غزة - مدلين خلة - صفا

تنظر بعينيها لركام منزلها الذي ابتلع عائلتها كاملة، تتحسس حطام البيت على أمل أن يعود ساكنيه ويجيبها أحدهم من تحت الأنقاض نحن هنا لست وحدك بهذه الدنيا، تحاول جاهدة نسيان فجر تلك الليلة ولكن دون جدوى، وكأن الحياة توقفت هنا حيث بقيت وحيدة وذهب الباقين.

حاولت كثيرًا وتحاول دون يأس استخراج جثامين ما يزيد عن 30 حكاية انتهت بصاروخ أعلن رحيلهم عن الدنيا وترك "أحلام" وحيدة تبكي حالها وما آلت اليه.

تقف عاجزة تحاول أن تشرب الصدمة كيف خرجت بدونهم كيف للناجية الوحيدة أن تفرط بفلذة كبدها الوحيد هل هانت عليها أمها وأبيها وإخوانها، ألن تجلس مجدداً حلقات "نميمة"، مع حماتها وسلفاتها، صغار العائلة لن نسمع صوتهم مجددًا وشجارهم الذي لم يكن يستمر لبضع دقائق، جميعهم رحلوا وخرجت هي ناجية من ركام منزلها الذي نزح أهلها إليه بعد قذائف طالت جدران منزلهم عقب اجتياح قوات الجيش لمنطقة "جورة الصفطاوي" شمال القطاع.

"كلهم راحو وما ظل واحد فيهم يقف معي واسند ظهري عليه، ما بعرف كيف طلعت من تحت الأنقاض حية"، بهذه الكلمات بدأت أحلام خلة تروي لوكالة "صفا" تفاصيل آخر يوم لها في الحياة العائلية ورحيل أفراد عائلتها وعائلة زوجها.

"يوم اجتياح الجيش لمنطقة الصفطاوي اشتد القصف والحزامات النارية، رنيت على أمي وطلبت منها تيجي علينا، صح احنا مو بعاد عنهم لكن بنظل منطقة داخلية أكثر، وبعد عدة اتصالات قبلوا انهم يجوا".

ترفع يدها لتعض على أصابعها وهي تتحاشى النظر بعيني من حولها تعيش داخل عالمها ودموعها التي انهمرت كشلال انفجر من عين ماء وأعلن التمرد على حبيسته، "كانوا أمي وأبوي ومحمد وعائشة وبنتهم بعد انتظار ١٥ سنة، وخواتي وستي وسيدي وبنات عمتي وأخواني".

لم تكفِ أصابع يدها لحصر فقيدي روحها والتي انتزعت من جسدها بتلك الغارة.

"بعد ما استقروا أهلي عنا، وكانت الحياة بعيني وردية كل أحبابي حوليي، وهاد أعطاني أمان برغم شدة القصف والقذائف، لكن كل اللي بفكر فيهم جنبي ع شو رح اخاف".

حظيت بالأمان من جوانبه كافة فعائلتها التي تحب تحت نظرها وفي رعايتها، "كانت أكثر فترة شعرت فيها بالأمان والراحة ما كنت أفكر بشي بخصوصهم وهم تحت رعايتي وكنت كمن ملك الدنيا في خضم فقد جماعي".

"في آخر ليلة النا مع بعض بقينا سهرانين مع بعض، ما كنت بعرف انهم بودعوني ورح تكون هاي آخر ليلة إلي معهم، يا ريت كنت بعرف كان تعلقت فيهم وما تركهم يروحو بدوني، بس هاي حكمتك يا رب، لا اعتراض".

"بعد الفجر راح كل واحد على منامه وما بعرف بعدها شو صار، إلا صحيت على صوت واحد بيحكي هان في جثة احفروا كويس كنت بدي ارفع ايدي اخبرهم اني عايشة بس كان الردم فوق جسمي كله، بيني وبين الموت خيط صغير، غلبت عليه إرادة الحياة".

"حاولت كتير أبحث بعيوني على حدا غيري ما شفت شي غير العتمة، جربت انادي ما قدرت كل ما افتح ثمي يدخل الغبار والردم فيه، فقررت اضل ساكنة يا بوصلوا الي يا بموت مع الكل".

سكن جسدها وأعلن الاستسلام فلا تريد أن تبقى على قيد الحياة مع إعاقة دائمة، بحر من الافكار هاج بداخلها اخذ يضرب أنحاء جسدها كافة، كل الخيارات أمامها، وكلها مرة لا تريد حتى التفكير بها، هي تنتظر فقط أن يمر الوقت الذي أبى الا أن يكون بطيء ثقيل سمج لا يمر.

"بعد وقت طويل ما بعرف كم بالضبط، وانا تحت الانقاض طلعوني وهم بيحكو عايشة عايشة، سامعة صوتهم وما بعطي اي ردة فعل، خايفة افتح عيوني على الصدمة الي خفت منها طول الحرب، الكل صار يطلب مني اعطي اي رد فعل وانا جامدة مستسلمة بحاول أهرب من حقيقة مرة وقعت".

حياة الألم لا تتوقف وكأن الإنسان مجبول بكمية وجع تفتت الصخر وتجعل الحياة تفتقد معانيها، "حتى حمود راح معهم شفت الويل لحتى صار بين ايديا، فش دكتور ما زرته، فش علاج عتب علي ووقت كبر وصار يعتمد عليه فضل الرحيل على البقاء معي".

ذهب الجميع وبقيت "أحلام" تحكي للعالم وحشية "أكثر الجيوش أخلاقية بالعالم"، تخبرهم أنها أضحت بدون صغارها وأهلها تلعن إنسانيتهم الزائفة والتي ترتدي قناع الخداع.

كل شي يتغير بعد فقد الأحبة، فلا حياة تعاش ولا ذكريات تعاد، وتبقى الروح تعتصر ألم وحشي، يفقدك شغفك بالحياة لتعلن انك على قيد الحياة حتى إشعار آخر حتى صاروخ او قذيفة أخرى، وتؤمن بحقيقة، "جميعنا جنائز مؤجلة".

المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية

كلمات دلالية: طوفان الاقصى العدوان على غزة حرب غزة

إقرأ أيضاً:

الحياة لمن عاشها بعقل.. خمسٌ تؤدي إلى خمسٍ

 

 

سلطان بن ناصر القاسمي

الحياة ليست مجرد أيام تمضي ولا أحداث تتكرر؛ بل هي كتاب مفتوح يخط فيه كل إنسان قصته الخاصة، وفي "كتاب الحياة"- إن جاز التعبير- تأتي الخيارات مثل مفترقات الطرق، بعضها يضيء الدرب ويقود إلى النماء والسعادة، وبعضها ينحدر إلى ما يطفئ البصيرة ويثقل القلب بالندم.

وبين هذه الطرق، تظهر لنا تلك الخمس التي تؤدي إلى خمس أخرى، كأنَّها معادلات الحياة الدقيقة التي يجب أن نتعامل معها بحكمة ووعي. فكما أنَّ العين ترى وتفتح أبوابًا للفرح أو الحزن، فإنَّ الطمع يقود إلى الندم، والقناعة تحمل بين طياتها الراحة والرضا، وكثرة السفر تضيف إلى رصيد المعرفة، والجدل الذي لا يُحسن ضبطه قد ينتهي بالخصام.

إنَّ فهم هذه الخمس ليس مجرد ترف فكري؛ بل هو البوصلة التي تساعدنا على الإبحار في أمواج الحياة المتلاطمة. ولأن الحياة لا تُعاد، فإن استيعاب ما قد تقودنا إليه هذه الخيارات يُعد واحدًا من أعظم أشكال الحكمة التي يُمكن أن يتحلى بها الإنسان. ومن هنا، تصبح هذه الخمس علامات مضيئة، تُرشدنا إلى كيفية العيش بعقل وإدراك، بعيدًا عن التشتت والغفلة. فالحياة تُمنح لنا مرة واحدة، وما نفعله بها هو ما يُحدد قيمتنا ومعناها. فلننطلق في رحلة تأمل هذه الخمس وتأثيراتها، لنفهم كيف يمكن أن نصنع من حياتنا لوحة متقنة مليئة بالألوان البراقة.

أولًا: العين تؤدي إلى التأثير.. إن العين هي نافذة الروح وأداة الإدراك الأولى، وما تراه يمكن أن يبني أو يهدم. فعندما تُستخدم العين بحكمة لتأمل الجمال ونعم الله، فإنها تؤدي إلى شكر النعمة وتعميق الإيمان؛ حيث يصبح الإنسان أكثر تقديرًا لما يمتلكه. كما أن النظر إلى خلق الله بتأمل يعمق الفهم، إذ يقول الله تعالى: "أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ" (الغاشية: 17). وعلى النقيض، إذا تُركت العين بلا رقابة، فإنها قد تنجرف نحو المحرمات، مما يؤدي إلى عواقب وخيمة مثل الزنا أو الحسد. بالإضافة إلى ذلك، العين قد تتسبب في الفرح المفرط الذي يُضر بالآخرين عندما تظهر النعم أمام من يفتقر إليها. لذا، فإن غض البصر عن المحرمات ورؤية الخير بعين الرضا هو السبيل الأمثل لجعل العين وسيلة لبناء حياة مليئة بالطهارة والسكينة. وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "غض البصر يحفظ القلب".

ثانيًا: الطمع يؤدي إلى الندم؛ حيث إنَّ الطمع هو آفة النفس التي تدفع الإنسان للسعي المستمر وراء المزيد دون أن يشعر بالرضا. ومن يسيطر عليه الطمع يجد نفسه عالقًا في سباق لا ينتهي مع الرغبات، مما يؤدي إلى التعب والخذلان. بالإضافة إلى ذلك، الطمع لا يقتصر على الجوانب المادية فحسب؛ بل قد يمتد ليشمل العلاقات والطموحات غير المبررة، مما يُفسد سلام النفس ويؤثر سلبًا على الروابط الاجتماعية. فالطمع يُزيل البركة من الرزق ويزرع الخصومات، ويُشوه العلاقات بين الناس. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كان لابن آدم واديان من ذهب لأحب أن يكون لهما ثالث" (رواه مسلم). لذا، فإن الرضا بما قسمه الله والتحلي بالقناعة هو السلاح الأقوى ضد الطمع، وهو مفتاح للسلام الداخلي والرضا. وكما يقول المثل: "القناعة كنز لا يفنى".

ثالثًا: القناعة تؤدي إلى الرضا.. إن القناعة هي الجوهرة التي تمنح الإنسان السعادة الحقيقية. فعندما يرضى الإنسان بما لديه، يعيش حياة هادئة مليئة بالطمأنينة؛ حيث يشعر بأنه يمتلك كل ما يحتاجه بغض النظر عن كميته. كذلك القناعة تجعل الإنسان يركز على ما يملك بدلًا من أن يحزن على ما ينقصه. والأهم من ذلك، أنها تزيد من حب الناس لمن يتحلى بها؛ حيث يصبح شخصية محبوبة بعيدة عن التنافس والحسد. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس"؛ فالقناعة هي مفتاح للسكينة وسبب لنشر المودة بين الناس، وهي قيمة أساسية لتحقيق الرضا النفسي والتوازن. كما أن الرضا هو جنة الدنيا التي يعيش فيها الإنسان بحالة من السلام الداخلي.

رابعًا: كثرة السفر تؤدي إلى المعرفة؛ فالسفر ليس فقط انتقالًا من مكان إلى آخر؛ بل هو مدرسة متنقلة تعلم الإنسان دروسًا لا تُقدر بثمن. فعندما يسافر الإنسان، يتعرض لثقافات مختلفة وتجارب متنوعة توسع أفقه وتزيد من إدراكه للعالم من حوله. كذلك السفر يعزز من مرونة التفكير؛ حيث يواجه الإنسان طرقًا جديدة للتفكير والحياة. كما أنه يُضيف لرصيد الإنسان خبرات حياتية تُعمق من فهمه لذاته وللآخرين. علاوة على ذلك، السفر يُسهم في تنمية الذكاء الاجتماعي من خلال التفاعل مع الآخرين وتعلم لغاتهم وثقافاتهم. يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ" (العنكبوت: 20). ويقول المثل: "في السفر سبع فوائد"، ومن أبرزها المعرفة التي تُنير العقول وتُثري الأرواح، وتمنح الإنسان مرونة نفسية تجعله أكثر تقبلًا للتغيرات.

خامسًا: الجدل يؤدي إلى الخصام، وهو أخطر النتائج التي يمكن أن تترتب على حوارات غير مدروسة. فعندما يتحول النقاش إلى جدل عقيم، فإنه يُفسد العلاقات ويزرع مشاعر الكراهية والغضب بين الأطراف. والخصام الناتج عن الجدل قد يتطور إلى فجور وعداوة، وهو ما ينهى عنه الإسلام بشدة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا" (رواه أبو داود). إضافة إلى ذلك، الجدل المستمر يستهلك طاقة الإنسان العقلية والنفسية، ويُفقده التركيز على الأمور الأكثر أهمية. لذلك، فإن السعي للحوار البناء وتجنب الجدال العقيم هو المفتاح للحفاظ على العلاقات الاجتماعية وتحقيق السلام الداخلي. كما أمرنا الله تعالى: "وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (النحل: 125).

وفي الختام.. تتجلى الحكمة في كيفية إدارة هذه المسارات الخمس؛ إذ إننا عندما نختار أن نعيش بعقل، نكتشف أن الحياة تصبح أكثر وضوحًا وتوازنًا؛ حيث ندرك أهمية توجيه حواسنا ورغباتنا نحو ما يُرضي الله ويُحقق الخير لنا وللآخرين. فلنحرص على أن نعيش حياتنا بوعي وإدراك، ونستثمر كل لحظة في بناء أنفسنا ومجتمعاتنا، لنحقق التوازن بين أفعالنا ونتائجها، ونزرع في طريقنا ما يُثمر خيرًا وسلامًا.

الحياة لمن عاشها بعقلٍ ليست مجرد رحلة؛ بل هي لوحة فنية تُرسم بالحكمة، وتُلوَّن بالإيمان، وتُكلَّل بالنجاح والسكينة، لتبقى أثرًا خالدًا في قلوب من عاشوا معنا ومن سيأتون بعدنا.

مقالات مشابهة

  • أسماء الأسد في حالة صحية حرجة.. وهذه فرص بقائها على قيد الحياة
  • أحلام المصريين فى 2025
  • هل تبخرت أحلام السيتي في الدفاع عن لقب البريميرليغ؟
  • ماذا تعني أحلام ترامب بالسيطرة على غرينلاند وقناة بنما؟.. نخبرك القصة كاملة
  • الدرقاش: الدولة الوحيدة المستقلة هي أفغانستان
  • لماذا نحلم بقصص حقيقية أحيانًا؟.. مفسر أحلام يكشف مفاجأة
  • الأمراض المزمنة وإدارة نمط الحياة الصحي
  • الحياة لمن عاشها بعقل.. خمسٌ تؤدي إلى خمسٍ
  • مصدر بـالكهرباء: جنوب القاهرة الأعلى فقدًا بين شركات التوزيع
  • بيريز: سنواصل العمل معا لتحقيق أحلام ريال مدريد في العام الجديد