الفاشر- في خضم الحرب المستعرة في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غرب السودان، تشارك النساء في الصفوف الأمامية ضمن قوات الجيش والقوات المشتركة لحركات الكفاح المسلح، واتخذن من السلاح وسيلة للدفاع عن حقوقهن وممتلكاتهن، ليظهرن أنهن لسن مجرد ضحايا، بل فاعلات رئيسيات في المعركة ضد قوات الدعم السريع.

ومنذ بداية الحرب في السودان، تعرضت النساء لانتهاكات جسيمة أثرت بشكل عميق على حياتهن، فقد واجهن ظروفا قاسية من العنف، مما جعل حياتهن اليومية مليئة بالتحديات، ومع ذلك، يبدين شجاعتهن بشكل يثبت قوة إرادتهن وتصميمهن على مواجهة المخاطر.

في الميدان

تبرز قصة المراسلة الحربية الرقيب أول آسيا الخليفة قبلة كواحدة من اللواتي لعبن دورا رائدا في الدفاع عن المدينة، فرغم نشأتها في بيئة مليئة بالتحديات، فإنها أصبحت رمزا للعزيمة في مدينة الفاشر من خلال عملها العسكري مع القوات المسلحة، حيث ساهمت في تعزيز الروح الوطنية، وتحفيز الآخرين على المشاركة في الدفاع عن الوطن.

كانت آسيا أيضا ناشطة اجتماعية، تسعى لتحسين أوضاع النساء والأطفال، من خلال مشاركتها في المبادرات المحلية، التي ساعدت بتوفير الغذاء والمأوى للعديد من النازحين، مما جعلها نموذجا يُحتذى به للكثيرات في المجتمع.

وتقول للجزيرة نت "نحن نكافح من أجل حقوقنا، نحن هنا لحماية وطننا، ولنثبت أن النساء قادرات على مواجهة الظلم"، مؤكدة أن النساء في السودان لا يقبلن دور الضحايا، بل يشاركن بفعالية في جميع جوانب الحياة.

وتحدثت المراسلة عن فقدان النساء لأزواجهن وأبنائهن، ونهب ممتلكاتهن وتهجير أخواتهن، مما جعل حياتهن بلا مأوى، وتتساءل "كيف يمكنني أن أظل صامتة بينما تُغتصب أخواتي في الخرطوم ودارفور ومدن أخرى؟".

وتضيف "علينا أن نخرج للدفاع عن وطننا، فالقوات المسلحة هي ضمانة أمان السودان"، وأشادت بالنساء السودانيات اللواتي قررن البقاء ضمن قيادة الجيش السوداني، واللواتي يعملن في الإسعافات الأولية وقمن بدعم القوات السودانية في هذه الحرب.

نساء مدافعات عن الفاشر بالسلاح (الجزيرة) امرأة مقاتلة

كما تم تداول قصة السيدة سارة إسماعيل كمثال حي على الشجاعة في مدينة الفاشر، حين ظهرت في مقاطع فيديو وهي تتقدم الصفوف في إحدى المعارك بمدينة الفاشر ببسالة في لحظات حاسمة، وكانت تحمل السلاح بينما تتولى أيضا مهمة إسعاف الجرحى والمصابين.

وتقول سارة في حديثها للجزيرة نت "لم يكن لدي خيار سوى أن أكون في الصفوف الأمامية، شعوري بالواجب تجاه وطني وشعبي يدفعني للاستمرار رغم المخاطر، فأنا أؤمن بأنني أساهم في تحقيق تغيير إيجابي"، وتضيف أن المرأة تستطيع أن تكون قوية وفعالة في الأوقات الصعبة، "لقد شهدنا الكثير من الألم، لكننا أيضا شهدنا الكثير من الأمل" حسب قولها.

وقالت إنها تلتقي كل يوم بنساء يشاركنها الرغبة نفسها في تحقيق السلام، وهو ما يعطيها القوة للاستمرار. وتتحدث عن التحديات التي تواجهها مشيرة إلى أن "الأمر ليس سهلا، نواجه انتقادات وصعوبات كثيرة، لكننا نثبت للعالم أن النساء قادرات على تغيير مجرى الأحداث، نحن هنا لنبني مستقبل أفضل للأجيال القادمة، ولن نتراجع عن هذا الهدف".

تضامن بين النساء

ولا تقتصر قصص النساء اللاتي شاركن في المعارك على كفاحهن في ساحة القتال فحسب، بل تتعدى إلى تضحياتهن الكبيرة وهن يعكسن قوة المرأة الدارفورية في مواجهة التحديات، خاصة في الأعمال التطوعية، وضربت السيدة إيمان إبراهيم مثالا على ذلك، بعملها مع نساء أخريات في إعداد وجبات المطابخ الجماعية للنازحين.

وتقول إيمان للجزيرة نت إن تقديم المساعدة للنازحين يُعد واجبا إنسانيا بالنسبة له، حيث تعكس فيه روح التضامن والتعاون التي تجمع بين أفراد المجتمع، مشيرة إلى سعيها المستمر في تلبية احتياجاتهم الأساسية.

وأضافت أنها واجهت العديد من الصعوبات، لكنها لم تسمح لذلك بأن يعيق عملها، فهي تؤمن بأن العمل التطوعي هو السبيل لتحقيق تغيير حقيقي في المجتمع، وذكرت أن دور المرأة لا يقتصر على تقديم المساعدات، بل يتعدى ذلك إلى تعزيز الوعي والتمكين.

وأكدت إيمان ضرورة بناء قدرات النساء ليتمكنّ من اتخاذ القرارات والمشاركة الفاعلة في إعادة بناء مجتمعاتهن، قائلة "عندما نتعاون وندعم بعضنا، نصبح أقوى، نحن بحاجة إلى العمل كفريق واحد لتجاوز كل الصعوبات"، كما دعت الجميع إلى المشاركة في العمل الإنساني، مؤكدة أن كل جهد صغير يمكن أن يُحدث فرقا كبيرا.

ويشير الدكتور آدم حسين أستاذ علم الاجتماع بجامعة الفاشر إلى الدور البارز الذي لعبته المرأة في تاريخ السودان، خصوصا خلال الحروب والثورات، موضحا أن النساء كن جزءا أساسيا من الثورة السودانية، حيث شاركن بفاعلية في التظاهرات والاحتجاجات وكن صوتا قويا للمطالبة بالتغيير والعدالة.

وقال في حديثه للجزيرة نت إن "المرأة السودانية أظهرت شجاعة وإصرارا ملحوظين، مما ساهم في تشكيل مسار الأحداث السياسية والاجتماعية"، وأضاف أن مساهمتها لم تقتصر على القتال فحسب، بل امتدت إلى تنظيم الإمدادات والدعم اللوجستي للمقاتلين، وهو ما يبرز دورها الفعال في دعم الجهود الحربية.

كما نوه إلى أهمية دور "الحكامات" اللواتي كن يحفزن الجنود عبر الأغاني والحكايات، بالإضافة إلى تقديم المشورة، وسلط الضوء على شخصية حواء الطقطاقة، التي عُرفت بشجاعتها في المعارك عبر العصور، حيث كانت رمزا للقوة النسائية في مواجهة التحديات وفيما يتعلق بالرعاية الصحية.

وذكر الدكتور حسين أن النساء تحملن مسؤوليات كبيرة في تقديم العناية الطبية للجرحى، مما أسهم في إنقاذ العديد من الأرواح، وأكد أن مساهمتهن في هذه المجالات تعكس قدرتهن على التأثير في مجريات الأحداث، مما يبرز أهمية دورهن في بناء مجتمع قوي ومتماسك، حتى في أصعب الظروف.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات للجزیرة نت أن النساء

إقرأ أيضاً:

البعثة الأممية: الليبيات يشكلن ‎%‎46 من القوى العاملة لكن أدوارهن القيادية محدودة

قالت البعثة الأممية في ليبيا إن النساء يشكلن ما يقرب من 46% من القوى العاملة في المؤسسات الحكومية الليبية؛ ومع ذلك، لا يزال تمثيلهن في الأدوار القيادية محدودًا بشكل ملحوظ، وفقًا لدراسة حديثة أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة عُرضت خلال جلسة نقاش عبر الإنترنت بتيسير من الأمم المتحدة في أبريل.

استضافت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وهيئة الأمم المتحدة للمرأة فعاليةً للاحتفال باليوم الوطني للمرأة الليبية، بهدف تعزيز النقاش حول التحديات التي تواجه المرأة في القطاع العام. شاركت حورية طرمال، وزيرة الدولة لشؤون المرأة بحكومة الدبيبة، وفلورنس باستي، ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة في تونس وليبيا، وأكثر من سبعين امرأة ليبية من مختلف المناطق.

أكدت طرمال خلال مداخلتها على ضرورة التعاون وتضافر الجهود لتمكين المرأة في ليبيا، قائلةً: “يجب أن تتضافر الجهود الدولية والمحلية. أدعو جميع نساء الوطن إلى التكاتف في جميع القضايا، سواءً كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. أنا متفائلة ومتحمسة رغم كل ما يحيط بنا، لكنني على ثقة كبيرة بأننا معًا سنحقق هذا الهدف. سنهيئ بيئة آمنة للمرأة الليبية”.

وقالت باستي أنه علينا أن نُترجم نتائج هذه الدراسة إلى سياسات، والسياسات إلى ممارسات، مضيفةً: “يجب علينا تعزيز الحوكمة المؤسسية، وتطبيق أنظمة ترقية قائمة على الجدارة، وتهيئة بيئات عمل آمنة وداعمة للمرأة. ويجب علينا مواصلة الاستماع إلى أصوات النساء، لا سيما العاملات في الصفوف الأمامية في الخدمة العامة، اللاتي يُضفين التفاني والمرونة والرؤية على إعادة بناء ليبيا”.

تناولت دراسة هيئة الأمم المتحدة للمرأة، التي قدمتها المحامية والناشطة في المجتمع المدني، هالة بوقعيقيص، التحديات التي تواجه المرأة في القطاع العام، بما في ذلك المعوقات الاجتماعية، وضعف إنفاذ القوانين القائمة، وتركز القوى البشرية العاملة من النساء في قطاعات وظيفية محددة.

تكشف الدراسة عن ارتفاع تمثيل النساء في قطاعات مثل التعليم (70%) والصحة (63%)، بينما لا تزال المرأة ممثلة تمثيلاً ناقصاً بشكل ملحوظ في مجالات مثل الدفاع (4%) والشؤون الداخلية (7%). وعلى الرغم من هذه المشاركة، لا يزال وجود المرأة في المناصب القيادية محدوداً للغاية؛ حيث سُلط الضوء على أن معظم النساء يتركزن في أدوار إدارية أدنى، مما يحد من وصولهن إلى مناصب صنع القرار الحاسمة.

وتدعو الدراسة إلى إعادة تقييم شاملة للأطر التشريعية والقانونية القائمة لتطوير آليات تنفيذ فعالة تعود بالنفع على المرأة. تدعو هذه الجلسة إلى اتخاذ تدابير مثل وضع خطط واضحة للتطوير المهني وأنظمة ترقية قائمة على الجدارة، وتعزيز قدرات مكاتب تمكين المرأة في الوزارات. كما شُدّد خلال الجلسة الإلكترونية على أهمية إجراء دراسات شاملة ودورية لفهم احتياجات الموظفات بشكل أفضل وتحسين ظروف عملهن.

مقالات مشابهة

  • حشود غير مسبوقة تتدفق الى ساحات مسيرات مع غزة وفلسطين في مواجهة القتلة والمستكبرين
  • حرب السودان في عامها الثالث: الجيش يتقدم وانتهاكات جديدة بواسطة الدعم السريع
  • لجنة نصرة الأقصى تحدد أكثر من800ساحة للاحتشاد في مسيرات “مع غزة وفلسطين.. في مواجهة القتلة والمستكبرين”
  • البعثة الأممية: الليبيات يشكلن ‎%‎46 من القوى العاملة لكن أدوارهن القيادية محدودة
  • الأمم المتحدة: النساء يشكّلن 46% من القوى العاملة الحكومية
  • شنيب: عزوف النساء عن الترشح يثير القلق.. ونُطلق مبادرة لدعم المرشحات
  • في بيان أصدرته: “الدعم السريع” تمنح الجيش والمشتركة فرصة الخروج الآمن من الفاشر
  • تقرير يكشف الفجوات الحرجة بين الجنسين في سوق العمل والدخل بالمنطقة العربية
  • ضمن ملتقى "أهل مصر" للمرأة الحدودية بالعريش.. لقاء حول "العمل التطوعي" وورش فنية وحرفية متنوعة
  • هل الرجل أفضل من المرأة؟