جمال الشعر لا يتناغم مع طائفية البرغوثي
تاريخ النشر: 26th, September 2024 GMT
لقد سطعت حضارة بني أمية، رغم بساطة أصولها، كمنارة للعلم والمعرفة، شاهدة على انفتاح العرب على الثقافات الأخرى وتقديرهم للعلم والعلماء. ولكن، في مشهد مؤسف، تكشّف وجه قبيح للتعصب المقيت، متجسداً في تميم البرغوثي، الذي انتهز فرصة وجوده على منبر عريق في معرض بغداد الدولي للكتاب ليُطلق سموم الطائفية، محاولاً النيل من إرث بني أمية الزاهر، وإرضاء أسياده من ميليشيات إيران.
إن بني أمية، بل العرب جميعاً، لغنِيّون عن أي دفاع يسوّق لهم، فمكانتهم التاريخية الراسخة وحضارتهم الواسعة التي أثْرت البشرية في شتى المجالات، لأبلغ من أي كلام. لقد أقاموا حضارة نهل منها الشرق والغرب، حضارة تشع علماً وجمالاً ومحبة وانفتاحاً على الآخر. فمن مشارق الأرض إلى مغاربها، بسطوا نفوذهم، ونشروا لغتهم وثقافتهم، وتركوا إرثاً خالداً من الأدب والعلم والفكر، ما زلنا ننهل منه حتى يومنا هذا.
أما البرغوثي، فقد أَراد بحجته الباهتة أن يفر من سخط الجماهير، زاعماً أن القصيدة قيلت في البيت الذي اقتطعوه بصوت السيدةِ زينب بنت علي - رضي الله عنها - وهو زعم باطل، فما كانت لتقول ما نسب إليها، وإنما هو تَقَوُّلٌ عليها لأغراض أيديولوجية وطائفية، يكمن وراء القناع حقد دفين على العرب.
كان الأَولى به أن يعتذر، فالاعتذار فضيلة، وأن يقر بخطئه، لا أن يزيد الطين بلة، ويسيء إلى سيدة عربية تعتز بحضارتها وقيمها العربية الأصيلة.
إن البرغوثي، اليتيم شعراً وخُلقاً، لم يقتصر غدره على خيانة العرب فحسب، بل خان الشعرية العربية نفسها، تلك الشعرية التي لطالما انحازت لحضارة العرب ودولتهم الأموية، منذ ما قبل المتنبي إلى أحمد شوقي والجواهري وبدر شاكر السياب ومحمود درويش وغيرهم كثير، فهؤلاء جميعا تغنوا بمجد العرب وتاريخهم، واحتفوا بدمشق والشام، مهد الحضارة العربية الأموية.
وإذا كانت قصيدته أتت في شكلها وزناً وقافية لتذكر بقصائد شعراء العراق في مدح المدينة التي وصفها الفاروق عمر بن الخطاب بأنها "جمجمة العرب وكنز الرجال ومادة الأمصار ورمح الله في الأرض"، فما أبعد المسافة بينه وبين أبي الطيب الذي أكد إجلاله للعرب، ضد الفرس وغيرهم من الأعاجم، فقال في غير مرة:
وَإِنَّما الناسُ بِالمُلوكِ وَما
تُفلِحُ عُربٌ مُلوكُها عَجَمُ
لا أَدَبٌ عِندَهُم وَلا حَسَبٌ
وَلا عُهودٌ لَهُم وَلا ذِمَمُ
بل أكد غربته في بلاد فارس حين زارها، فلم تبهره أموالها ولم يقع في هواها وهوى ميليشياتها كما فعل البرغوثي، بل قال بيتاً خالداً يصلح لكل زمان ومكان، ويكشف رؤية عبقرية للعلاقة بين العرب وتلك البلاد:
وَلَكِنَّ الفَتى العَرَبِيَّ فيها
غَريبُ الوَجهِ وَاليَدِ وَاللِسانِ
إن انحياز الشعرية العربية إلى بني أمية فنيا وجماليا، ثابت لدى كل الشعراء، ولكن البرغوثي، على عكسهم، اختار طريق الخيانة والذلّة، ساعياً للارتماء في أحضان الميليشيات، مطلقاً لسانه بسباب العرب أجمعين، وهذا ليس بغريبٍ عليه، فقد أَلف دروب الغدر والانقلاب على الأَصل.
أما في العراق، فقد خاب سعيه وباء بالخيبة، فلم تنطل مماحكاته على أحد من شباب العراق وشعرائه، الذين ردوا عليه مدافعين عن تاريخهم وحضارتهم العربية، فصدح الشاعر أنس الدغيم بِقصيدته الرائعة رداً على البرغوثي:
خلّوا الحسينَ وآلَ البيتِ وانصرفوا
فدهركم كسروي ما به شرفُ
ويثير السخرية أن ينحاز البرغوثي، على نحو مخز، إلى سردية بغيضة متشدّدة، سردية لا تليق بجمال الشعر ولا بروح الإبداع، مشوّها بها الحضارة العربية العريقة. وذلك في الوقت الذي يتجلى فيه للعيان زيف ميليشيا حزب الله الإيرانية التي كُشِفَت سوءتها في أيام معدودات، فأضحت فضيحتها بجلاجل أمام العالم كله.
لقد بان عجز الميليشيات الإرهابية، بعد أن كلّ اللبنانيون من شعاراتها الزائفة عن تحرير فلسطين، وأدرك الجميع أن المدافع الحقيقي عن غزة وشعبها هم العرب أنفسهم، أولئك الذين يتهمهم البرغوثي ظلماً وبهتاناً بأنهم بلا شرف! لكن، ماذا عسانا أن ننتظر من أمثاله حين يتحدثون عن الشرف؟!
إن هذا الذي يتحدث عن الشرف، سبق له أن مدح حسن نصر الله، وهو يعرف ما فعلته ميليشياته في سوريا ولبنان والعراق، ويدرك انتماءاته الأيديولوجية، وانحيازه ضد لبنان واللبنانيين لصالح الملالي، لكن انحيازنا نحن للبنان وحده، "لبنان" الحضارة العربية، لبنان أهلنا وأحبابنا وإخوتنا، لبنان الذي ينبذ الطائفية، لبنان الذي زاره أبو الطيب واستمتع بصيفه وشتائه وقال عنه:
وَعِقابُ لُبنانٍ وَكَيفَ بِقَطعِها
وَهُوَ الشِتاءُ وَصَيفُهُنَّ شِتاءُ
إنها لسخرية القدر أن يحاول هذا الشخص تشويهَ صورة حضارة عربية أصيلة، تغنى بها أعظم شعراء العرب، وتغنى العراقيون أنفسهم بمجدها على مر التاريخ. لقد وقف على ذات المنبر الذي شهد أصوات "عصافير العربية"، لينكر فضائل من أسسوا للحضارة والتسامح، وليغذي بذور الفرقة والكراهية.
لكن، سيبقى إرث بني أمية خالداً، وشعلة العلم متقدة، وستزهر بغداد من جديد بأصوات العقل والحكمة، رافضة كل أشكال التعصب والظلام.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: إسرائيل وحزب الله تفجيرات البيجر في لبنان رفح أحداث السودان الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية مقالات بنی أمیة
إقرأ أيضاً:
عاجل - رئيس وزراء لبنان: نعول على دعم العرب للتعافي مع آثار العدوان الإسرائيلي
هنأ رئيس وزراء لبنان، نجيب ميقاتي، الرئيس عبد الفتاح السيسي على المنشآت العظيمة التي تحتضن القمة الحادية عشرة لمنظمة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي.
وتطرق ميقاتي إلى الأوضاع في بلاده، موضحًا أن لبنان، الصامدة بالصبر والإيمان، تتطلع إلى مستقبل أفضل، ولم يكن ليتحمل التحديات الكبيرة لولا جهود الدول العربية ومحبتها، التي كانت الداعم الرئيسي في مواجهة الأزمات.
وأكد ميقاتي، في الكلمة التي تم بثتها عبر قناة «إكسترا نيوز»، أن لبنان يعتمد كثيرًا على دعم الدول العربية لتخطي محنته، والانتقال إلى مرحلة التعافي من تداعيات العدوان الإسرائيلي الأخير.
القمة تحمل رسالة أمل للبنانوأضاف أن القمة تحمل رسالة أمل للبنان، الذي يظل شريكًا فاعلًا في اللقاءات الدولية لمناقشة القضايا المشتركة، والبحث عن حلول للأزمات المتفاقمة، متسائلًا: "هل سيستمر العدوان الإسرائيلي على لبنان وسوريا وغزة، في وقت بلغ فيه عدد الشهداء والجرحى في كافة الدول أرقامًا غير مسبوقة؟".
العدوان الإسرائيلي لم يوقف عجلة التنميةوأكد أن الحديث عن التنمية لا يمكن أن يستقيم في ظل استمرار الانتهاكات الإسرائيلية للأراضي والسيادة اللبنانية، داعيًا إلى احترام الشرعية الدولية وتطبيق القوانين المعنية، بدءًا بالقانون الدولي الإنساني والضغط على إسرائيل، مشيرًا إلى أن العدوان الإسرائيلي لم يوقف عجلة التنمية في لبنان فحسب، بل عكست تأثيراته تراجعًا كبيرًا في العديد من القطاعات.
العدوان أدى إلى تهجير أكثر من مليون لبنانيوكشف حصيلة العدوان التي أسفرت عن مقتل أكثر من 4 آلاف شخص، بينهم 290 طفلًا و790 امرأة، إلى جانب إصابة أكثر من 14 ألف شخص، مضيفًا أن العدوان أدى إلى تهجير أكثر من مليون لبناني، موضحًا أن تقديرات البنك الدولي تشير إلى أن تكلفة إعادة الإعمار ستتجاوز 5 مليارات دولار لتأهيل المنشآت الحيوية، مثل محطات ضخ المياه والمدارس وأبراج الاتصالات.
لبنان بدأت في مسح الأضرار الاقتصاديةوأوضح أن لبنان بدأت بالفعل في مسح الأضرار الاقتصادية والبيئية والزراعية، حيث دمر العدوان آلاف الهكتارات الزراعية، وأدى إلى تدمير سبل العيش لمئات الآلاف من اللبنانيين، ما خلق أكبر حالة تهجير في تاريخ البلاد، مؤكدًا أن التنمية لا تتحقق إلا بوقف الحروب المدمرة، وضرورة انسحاب الجيوش المحتلة، وتحقيق العدالة للشعوب، ما يتيح لها تحديد مصيرها واكتساب سيادتها على أراضيها، متابعًا أن التنمية تقوم على التعاون والعمل المشترك، معربًا عن أمله في أن يسهم المؤتمر في دعم لبنان لتجاوز محنته وإعادة بناء مسار التنمية المستدامة.
في ختام كلمته، أشار ميقاتي، إلى تأكيد الرئيس السيسي موقف مصر الثابت في دعم لبنان، ورفض المساس بأمنه واستقراره وسيادته، مشددًا على أن هذا الموقف يعكس العلاقات الصادقة بين مصر ولبنان.