الإنجازات المزعومة للعنصريين في تركيا.. ماذا حققوا؟ وبماذا يفتخرون؟
تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT
تؤتي التطورات الصناعية والعلمية والتقنية ثمارا واضحة في تركيا في السنوات الـ20 الماضية، وهو وضوح يأتي من حقيقة أنها تنعكس مباشرة في أرقام يمكن قياسها، بعيدا عن الكلام المرسل والدعاوى الجوفاء التي تتباهى بإنجازات لم تحدث.
وفي مواجهة هذا النجاح، نحن أمام حالة مملة ومكررة من التباهي الفارغ من قبل قوميين علمانيين لم يدقوا مسمارا واحدا أو يضعوا حجرا على حجر، في مسيرة إصلاح هذا البلد، ولم يكونوا يملكون الرؤية ولا كانوا يستطيعون، ولكنهم -رغم ذلك- يتشدقون جيئة وذهابا بأمجاد وهمية، في بلد حكموه 80 عاما فلم يكن لهم إنجاز سوى إقامة نظام سلطوي شمولي، وجعل تركيا بين أفقر دول العالم، وأكثرها غيابا عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحكم الرشيد، فضلا عن العلم والصناعة والتقنية.
هؤلاء الذين لم يتوقفوا عن محاولة غرس قومية منزوعة الرأس، أوجدوا مناخا تنافسيا مريضا، يتلبسه وهم أن النصر يتحقق في المباريات يمكن أن يتحقق إذا كلت لخصمك أقذع أنواع السباب وأنت واقف في المدرجات، ولا يعي هؤلاء أن النصر الحقيقي يتحقق لأولئك الذين يكونون في الملعب.
يفترض أن تكون القومية في أي أمة هي الفكرة التي تعتز بشعبها وقيمه ومعتقداته لا أن تعاديه وتتعالى عليه متبنية فهما غريبا للعلمانية.
ومن السخف والعبث إنتاج خطاب قومي يقوم على القطيعة الواضحة بين الأمة والدولة. كانت المحصلة الحتمية لهذه الممارسة هي دولة عرجاء بين دول العالم، خالية من الحريات وحقوق الإنسان، ينهدم فيها المسار الديمقراطي مرة كل 10 سنوات بتدخل مباشر، وهو دائما تحت الوصاية، مرة من نخبة أيديولوجية، وأخرى من نخبة عسكرية. بلد لم تكن له مزية تميزه، وقانونه خاضع للوصاية الأيديولوجية، والعلمانية تفرض كدين جديد واجب الاتباع، وسط تعليم جامعي منخفض، وحرية صحافة مقيدة.
كانت النتيجة بلدا لا يحقق نجاحا ولا يحمل صفة إيجابية، ولا يملك فضيلة يمكنه أن يقدمها للعالم، لكنه يروج لنفسه أنه أفضل من جميع أمم العالم، دعنا نكرر أن هناك من يحاولون التستر على ما فقدوه في الميدان بالكلمات الرنانة والشعارات الجوفاء.
ومع ذلك، فخلال فترة قصيرة لا تزيد على 20 عاما من حكم الرئيس رجب طيب أردوغان، تغير الحال، فقد افتتحت في تركيا 208 جامعات، ووصل معدل الالتحاق بالجامعة إلى أعلى مستوى في العالم حيث بلغ 8.5 ملايين طالب (10% من السكان). ومع الزيادة المنتظمة في الإنفاق على البحث والتطوير في القطاعين العام والخاص، قطعت تركيا خطوات كبيرة في مجالات لم يكن من الممكن تصورها من قبل، فأصبحت الدولة الـ12 في العالم في مجال صناعة الدفاع، وهي مرشحة لمزيد من الصعود في هذه القائمة لأن معدل نموها في هذا المجال أعلى من غيرها.
كشفت المنتجات التي عرضتها الشركات التركية في المعرض الدولي الـ16 للصناعات الدفاعية، الذي أقيم الأيام الماضية، عن الشوط الطويل الذي قطعته تركيا في وقت قصير. إذ أعلن جودت يلماز، نائب الرئيس، أن صادرات تركيا الدفاعية بلغت 2.5 مليار دولار في الأشهر الستة الأولى من العام، وستصل إلى 6 مليارات دولار في نهاية العام، وسترتفع إلى 10 مليارات دولار في العام القادم.
من الضروري أن ننظر إلى هذا المشهد متأملين كذلك ثقافة التكنوفست (المهرجان السنوي في تركيا للفضاء والتكنولوجيا) الذي أصبح يحظى بشعبية كبيرة منذ سنوات في البلاد تحت قيادة الإخوة بيرقدار (أصحاب شركة بايكار التي تنتج مسيرات بيرقدار). هذا مشهد يعيد إحياء الحلم بالجيل التركي المسلم المنشود، الذي يضع لنفسه هدفا واضحا يثير إعجاب ومتابعة "الجيل زد" الذي طالما ترددت الشكوى منه. إنه مشهد يجعلنا نستحق أن نشعر بالفخر كأمة، لأسباب ملموسة، لأول مرة منذ زمن طويل.
القضية، بالطبع ليست فقط الإنجازات التي تحققت في صناعة الدفاع، فهناك نجاحات في العديد من المجالات الأخرى، بما في ذلك الصحة والتعليم والنقل ودولة الرفاهية والبحث العلمي والديمقراطية وحرية التعبير. كل هذه يتغذى بعضها على بعض ويؤثر بعضها في بعض.
تعود تركيا إلى رشدها وتكسر قيود الوصاية الداخلية والخارجية. تاريخ تركيا، التي تعود إلى نفسها، يجد رموزه الثقافية الأصيلة، ويتمكن أخيرا من اكتشاف ذاته. والمحصلة النهائية لكل ذلك أن عادت تركيا إلى صدارة المشهد التاريخي. وأصبحت تملك أسبابا حقيقية للتباهي كأمة ذات إنجازات حقيقية، وتطور وتقدم ومكانة دولية لا يمكن تجاهلها عالميا.
الغريب والمضحك أن أولئك الذين لم يلعبوا دورا في تحقيق أسباب الفخر التي تملكها تركيا اليوم، بل على العكس هم من تركوها بلدا متخلفا طوال 80 عاما، أولئك أنفسهم هم من يبدون اليوم أكثر تغطرسا وعنصرية ممتطين صهوة نجاحات لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ولا يتوقفون عن إمطارنا بالشعارات الجوفاء.
يحاول هؤلاء استغلال إنجازات العقدين الماضيين للترويج للعلمانية والتغريب وبقية نماذجهم القديمة الغامضة. وكأن ما تحقق كان وليد تلك النماذج، وهم في ذلك يقارنون تركيا بدول عربية ومسلمة أخرى، وينظرون إليهم بدونية، متجاهلين -أو محاولين إخفاء- حقيقة أن تركيا السابقة التي حكموها لم تكن تختلف عن الدول التي يتباهون بالتفوق عليها الآن. والحقيقة، أن تركيا لم تتطور إلا لأنها خرجت من المأزق الذي وضعوها فيه.
ليس لهؤلاء أي دور في نجاحات تركيا الحالية، ولا في صعودها إلى مكانة مميزة في دوري أمم العالم، بل إنهم من حاولوا باستمرار منع تطورها ونجاحها وانفتاحها. لو كان الأمر بيدهم، لما تعدت تركيا أن تكون بلدًا أفضل -قليلًا- من الأنظمة البعثية في الشرق الأوسط. وبالطبع، لن يكون لخطابهم العنصري الحماسي في ذلك الوقت الخالي من الإنجازات أرضية يقف عليها. أما اليوم، فهم يعتبرون العيش في هذا البلد الذي لم يشاركوا في نجاحه، مزية، ويحاولون تغذية دعاياتهم العنصرية من خلالها.
لقد تمكنت هذه البلاد إلى الارتقاء إلى المستوى الذي هي عليه لأنها تجاوزت أفقهم الضيق ومشاعرهم العنصرية وطموحاتهم البعثية. ولكن هؤلاء العراة من أي نجاح أو إنجاز أو مزية، لا يشعرون بالخجل وهم يواصلون تغذية مزاعمهم بالتفوق الفاشي، مستخدمين منزلة تركيا الحالية وما حققته لشعبها من تقدم ورفاه.
على مثل هؤلاء ينطبق المثل التركي: "جاء من الجبل ليسطو على حديقة العنب".
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی ترکیا
إقرأ أيضاً:
إعلان ثوري بقيادة بكين.. حرب مفتوحة مع العالم الذي تقوده أميركا
تمثل البريكس (الصين، الهند، روسيا، جنوب أفريقيا، البرازيل) 45% من سكان العالم، يقطنون في حوالي 34% من مساحة الكوكب، وينتجون ما يعادل 37% من اقتصاد العالم. فضلًا عن إنتاجهم زهاء 45% من القمح العالمي.
قمة قازان الأخيرة، وهي السادسة عشرة للبريكس منذ التأسيس، ربما وضعتنا على أعتاب نظام عالمي جديد. ليس وحسب من خلال تأكيد إعلان قازان على ضرورة إعادة صياغة النظام العالمي المهيمن عليه أميركيًا، بوصفه أحادي القطب وغير عادل، ويتجاهل الحقائق العالمية الجديدة.
أبعد من ذلك، فالبريكس – بلس تقدم نفسها بوصفها بناء مفتوحًا، غير أيديولوجي، يتسع لكل العالم، بلا موانع. ثلاث دول، من الدول الخمس المؤسسة، تتمتع بنظام حكم ديمقراطي، وهذه حقيقة تقول الكثير عن طبيعة هذا التكتّل القائم على المصالح المشتركة.
أطلق على البيان الختامي لقمة بريكس – بلس الأخيرة اسم “إعلان قازان”. وهو نص شامل احتوى على 134 مادة، وضعت كل المسائل العالمية في الحسبان، من الثقافة إلى السياسة.
أشار الإعلان إلى مجلس الأمن بوصفه بنية غير ديمقراطية وغير تمثيلية، تستبعد أممًا وقارات، وتمثّل أقلية مهيمنة. قال الإعلان، مرارًا، إن النظام العالمي بشكله الراهن لم يعد يصلح لعالم اليوم، وأنه لم يعد عالميًّا.
تحت شعار “البريكس والجنوب العالمي: بناء عالم أفضل معًا”، دعيت عشرات الدول والمؤسسات للحضور، وبموافقة ما يزيد عن ثلاثين دولة أطلق بيان قازان. أورد الإعلان كلمة “عادل” 15 مرّة، وهو الإغراء الذي تقدمه البريكس.
ما يجري في العالم، تحت إدارة المؤسسات التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية، لا يتسم بالعدل. النظام العالمي غير العادل يعمل لصالح منظومة دولية صغيرة، الإشارة هنا إلى دول الـG-7، تمثل أقل من 15% من سكان الكوكب.
التأكيد على مسألة العدالة تجعل من هذا الإعلان مانيفيستو ثوريًّا أكثر منه وثيقة في السياسة العامة. يمكن القول إنه نزال وحرب مفتوحة مع العالم الذي تقوده أميركا. من الجهة الأخرى، أميركا، تبدو الأمور أكثر تشتيتًا.
فبينما قاتل الديمقراطيون من أجل الإبقاء على النظام العالمي القائم، محيلين إليه بحسبانه شبكة حلفاء أكثر من نظام دولي، فإن للجمهوريين رؤية نقيضة تمامًا.
في لقائه المطول مع بلومبيرغ نيوز، قبل عدة أسابيع، قال ترامب إن حلفاء أميركا الغربيين امتصوا دماء بلاده أكثر من خصومه، وأن الكلمة الأفضل في حياته هي “التعريفات”. وعد بأن يهدم، من خلال التعريفات الجمركية، كل منظومة التجارة الدولية القائمة على التدفق الحر للبضائع والأفكار.
ليست بريكس – بلس وحدها من يعد بتقويض النظام الراهن وبناء آخر. التحق ماكرون، القائد الأوروبي الأكثر تشاؤمًا حيال مستقبل القارة، بقافلة من قرروا هدم النظام العالمي الراهن.
على منصة “حوار برلين الدولي”، تحت عنوان مستقبل أوروبا في مستقبل عديد الأقطاب، قال ماكرون إن الصين تنتهك قواعد النظام العالمي منذ ربع قرن، ومؤخرًا التحقت بها الولايات المتحدة الأميركية. على الأوروبيين، قال ماكرون، ألا يكونوا الوحيدين من يتعيّن عليهم شراء كتاب النظام العالمي القائم على القواعد.
تملك أميركا ما يزيد عن 700 قاعدة عسكرية منتشرة على كل القارات، وعلى حوالي 95% من بحار العالم. خصومها الكبار، كالصين، يرون حقيقة أخرى خلف تلك القوة الضاربة: اقتصادًا على الحافة.
فالقوة العظمى الكبرى في تاريخ الإنسانية، كما يحلو لجو بايدن أن يقول، غارقة في الديون، وتغرق على نحو متزايد بمعدل تريليون دولار في العام. الخروج من وضع دولي يقوده اقتصاد غامض بات أمرًا ملحًّا، على الأقل هذا ما يتبادر إلى ذهن الاقتصاديين الذين راعهم ما حدث لأسواق المال في العام 2008.
تعد البريكس بإعادة بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب، يقوم على التنوع والتشارك، ويؤمن بالدروب المفتوحة بين الشمال والجنوب. شكل جديد للعولمة تقدمه البريكس، على أنقاض العولمة الأميركية التي تريد تجارة دولية في اتجاه واحد، أن تفيض الأفكار والبضائع وحتى الأفراد من الشمال إلى الجنوب، لا العكس. ما إن شوهد الأفراد والبضائع يقتربون من الحدود حتى نهض اليمين الغربي وتصايحت الديمقراطية مطالبة بإغلاق الحدود.
أفرد “إعلان قازان” لفلسطين فقرة مطولة في بيانه، المادة 30. أكد النص على دعمه للعضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة، ضمن “دعمه اللامحدود لحل الدولتين” بحسب نص الإعلان. أدان الإعلان الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وأيّد وضعًا دوليًا تكون فيه القدس الشرقية عاصمة لهم.
بات واضحًا أن بريكس – بلس تمثل الأغلبية العالمية، وفي قمة قازان حضر ممثلون من أميركا اللاتينية، أفريقيا، الشرق الأوسط، المنظمات الدولية، والأمم المتحدة. حتى كوبا وصربيا، اللتان يُنظر إليهما العالم الغربي بنحو خاص، وجهت لهما الدعوة، وحضر ممثلون عنهما. ينتقل العالم تدريجيًّا من إجماع واشنطن (Washington Consensus)، أي قواعد الاقتصاد والسياسة الأميركية التي سادت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، إلى إجماع بكين (Beijing Consensus).
الانهيار المفاجئ الذي أصاب السوق “النيوليبرالية” في العامين 2008-2009 فتح الطريق لما بات يعرف منذ ذلك الحين بإجماع بكين، أو النموذج الصيني في الاقتصاد والسياسة. في تلك الساعات الحرجة من العام 2008 كتب فوكوياما عما أسماه ليبرالية رعاة البقر، بعد عقدين من دراسته الشهيرة حول تلك الليبرالية باعتبارها النهاية السعيدة للكد والسعي البشري نحو الكمال.
يقوم النموذج الصيني، كما يجادل المفكر الصيني فيكتور غاو، على دفع عجلات السيارة الأربع في اتجاه واحد من خلال نظام قوي وكفؤ. وهو بذلك، يقول غاو، يقدم نموذجًا أكثر جدارة من ديمقراطية تفضي إلى ثماني حكومات خلال ثمانية أعوام. الإبدال الذي تقدمه بكين للديمقراطية هو “الجدارة السياسية”، منظومة حكم تقوم على الكفاءة والاحترافية، كما لاحظ دانييل بيل في بحثه المهم حول “نموذج الصين”.
الآسيويون، وليس الصين وحسب، يتحدثون عن القيم الآسيوية، تلك التي تضع المجتمع وليس الفرد في المركز كما جادل لي كوان يو، رئيس وزراء سنغافورة السابق. وإذا كانت الديمقراطية الغربية، وفي مركزها مدونة حقوق الإنسان، تلائم الحياة المتحلّقة حول الفرد، فإن ما سيلائم الأمم التي تضع المجتمع قبل الفرد سيكون مختلفًا.
يراهن النموذج الصيني على تحدي الديمقراطية الليبرالية، مدّعيًا أن نظامًا شموليًا فاعلًا سيكون بمستطاعه أن ينجز المهمة الأساسية: رفع مستوى الرفاه، وحماية السلم الاجتماعي. عملت الصين بدأب على الترويج للفكرة، وباتت الليبرالية الغربية تدرك أن النموذج الصيني قدم إنجازًا اقتصاديًا غير مسبوق في التاريخ البشري، إذ نقل خلال ربع قرن ما يزيد عن نصف مليار نسمة من الفقر إلى الرفاه.
إلى جانب الصين قدم الآسيويون بشكل عام “أكثر معجزات التنمية استدامة في القرن العشرين” وفقًا لتقرير للأمم المتحدة. السحب الصينية تلقي بظلالها على العالم الغربي الممتد من برلين إلى واشنطن، وفي ألمانيا بات الحديث دارجًا حول ما الذي سيبدو عليه العالم حين تكتب دولة سلطوية قواعده وترسم حدوده.
قبل وقت قريب نسبيًّا كتب توماس فريدمان، في “نيويورك تايمز”، مخاطبًا الأميركيين: استعدوا، نحن نتراجع إلى المركز الثاني. تفرض الصين إجماعها على المركز الأول في طيف واسع من الإنجازات، من تصدير السيارات، حيث احتلت المركز الأول عالميًا بما يزيد عن نصف مليون سيارة شهريًا بحسب “فايننشال تايمز”، إلى إنتاج الطاقة المتجددة، حيث تتصدّر دول العالم استثمارًا وبذلًا في هذا المجال.
إذا نظرنا إلى البيانات التي نشرتها مؤسسة “Statista” الألمانية المتخصصة في الدراسات الإحصائية، فسنجد أنفسنا أمام رقمين عامرين بالدلالة. الأول: استهلكت الصين في العام 2023 طاقة بمقدار 170.8 إكساجول، مقابل 94 للولايات المتحدة، و11 لألمانيا. أما إجمالي ما استهلكته من الكهرباء في العام 2022 فبلغ 8 آلاف تيرا-وات، مقابل 4 لأميركا، و1.3 للهند.
هذا ما يبدو عليه مصنع العالم، التحدي الإستراتيجي الأكثر تعقيدًا للعالم الغربي. تستهلك كل تلك الطاقة تحت سقف كبير مساحته تداني مساحة الولايات المتحدة، وينعم باستقرار سياسي مشهود.
لم يعد ممكنًا إيقاف الصين ولا منافستها. ففي العام 2011، ضحك إيلون ماسك عاليًا حين سألته مذيعة “بلومبيرغ” عن رأيه بالسيارات الكهربائية الصينية. مؤخرًا، أطلق ماسك نداءً إلى الحكومة الأميركية يطالبها بضرورة فرض تعريفات ضد السيارات الكهربائية الصينية، قائلًا إن ترك الأبواب مفتوحة أمامها سيجعلها تقضي على كل منافسيها. فالصينيون “ينتجون سيارات كهربائية رائعة جدًّا”، بحسب كلماته كما نقلتها “رويترز”.
في مواجهة هذا التحدي، يجد الغرب نفسه أمام ضرورة إعادة التفكير في إستراتيجياته الاقتصادية والصناعية. فالصين لم تعد فقط مصنع العالم، بل باتت أيضًا مختبرًا للابتكار والتكنولوجيا، وأصبحت تنافس في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، التي تشكل حجر الزاوية في الاقتصاد المستقبلي.
أميركا وأوروبا، في هذا السياق، مطالبتان بإعادة صياغة قواعد اللعبة، ليس فقط من خلال الحماية الجمركية أو السياسات الحمائية، بل عبر تعزيز الابتكار وتطوير بنية تحتية قادرة على مواجهة التحديات القادمة.
في الوقت ذاته، تعمل بريكس – بلس على توسيع نطاق تأثيرها عبر خلق تحالفات جديدة، وتسعى إلى تحقيق توازن جديد في النظام العالمي. هذا التوازن يستند إلى فكرة التعددية والتشارك في صنع القرار الدولي، بعيدًا عن الهيمنة الغربية التي سادت لعقود.
في نهاية المطاف، يبدو أن العالم يتجه نحو نظام متعدد الأقطاب، حيث لا يمكن لدولة واحدة أو مجموعة دول صغيرة أن تهيمن على القرارات الدولية.
وهذا التحول لن يكون سهلًا، بل سيتطلب مواجهات سياسية واقتصادية وربما عسكرية. لكن من المؤكد أن النظام العالمي الذي عرفناه منذ الحرب العالمية الثانية يقف الآن على عتبة تغيير جذري، ستكون الصين وبريكس- بلس في قلبه.
*نشر أولاً في “الجزيرة نت”
يمن مونيتور11 نوفمبر، 2024 شاركها فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام 85 بالمائة من الأراضي الزراعية في اليمن تضررت بسبب السيول مقالات ذات صلة 85 بالمائة من الأراضي الزراعية في اليمن تضررت بسبب السيول 10 نوفمبر، 2024 ترامب وأوروبا.. وتحولات مفهوم الغرب 10 نوفمبر، 2024 عبدالله العليمي: الأعمال الغادرة لن تؤثر على طبيعة العلاقات بين اليمن والسعودية 10 نوفمبر، 2024 زيارة نادرة لرئيس هيئة الأركان السعودي إلى طهران 10 نوفمبر، 2024 اترك تعليقاً إلغاء الردلن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق آراء ومواقف رسالة من الأمير تركي الفيصل إلى دونالد ترامب 9 نوفمبر، 2024 الأخبار الرئيسية إعلان ثوري بقيادة بكين.. حرب مفتوحة مع العالم الذي تقوده أميركا 11 نوفمبر، 2024 85 بالمائة من الأراضي الزراعية في اليمن تضررت بسبب السيول 10 نوفمبر، 2024 ترامب وأوروبا.. وتحولات مفهوم الغرب 10 نوفمبر، 2024 عبدالله العليمي: الأعمال الغادرة لن تؤثر على طبيعة العلاقات بين اليمن والسعودية 10 نوفمبر، 2024 زيارة نادرة لرئيس هيئة الأركان السعودي إلى طهران 10 نوفمبر، 2024 الأكثر مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 اخترنا لك ترامب وأوروبا.. وتحولات مفهوم الغرب 10 نوفمبر، 2024 رسالة من الأمير تركي الفيصل إلى دونالد ترامب 9 نوفمبر، 2024 الإدارة الأمريكية الجديدة واليمن 8 نوفمبر، 2024 ترامب رئيساً مجددا ً ماذا يعني هذا لليمن؟ 7 نوفمبر، 2024 التحالف المُحتمل بين إسرائيل وإقليم “أرض الصومال” 7 نوفمبر، 2024 الطقس صنعاء سماء صافية 14 ℃ 21º - 11º 47% 2.26 كيلومتر/ساعة 21℃ الأثنين 21℃ الثلاثاء 22℃ الأربعاء 22℃ الخميس 22℃ الجمعة تصفح إيضاً إعلان ثوري بقيادة بكين.. حرب مفتوحة مع العالم الذي تقوده أميركا 11 نوفمبر، 2024 85 بالمائة من الأراضي الزراعية في اليمن تضررت بسبب السيول 10 نوفمبر، 2024 الأقسام أخبار محلية 28٬403 غير مصنف 24٬191 الأخبار الرئيسية 14٬989 اخترنا لكم 7٬074 عربي ودولي 7٬001 غزة 6 رياضة 2٬358 كأس العالم 2022 72 اقتصاد 2٬259 كتابات خاصة 2٬090 منوعات 2٬013 مجتمع 1٬843 تراجم وتحليلات 1٬804 ترجمة خاصة 84 تحليل 14 تقارير 1٬617 آراء ومواقف 1٬553 صحافة 1٬485 ميديا 1٬418 حقوق وحريات 1٬328 فكر وثقافة 903 تفاعل 817 فنون 481 الأرصاد 328 بورتريه 64 صورة وخبر 36 كاريكاتير 32 حصري 22 الرئيسية أخبار تقارير تراجم وتحليلات حقوق وحريات آراء ومواقف مجتمع صحافة كتابات خاصة وسائط من نحن تواصل معنا فن منوعات تفاعل English © حقوق النشر 2024، جميع الحقوق محفوظة | يمن مونيتورفيسبوكتويترملخص الموقع RSS فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق فيسبوكتويترملخص الموقع RSS البحث عن: أكثر المقالات مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 أكثر المقالات تعليقاً 1 ديسمبر، 2022 “طيران اليمنية” تعلن أسعارها الجديدة بعد تخفيض قيمة التذاكر 30 ديسمبر، 2023 انفراد- مدمرة صواريخ هندية تظهر قبالة مناطق الحوثيين 21 فبراير، 2024 صور الأقمار الصناعية تكشف بقعة كبيرة من الزيت من سفينة استهدفها الحوثيون 4 سبتمبر، 2022 مؤسسة قطرية تطلق مشروعاً في اليمن لدعم أكثر من 41 ألف شاب وفتاه اقتصاديا 4 يوليو، 2024 دراسة حديثة تحلل خمس وثائق أصدرها الحوثيون تعيد إحياء الإمامة وتغيّر الهوية اليمنية 26 فبراير، 2024 معهد أمريكي يقدم “حلا مناسباً” لإنهاء هجمات البحر الأحمر مع فشل الولايات المتحدة في وقف الحوثيين أخر التعليقات Abdaullh Enanنور سبتمبر يطل علينا رغم العتمة، أَلقاً وضياءً، متفوقاً على...
SALEHتم مشاهدة طائر اللقلق مغرب يوم الاحد 8 سبتمبر 2024 في محافظة...
محمد عبدالله هزاعيا هلا و سهلا ب رئيسنا الشرعي ان شاء الله تعود هذه الزيارة ب...
.نرحو ايصال هذا الخبر...... أمين عام اللجنة الوطنية للطاقة ال...
issamعندما كانت الدول العربية تصارع الإستعمار كان هذا الأخير يمرر...