نقلت صحيفة "فاينانشال تايمز"، الخميس، عن مصادر مطلعة أن السعودية تتأهب للتخلي عن هدفها غير الرسمي لسعر النفط الخام عند 100 دولار للبرميل في إطار استعدادها لزيادة الإنتاج من أجل استعادة حصتها في السوق حتى ولو على حساب انخفاض الأسعار.
وخفض تحالف أوبك+، الذي يضم منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاء آخرين من بينهم روسيا، إنتاج النفط لدعم الأسعار.
ومع ذلك، انخفضت الأسعار بنحو 6 في المئة حتى الآن هذا العام وسط زيادة الإمدادات من منتجين آخرين، وخاصة الولايات المتحدة، بالإضافة إلى ضعف نمو الطلب في الصين.
ووافق تحالف أوبك+ في وقت سابق من الشهر على تأجيل زيادة كانت مقررة لإنتاج النفط في أكتوبر لشهرين بعد أن وصلت أسعار الخام إلى أدنى مستوياتها في تسعة أشهر، وقال إنه قد تتوقف مؤقتا عن الزيادة أو تتراجع عنها إذا لزم الأمر.
وذكرت فاينانشال تايمز أن التحالف ملتزم بزيادة الإنتاج كما هو مقرر في أول ديسمبر حتى ولو أدى ذلك إلى انخفاض أسعار النفط لفترة أطول.
وهبط خام برنت بنحو 2.6 في المئة إلى 71.57 دولار بحلول الساعة 0745 بتوقيت غرينتش بعد تقرير الصحيفة.
ولم يرد مركز التواصل الحكومي في السعودية على طلب للتعليق حتى الآن.
وذكرت الصحيفة أن السعودية رأت أنها غير مستعدة لمواصلة التنازل عن حصتها في السوق لمنتجي نفط آخرين وتعتقد أن لديها خيارات تمويل تشمل احتياطيات العملة الأجنبية والديون وتكفي لتحمل انخفاض أسعار الخام لفترة.
وتتحمل المملكة، أكبر مُصدر للنفط في العالم، حصة كبيرة من تخفيضات أوبك+ للإنتاج من خلال خفض إنتاجها بنحو مليوني برميل يوميا منذ أواخر عام 2022.
ويخفض أعضاء أوبك+ حاليا الإنتاج بإجمالي 5.86 مليون برميل يوميا، أي ما يعادل حوالي 5.7 بالمئة من الطلب العالمي على النفط.
لكن السعودية زادت الإنتاج من قبل للحفاظ عن حصتها في السوق.
وخاضت السعودية وروسيا حرب أسعار في عام 2020 وأغرقتا الأسواق العالمية بالنفط بعد أن رفضت موسكو دعم قرار أوبك زيادة خفض الإنتاج للتعامل مع تداعيات جائحة كوفيد-19.
وحجبت الرياض في عام 2014 دعوات من بعض أعضاء أوبك لخفض الإنتاج لوقف انخفاض أسعار النفط مما مهد الطريق لمعركة على حصة في السوق بين أوبك والدول المنتجة من خارج المنظمة وسط طفرة في إنتاج النفط الصخري الأميركي.
وقالت أوبك والسعودية مرارا إنهما لا تستهدفان سعرا معينا للنفط وتتخذان القرارات بناء على أساسيات السوق ولتحقيق التوازن بين العرض والطلب.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: فی السوق
إقرأ أيضاً:
انخفاض الدولار واقتصاديات الخليج
علي الرئيسي **
ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن فرض الرسوم الجمركية كان من المفترض أن يُقوِّي من سعر صرف الدولار الأمريكي، ولكن ما حصل هو العكس تمامًا؛ فمُنذُ منتصف يناير الماضي وحتى الآن فقدت العملة الأمريكية حوالي 9% من قيمتها، مقابل سلة من أهم العملات.
وقد حدث خُمسا هذا الانخفاض منذ الأول من أبريل، حتى مع ارتفاع عائد سندات الخزانة الأمريكية لعشر سنوات تدريجيًا بمقدار 0.2 نقطة مئوية. هذا المزيج من ارتفاع العائدات وانخفاض قيمة العملة يُنذر بالخطر؛ إذ إن المستثمرين يهربون رغم ارتفاع العوائد، ولا بُد أن ذلك عائد إلى اعتقادهم بأنَّ أمريكا أصبحت أكثر خطورة. وتنتشر شائعات بأنَّ كبار مديري الأصول الأجنبية يتخلصون من الدولار الأمريكي.
وتقول مجلة "ذي إيكونيميست" البريطانية، إنه لعقودٍ من الزمن، اعتمد المستثمرون على استقرار الأصول الأمريكية، جاعلين منها ركائز للتمويل العالمي. ويساهم عُمق سوقٍ بقيمة 27 تريليون دولار في جعل سندات الخزانة الأمريكية ملاذًا آمنًا؛ إذ يُهيمن الدولار على تداول كل شيء، من السلع والبضائع إلى المشتقات المالية. ويدعم هذا النظامَ، بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي أطلق وعودًا بالوصول إلى مستويات مُنخفضة من التضخم، وبالحوكمة الأمريكية المتينة، التي تُرحّب بالأجانب وأموالهم وتُؤمِّن لهم الأمان. وفي غضون أسابيع قليلة، استبدل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذه الافتراضات الراسخة بشكوكٍ مُقلقة.
وبات دخول الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود- حسب معظم المراقبين- أمرًا واردًا؛ نتيجةً لفرض الرسوم الجمركية؛ مما سيدفع ببنك الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة (مع العلم أن ترامب هدَّد رئيس الفيدرالي بإعفائه من منصبه). وخفض أسعار الفائدة سيكون أمرًا ضروريًا، خاصةً إذا ساءت إحصائيات سوق العمل؛ مما سيؤدي إلى زيادة في انخفاض الدولار أمام العملات الأخرى.
وفي سياق متصل، أعلن صندوق النقد الدولي خلال اجتماعات الربيع المُنعقدة في واشنطن حاليًا، خفض توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي من 3% إلى 2.8%، كما حذر من المخاطر المتزايدة والمحتملة على النظام المالي والمصرفي العالمي.
ولا شك أن انخفاض الدولار الأمريكي سيكون له تداعيات مهمة على اقتصادات دول الخليج، التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأسواق المالية العالمية، كما إن عملاتها مربوطة بسعر صرف الدولار.
وفيما يلي أبرز القنوات التي سيتجلَّى فيها تأثير هذا الانخفاض:
الإيرادات النفطية: إذ إن الدول الخليجية تعتمد بشكل كبير على الإيرادات النفطية، وبما أن النفط مُسعَّر بالدولار، فإن تراجع الدولار قد يُخفِّض إيرادات هذه الدول مقابل العملات الأخرى. ورغم احتمال ارتفاع سعر النفط، نتيجة لانخفاض الدولار، إلّا أن ما شهدناه خلال الأسابيع الماضية هو انخفاض كبير في أسعار النفط. لذلك؛ هناك انخفاض في قيمة الدولار، كما إن الأسعار انخفضت نتيجة للزيادة في الإنتاج التي قررتها مجموعة "أوبك بلس". وانخفاض أسعار النفط إضافة إلى هبوط سعر الدولار وبالتالي تراجع أسعار صرف عملات دول الخليج مقابل العملات الأخرى، كل ذلك من شأنه أن يُعقِّد من وضع الموازنات العامة في دول الخليج، وقد يتسبب في تسجيل عجوزات مالية في هذه الموازنات.
وانخفاض قيمة الدولار سيجعل من الصعب الحصول على قروض مُقوَّمة بالدولار، وخاصة بأسعار تنافسية؛ مما سيؤثر على خدمة الدين العام. ورغم أن معظم دول الخليج لا تزال تتمتع بملاءة جيدة للاقتراض، غير أن ذلك لن يستمر طويلًا إذا واصل الدولار نزوله.
المسألة الأخرى، هي موضوع إدارة الاحتياطيات الأجنبية؛ حيث إن دول الخليج تحتفظ بجزء كبير من احتياطاتها بالدولار الأمريكي، وسيؤدي انخفاض سعر صرف الدولار إلى تراجع قيمة هذه الاحتياطيات؛ مما سيؤثر على الاستقرار المالي في هذه الدول، وستضطر هذه الدول إلى البحث عن استراتيجيات جديدة في مجال الصرف الأجنبي. وتحتفظ معظم الصناديق السيادية بأصول بالدولار، وقد يُسبِّب لها هذا الانخفاض، هبوطًا في أرباحها، وربما خسائر في حالة إعادة تقييمها.
والواضح جدًا أن انخفاض سعر الدولار وبالتالي تراجع أسعار صرف عملات دول الخليج، سيرفع من قيمة الواردات، وخاصة أن هذه الدول تستورد تقريبًا معظم السلع والخدمات من الخارج، ونتيجة لذلك سترتفع أسعار هذه السلع وخاصة السلع الغذائية. وارتفاع أسعار السلع وبالذات السلع الغذائية، سيكون له تأثير كبير على الفئات الفقيرة والمتوسطة. وهذا الارتفاع في أسعار السلع والخدمات سيرفع من معدلات التضخم في هذه الدول.
صحيحٌ أن انخفاض الدولار سيؤدِّي إلى ان تكون صادرات دول الخليج أكثر تنافسية في السوق العالمية، وبالتالي ستستفيد هذه الصادرات من هذا الانخفاض، لكن معظم الصناعات الخليجية تعتمد على المُدخلات المُستورَدة، وقيمة هذه المدخلات سترتفع أسعارها نتيجة لانخفاض سعر الدولار.
في المقابل، ستستفيد السياحة من انخفاض الدولار ومن انخفاض قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأخرى، وقد يؤدي ذلك إلى زيادة في عدد السُيَّاح؛ نظرًا لانخفاض قيمة العملة. لكن انخفاض قيمة العملة أيضًا سيؤثر سلبًا على السياح الخليجيين؛ حيث إن الأسعار ستكون مرتفعة بالنسبة لهم في البلدان التي سيقومون بزيارتها.
أما بالنسبة للعمالة الوافدة، فإن عددًا كبيرًا من العمالة الوافدة تقوم بتحويل جزء كبير من دخلها إلى بلدانها، والانخفاض في قيمة العملة سيؤدي إلى انخفاض في قيمة الأموال المُحوَّلة، مما سيرفع من رواتب العمالة الأجنبية لتعويض هذا الانخفاض.
ارتباط العملات بالدولار: عملات دول الخليج مرتبطة بالدولار الأمريكي (عدا الكويت إلى حد ما، تربط عملتها بسلة من العملات يُهيمن عليها الدولار)، وانخفاض الدولار يُمكن أن يؤدي إلى تغيير في السياسات؛ بما في ذلك تغيير في أسعار الفائدة أو إعادة تقييم لربط العملة.
وأخيرًا.. إنَّ ارتباط سياسة سعر صرف عملات دول الخليج بالعملة الأمريكية، وإن كان لفترة طويلة كان مناسبًا واستفادت دول الخليج من استقرار الدولار، إلا أن دخول الاقتصاد الأمريكي في مرحلة عدم اليقين- وخاصة إذا أدركنا أن الدين العام وصل إلى مرحلة خطرة، بما يُهدد استقرار هذ العملة- فقد يكون من المناسب أن تبحث دول الخليج عن خيارات ربط عملاتها بسلة من العملات أو تعويم عملاتها أو البحث في خيارات أخرى، لا سيما بعد أن توقف قطار توحيد وتقريب عملات دول المجلس.
** باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية
رابط مختصر