الحزب الشيوعي السوداني … مخترق أم مختطف (10)
تاريخ النشر: 26th, September 2024 GMT
المعالجات المقترحة
لم ينصبني أحداً، ولم أنصب نفسي، وصياً على الحزب الشيوعي، ولست أكثر عضويته حكمة أو خبرة أو ثقافة وإلمام ومعرفة بالشيوعية، بل على العكس معظم قيادته هم أساتذتي فعلًا لا قولاً أو مجازاً، على يدهم تعلمت الكثير، العديد منهم، حتى ممّن لم ألتقيهم مباشرة اعتبرهم كذلك أساتذتي، بالاستفادة من اطلاعي على إنتاجهم الفكري والثقافي وأجمل ما تعلمته منهم، واستشفيته خلال وجودي في هذا الحزب هو تنمية روح وحس المبادرة، والقدرة على رؤية الأمور والسعي إلى تصويبها وتقويمها واتخاذ القرار المناسب دون انتظار إذن أو أمر من أحد أو هيئة ما دامت المبادرة تصب في مصلحة الحزب والوطن .
لا يمكن لأحد أن ينكر أهمية وجود الحزب الشيوعي في الحياة السودانية، وما قدمه من توعية بالحقوق وبث للوعي السياسي وسط الجماهير منذ تأسيسه، وفي تنظيم الجماهير وبناء التحالفات لمقاومة الاستعمار والأنظمة العسكرية والدكتاتورية، والتضحيات الجسام التي قدمها، والبطولات والملاحم التي سطرها له التاريخ بمداد من نور.
لذا أعتقد أن المحافظة على هذا الكيان والعودة به لسيرته الأولي يجب أن يكون هم وواجب مقدم لكافة الشيوعيين والوطنيين الثوريين والديمقراطيين ... ولا يمكن أن تتم عودة الحزب الشيوعي معافى إلى سيرته الأولى دون مراجعة المنهج وعلاج الأخطاء التي أقعدت به وجعلته غثاء أحوى وسط أحزاب ومنظمات المجتمع المدني السياسية السودانية التي تجاوزه بعضها جماهيريا وثقلاً سياسياً على الرغْم من حداثتها في الساحة.
المعالجات المقترحة سهلة التطبيق لكنها تحتاج لشجاعة وقوة إرادة وعزيمة صادقة من الشيوعيين كافة وأعضاء اللجنة المركزية على وجه الخصوص، وضربة البداية تنطلق من الدعوة العاجلة لعقد اجتماع أسفيري للجنة المركزية عبر وسائل التواصل الحديثة، وهناك العديد من المنصات الآمنة مثل تطبيق قوقل ميت (Google Meet) الذي يسمح بعقد اجتماعات افتراضية على البعد لحوالي 250 مشاركاً بالصوت والصورة -الفيديو – بواسطة الهاتف المحمول أو اللحوات الالكترونية أو اللابتوب. وكذلك يمكن استخدام تطبيق الزووم ميتنج (Zoom meeting) أو مايكروسفت تيمس (Microsoft teems).
التذرع بعدم القدرة على تأمين الاجتماع من الاختراق عذر أقبح من ذنب عدم انعقاد اجتماعات اللجنة المركزية، مع الوضع في الاعتبار أنه خلال جائحة كورونا كانت الحكومات وكبريات الشركات، وأهم مراكز القرار في العالم تعقد اجتماعاتها الدورية عبر وسائل التواصل والخطوط التي أشرنا إليها أعلاه، بل نجد حتى الآن العديد من الشركات والمؤسسات تسير أعمالها من على البعد وهي تحافظ على خصوصية وسرية أعمالها. ولا أظن هذا الأمر سيُعجز الشيوعيين، خاصة أن الحزب الآن يستخدم تلك التكنولوجيا لإيصال المطبوعات، والخطابات والوثائق لفروع ومكاتب الحزب في الداخل والخارج.
أول أجندة اجتماع اللجنة المركزية هو ممارسة النقد الذاتي من قبل القيادة الحالية، لخرقها دستور الحزب بعدم دعوة اللجنة المركزية للاجتماع لقرابة الخمس دورات حيث من المفترض أن تعقد دورتها كل لأربعة أشهر لتقييم أداء المكتب السياسي والمكاتب ووضع السياسات العامة للحزب. كما يجب أن تقدم نقدها للأخطاء والممارسات التي أعقبت المؤتمر السادس، التي أدت لخروج عدد كبير من فروع الحزب عن الخدمة في الداخل والخارج، على أن يتم النقد على رؤوس الأشهاد ويعلن على الملأ، نقد ذاتي واضح ومحدد ومباشر ومحاسبة أي مسئول ساهم أو شارك في تلك الأخطاء.
النقد كما نعلم جميعاً يجب أن تسبقه قناعة بارتكاب الأخطاء ولا أعتقد أن القيادة الراهنة، (أعني اللوبي المتحكم في زمام الحزب) وهي غارقة في الخطأ من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها ستقر بأنها مخطئة. وهذا ليس حكم قيمة جزافي، بل حكم مؤسس على سوابق عدّة موثقة في الوسائط المختلفة صوت وصورة، قولا وفعلاً، أخطاء لا يمكن لفرع حزب أن يقع فيها، تمر دون نقد ذاتي وتصحيح صارم لها، نراها يتم تجازوها ببرود و(طناش) غير مسبوق ... لذا سأبدأ بطرح مقترحات المعالجات بطرق إجرائية وإدارية لإصلاح الخلل وعودة الحزب كمركز إشعاع ثقافي وسياسي وثوري، الوضع السياسي السوداني الراهن في أمسِ الحاجة له. وفي البدء يجب الإقرار بأن ذلك لن يتم إلا بعودة الشيوعيين والمثقفين الثوريين يصطفون من جديد في هيئاته ومكاتبه وفروعه. لذا لا أرى أي أفق للحل في وجود اللوبي المتكتل ممن يمكن تسميتهم بالكهنة وحراس المعبد الذي يسيطر على مركز القرار في الحزب. وعليه أرى أن تتقدم سكرتارية اللجنة المركزية والمكتب السياسي باستقالة للجنة المركزية أو تتم إقالتهم في حالة رفض الاستقالة، وتسليم كافة ما بحوزتهم من وثائق وعهد للجنة تُشكّل من حكماء الحزب وفق الإجراءات التالية:
أولاً: تشكيل لجنة من حكماء الحزب على رأسها المهندس صديق يوسف والأستاذ صالح محمود، بصفتهما الأكثر حصاداً للأصوات في انتخابات اللجنة المركزية في المؤتمر السادس (على أن يختارا من يرياه مناسباً من أعضاء الحزب للعمل معهما) وواجبات تلك اللجنة تتلخص في القيام بمهام سكرتارية اللجنة المركزية، والمكتب السياسي ومهمتها الأولى إعادة البناء وجمع شتات الحزب والإعداد لاجتماع كادر موسع (في حالة تعذر قيام المؤتمر العام)، وحتى ينجز الاجتماع الموسع أو يقوم المؤتمر العام، تتولى مهام المكتب السياسي بين دورات اللجنة المركزية، وإدارة إصدار صحيفة الميدان.
ثانياً: مادام السؤال الملح مخترق أم مختطف؟ لا يزال قائماً، والشك يساور ليس فقط رجل الشارع العادي وأصدقاء الحزب والديمقراطيين، بل كثير من أعضاء الحزب أنفسهم. فمن واجب الحزب القيام عاجلاً وليس آجلاً بإعادة فحص لكافة أعضاء الهيئات والمكاتب والمناطق القائدة بدءاً من أعضاء اللجنة المركزية انتهاءاً بقيادات الفروع في الداخل والخارج، فحص للكادر منذ التحاقه بالحزب إلى آخر فرع أو هيئة أو مكتب حزبي عمل به العضو، وحيثيات ترشحه لقيادة المنطقة أو للمؤتمر العام أو للجنة المركزية، وسكرتاريتها والمكتب السياسي. كما يجب فحص الذمة المالية ومصادر الدخل لكافة أعضاء اللجنة المركزية، ويجب التركيز على أعضاء السكرتارية والمكتب السياسي ولا يستثنى من ذلك أحد.
ثالثاً: تُشكل لجنة لمناقشة الزملاء الذين تم فصلهم أو قدموا استقالات مسببة لم يرد عليها. في البدء يتم رد الاعتبار لهم ثم استعادة عضويتهم، إلا من تثبت خيانته أو عمل عملاً أو مارس نشاطاً تضرر منه الحزب. وعلى رأس هؤلاء الدكتور مصطفى خوجلي الدكتور الشفيع خضر، الأستاذ حاتم قطان والأستاذ هاشم تلب ... إلى آخر ضحايا المؤتمر السادس والبلاغات الكيدية، الذين استأنفوا والذين لم يكتبوا.
رابعاً: تشكيل لجان لمناقشة الزملاء المتوقفين والموقوفين منذ سقوط جدار برلين، ومناقشتهم للعودة واستعادة عضويتهم الحزبية.
خامساً: تجميد العمل بدستور الحزب الحالي والعمل بدستور 2009 المجاز من المؤتمر الخامس وذلك حتى تسمح الظروف بانعقاد المؤتمر السابع للحزب وإجازة دستور دائم للحزب.
سادساً: تشكيل لجنة محايدة للنظر في بلاغ الأطباء بخصوص التكتل الذي عن طريقه تم تشكيل المكاتب والهيئات القيادية الحالية.
سابعاً: إعادة تلخيص المناقشة العامة من لجنة يمثل فيها أصحاب التيارات المختلفة الآراء، حتى لو كان بعضهم قد غادر الحزب، غاضباً أو مغضوب عليه، مع إضافة الأطروحات والمساهمات الفكرية التي نشرت بعد المؤتمر الخامس، حتى يتبلور موقف يمثل الرأي الحقيقي لعضوية الحزب بدءً من خط الحزب الراهن إلى اسم الحزب والماركسية والبرنامج دون اشتراطات مسبقة، أو تهديدات بالانقسام ... حتى لو خرجت مجموعة من الأقلية رافضة لتوجهات ورأي الأغلبية فلا بأس في ذلك فساحة النضال فيها متسع للجميع على أن يكون معلوم لديهم انهم ليسوا الوارث الشرعي للحزب وإرثه ... المهم أن نتلئم... نتفق أو نختلف وفق قانون وحدة وصراع الأضداد، ونمضي قدماً للأمام يجمعنا برنامج ودستور الحزب الذي سيعود بكل ألقه الذي عهدناه كما نتمناه ونشتهيه.
ينتظر من اللجنة الجديدة مراجعة الطريقة التي أُدير بها المؤتمر السادس والأخطاء التي صاحبته سواء في انتخاب اللجنة المركزية، أو عمليات الإقصاء المجحف الذي طال قيادات حزبية أمثال دكتور الشفيع خضر وآخرين استنادا على بلاغات كيدية أتضح من لجان التحقيق عدم صحتها. وكذلك النظر في وضع زملاء كل جرمهم أنهم لم يوافقوا هوى المجموعة المسيطرة على مقاليد الحزب. زملاء أفنوا زهرة عمرهم في خدمة الحزب ضحوا بالغالي والنفيس، من أجل الحزب، أعطوا ولم يستبقوا شيئاً تم تهميشهم، أو فصلهم، أو إنهاء تفرغهم بعد أن تقدم بهم العمر، وإيقاف المعاش، الفتات، الذي كان يصرف لهم. وبالتأكيد لم تصرف لهم مكافأة نهاية خدمة أو معاش، في سلوك لا يشبه الشيوعيين ولا فيه شيء من القيم والأخلاق السودانية التي تربينا عليها.
كذلك اللجنة منوط بها أعادة النظر في الطريقة التي تم التعامل بها في استقالات الأطباء وعلى رأسهم الدكتور مصطفى خوجلي. والأهم من كل ذلك يتناول السياسات التي تبناها الحزب منذ الثورة تجاه تحالفات القوى المدنية الديمقراطية ... والسياسات التي ساهمت في انهيار التحول المدني الديمقراطي مثل خروجه عن تحالف الحرية والتغيير بحجج واهية مثل تبني الأخير سياسة اقتصادية تخضع لشروط مؤسسات التمويل الإمبريالية، وأحيانا يصرح قادة الحزب أن خروجه بسبب تبني الحرية والتغيير خيار الهبوط الناعم. تلك مسوغات غير مقبولة في ظل تطورات وضع سياسي حرج، خاصة بعد الحرب، يحتاج لتكاتف كافة القوى المدنية الديمقراطية التي أسهمت في الثورة الديسمبرية في جبهة عريضة لمواجهة التحديات الكبيرة، والعقبات المهولة، في ظل محيط إقليمي يستكثر علينا المدنية والديمقراطية، وتهديدات يمثلها اصطفاف فلول الإنقاذ، ومرتزقة الحركات المسلحة، والرأسمالية الطفيلية، خلف اللجنة الأمنية من اجل وقف المَدّ الثوري، وقطع الطريق المؤدي إلى التحول المدني الديمقراطي.
وللحديث بقية ...
في اللقاء القادم (11) رسالة إلى الرفاق
atifgassim@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: اللجنة المرکزیة للجنة المرکزیة المؤتمر السادس الحزب الشیوعی
إقرأ أيضاً:
في الذكرى 46 لتأسيسه الحزب الاشتراكي في تعز ينظم مهرجان بالمعافر
وتؤكد اللجنة التحضيرية أن هذا المهرجان يأتي احتفالًا بالذكرى السنوية لتأسيس الحزب، بالإضافة إلى عيد الاستقلال وأعياد الثورتين 26 سبتمبر و14 أكتوبر.
كما يهدف الحدث إلى تجديد الالتزام بقيم الحرية والانتماء الوطني. وذكرت اللجنة أن المهرجان سيمثل فرصة لتعزيز الوحدة الوطنية وإبراز الدور الحيوي للحزب وكوادره في خدمة الوطن.
ستتضمن الفعاليات مجموعة متنوعة من الأنشطة الثقافية والفنية والخطابية، وذلك لتعزيز العمل السياسي واستئناف جهود إنهاء الحرب واستعادة الدولة.
هذا الحدث يعد الأول من نوعه الذي يُنظم بشكل موسع في المعافر، ويهدف إلى تسليط الضوء على النشاط السياسي والاجتماعي للحزب في المنطقة، مع دعوة واسعة للجميع للمشاركة الفعالة لضمان نجاح هذا المهرجان الوطني البارز.