في مخيم عشوائي بالقرب من مكب خاص بالنفايات، تعيش نيفين خليل "48" عامًا برفقة أبنائها الصغار وأكثر من 15 فردًا آخر من أفراد عائلتها النازحين من مخيم الشاطئ بمدينة غزة. تعاني داخل مكان النزوح من ظروف معيشية صعبة بسبب عدم توفر مياه الشرب، ناهيك عن الرائحة الكريهة المنبعثة من مكب النفايات القريب من المخيم والتي تسبب في تفاقم حالتها الصحية حيث إنها تعاني من صعوبة في التنفس بعد إصابتها بالربو منذ طفولتها.

تقول نيفين: " تحيط بنا مياه الصرف الصحي الجارية والنفايات المتراكمة التي تسبب مشكلات صحية وتنفسيه، أعاني من مشاكل في جهازي التنفسي بسبب الربو، كما يعاني ابني من سعال حاد بسبب الدخان المنبعث من حرق النفايات، زوجي توفي قبل الحرب بعام ونصف العام، ترك لي اثنين من الأبناء، هاجرت من مدينة غزة إلى إحدى مدارس الإيواء بمخيم المغازي وسط قطاع غزة، ثم عدت للنزوح مرة أخرى بعد قصف المدرسة إلى مدينة رفح وبعدها نزحت إلى مدينة خانيونس ".

يقول أمير"32" عامًا، أحد سكان رفح النازحين إلى منطقة خان يونس" الناس أصبحوا مثقلين بتلوث الهواء حيث يستخدم الناس الأخشاب والبلاستيك لإشعال النار لإعداد الطعام، يقوم بعض الأشخاص بقطع الأشجار الخضراء المزروعة بالشوارع لاستخدامها للطبخ، وقد تفاقمت وساءت الحال بعد استخدام السائقين لتشغيل السيارات بزيت الطهي، هذا الأمر يسبب ضيق وصعوبة في التنفس لدينا نحن النازحين".

ويتابع بالقول: "الرائحة كريهة والدخان المنبعث من السيارات لا يطاق، لقد أصابني المرض لعدة أيام. إن رائحة البارود وهذه الغازات الفظيعة الناجمة عن القصف المستمر تلحق ضررًا حقيقيًّا بنا وبالبيئة على حد سواء الجو مليء بالملوثات وعودام السيارات والأبخرة الناتجة عن قصف المنازل والممتلكات بالقنابل الحارقة ".

وتقول ليلي وهي مازالت تعيش بمنزلها في منطقة مواصي خانيونس: "إن مياه الصرف الصحي والنفايات حول المنزل هي مأساة كبيرة، القطط والكلاب تنجذب إلى النفايات، ثم تنشرها في الشوارع، المخيمات غير مؤهلة بشبكات الصرف الصحي بل هناك مكبات عشوائية للأبار المنتشرة بين خيام النازحين".

وبعد صمت أشارت بيدها إلى أرض زراعية أصابها الجفاف نتيجة قلة المياه وعدم سقي المزروعات " لقد انحصرت البقعة الخضراء الجميلة التي كانت تحيط بالمكان نتيجة جفاف الأشجار، الهواء الذي نتنفسه مليء بالملوثات، المياه ملوثة تحمل الأمراض، معظم الأراضي الزراعية دمرتها القنابل والجرافات الإسرائيلية".

واستطردت قائلةً "حسبما ورد عن بعض المنظمات الدولية المعنية بقضايا البيئة فإن هناك تلوث في كل مكان، في الهواء، في الماء الذي نستحم فيه، في الماء الذي نشربه، في الطعام الذي نأكله، في المنطقة المحيطة بنا، حتى مياه البحر لا تخلو من التلوث".

ويقول برنامج الأمم المتحدة للبيئة إنه عندما قطعت إسرائيل الوقود عن غزة بعد 7 أكتوبر، أدى انقطاع التيار الكهربائي إلى عدم إمكانية ضخ مياه الصرف الصحي إلى محطات المعالجة، مما أدى إلى تدفق 100 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي يوميًّا إلى البحر.

ووسط الحديث عن إبادة بيئية، فالاحتلال دمر حوالي 38-48% من الغطاء الشجري والأراضي الزراعية في قطاع غزة كما يظهر تحليل صور الأقمار الصناعية المقدمة لصحيفة "الجارديان البريطانية".

وقد أوضحت ذات الصحيفة البريطانية: "لقد تحولت بساتين الزيتون والمزارع إلى أراض مكتظة بالنازحين، وتلوثت التربة والمياه الجوفية بالذخائر والسموم، ويختنق البحر بمياه الصرف الصحي والنفايات؛ والهواء ملوث بالدخان".

ويقول باحثون ومنظمات بيئية إن الدمار سيكون له آثار هائلة على النظم البيئية، والتنوع البيولوجي في غزة. وقد أدى حجم الضرر وتأثيره المحتمل على المدى الطويل إلى دعوات لاعتباره "إبادة بيئية" والتحقيق فيه باعتباره جريمة حرب محتملة.

من جانب آخر قال الحاج عايش عليان وهو نازح من بيت لاهيا إلى منطقة النصيرات وسط قطاع غزة بأن الاحتلال قام بتجريف الأرض الزراعية التي يمتلكها أثناء الدخول البري للمنطقة في يناير الماضي وقال: " لقد أصبت بصدمه كبيرة عندما شاهدت حجم الدمار الذي أصيبت به أرضي الزراعية، لقد قام الاحتلال الإسرائيلي بتجريف الأرض التي ورثتها عن أبي وأجدادي بالكامل وتم استبدالها بسواتر ترابية عسكرية لتمركز الدبابات."

واستطرد قائلًا: "لا يوجد شيء تقريبًا يمكن التعرف عليه هناك. لا توجد آثار للأرض التي عرفناها. لقد تم محوها تمامًا، لا توجد شجرة واحدة هناك. لا توجد آثار للحياة السابقة. إذا ذهبت إلى هناك، فلن أتمكن من التعرف عليها،كانت الأرض عبارة عن جنة بها أشجار زيتون ونخيل وبرتقال وليمون وجوافه والكثير من المزروعات، لقد دمروها بالكامل وأصبحت اثر بعد عين".

يترافق هذا الحديث، مع قيام الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ منطقة عازلة على حدود قطاع غزة.

وفي تقرير لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أشارت إلى أن هذه المنطقة التي تشمل عمليات هدم وتجريف سوف تساهم في تقليص مساحة غزة 16%.

في سياق متصل قام مركز الميزان لحقوق الإنسان، بإعداد تقرير متخصص بعنوان "إبادة البيئة"، يوضّح فيه إبادة قوات الاحتلال الإسرائيلي لمكونات البيئة المختلفة خلال حرب الإبادة الجماعية التي تشنّها على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 م، جاء فيه " منذ بداية الحرب على غزة حتى اللحظة، وقوات الاحتلال الإسرائيلي تهاجم المدنيين الفلسطينيين والمكونات البيئية على نطاق واسع، دون اكتراث بالقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، لا سيما اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب، ويأتي استهداف قوات الاحتلال للبيئة الفلسطينية بشكل مقصود، حيث طال التدمير البنية الأساسية لقطاعات المياه والصرف الصحي والنفايات الصلبة والسائلة والتربة، وألحق ضررا كبيرا بالبيئة الهوائية، وسبب تلوثا سمعيا، ما أسهم في انتشار الأوبئة والأمراض المختلفة، وهو ما يضع سكان قطاع غزة أمام خطر الموت بسبب الكارثة البيئية التي تسببت بها عمدا قوات الاحتلال".

وقد أشار التقرير إلى أنه " نتيجة التدمير الممنهج لآبار المياه وشبكات نقل وتوزيع المياه، انخفضت كميات المياه التي تصل السكان بشكل خطير، بحيث تصل نسبة الفاقد إلى حوالي 70% من إجمالي المياه التي تضخ في شبكات المياه، والذي تسبب في تناقص ملحوظ في حصة الفرد من المياه خلال الحرب بحيث أصبحت لا تتعدى (8) لترات في اليوم".

كما يستعرض التقرير تدمير قوات الاحتلال لشبكات الصرف الصحي، وهي نفايات سائلة، فدمرت محطات المعالجة ومحطات الضخ والشبكات في مختلف المناطق؛ ما تسبب في طفح المياه العادمة في الشوارع وبين منازل السكان وخيام النازحين، فكانت سببا في نقل الأمراض والأوبئة ومكانا لتوالد وانتشار الحشرات الضارّة.

وتعرضت مكونات التربة لأضرار لا يمكن حصرها؛ جراء الانفجارات الهائلة التي طالتها، سواء تربة المناطق العمرانية أو التربة الزراعية، فكانت الخسائر كبيرة وحجم الضرر كبير خاصّة على الزراعة النباتية والحيوانية، وتضاعفت معاناة المزارعين والعاملين في المهن الزراعية، كما تضررت أوجه الزراعة الحيوانية كالأبقار والأغنام (اللاحمة والحلوب) أو مزارع الطيور كالدواجن (اللاحمة والبياضّة) والحبش كما دمرت تماما مزارع الأسماك سواء بالقصف أو بانعدام الطاقة والمواد الضرورية لتغذية الأسماك.

ويبرز التقرير أثر حرب الإبادة في تلويث الهواء، جراء انتشار الأدخنة بكثافة، جراء القصف الجوي والمدفعي للمناطق السكنية والأراضي الزراعية، إضافة إلى القنابل الدخانية والقذائف الفسفورية التي تطلقها تجاه تلك المناطق.

وفي سياق متصل؛ يعاني سكان قطاع غزة من تلوث سمعي- يسمى أيضا بالتلوث الصوتي أو الضوضائي- وهو متواصل جراء استمرار أصوات الانفجارات، واستمرار تحليق الطائرات الحربية وخاصة الطائرات بدون طيار، حيث تصدر أزيزا غير منقطع له تأثيرات صحية وعصبية ونفسية على الإنسان.

*كاتبة فلسطينية من غزة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاحتلال الإسرائیلی میاه الصرف الصحی قوات الاحتلال قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

إعلام غزة الحكومي ينشر إحصائيات حرب الإبادة في اليوم 410

نشر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة تحديثًا لأهم إحصائيات حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة لليوم الـ410.

اقرأ ايضاًشهداء وجرحى في غزة.. دمار ومجازر في "بيت لاهيا"

** ارتكاب 3838 مجزرة، راح ضحيتها 54,972 شهيدًا ومفقودًا، من بينهم 11,000 مفقودٍ، و43,972 شهيدًا ممن وصلوا إلى المستشفيات.

** هناك 17,492 شهيدًا من الأطفال، بينهم 211 طفلًا رضيعًا وُلِدوا واستشهدوا في حرب الإبادة الجماعية، و825 طفلاً استشهدوا خلال الحرب وعمرهم أقل من عام.

** استشهاد 1369 عائلة فلسطينية بحيث تم مسحها من السجل المدني.

**  استشهاد 41 شخصا نتيجة سو التغذية ونقص الغذاء والمجاعة.

** عدد الشهداء من النساء بلغ 11,979، ومن الطواقم الطبية التابعة لوزارة الصحة 1054 شهيدًا.

** عدد شهداء الدفاع المدني بلغ 86 شهيدًا، وعدد الصحفيين بلغ 188 شهيدًا، فيما قتل الاحتلال 706 من رجال شرطة وتأمين مساعدات، وارتكب 141 جريمة استهداف لرجال شرطة وتأمين مساعدات.

** إقامة الاحتلال مقابر جماعية داخل المستشفيات حيث تم انتشال 520 شهيدًا من 7 مقابر جماعية داخل المستشفيات.

**  104,008 من الجرحى والمصابين وصلوا إلى المستشفيات،من بينهم (398) جريحًا ومُصابًا من الصحفيين والإعلاميين.

**  70% من الضَّحايا هم من الأطفال والنساء، مشيرًا إلى أن الاحتلال استهدف (204) مراحز للإيواء والنزوح في القطاع.

** (10%) فقط من مساحة قطاع غزة يطلق عليها الاحتلال "مناطق إنسانية"، فيما يعيش (35,060) طفلًا بدون والديهم أو بدون أحدهما.
وأفاد بأن (3,500) طفل معرّضون للموت بسبب سوء التغذية ونقص الغذاء.

**  (196) يومًا على إغلاق آخر معبر في قطاع غزة، وأن هناك (12,400) جريح بحاجة للسفر للعلاج في الخارج، فيما يواجه (12,500) مريض سرطان الموت وبحاجة للعلاج.

** هناك (3,000) مريض بأمراض مختلفة يحتاجون للعلاج في الخارج، فيما هناك (1,737,524) مصابًا بأمراض معدية نتيجة النزوح، و(71,338) حالة عدوى التهابات الكبد الوبائي بسبب النزوح.

** هناك (60,000) سيدة حامل تقريبًا مُعرَّضة للخطر لانعدام الرعاية الصحية، و(350,000) مريض مزمن في خطر، بسبب منع الاحتلال إدخال الأدوية.

** اعتقال (6,400) مواطنًا من قطاع غزة خلال حرب الإبادة الجماعية، وهناك (319) حالة اعتقال من الكوادر الصحية (تم اغتيال 3 أطباء منهم داخل السجون)، و(40) حالة اعتقال صحفيين ممن عُرفت أسماؤهم.

** وجود (2) مليون نازح في قطاع غزة، و(100,000) خيمة اهترأت وأصبحت غير صالحة للنازحين، مضيفا أن الاحتلال دمر منذ بداية الحرب (208) مقرات حكوميةٍ، و(131) مدرسة وجامعة بشكل كلي، و(346) بشكل جزئي.

** استشهاد (12,700) طالب وطالبة خلال الحرب، و(785,000) طالب وطالبة حرمهم من التعليم.

** استشهاد (754) معلمًا وموظفًا تربويًا في سلك التعليم و(141) عالمًا وأكاديميًا وأستاذًا جامعيًا وباحثًا أعدمهم الاحتلال.

** تدمير (815) مسجدًا بشكل كلي، و(151) مسجدًا بشكل بليغ بحاجة إلى إعادة ترميم، كما دمر واستهدف (3) كنائس، و(19) مقبرة دمرها بشكل كلي وجزئي من أصل (60) مقبرة.

** الاحتلال سرق (2,300) جثمان من العديد من مقابر قطاع غزة.

** تدمير (160,000) وحدة سكنية بشكل كلي، و(83,000) وحدة غير صالحة للسكن، و(193,000) جزئيًا.

** إلقاء  (86,600) طن متفجرات على القطاع منذ بدء الحرب، فيما أخرج (34) مستشفى عن الخدمة، و(80) مركزًا صحيًًا.

** استهداف (162) مؤسسة صحية، و(134) سيارة إسعاف، كما دمر (206) مواقع أثرية وتراثية.

** تدمير (3,130) كيلو متر أطوال شبكات الكهرباء، و(125) عدد محولات توزيع الكهرباء الأرضية المدمرة، كما دمر (330,000) متر طولي شبكات مياه، و(655,000) متر طولي شبكات صرف صحي، و(2,835,000) متر طولي شبكات طُرق وشوارع.

** تدمير (39) منشأة وملعبًا وصالة رياضية، و(717) بئر مياه دمرها وأخرجها عن الخدمة.

** نسبة الدمار في قطاع غزة بلغت (86%)، وقدرت الخسائر الأولية المباشرة لحرب الإبادة الجماعية بـ(37) مليار دولار.

المصدر: وكالات
 


© 2000 - 2024 البوابة (www.albawaba.com)

محرر البوابة

يتابع طاقم تحرير البوابة أحدث الأخبار العالمية والإقليمية على مدار الساعة بتغطية موضوعية وشاملة

الأحدثترند إعلام غزة الحكومي ينشر إحصائيات حرب الإبادة في اليوم 410 بوتين يوقع على مرسوم يوسع من صلاحيات الاستخدام النووي شاهد...سيارة تدهس طلبة مدرسة ابتدائية وسط الصين يونيسف ... خلال شهرين استشهد 200 طفل في لبنان إصابة 11 جنديا اسرائيليا بمعارك جنوب لبنان.. وارتفاع الحصيلة إلى ألف منذ أكتوبر Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا فريقنا حل مشكلة فنية اعمل معنا الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTube

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن

اشترك الآن

© 2000 - 2024 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter

مقالات مشابهة

  • خبير: متلازمة بين السلوك الإسرائيلي في غزة والدعم الأمريكي والعجز الدولي
  • خبير سياسي: هناك متلازمة بين السلوك الإسرائيلي في غزة والدعم الأمريكي والعجز الدولي
  • حماس: المجزرة التي ارتكبها الاحتلال في بيت لاهيا نتيجة للفيتو الأمريكي
  • خبير سياسي: السلوك الإسرائيلي بعد «7 أكتوبر» أدى إلى وفاة منطق حل الدولتين
  • شراكة استراتيجية بين الصرف الصحي بالإسكندرية وبارونز كورت لإعادة تدوير المياه
  • ‏400 يوم من الإبادة الوحشية.. الاحتلال الإسرائيلي يقتل «الطفولة» ‏في غزة
  • إعلام غزة الحكومي ينشر إحصائيات حرب الإبادة في اليوم 410
  • حزب الله يستهدف تجمعات لقوات الاحتلال الإسرائيلي برشقات صاروخية
  • «القاهرة الإخبارية»: حزب الله يستهدف تجمعا لقوات الاحتلال الإسرائيلي في بلدة البياضة
  • حزب الله: قصفنا تجمعا لقوات الاحتلال الإسرائيلي في مقر قيادة اللواء الغربي