الدور الشعبي الواجب لمحاصرة النفوذ الصهيوني في بلادنا
تاريخ النشر: 26th, September 2024 GMT
ليس هناك شك في أن أهم ساحة لمواجهة النفوذ الصهيوني في بلادنا هي الساحة الشعبية، فبرغم تراجع عدد من الحكومات عن ثوابت الأمة في مواجهة المشروع الصهيوني، إلا أن الشعوب بقيت وفية لقضيتها، واقفة عند مبادئها، دون تفريط أو تهوين، وهو ما أرّق خصوم أمتنا في السنوات الأخيرة، وجعل هدف التطبيع الإبراهيمي على رأس أولوياتهم، وذلك لكي يستطيعوا من خلاله أن يمرروا مخططاتهم بسهوله، ويقضوا على الممانعة الشعبية المتعاظمة.
وفي هذا الصدد يجب أن نذكر وأن نحتفى بانتصارنا مجتمعين على مخططات التطبيع السالفة، التي كانت مواجهتها من أبرز صور التعاون والتلاحم بين قوانا الوطنية على اختلاف توجهاتها الفكرية، ولا تزال مصر مضرب الأمثال في هذا النجاح في التصدي للتطبيع بالتعاون بين كافة الحركات الوطنية، برغم الأشواط البعيدة التي خاضتها الحكومات المتعاقبة منذ اتفاقيات كامب ديفيد.
منذ نشوء المشروع الصهيوني، سعت إسرائيل إلى التغلغل في المنطقة العربية والإسلامية، مستخدمة أدوات سياسية واقتصادية وثقافية لتعزيز وجودها وترسيخ سيطرتها. ومع التغيرات الجيوسياسية الراهنة في ضوء طوفان الأقصى والحرب على غزة وما أعقبهما من زلازل سياسية في المنطقة والعالم، باتت الحركات الشعبية والقوى السياسية، سواء الإسلامية، أو القومية، أو اليسارية، أو الليبرالية، مطالبة بتوحيد جهودها لمحاصرة هذا التغلغل، ووقف أي محاولات للتطبيع تلك التي تعمل على تغيير طبيعة العلاقات بين العالم العربي والإسلامي وبين المشروع الصهيوني.
الحركات الإسلامية، في جميع المراحل، كانت في طليعة مقاومة هذا المشروع، لكن نجاحها في التصدي له لا يمكن أن يكون كاملا بدون تعاون وتكامل مع الحركات القومية واليسارية والليبرالية. هذه الحركات، بمختلف توجهاتها الفكرية، تمتلك نقاط قوة وإمكانيات يمكن توظيفها بشكل استراتيجي لتضييق الخناق على التغلغل الإسرائيلي
الحركات الإسلامية، في جميع المراحل، كانت في طليعة مقاومة هذا المشروع، لكن نجاحها في التصدي له لا يمكن أن يكون كاملا بدون تعاون وتكامل مع الحركات القومية واليسارية والليبرالية. هذه الحركات، بمختلف توجهاتها الفكرية، تمتلك نقاط قوة وإمكانيات يمكن توظيفها بشكل استراتيجي لتضييق الخناق على التغلغل الإسرائيلي، سواء كان ذلك عبر العمل الشعبي المباشر أو التأثير على السياسات الحكومية في العالم العربي والإسلامي. هذه المقالة تحلل الدور الشعبي الذي يجب أن تقوم به هذه الحركات، وتطرح استراتيجيات مشتركة يمكن اتباعها في مواجهة المشروع الصهيوني.
المقاومة الشعبية وتوحيد الجهود:
في البداية، لا بد من التأكيد على أن أحد أهم أسباب نجاح المشروع الصهيوني هو التشتت والفرقة بين القوى السياسية والفكرية في العالم العربي والإسلامي. إن توحيد الجهود بين الحركات الإسلامية والقومية واليسارية والليبرالية يمثل خطوة استراتيجية لمحاصرة هذا المشروع، فكل حركة من هذه الحركات تمتلك جماهيرها وشبكات تأثيرها التي يمكن استخدامها في توحيد الرأي العام وتوجيهه ضد السياسات التطبيعية أو محاولات التغلغل الصهيوني في المجالات الاقتصادية والثقافية.
- الحركات الإسلامية، بقدرتها على تعبئة الجماهير عبر المساجد والشبكات الاجتماعية والدينية، يمكنها أن تلعب دورا كبيرا في إبراز البعد الديني والأخلاقي لمقاومة إسرائيل ورفض التطبيع.
- الحركات القومية، التي تستند إلى رفضها التاريخي للمشروع الصهيوني كأداة استعمارية في المنطقة، تستطيع أن تستقطب القوى الوطنية والشعوب العربية وتوجيهها نحو العمل ضد التطبيع والهيمنة الصهيونية.
- الحركات اليسارية، التي تعارض الاحتلال الإسرائيلي من منطلقات حقوق الإنسان ومقاومة الاستعمار، يمكن أن تسهم في بناء تحالفات مع القوى العالمية المناهضة لإسرائيل وتفعيل الحركات العمالية والشبابية.
أحد أهم أسباب نجاح المشروع الصهيوني هو التشتت والفرقة بين القوى السياسية والفكرية في العالم العربي والإسلامي. إن توحيد الجهود بين الحركات الإسلامية والقومية واليسارية والليبرالية يمثل خطوة استراتيجية لمحاصرة هذا المشروع، فكل حركة من هذه الحركات تمتلك جماهيرها وشبكات تأثيرها التي يمكن استخدامها في توحيد الرأي العام وتوجيهه ضد السياسات التطبيعية
- الحركات الليبرالية، برغم تباين مواقفها تجاه إسرائيل، يمكن أن تلعب دورا في نشر الوعي بالسياسات الإسرائيلية الاستعمارية، والترويج لأهمية الحفاظ على السيادة الوطنية والاستقلال الاقتصادي والثقافي.
المقاطعة الاقتصادية كسلاح شعبي مشترك:
المقاطعة الاقتصادية تمثل أحد أنجح التكتيكات التي يمكن للحركات المختلفة التعاون فيها لمحاصرة المشروع الصهيوني. هذه المقاطعة لا تستهدف فقط المنتجات الإسرائيلية، بل أيضا الشركات العالمية التي تتعاون مع إسرائيل أو تستفيد من الاستيطان. يمكن أن تكون هذه المقاطعة في شكل حملات شعبية تقوم بها المنظمات المدنية والنقابات العمالية، أو من خلال الضغط على الحكومات لاتخاذ خطوات فعالة في هذا المجال.
- الحركات الإسلامية، تمتلك قواعد جماهيرية واسعة يمكن توجيهها لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية ودعم المنتجات المحلية أو العربية والإسلامية البديلة.
- الحركات القومية واليسارية، يمكنها تحفيز قطاعات العمال والنقابات المهنية لتبني سياسات مقاطعة فعالة والترويج لهذه الفكرة في المحافل الدولية.
- الحركات الليبرالية، خاصة تلك التي تهتم بحرية الأسواق والاقتصاد، يمكن أن تضغط باتجاه فتح النقاش حول تأثير التعامل مع إسرائيل على الاقتصادات الوطنية وعلى استقلال القرار العربي والإسلامي.
المواجهة الثقافية والإعلامية:
تسعى إسرائيل إلى التغلغل في الفضاءات الثقافية والإعلامية العربية والإسلامية من خلال التطبيع الفني، والأدبي، والإعلامي. لذلك، يجب على الحركات الشعبية المختلفة بناء استراتيجيات لمواجهة هذا التغلغل عبر:
- الإعلام الشعبي والمستقل، حيث يمكن من خلال منصات إعلامية مستقلة وشبكات التواصل الاجتماعي، مواجهة الدعاية الإسرائيلية التي تسعى إلى ترسيخ صورة إيجابية عن إسرائيل.
- تعزيز الهوية الثقافية، من خلال تنظيم فعاليات ثقافية، وفنية، وأدبية تعزز الهوية العربية والإسلامية وتربط الجماهير بالقضية الفلسطينية. هذا يمكن أن يتضمن المهرجانات الثقافية التي تدعم الفن المناهض للاحتلال وتروج لثقافة المقاومة.
- مواجهة التطبيع الثقافي، من خلال التوعية بضرورة رفض المشاركة في الأنشطة الثقافية التي تدعم إسرائيل، سواء عبر المنصات الإعلامية أو المؤتمرات الثقافية الدولية، كما يجب أن تكون هناك شبكات لمقاطعة الفنانين الذين يروجون للتطبيع.
التحالفات الدولية والمقاومة العولمية:
من أجل مواجهة التغلغل الصهيوني بشكل فعال، يجب على الحركات الشعبية العربية أن تنسق مع الحركات الدولية المناهضة للاستعمار والمناصرة لحقوق الإنسان. الحركات اليسارية والليبرالية تمتلك روابط قوية مع الحركات العالمية، ويمكن استخدامها لتعزيز حملات المقاطعة مثل (BDS) وغيرها من الحملات المناهضة لإسرائيل على المستوى الدولي.
فالحركات اليسارية، التي لها روابط مع الحركات الاشتراكية والتقدمية العالمية، يمكن أن تسهم في بناء شبكات ضغط دولية على إسرائيل، والحركات الليبرالية، التي تدافع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، يمكن أن تستغل علاقاتها مع المؤسسات الدولية للضغط من أجل محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها ضد الفلسطينيين، والحركات الإسلامية والقومية، يمكنها الاستفادة من هذه التحالفات الدولية لدعم نضالها ضد التطبيع والاحتلال، خاصة عبر التعاون مع المؤسسات الإسلامية والدولية.
الضغط على الحكومات لرفض التطبيع:
في ظل التحديات الراهنة التي تواجه العالم العربي والإسلامي نتيجة التغلغل الصهيوني في المنطقة، يصبح الدور الشعبي للحركات الإسلامية والقومية واليسارية والليبرالية ضرورة لا غنى عنها. التعاون بين هذه الحركات، بمختلف توجهاتها، سيعزز من قدرتها على محاصرة المشروع الصهيوني
تُعتبر الحركات الشعبية قوة ضغط مؤثرة على الحكومات، ويمكنها أن تلعب دورا كبيرا في دفع الحكومات العربية والإسلامية لرفض التطبيع مع إسرائيل. يجب على الحركات الإسلامية والقومية واليسارية والليبرالية أن تتوحد في هذا الجهد، وتستخدم كافة الوسائل المتاحة لها من أجل التأثير على صنع القرار السياسي:
- المظاهرات الشعبية، حيث تنظيم احتجاجات جماهيرية مشتركة ترفض أي خطوة نحو التطبيع مع إسرائيل.
- البيانات المشتركة، حيث إصدار بيانات مشتركة بين الحركات المختلفة تؤكد على موقفها الرافض للتطبيع وتطالب الحكومات بالابتعاد عن إسرائيل.
- الضغط من خلال الانتخابات، من خلال دعم المرشحين والأحزاب التي تتبنى مواقف مناهضة للتطبيع في الانتخابات المحلية أو الإقليمية.
في ظل التحديات الراهنة التي تواجه العالم العربي والإسلامي نتيجة التغلغل الصهيوني في المنطقة، يصبح الدور الشعبي للحركات الإسلامية والقومية واليسارية والليبرالية ضرورة لا غنى عنها. التعاون بين هذه الحركات، بمختلف توجهاتها، سيعزز من قدرتها على محاصرة المشروع الصهيوني وحرمانه من تحقيق أهدافه الاستراتيجية في الفضاءات السياسية والاقتصادية والثقافية.
هذا التعاون يجب أن يكون مبنيا على رؤية استراتيجية شاملة، تستند إلى توحيد الجهود في المقاومة الشعبية، والمقاطعة الاقتصادية، والمواجهة الثقافية، والتحالفات الدولية، لضمان تحقيق انتصار فعلي وإفشال المشروع الصهيوني في المنطقة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التطبيع العالم العربي الصهيونية العالم العربي التطبيع الصهيونية الحركات الاسلامية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العالم العربی والإسلامی العربیة والإسلامیة المشروع الصهیونی توحید الجهود الدور الشعبی هذه الحرکات الصهیونی فی هذا المشروع فی المنطقة مع الحرکات مع إسرائیل من خلال یمکن أن یجب أن فی هذا
إقرأ أيضاً:
ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟
قراءة في كتاب (عبد الله الفكي البشير، محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام)، دار محمد علي للنشر، صفاقس، تونس/ ومؤسسة الانتشار العربي، بيروت، لبنان، 2024
(1-13)
بقلم سمية أمين صديق
إهداء المؤلف لكتابه:
"إلى شعوب السودان والإسلام والإنسانية جمعاء، وهي تتوق إلى التحرير والتغيير، فإني أهديكم هذا الكتاب، مستدعياً مقولة المفكر التونسي الدكتور يوسف الصديق: (محمود محمد طه هو المنقذ)".
صدر هذا الكتاب: (محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام) لمؤلفه الدكتور عبد الله الفكي البشير، في أغسطس 2024، عن دار محمد علي للنشر، صفاقس، تونس، بالتزامن مع مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، لبنان. جاء الكتاب في طبعة أنيقة، من حيث التصميم الخارجي والداخلي، وجمال الحرف وحجمه، وكان واضحاً فيه الحرص على الإتقان، والاستيفاء لمتطلبات صناعة الكتاب في كل المراحل. تكوَّن الكتاب من تسعة فصول، إلى جانب شكر وعرفان، ومقدمة، والتسلسل التاريخي للوقائع التي تمّت مناقشتها في الكتاب، وخاتمة، وفهرس الأعلام، وثبت المصادر والمراجع. وجاء في (416) صفحة من القطع المتوسط. يأتي الكتاب، كما أوضح المؤلف، ضمن مشروع بحثي مفتوح مستمر، موضوعه ومحوره الفهم الجديد للإسلام والسيرة الفكرية لصاحبه المفكر السوداني محمود محمد طه. وقد قدم المؤلف في إطار مشروعه البحثي المفتوح والمستمر العديد من الكتب والمقالات والمحاضرات. ويخاطب هذا الكتاب، كما هو ديدن مؤلفه، الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية، وهي، كما يسميها المؤلف، سردية كسل العقول وتناسل الجهل. وتجيء مخاطبة المؤلف للواجب المباشر، انطلاقاً من قول المفكر محمود محمد طه، كما ورد في صفحة (274) من الكتاب: "لا تقف موقف سلبي، تعمل الواجب المباشر جهد الإتقان". ثم جسَّد المؤلف في قيامه بالواجب المباشر، أقوال الأستاذ محمود ودعوته. كتب المؤلف، قائلاً: إن العمل شرط مركزي في الإسلام، كما بيَّن المفكر محمود محمد طه، قائلاً: "الإسلام علم وعمل، وإلا فلا"، وهو يرى، أي المفكر محمود محمد طه، بأن: "أي علم لا يستتبع العمل فهو علم ناقص"، كما أوضح الأستاذ محمود بأن الترقي جميعه: "هو علم، وعمل بمقتضى العلم". ومن هذا يخلص المؤلف إلى القول: إن تكثيف العمل هو السبيل لمقاومة السردية التكفيرية، سردية كسل العقول وتناسل الجهل، التي نسجها رجال الدين بلا حق وبلا ورع علمي، وجاء الوقت لتهدم بالحق والعلم والفكر. وتكثيف العمل، كما بيَّن المؤلف، يتصل بالواجب المباشر. ولهذا نجده يستدعي الشعار الذي دعا إليه الأستاذ محمود، قائلاً: "إن شعارنا المستمر يجب أن يكون: أداء الواجب المباشر بإتقان... يجب أن يكون أداؤنا للواجب المباشر محاكاة لصنع الله، وتخلقاً بأخلاقه". بالطبع سيأتي التفصيل في الحلقات القادمة، عند الحديث عن مفهوم الواجب المباشر عند الأستاذ محمود، كما فصله المؤلف، إلى جانب إجابات عن أسئلة مختلفة، مثل: ما الذي يحتاجه الواجب المباشر؟ وما هي الحكمة منه؟ وكيف يتم تحديده؟ وغيرها من الأسئلة المعينة في التفصيل والتبيين، والمبينة لمواجهة المسؤولية الفردية، والواجب الثقافي والأخلاقي والوطني والإنساني تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية. وفي هذا فالكل، كما يرى المؤلف، مسؤول، مسؤولية فردية، والكل مواجه بواجب مباشر عليه مواجهته والقيام به.
يكشف هذا الكتاب عن تميزه وقيمته وفائدته، فكراً ومحتوى، كلما توغلت في قراءته. يسوقك بسلاسة إلى أفكار ومعاني وأطروحات ومحطات جديدة وغنية وثرية وثورية. تقوم فكرة الكتاب على أنه يقدم إجابات على أسئلة كان قد طرحها بعض الأساتذة والأستاذات الباحثين والباحثات والطلاب على المؤلف في مؤتمرات ومحاضرات مختلفة، وفي دول عديدة. كانت الأسئلة عن وحول فكر الأستاذ محمود محمد طه، وسيرته الفكرية. يقول المؤلف عبد الله: "هذه الأسئلة، وغيرها، قَدمتُ لها إجابات موجزة في حينها، غير أني آثرت أن أتوسع فيها، من خلال فصول هذا الكتاب.. أسعى في ذلك إلى تعميم الفائدة، فضلاً عن التعبير العملي، عن الاهتمام بالمُتفاعلين، عبر الاستجابة لتساؤلاتهم والاحتفاء بها". ويسلط الكتاب الضوء على السيرة الفكرية للأستاذ محمود محمد طه، الذي طرح الفهم الجديد للإسلام عام 1951، وأخذ يفصل فيه، و يدعو له بالأدوات العلمية. يقول المؤلف: "قدم محمود محمد طه فكراً ناقداً للفهم السائد و المألوف للإسلام، وطرح فهماً بديلاً، قوامه الارتفاع من العقيدة إلى الفكر، إلى الفهم الذي يخاطب العقول، و يلبي حاجة العصر، ومطالب الإنسان المعاصر، وتحديات البيئة الإنسانية الجديدة للدين، فواجه سُجناء الماضي والقديم، الذين شكلوا ضده تحالفاً دينياً عريضاً غير مكتوب". وفصل عبد الله، قائلاً: ضم التحالف العديد من المؤسسات الدينية ورجال الدين والسياسة، في السودان، وفي الفضاء الإسلامي، نجح التحالف في التآمر، وهو نجاح إلي حين، بالحكم على محمود محمد طه بالردة عن الإسلام مرتين، ومن ثم تنفيذ حكم الإعدام عليه في 18 يناير 1985". ثم ما لبثت المحكمة العليا/ الدائرة الدستورية أن أعلنت بطلان الحُكم الصادر في حق الأستاذ محمود محمد طه وتلاميذه. ووصفت الحكم بأنه لم يكن سوى كيدٍ سياسيٍ "تجاوز كل قيم العدالة"، وهو "لا يعدو أن يكون ستاراً لاغتيال خصم سياسي تحت مظلة صـــــــورية للإجراءات القضائية وتطبيق حكم القانون". وقد فصل عبد الله كل ذلك في فصول الكتاب.
هيكل فصول الكتاب
تكوَّن الكتاب من تسعة فصول. جاء الفصل الأول بعنوان: محمود محمد طه: الميلاد والمناخ العام الفكري والسياسي، ووقف عند الميلاد والنشأة، وأثر إلغاء الخلافة العثمانية وانتهاء لقب الخليفة أو سلطان المسلمين، وظهور الأحزاب السودانية، وتأسيس الحزب الجمهوري، وقصة أول سجين سياسي منذ ثورة 1924، والاعتكاف ثم الإعلان عن الفهم الجديد للإسلام، وظهور الإخوان الجمهوريون: من أين جاءت التسمية؟ ومتى بدأ اطلاقها؟ والموقف من الاستعمار والمعرفة الاستعمارية، ظهور مناهج نقد المعرفة الاستعمارية والدعوة لتفكيك الذاكرة الاستعمارية، ونقد محمود محمد طه للمعرفة الاستعمارية. وتمحور الفصل الثاني حول أهم مرتكزات الفهم الجديد للإسلام، والموقف من التصوف والصوفية، ثم أجاب عن بعض الأسئلة، منها: هل محمود محمد طه صوفي؟ وهل هناك مفهوم جديد للصوفية؟ وهل في التصوف رأي سلفي متخلف؟ ووقف الفصل الثالث عند بعض ما يميز محمود محمد طه عن المفكرين الآخرين، فأجاب الفصل عن العديد من الأسئلة، منها: ماهية مشروعه الفكري؟ وإذا كان المشروع الفكري لمحمود محمد طه، كما يقول، ليس اجتهاداً على الإطلاق، فما هو إذن؟ هل قرأ محمود محمد طه لأي من المفكرين الإسلاميين؟ ولمن قرأ من المفكرين العالميين؟ وبمن تأثر من المفكرين؟ ما هي نقطة الخلاف مع المفكرين الإسلاميين؟ وتناول الفصل أدوات الدعوة، ووقف عند تاريخ مصطلح أركان النقاش في فضاء الفكر الجمهوري، وبداية نشاط الجمهوريين في جامعة الخرطوم، وتوسعة في الجامعات السودانية، وفي الميادين والطرقات. ثم وقف الفصل عند محور بعنوان: تجسيد المعارف على منصة الإعدام في 18 يناير 1985
جاء الفصل الرابع بعنوان: نسف السرديات الباطلة بالحق والعلم والفكر والأخلاق، وركز على الإجابة عن بعض الأسئلة منها: هل رُفعت الصلاة عن محمود محمد طه؟ كما شيع البعض، وهل كان يصلي؟ ما رأي محمود محمد طه فيما يوجه إليه من اتهام بأنه يرى أن الصلاة رُفعت عنه؟ وهل كان يصلي؟ كيف هي صلاة محمود محمد طه؟ وهل هي مثل صلاتنا ذات الحركات المعلومة؟ لماذا كان النبي يصلي الصلاة ذات الحركات حتى التحاقه بالرفيق الأعلى؟ لماذا لم يؤت أحد من أصحاب النبي صلاة الأصالة؟ متى ظهرت سردية رفع الصلاة عن محمود محمد طه؟ ومن هو أول من نسجها وشيعها؟ وقدم الفصل الخامس تفصيلاً عن قصة محكمة الردة الأولى 1968 وتشكيل التحالف الديني العريض ضد الجمهوريين. كيف بدأت القصة؟ وكيف تم حبك مهزلة محكمة الردة؟ وكيف أسهم أعضاء مجلس السيادة في نسج المؤامرة؟ وكيف عبر رئيس مجلس السيادة، إسماعيل الأزهري عن إعلان الجهل؟ وكيف تآمر القضاة من أجل انعقاد المحكمة "عار القضاء السوداني"؟ وكيف استجاب أعضاء مجلس السيادة لنداء الأمين داود "إلى ولاة الأمر في السودان"، قبل انعقاد المحكمة؟ ونماذج الردود البذيئة على نداء الأمين داؤود: السيد الفاضل البشرى المهدي نموذجاً؟ والسيد خضر حمد نموذجاً آخر؟ تجليات العجز والكسل العقلي: نقل الفكر من ساحة الحوار إلى ساحة المحاكم، عدم اختصاص المحكمة، وانعقاد المحكمة، التحريف والتشويه لكتابات الجمهوريين وأقوالهم في المحكمة.
تناول الفصل السادس نسج مؤامرة الحكم بالإعدام ومساعي مراجعة الحكم، وأجاب بتفصيل عن السؤال القائل: هل كانت هناك مساعي لمراجعة حكم الإعدام على محمود محمد طه؟ وما هو موقفه منها؟ ثم تناول محاور مختلفة، منها: المؤامرة والشراكة في الاغتيال!، واستدعاء محكمة الردة وفتاوي الأزهر ورابطة العالم الإسلامي للحكم بالإعدام في يناير 1985، تجسيد المعارف على منصة الإعدام والسمو الجديد في مدارج العبودية، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، وتراجع الأزهر ورابطة العالم الإسلامي عن الخطاب التكفيري والتمادي في تكفير محمود محمد طه. وقف الفصل السابع عند فكر جماعة الإخوان المسلمين وحديث السوفات السبع، وأجاب عن بعض الأسئلة منها: ما هو الفرق بينكم وبين الاخوان المسلمين؟ ما هي، (قواعد الاشتباك) الفكري الأساسية بين الجمهوريين وحركات الإسلام السياسي، ممثلة في الإخوان المسلمين؟ لماذا ينطوي فكر الإخوان المسلمين وكل الجماعات السفلية على العنف؟ ولماذا يخلو فكر محمود محمد طه من العنف، بل هو دعوة للسلام والمحبة والجمال؟ ولمَّا كان محمود محمد طه يرى بأن الإسلام أسقط العنف بفكرة التوحيد؟ كيف ذلك؟ وكيف يتم التجسيد لذلك؟
تمحور الفصل الثامن حول التغيير وكيفيته ومتى إحداثه انطلاقا من دعوة محمود محمد طه. وتناول الفصل العديد من المحاور والأسئلة، منها: وفقاً لرؤية محمود محمد طه كيف ومتى ستهب رياح التغيير؟ والوصية المشرفة: كثفوا العمل.. يا عمر "القراي" لا تتوقف عن العمل، تكثيف العمل هو السبيل لمقاومة سردية رجال الدين: سردية كسل العقول وتناسل الجهل، وهل يعقل أن ينام الجمهوري والجمهورية ملء جفونه/ جفونها، والناس من حوله/ حولها تردد في سردية رجال الدين القائلة: إن محمود محمد طه كافر ومرتد عن الإسلام؟ القيام بالواجب المباشر خروج عن مأزق الموقف السلبي، ما الذي يحتاجه الواجب المباشر؟ العبادة في الخلوة مدرسة الإعداد النظري، فما هو ميدان التطبيق العملي؟ عن مفهوم رفع واقع الناس للفكرة وإنزال الفكرة لواقع الناس، الجمهوريون دعاة التغيير الجذري، مفهوم التغيير الجذري عند محمود محمد طه، وما بعد النقد الشكلي للإخوان المسلمين وجماعات الهوس الديني.
درس الفصل التاسع، وهو الأخير، محمود محمد طه في الفضاء الإسلامي والكوكبي: الأطروحات الجامعية والندوات والكتب والأوراق العلمية عنه. وأجاب الفصل عن السؤال المركزي فيه، وهو لماذا المجال الأكاديمي؟ وهو سؤال يتصل بموقف الفكر الجمهوري من المجال الأكاديمي، ويخاطب تساؤلات الكثير من الجمهوريين وغير الجمهوريين. كما تناول بعض المحاور، منها: الأكاديميا والفهم الجديد للإسلام: ساحة التفوق على العلم المادي وبزه وميدان إجراء المقارنة، الرصد الأولي حسب الدول (مرتبة ترتيباً هجائياً)، وقدم قائمة أولية بالدول التي شملها الرصد: (34) دولة، ومجالات الرصد: الأطروحات الجامعية (الدكتوراه والماجستير)، والكتب، وأوراق علمية وفصول في كتب، والمؤتمرات والندوات، المحاضرات، اللقاءات الإعلامية، والترجمات لأعمال محمود محمد طه وللأعمال حوله. ثم جاءت خاتمة الكتاب.
نلتقي في الحلقة الثانية.
abdallaelbashir@gmail.com