حلت الذكرى الثانية والستين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر في اليمن وسط أجواء من الانقسام والحرب يعيشها البلد منذ أكثر من عشر سنوات.

 

وهيمن هذا الوضع على الاحتفال بذكرى الثورة اليمنية، التي تعد أهم المحطات الوطنية، ونقطة تحول في نضال اليمنيين، بعد نجاحها في القضاء على النظام الإمامي، وإنهاء الحكم الملكي في اليمن، ومثلت ميلادا جديدا، بعد قرون من العزلة، والاستعباد، الذي طغى على حكم الحقبة الإمامية.

 

بدا الاحتفال هذا العام مختلفا من نواح عديدة، واتخذ العديد من الأشكال، تبعا للجغرافيا اليمنية، التي تعاني من التشظي، وكذلك وفقا للمنظومات المحلية التي تحكم تلك الجغرافيا.

 

جماعة الحوثي

 

تتحكم جماعة الحوثي بنطاق جغرافي يعد الأقل مساحة في اليمن، لكنه الأكثر من حيث الكثافة السكانية، والأهم من حيث طبيعة المدن التي تهيمن عليها، وأهمها العاصمة صنعاء، وقابت الجماعة هذه الذكرى بإجراءات قمعية غير مسبوقة، وشنت حملات اعتقال طالت العشرات من الناشطين والصحفيين وكتاب الرأي، والشخصيات الاجتماعية والحزبية، وكثفت انتشارها الأمني، لمنع أي مظاهر احتفالية.

 

هذه الإجراءات سبق لجماعة الحوثي اتخاذها في سنوات سابقة، لكنها كانت بدرجة أقل قياسا بما سلكته الجماعة هذا العام، وبدا واضحا حساسيتها المفرطة من ذكرى ثورة 26 سبتمبر عاما بعد عام، ولم تقدم الجماعة التبرير المنطقي لهذا السلوك، بل وتوعدت المحتفلين بالعقاب، ودعت للتصدي لهم، وتروج قيادات فيها إلى أن مظاهر الاحتفال تأتي مدفوعة من أطراف خارجية، ووصل الأمر حد اعتبار الخروج للشوارع والاحتفال ورفع الأعلام جزءا من مؤامرة خارجية، يمولها الطرف الآخر، في إشارة للحكومة المقيمة في عدن.

 

تنبع مخاوف جماعة الحوثي من هذا الاحتفاء الشعبي الواسع بهذه المناسبة من شعورها بالانزعاج والقلق، إذ أنها تعتبر الاهتمام الجماهيري عبارة عن ردة فعل للشارع الذي تحكمه، ورفضا لطريقة حكمها، خاصة أن ثورة سبتمبر هي من قضت على الحكم الإمامي، الذي تعد جماعة الحوثي اليوم امتدادا نظريا وسياسيا وفكريا له، وهو ما يرفع من درجة انزعاجها، مثلما يرفع من إصرار السكان في مناطقها على التمسك بالاحتفال.

 

وتحت الضغط الشعبي والجماهيري المتذمر من هذا السلوك العدائي تجاه ذكرى الثورة اليمنية أوجدت جماعة الحوثي نسختها الاحتفالية بثورة الـ26 من سبتمبر، ويأتي ذلك على هيئة مظاهر احتفاء عابرة وباردة، تمثلت بإيقاد الشعلة في ميدان التحرير وسط العاصمة صنعاء، وسط حراسة أمنية مشددة، وكذلك تنظيم مهرجان شبابي كشفي، ويكاد تنحصر تلك المظاهر على العاصمة صنعاء فقط.

 

احتفال الحوثيين على طريقتهم الخاصة تحول أيضا إلى مناسبة لإرسال الرسائل، وظهر رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط في خطاب متلفز بمناسبة ذكرى الثورة السبتمبرية، موجها العديد الرسائل للأطراف المحلية والإقليمية والدولية، مبتعدا عن المناسبة الجوهرية، مهاجما السعودية والإمارات والحكومة الشرعية، ومتحدثا عن قضايا سبق للجماعة التأكيد عليها، كالعمليات البحرية، والوضع في فلسطين ولبنان، وتجاهل بشكل تام الحديث عن ثورة 26 سبتمبر، والنظام الذي قامت عليه، والواقع الذي أوجدته، والتحول الذي أنجزته.

 

احتفاء حكومي

 

احتفت الحكومة اليمنية بالذكرى الثانية والستين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر بالعديد من المظاهر، وكانت المناطق الخاضعة لسيطرتها كمارب وتعز الأكثر احتفالا وحضورا على المستوى الرسمي والشعبي، إذ جرى إيقاد شعلة الثورة، وتنظيم العروض العسكرية، وإحياء الفعاليات، وإلهاب حماس الشارع بالمشاركة الواسعة.

 

ومثل حضور رئيس الحكومة أحمد عوض بن مبارك قيمة إضافية للاحتفال الجماهيري والعرض العسكري الذي شهدته محافظة مارب، والتي وصلها للمرة الأولى منذ تعيينه رئيسا للوزراء.

 

وحرصت الحكومة في هذه المناسبة على إيصال العديد من الرسائل في هذه الذكرى، وظهر رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي في خطاب متلفز متحدثا عن هذه المناسبة، موجها العديد من الرسائل بما في ذلك لجماعة الحوثي، والمجتمع الدولي، ودول الإقليم.

 

وانطلاقا من التوجه الحكومي أحيت العديد من السفارات اليمنية في الخارج، والجاليات اليمنية هذه الذكرى، وظهر العديد من المسؤولين الحكوميين متحدثين في وسائل التواصل الاجتماعي عن المناسبة، وأهميتها، وقيمتها.

 

والوضع نفسه على المستوى الشعبي في مناطق سيطرة الحكومة، حيث تمكن السكان من الخروج إلى الشوارع، وتنظيم المسيرات، والمهرجانات، سواء داخل المدن أو الأرياف، بخلاف ما يعيشه نظرائهم في المدن الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.

 

الصمت والتجاهل

 

ثمة حالة أخرى اتسم بها الاحتفال بالذكرى السنوية لثورة السادس والعشرين من سبتمبر، وتمثل ذلك في حالة الصمت المطبق في المدن التي يتواجد فيها المجلس الانتقالي، المشارك في مجلس القيادة الرئاسي، والحكومة اليمنية، كمدينة عدن الخاضعة لسيطرة المجلس المطالب بالانفصال، والتي خلت من أي مظاهر احتفاء، وهي حالة تمتد لنفس الوضع خلال السنوات الأخيرة، إذ يعتبر الانتقالي ثورة سبتمبر شأنا لا يعنيه، ومناسبة خاصة بما يصفه الجمهورية العربية اليمنية، وهي التسمية التي كانت تطلق على الشطر الشمالي من اليمن، قبيل توحيد شطري اليمن في الـ22 من مايو 1990، وهذا التوجه بحد ذاته يخالف حقائق المنطق والتاريخ، ونشأة الثورة نفسها، والواقع الذي أفرزته، والذي انعكس على ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963، وانطلاقها ضد المستعمر البريطاني، بعد عام فقط من ثورة سبتمبر 1962 بصنعاء.

 

ويلاحظ هنا أن مظاهر الاحتفاء بهذه الذكرى داخل المدن التي يتواجد فيها الانتقالي كانت أكثر قطيعة ومقاطعة لهذه المناسبة، بينما تحضر بشكل متفاوت في المدن التي لا يحظى بها بالتواجد والسيطرة، فعلى سبيل المثال شهدت محافظة المهرة مظاهر احتفالية بثورة سبتمبر، بينما غابت في مدن أخرى كـ أبين ولحج حتى هذه اللحظة، والوضع نفسه في مدينة حضرموت التي تعيش حراكا متأججا.

 

أصوات مرتفعة

 

أمام هذه الخيارات ثمة تيار يمضي خارج هذه الأشكال الثلاثة، وهو عبارة عن أصوات مرتفعة ترى بالقوى السابقة سببا من أسباب التشظي والفشل الراهن في اليمن، وتجسد هذا الصوت بالخطاب الذي ألقته الناشطة اليمنية توكل كرمان الحائزة على جائزة نوبل للسلام، والذي هاجمت فيه مجلس القيادة الرئاسي، وجماعة الحوثي، ودعت لإحياء قيم ثورة سبتمبر، واستمرار النضال الشعبي لاستعادة الجمهورية.

 

دلالات ورسائل

 

تعكس الذكرى الثانية والستين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر عملية الانقسام المهيمنة في اليمن، وتظهر فرزا واضحا للقوى المهيمنة في الوقت الراهن، واختلاف أجندتها، ويتضح أن هناك ثلاث قوى تتحكم بالمشهد في اليمن، الأول جماعة الحوثي، والثانية الحكومة اليمنية، والثالثة المجلس الانتقالي، وإن كان بدرجة أقل، من حيث التأثير.

 

كما تظهر ذكرى الثورة السبتمبرية أنها باتت تمثل أرضية مشتركة للعديد من القوى اليمنية، التي بادلت بعضها القطيعة طوال أكثر من عقد ونصف، كحزبي التجمع اليمني للإصلاح والمؤتمر الشعبي العام – خارج صنعاء – وبقية المكونات الأخرى، كتيار طارق صالح في الساحل الغربي، وتيار أحمد علي عبدالله صالح، المحسوب كأحد أجنحة حزب المؤتمر الشعبي العام أيضا، وبقية الأحزاب والمكونات اليمنية الأخرى.

 

وهذا التوافق لهذه التيارات يمكن أن يمثل نقطة التقاء لها جميعا، ويتحول لسقف مشترك، يمكن الانطلاق منه لتوحيد الجهود في قادم الأيام، بما يفضي نحو خلق واقع جديد، يتجاوز الانقسام، ويدفع باتجاه مواجهة الحوثيين.

 

تشير عملية القمع لجماعة الحوثي إلى مدى المخاوف التي تنتابها من تزايد الوعي الشعبي في مناطقها، فالسكان يرون في الذكرى الثورية رسالة للتعبير عن استيائهم، بينما تنظر لها الجماعة نوعا من التمرد، والخروج عن سلطتها، وهذه المعادلة تتوسع عاما بعد آخر، وتمضي في اتجاهين متوازيين.

 

والأهم هنا كيف أن الثوابت الوطنية في اليمن تحولت لمادة للجدل، ومحور للخلاف، ونال منها الصراع الجاري بشكل كبير، وإن كان ما يجري في نظر البعض علامة تعاف ليدرك اليمنيين أهمية هذه المناسبات الوطنية، ومعرفة خصومها وأنصارها.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: ثورة 26 سبتمبر ثورة سبتمبر جماعة الحوثي مجلس القيادة الرئاسي المجلس الانتقالي لثورة السادس والعشرین من سبتمبر هذه المناسبة جماعة الحوثی ثورة سبتمبر ذکرى الثورة هذه الذکرى المدن التی العدید من فی الیمن

إقرأ أيضاً:

‏وسائل إعلام إسرائيلية: الجيش الإسرائيلي يبدأ التحقيق في أسباب عدم اعتراض الصاروخ الذي أطلق من اليمن

أعلنت ‏وسائل إعلام إسرائيلية، أن الجيش الإسرائيلي بدأ التحقيق في أسباب عدم اعتراض الصاروخ الذي أطلق من اليمن.

وأعلنت إسرائيل، موافقتها رسميًا على الخطة التي اقترحتها الولايات المتحدة الأمريكية، لوقف إطلاق النار بين حزب الله وتل أبيب والذي دخل حيز التنفيذ في الساعة العاشرة من صباح يوم الأربعاء بتوقيت العاصمة اللبنانية بيروت.

وفي وقت سابق، بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي، عملية برية محدودة في جنوب لبنان تستهدف البني التحتية لحزب الله، وسط تحليق مكثف للطيران وقصف مكثف بالمدرعات والدبابات على مناطق الجنوب.

وقد شهدت لبنان حادثة مؤلمة بعد انفجار المئات من أجهزة الاتصال "البيجر" المستخدمة من قبل عناصر حزب الله، ما أسفر عن مقتل 11 أشخاص وإصابة نحو 3000 آخرين.

هذه الحادثة أثارت اهتمامًا دوليًا واسعًا، حيث كانت الأجهزة المنفجرة تُستخدم للتواصل بين عناصر الحزب.

مقالات مشابهة

  • اليمن يُدين حادثة الدهس التي وقعت في ألمانيا
  • إندونيسيا تحيي الذكرى العشرين لكارثة تسونامي المأساوية التي أودت بحياة مئات الآلاف
  • ‏وسائل إعلام إسرائيلية: الجيش الإسرائيلي يبدأ التحقيق في أسباب عدم اعتراض الصاروخ الذي أطلق من اليمن
  • صور تظهر ما نجم عن صاروخ الحوثي الذي استهدف إسرائيل وفشلت باعتراضه
  • شيخ الأزهر في 2024.. حصاد عام من الجولات الدولية والرسائل الحضارية
  • فصائل المقاومة الفلسطينية تشيد بالضربة الصاروخية اليمنية وتدين العدوان الصهيوني على اليمن 
  • فصائل المقاومة تبارك عملية القوات المسلحة اليمنية على يافا المحتلة وتدين العدوان الصهيوني على اليمن (إنفوجرافيك)
  • غارات إسرائيلية عنيفة على الأراضي اليمنية وجماعة الحوثي تهدد بالتصعيد
  • جيش الاحتلال يعلن اعتراض الصاروخ الذي تم إطلاقه من اليمن
  • الحكومة اليمنية: «الحوثي» ارتكبت أبشع الجرائم والانتهاكات