون لها تداعيات كبيرة على مستقبل إمام أوغلو السياسي، وربما على المشهد السياسي التركي بأكمله.

ما الجديد؟

مع تواتر الأنباء عن اقتراب صدور حكم الاستئناف، قد يقصي أحد أبرز المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية عام 2028، اجتمع الفريق القانوني لحزب الشعب الجمهوري يوم الثلاثاء الماضي، بناء على توجيهات رئيسه أوزغور أوزال، وبحضور أكرم إمام أوغلو، لتقييم الخطوات القانونية والسياسية الممكنة في مواجهة احتمالية فرض حظر سياسي على إمام أوغلو.

وقال أوزال، في تصريحات الثلاثاء الماضي، إن إثارة الجدل حول الحكم قبل صدوره هو محاولة لتطبيع الشارع التركي مع القرار المنتظر، "هذا ليس سوى هراء، وأشك في أن الحكومة تجرؤ على إلحاق مثل هذا العار بتركيا مجددا، خاصة بعد أن واجهوا عقابا شديدا من الناخبين في إسطنبول".

من جانبه، صرّح نائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب غوكان غونايدن: "إذا أيدت المحكمة الحكم، سنقوم بحملة في جميع أنحاء الأناضول، وسنعمل على خلق حالة تفرض إجراء انتخابات، دون انتظار الموعد المحدد في 2026 أو 2027، لن يسمح أحد بتمرير هذا القرار بسهولة".

في السياق، كشف الصحفي شعبان سيفينتش، المعروف بقربه من الشعب الجمهوري، أن الحزب قد اتخذ قراره بترشيح أكرم إمام أوغلو ليكون مرشحه الرسمي في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ووفقا له، يسعى الحزب لتعزيز موقفه الانتخابي من خلال اقتراح منصور ياواش، رئيس بلدية أنقرة، ليكون نائبا للرئيس، وذلك في حال موافقته على الانضمام إلى هذا التحالف.

وأضاف أن هذا القرار جاء بعد سلسلة من المشاورات المكثفة داخل الحزب بهدف توحيد الجهود والاستفادة من الشعبية الواسعة التي يحظى بها كل من إمام أوغلو وياواش، ويبدو أن الحزب يراهن على هذه التوليفة لتعزيز فرصه في مواجهة التحديات المقبلة.

تهديد بالعصيان

حذر أكرم إمام أوغلو -في أبرز تصريحاته حول القضية- من خروج مظاهرات واسعة في حال صادقت محكمة الاستئناف على الحكم الصادر بحقه. وقال في مقابلة مع قناة "سوزجو" التركية: "في حال قرر الاستئناف التأكيد على الحكم، فلن يبقى أولئك الذين في السلطة يوما واحدا، الناس سيخرجون إلى الشوارع ويعلنون العصيان".

وبرأيه، فإن تأكيد الحكم "سوف يسيء إلى سمعة تركيا في الخارج ويعمق حالة عدم الثقة بشأن الاقتصاد"، وعدّ "العملية القضائية الحالية غير عادلة وتنطوي على تلاعب سياسي"، مضيفا أن الهدف هو "جعله محظورا سياسيا من خلال عمل سخيف".

في المقابل، رد وزير العدل التركي يلماز تونتش على تصريحات أكرم إمام أوغلو بلهجة حازمة، قائلا: "لا يمكن لأحد أن يرهب أعضاء السلطة القضائية بالتلويح بأصابعه أمام البرامج التلفزيونية".

وأضاف أن القضاء يتخذ قراراته في إطار الدستور والقوانين والتشريعات ذات الصلة. ولا يليق بأحد أن يدلي بتصريحات حول قضية جارية أو أن يهدد القضاء.

وتابع تونتش: "عندما لا يعجبك قرار المحكمة الابتدائية، يمكنك الاستئناف وتقديم دفاعك هناك، والقضاء هو الذي يقرر، ولا يحق لأي سلطة أن تهدد القضاء بشكل صاخب أو أن ترفع أصابعها وتقول: لا يمكنك اتخاذ هذا القرار".

من جهته، أكد جوكشان عولو كوش الرئيس السابق لقسم الشباب في الشعب الجمهوري أن أي إجراء قد يتخذه الحزب في حال صادقت محكمة الاستئناف على الحكم الصادر ضد أكرم إمام أوغلو، سيكون ضمن الأطر القانونية المستحقة.

وفي حديثه للجزيرة نت، شدد عولو كوش على أن تأييد المحكمة للقرار سيترتب عليه خطوات عدة قد تؤجج الوضع السياسي في البلاد، مما قد يدفع نحو إجراء انتخابات مبكرة قد يكون إمام أوغلو مرشحا فيها للرئاسة.

وأكد أن الإدارة القضائية في تركيا "يجب أن تأخذ في الاعتبار حساسية هذه القضية وعواقبها المحتملة"، داعيا إلى مراجعة أصلها والتي عدها "غير مستحقة لكل هذا التضخيم"، على حد قوله.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أکرم إمام أوغلو الشعب الجمهوری الحکم الصادر فی إسطنبول هذا القرار فی حال

إقرأ أيضاً:

المعارضة التركية تطالب بانتخابات مبكرة وتتعهد بمواصلة الاحتجاجات

طالب زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا أوزغور أوزيل اليوم الأحد بإجراء انتخابات مبكرة في موعد لا يتجاوز نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وتعهد بمواصلة الاحتجاجات على خلفية توقيف رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو.

وقال أوزيل متوجها إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "في موعد لا يتجاوز نوفمبر/تشرين الثاني، ستواجهون مرشحنا.. ندعوكم للاحتكام مجددا إلى إرادة الشعب.. نحن نتحداكم. نريد مرشحنا إلى جانبنا وصناديق الاقتراع أمامنا".

جاء ذلك خلال مؤتمر استثنائي للحزب في أنقرة لانتخاب زعيمه، وكان أوزيل هو المرشح الأوحد ونال 1171 صوتا من أصل 1276.

وانعقد المؤتمر الاستثنائي بعد أن قال حزب الشعب الجمهوري إن السلطات تسعى إلى تعيين مسؤول لإدارة الحزب، في أعقاب تحقيق أجراه الادعاء العام في مخالفات مزعومة حول مؤتمر الحزب عام 2023.

كما تعهد أوزيل بمزيد من الاحتجاجات على سجن إمام أوغلو، وقال إن الهدف من ذلك هو مواصلة حشد أكبر مظاهرات في تركيا خلال ما يزيد على 10 سنوات.

وأضاف أن الحزب سينظم في مطلع كل أسبوع احتجاجا على سجن إمام أوغلو في مدينة مختلفة، فضلا عن تجمعات بمناطق مختلفة في إسطنبول مساء كل أربعاء.

إعلان انتخابات رئاسية

ومن المقرر إجراء انتخابات عامة في عام 2028، وإذا أراد أردوغان الترشح مجددا سيتعين الحصول على موافقة البرلمان لإجراء انتخابات مبكرة إذ سيكون الرئيس قد بلغ أقصى صلاحياته بحلول ذلك التاريخ.

وخلال تصويت داخلي بحزب الشعب الجمهوري في 23 مارس/آذار، أيد ما يقرب من 15 مليون عضو بالحزب ترشيح إمام أوغلو للانتخابات الرئاسية المقبلة.

وبعد إلقاء القبض على أوغلو، نظم الحزب تجمعات حاشدة أمام مبنى بلدية إسطنبول كل مساء لمدة أسبوع، كما نظم مظاهرة كبيرة في منطقة مالتيبي بالمدينة مطلع الأسبوع الماضي.

وبدأت الاحتجاجات في 19 مارس/آذار الماضي، عندما ألقت السلطات القبض على إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول وعضو حزب الشعب الجمهوري، بتهم فساد.

وبينما يقول محتجون وأحزاب معارضة وزعماء أوروبيون وجماعات حقوقية إن الإجراءات بحق رئيس البلدية مسيّسة ومعادية للديمقراطية، تنفي الحكومة أي نفوذ لها على السلطة القضائية وتقول إن المحاكم مستقلة.

مقالات مشابهة

  • زعيم المعارضة التركية يتحدى إردوغان: سننقذ تركيا ولن نصمت بشأن اعتقال إمام أوغلو
  • المعارضة التركية تطالب بانتخابات مبكرة وتتعهد بمواصلة الاحتجاجات
  • الجارديان: هل حانت نهاية الديمقراطية التركية؟
  • تركيا.. الشعب الجمهوري يعيد انتخاب زعيمه اليوم
  • حزب الشعب الجمهوري المعارض يعقد مؤتمرا استثنائيا في أنقرة
  • اعتقال فنان تركي شهير لمشاركته بمظاهرات المعارضة
  • استمرار تداعيات اعتقال “إمام أوغلو”.. حملة “يوم بلا استهلاك” وتحذيرات من المقاطعة
  • أوغلو من السجن: مستمر نحو رئاسة تركيا
  • إمام أوغلو في السجن: بين تلاوة القرآن وقراءة الشعر
  • إكرام إمام أوغلو يوجه بيانًا من السجن إلى حزب الشعب الجمهوري: الحكومة لا تريد مرشحًا منافسًا