موقع 24:
2025-01-22@19:03:02 GMT

طور جديد في الحرب

تاريخ النشر: 26th, September 2024 GMT

طور جديد في الحرب

أمينة خيري
سخر كثيرون قبل سنوات حين بدأت ملامح حروب تختلف عن كل ما شهدته البشرية منذ بداية مسيرتها مع الحروب. حتى التنبيهات الخافتة مما نحن مقبلون عليه، والمطالبة بضرورة الجاهزية حتى لا نفاجأ بحرب لا نعرف عنها شيئاً في عقر دارنا، نالها ما نالها من اتهامات التهويل وشرارات التنكيت.
ولأن هذا الطور الجديد من الحرب مبهم المعالم، متشابك الخيوط، متداخل في الأمن والسياسة والترفيه والإعلام والاقتصاد والحرب وكذلك السلام، فقد بدا الأمر كأنها حرب من وحي الخيال، أو مجرد تهيؤات تعتري من يؤمن بنظريات المؤامرة أو يقرأ ويطلع على تصورات المستقبل.


أمضى – أو بالأحرى أهدر - كثيرون وقتهم في دحض التحذيرات، وتشويه سمعة المحذرين، مع وضع الخطط الإعلامية والاجتماعية التي تهدف إلى تكذيب هذا الخطر القادم.
الخطر لم يعد قادماً، بل قدم بالفعل منذ فترة طويلة، وأدوات وتكتيكات هذا الخطر، أو هذا الطور الجديد من أطوار الحروب، أصبحت واضحة وضوح الشمس، ولم يعد هناك مجال للإنكار أو وقت للتجاهل.
يتعامل البعض مع ما جرى من خرق لأجهزة اتصالات «البيجر» في جنوب لبنان، وانفجار أجهزة اللاسلكي المفاجئ والمباغت والصادم كأنه أول ملامح هذه الحروب الجديدة، ويطلق عليها «حروب الجيل الخامس». لكن الحقيقة هي أنها ليست الملمح الأول، بل الملمح الأقرب منا، من حيث الجغرافيا، وفي ضوء مجريات حرب غزة التي توشك على إتمام عامها الأول.
بدأت هذه الحروب منذ اختلطت الحدود الفاصلة بين الحرب والسلام. وتجلت مع توجه العديد من جيوش العالم، وجماعاته المسلحة، وحركاته شبه العسكرية في تبني أساليب حرب واعتداء عسكرية غير تقليدية، لا تهدف فقط إلى القتل والتدمير وإعلان النصر بناء على عداد الخسائر، ولكنها تهدف، وربما في المقام الأول، إلى ضرب الاقتصاد وتخريب الإعلام والوصول إلى البيوت عبر منصات افتراضية وإلحاق الضرر بالبنى الاجتماعية. كل ذلك يجري جنباً إلى جنب مع أساليب الحرب التقليدية التي لا تتوقف سبل تطويرها وتحديثها، بدءاً من الأسلحة، ومروراً بتدريب المقاتلين وتطوير الخطط الحربية والقوس مفتوح.
يقولون إنها حروب الجيل الخامس، أو إنها امتداد لحروب الجيل الرابع، وربما مقدمات لحروب الجيل السادس. المسميات لا تهم، ما يهم هو الانتباه أن «فنون» الحرب في حالة تغير وتطور دائم، ومن يعتقد أن الحرب تقف محلك سر، حيث دبابة وطائرة وصاروخ ومقاتلون، مهما بلغوا من مهارة وبراعة وتقدم، مخطئ.
ويشير كتاب «حروب الجيل الخامس: الهيمنة على المجال البشري» لمؤلفه آرمين كريشنان المتخصص في دراسات الحرب والتأمين (2024) إلى أن السرية، التلاعب بالوكلاء، التلاعب بالهوية والثقافة، التضليل والبيانات الضخمة، الحرب النفسية، تسخير التكنولوجيا الحديثة والرقمية لتحقيق المآرب وغيرها، يتم استخدامها في الأجيال الجديدة من الحروب بغية تحقيق الأهداف الاستراتيجية.
ويصل الأمر إلى استخدام التقنيات الحديثة للتحريض على السلوك المرغوب فيه والسيطرة على سمات مجموعات بعينها من البشر، من دون شرط اللجوء إلى الحرب العلنية أو العنف.
الحروب في طورها الحديث قد يصل بها الأمر إلى العمل على إعادة تشكيل مجتمعات بشرية معينة بشكل خبيث، بل وتغيير التركيبة الجينية للسكان بغرض السيطرة الاجتماعية والفكرية.
يتحدث المؤلف عن أهمية فهم أدوات وتقنيات الأجيال الجديدة في الحروب من أجل فهم الصراعات المعاصرة، مثل ما جرى في ما يسمى «الربيع العربي»، وما يجري في أوكرانيا. وربما يجدر بكريشنان إضافة فصل جديد عن الأجيال الجديدة في الحروب وحرب غزة، ليس فقط من منطلق الأطراف المتحاربة بشكل مباشر وصريح، ولكن من خلال الوكلاء، ووكلاء الوكلاء.
غاية القول إن الذكاء الاصطناعي يلعب فعلياً دوراً أساسياً في الحرب الدائرة حالياً في المنطقة العربية. قواعد الحرب تتغير أمام أعيننا، والذكاء الاصطناعي في القلب منها.
يتوقع لموازين القوى أن تتغير، والتهديدات الأمنية ستتخذ أشكالاً لم تخطر على بال، وكل ذلك يدفع دفعاً عمليات صنع القرار وتحديد الاستراتيجيات، وبالطبع الأولويات، لمواكبة الطور الجديد من أطوار الحروب.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: إسرائيل وحزب الله تفجيرات البيجر في لبنان رفح أحداث السودان الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إسرائيل وحزب الله رفح تفجيرات البيجر في لبنان غزة وإسرائيل حروب الجیل

إقرأ أيضاً:

لغز اليمن... في ظلّ فشل الحروب الإيرانيّة

يظلّ اليمن والتحولات التي شهدها، منذ خروج علي عبدالله صالح، من السلطة في فبراير (شباط) 2012، لغزاً كبيراً. زاد الوضع تعقيداً واللغز عمقاً منذ سيطرة الحوثيين، أي إيران، على صنعاء في 21 سبتمبر (أيلول) 2014.

يتصرف الحوثيون بطريقة توحي بأنّ مصير اليمنيين المقيمين في مناطقهم آخر همّ لديهم. المهم بالنسبة إلى هؤلاء، وإلى إشعار آخر، خدمة الأجندة الإيرانية والمشروع التوسعي الإيراني اللذين لا أفق سياسياً لهما من جهة وتأكيد أنّ «الجمهوريّة الإسلاميّة» باتت تمتلك موطئ قدم في شبه الجزيرة العربيّة من جهة أخرى.
انشغل العالم طوال سنوات عمّا يفعله الحوثيون في مناطق سيطرتهم، أي شمال اليمن. لم يكن شمال اليمن يوماً، على العكس من جنوبه، موضع اهتمام دولي ذي طابع جدّي.
يستفيد الحوثيون، الذي يسمّون نفسهم «جماعة أنصار الله» والذين كانوا ومازالوا، على علاقة وثيقة قديمة جدّاً مع «حزب الله» في لبنان، من نقاط قوّة عدّة. في مقدّم هذه النقاط عدم وجود بنك أهداف لدى القوى الغربيّة والإقليمية التي تحاول التصدي لهم. لم تستفق هذه القوى على خطر الحوثيين سوى بعد أحداث غزّة التي بدأت في السابع من أكتوبر عندما قرّرت إيران زج هؤلاء في حروبها.
شنت «الجمهوريّة الإسلاميّة»، مباشرة بعد «طوفان الأقصى»، سلسلة من الحروب استهدفت منها توجيه رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة. فحوى الرسالة أنّها تمتلك قرار توسيع الحرب التي بدأتها «حماس» والقدرة على ذلك... وأن المطلوب عقد صفقة معها تفادياً لجعل حرب غزّة تشمل المنطقة كلّها.
فشلت إيران في الحروب التي شنتها، لكنّ اللغز اليمني باقٍ على حاله. ارتدّت هذه الحروب الإيرانيّة على قطاع غزّة نفسه الذي دمرته الوحشية الإسرائيلية. في لبنان تلقّى «حزب الله» الذي فتح جبهة الجنوب ضربة قويّة لم يستفق منها بعد. لولا تلك الضربة، لكان الفراغ الرئاسي مستمرّاً، ولكانت رئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة لاتزال رهينة لدى إيران. بكلام أوضح، لولا الضربة التي تلقاها «حزب الله»، لما كان قائد الجيش العماد جوزف عون، في قصر بعبدا الذي بقي شاغراً طوال سنتين وشهرين.
كان الفشل الإيراني الأكبر في سوريا التي كان النظام العلوي فيها برئاسة بشّار الأسد، مجرّد تابع لـ«الجمهورية الإسلاميّة». أمّا العراق، فقد سعى، أقلّه ظاهراً، إلى التملّص من السيطرة الإيرانية المباشرة أو غير المباشرة عن طريق ميليشيات «الحشد الشعبي». إنّّها ميليشيات يتحكّم بها بطريقة أو بأخرى «الحرس الثوري» الإيراني. من الآن إلى أن يخرج العراق من تحت الهيمنة الإيرانية، لابدّ من ملاحظة أنّ حماسة ميليشيات «الحشد الشعبي» لـ«إسناد غزّة» خفت كثيراً، بل باتت شبه معدومة.
لم يبق سوى جزء من اليمن يخوض منه الحوثيون آخر الحروب الإيرانية. سيأتي يوم تتوقف هذه الحرب أيضاً التي أضرّت بحركة الملاحة في البحر الأحمر والتي لم تلحق أذى يذكر بإسرائيل. كلّ ما في الأمر أن الخسائر الكبرى لحقت بمصر حيث هبط الدخل الذي كانت تؤمنه لها حركة الملاحة عبر قناة السويس. يبدو الخيار الوحيد أمام الحوثيين التراجع والسعي إلى صفقة ما تحافظ على وجود لهم في شمال اليمن الذي باتوا يعتبرونه مملكة خاصة بهم.
ليس غياب بنك الأهداف وحده الذي يجعل من الصعب القضاء على الحوثيين. هناك أيضاً طبيعة الأرض في اليمن التي تسمح للحوثيين بإخفاء ما لديهم من صواريخ في أماكن يصعب تحديدها بدقة. في النهاية، الأولوية بالنسبة إلى الحوثيين حكم منطقة محددة في اليمن والسيطرة على أهلها وتغيير طبيعة المجتمع في تلك المنطقة التي كانت تسيطر عليها القيم القبلية، وهي قيم تبقى راسخة في بلد مثل اليمن... ولابدّ من أن تعود إلى الحياة يوماً.
في مواجهة الوضع القائم، أي بقاء القرار في اليمن الشمالي في يد الحوثيين، سيعتمد الكثير على ما إذا كانت على الأرض اليمنية قوى محلّية مستعدة للتحرّك في مواجهة هؤلاء.
لا شكّ أنّ «الشرعية» اليمنية، بقيادة الدكتور رشاد العليمي، في حاجة إلى أخذ المبادرة، خصوصاً في حال قرّرت القوى الغربيّة التنسيق مع القوى المناهضة للحوثيين الموجودة على الأرض.
عاجلاً أم آجلاً، سيتغيّر الوضع في اليمن. يؤخّر ذلك أن العالم الغربي غير مستعد للذهاب بعيداً في مواجهة الحوثيين بطريقة فعالة. يدفع هذا العالم ثمن تهاونه مع «جماعة أنصار الله» وذلك منذ سنوات عدّة عندما منع سقوط ميناء الحديدة في العام 2018، وقرّر بدل ذلك عقد اتفاق ستوكهولم مع تلك الجماعة التي ليست سوى أداة إيرانيّة.
هل جاء دور التغيير في اليمن الآن بعدما اكتشف العالم خطأ استرضاء الحوثيين؟ الجواب أنّ العالم يستطيع الانتظار ما دام الأذى الذي تلحقه إيران، عبر أداتها اليمنية، لايزال محدوداً... وما دام الطرف الذي يعاني هو الشعب اليمني.
سيأتي دور اليمن والوجود الإيراني فيه يوماً. لا يبدو العالم الغربي في عجلة من أمره، خصوصاً أنّ اليمن الشمالي لم يهمّه يوماً... بل كان همّه دائماً في الجزء الجنوبي من البلد الذي لديه ساحل طويل يمتد من بحر العرب... إلى ميناء عدن وميناء المخا الذي يتحكّم بباب المندب مدخل البحر الأحمر وبالتالي قناة السويس!
يبقى أنّ الحاجة في كلّ وقت إلى التعاطي مع لغز يمني يتمثل في أهمّية الجنوب بالنسبة إلى العالم في مقابل العزلة النسبية التي عانى منها الشمال عبر التاريخ.

مقالات مشابهة

  • باحث سياسي: «الإخوان» استخدموا استراتيجيات التدمير النفسي لتهديد الشعب
  • محلل عسكري إسرائيلي: ترامب لن يسمح بعودة القتال في قطاع غزة
  • السودانيون يترقبون جهود الإدارة الأميركية الجديدة لوقف الحرب
  • لغز اليمن... في ظلّ فشل الحروب الإيرانيّة
  • حروب التطبيقات الرقمية
  • بين الأطلال والفقد والتشرد.. حروب جديدة تندلع في وجوه العائدين لشمال غزة
  • ضد حماس وحزب الله..حروب إسرائيل ترفع عبء ديونها إلى 69 %
  • ترامب : إدارتي ستضع حدا لكل الحروب
  • ترامب: سنضع حدا لكل الحروب في العالم
  • حزب الجيل: العفو عن 4600 محكوم عليهم تجسيد لاستراتيجية الجمهورية الجديدة