الصاروخ اليمني.. كيف تهاوى الردع الإسرائيلي المطلق؟
تاريخ النشر: 26th, September 2024 GMT
11 دقيقة ونصف دقيقة هي المدة التي استغرقها وصول صاروخ بالستي فرط صوتي من طراز جديد أطلقته القوات المسلحة اليمنية تجاه «تل أبيب»، أخفقت الدفاعات الجوية في اعتراضه، وأصاب هدفه، وأدخل أكثر من مليوني مستوطن إسرائيلي إلى الملاجئ، جاء كرسالة ثقيلة على «إسرائيل»، وشكل عملية نوعية مفاجئة لليمن انتصاراً لغزة.
سجلت القوات المسلحة اليمنية نجاحاً كبيراً بعدما كانت قد استهدفت سابقاً مدينتي إيلات و»تل أبيب» بطائرات مسيرة، وهي تسجل اليوم نجاحاً جديداً بعدما ضربت «تل أبيب» بصاروخ بالستي قطع أكثر من ألفي كيلومتر، وضرب هدفاً قرب من مطار اللد أو ما يعرف بمطار بن غوريون.
ما يميز هذا النوع من الصواريخ هو القدرة على تغيير مساره فجأة، ما جعل الدفاعات الجوية عاجزة عن اعتراضه، الأمر الذي أثار تساؤلات في «إسرائيل» أكبر من الانفجار الذي أحدثه، إذ أشار معهد الأمن القومي الإسرائيلي إلى أن القوات المسلحة اليمنية باتت تشكل تهديداً حقيقياً لـ»إسرائيل»، إلى جانب تهديد حزب الله على الجبهة الشمالية.
ويذهب المعهد في تقديره إلى أن الصاروخ اليمني الباليستي يعكس قدرة اليمن على الوصول إلى المراكز الحيوية والاستراتيجية في «إسرائيل»، وهذا انعكاس ومؤشر على النجاح في تطوير القدرات العسكرية، وأن مثل هذا التهديد ينضم إلى تهديدات سابقة انطلقت من اليمن، ويشير المعهد إلى سلاح الطائرات المسيرة الذي تمتلكه اليمن، والذي ضرب تل أبيب في وقت سابق، والحرب البحرية المستمرة على السفن في البحر الأحمر.
لماذا يعتبر صاروخ اليمن فشلاً كبيراً لـ»إسرائيل»؟ سؤال مهم يطرح نفسه أمام هذا الصاروخ الذي أحدث صدمة وإرباكاً كبيرين، وأيقظ «إسرائيل» كلها، كما علقت الصحافة الإسرائيلية.
من الضروري التوقف عند هذه الاعتبارات، فالصاروخ قطع مسافة تتجاوز ألفي كيلومتر من مكان انطلاقه، وهذا المسار الطويل فيه كثير من العقبات الإسرائيلية والدولية. تتمثل تلك العقبات في:
الأولى: الفشل في التعقب والرصد والاعتراض من قوة دولية موجودة على مقربة من اليمن، تتمثّل بالقيادة المركزية الأميركية الوسطى والقطع البحرية المنتشرة في البحر الأحمر وسلسلة من الأساطيل تتبع لمجموعة من الدول تعد شريكة أساسية في التحالف والتصدي لهجمات اليمن التي تستهدف السفن الإسرائيلية أو التي تتوجه إلى إسرائيل من دول أخرى.
الثانية: وجود المنظومة الدفاعية الإسرائيلية لأكثر من جيل لطالما تفاخرت به «إسرائيل»، كمنظومة حيتس، ومنظومة السهم، ومنظومة مقلاع داوود، ومنظومة القبة الحديدية، وجميعها منظومات تعمل لغرض الرصد والتصدي لأي تهديد صاروخي خارجي، وتعد من المنظومات الأكثر تطوراً لدى إسرائيل، وهي قادرة على رصد الأهداف بدقة بالغة قبل وصولها.
الثالثة: فشل المنظومات الدفاعية المنتشرة في وسط «إسرائيل» في التصدي للصاروخ وتمكنه من الوصول إلى منطقة حيوية كمطار حيوي ومهم يعكس حال تهاوي الردع في الكيان.
ثمة دلالات يحملها الصاروخ اليمني الذي ضرب «تل أبيب»، تتمثل بفشل ما تدّعيه «إسرائيل» من امتلاكها قوة الردع المطلقة، بل باتت بلا رادع استراتيجي، وأن معركة طوفان الأقصى أكدت أن «إسرائيل» كيان أوهن من بيت العنكبوت وقابل للانكسار والهزيمة. ومن دون حلفائها الغربيين هي كيان هش لا يستطيع حماية نفسه بنفسه.
تؤكد القوات المسلحة اليمنية، إلى جانب حزب الله في لبنان، أن موقف النصرة والإسناد لغزة ما زال قائماً رغم فاتورة المواجهة التي يمكن أن يدفعها اليمن، كما تؤكد أن امتلاك هذا النوع من الصواريخ تجاوز عقدة البعد الجغرافي عن فلسطين، أما عن الاستخدام، فإنه يعكس الإرادة السياسية لدى اليمن بالانتقال إلى مرحلة متقدمة من المواجهة واستخدام ما يملك من ترسانة عسكرية لمصلحة قضية فلسطين ونصرة قطاع غزة، أما على الصعيد العملياتي والقدرة على تجاوز منظومة الدفع الجوي، فهو نجاح لليمن وفشل كبير لإسرائيل، ويرشح احتمال تصاعد شكل وطبيعة المواجهة بين إسرائيل وأطراف محور المقاومة من جهة أخرى.
قرع الصاروخ البالستي اليمني الجرس في وجه نتنياهو الذي يريد إشعال حرب واسعة في لبنان بات يلمح لها كثيراً، في وقت بات جيشه منهكاً عالقاً في غزة، ليبعث رسالة ثقيلة مفادها أنَّ مثل هذا الصاروخ البالستي يمكن أن ينطلق من لبنان ويضرب مراكز حيوية استراتيجية بدقة أكبر مما انطلق عليه من اليمن. وقتها، ستكون المعادلة قد اختلفت كلياً، وستقضي على أطماع نتنياهو وطموحاته باللهث وراء نصر مطلق بحث عنه طيلة 11 شهراً.
خيارات «إسرائيل» تضيق بعد وصول صاروخ فرط صوتي يمني إلى «تل أبيب»، ونتنياهو وشركاؤه يأخذونها نحو الهاوية، فكل الحسابات يجب أن تختلف، وما قبل وصول الصاروخ إلى تل أبيت ليس كما بعده، والرهان على تفجير حرب مع لبنان سيجعل أطرافاً عديدة تعيد حساباتها، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، الحليف الأكبر لإسرائيل، والتي يريد نتنياهو توريطها في حرب كبيرة في المنطقة، في وقت تتجهّز لانتخابات رئاسية مقبلة، والمنطقة برمتها باتت أمام أسابيع حاسمة ومهمة تجعلها على مفترق طرق؛ إما وقف الحرب والتسوية نتيجة لمراجعة الحسابات بعد الصاروخ اليمني وإما الذهاب إلى مواجهة واسعة مع لبنان، وهذا ما لا ترغب فيه كثير من الدول في المنطقة، ولا يخدم أجندة إدارة بايدن الحالية.
كاتب ومحلل سياسي فلسطيني
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
هل تستطيع بريطانيا الخروج من مظلة الردع النووي الأميركي؟
لندن- في الوقت الذي يبدو فيه الفرنسيون أكثر تحررا وهم يعيدون صياغة عقيدتهم للردع النووي بعد أن أطلق الرئيس إيمانويل ماكرون دعوات إلى شركائه الأوروبيين لفتح حوار بشأن توفير بلاده مظلة ردع نووي بديلة للأميركيين يواجه البريطانيون خيارات صعبة، ففك ارتباط جهاز الردع النووي البريطاني بالترسانة العسكرية الأميركية بهدف الانخراط في حلف ردع نووي أوروبي يبدو مهمة أكثر تعقيدا.
ونجح رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في كسب ود الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن قبل أيام والحفاظ على ما توصف بـ"العلاقة الخاصة" التي تجمع بلاده والولايات المتحدة.
لكن تلويح ترامب بإنهاء الحماية العسكرية التي توفرها واشنطن لحلف شمال الأطلسي (ناتو) واستعجاله إنهاء الحرب في أوكرانيا دون توفير ضمانات أمنية يطالب بها الأوروبيون يرفعان منسوب القلق في الأوساط السياسية والعسكرية البريطانية من انعكاس هذا التوجه الأميركي على فاعلية جهاز الردع النووي الأطلسي، وعلى الثقة بقدرة الشركاء في الحلف في الرد المنسق على أي تهديد نووي محتمل.
نظام "ترايدنت"ومع خروج لندن من الاتحاد الأوروبي أعلنت الحكومات البريطانية عزمهما على صياغة إستراتيجية لردع نووي متمايز عن بقية جيرانها الأوروبيين، ومواصلة رفع إنفاقها العسكري ليصبح الأعلى في أوروبا.
إعلانلكن، يقف البريطانيون الآن حائرين بين التفاعل بحماسة مع دعوات الرئيس الفرنسي إلى تأسيس جبهة دفاع أوروبي تمتد لإستراتيجية مشتركة فيما يخص الردع النووي، وبين الحفاظ على شراكة عسكرية وطيدة مع واشنطن والتي لا تتحمل لندن عبء الاستقلال عنها.
ويمثل نظام الردع "ترايدنت" عنوان شراكة تاريخية بين بريطانيا والولايات المتحدة بدأت مع توقيع البلدين اتفاقية الدفاع المشترك عام 1958، ويتألف من:
4 غواصات نووية من طراز "فانغارد". نحو 260 رأسا نوويا جاهزا للإطلاق من على متن تلك الغواصات.وحصلت لندن على هذا النظام عام 1982 في عهد حكومة رئيسة الوزراء مارغريت تاتشر، ليعوض نظام "بولاريس" الذي كانت تعتمد عليه منذ ستينيات القرن الماضي.
وتقول البحرية الملكية البريطانية إنه منذ عام 1969 تؤمّن على الأقل غواصة نووية دوريات مراقبة دائمة سرية يصعب اكتشافها على مقربة من السواحل البريطانية بهدف تحقيق الردع النووي، في حين توضع غواصاتان إضافيتان على أهبة الاستعداد للرد على أي هجوم محتمل.
وفي حين اختارت باريس أن تحافظ على استقلالية ترسانتها النووية التي تقدر بـ290 رأسا نوويا فوضت لندن -إلى جانب واشنطن- خدمات جهاز الردع النووي لتتسع لحماية باقي أعضاء الناتو.
كما تنخرط بريطانيا إضافة إلى كل من أستراليا والولايات المتحدة في ما يعرف بحلف "أوكوس"، وهو اتفاق أُبرم عام 2021 لتزويد كانبيرا بغواصات تعمل بالطاقة النووية، ويتم تصميمها بشراكة مع لندن وواشنطن لتحقيق قوة الردع في المحيطين الهندي والهادي في مواجهة النفوذ الصيني المتزايد بالمنطقة.
ويملك رئيس الوزراء البريطاني وحده الحق في إصدار الأوامر بالضغط على الزر النووي الذي هو في الواقع زناد على هيئة مسدس محفوظ داخل إحدى الغواصات النووية ومرفق بتعليمات بشأن ما يجب القيام به في حال باغت هجوم بالأسلحة النووية بريطانيا أو أحد حلفائها.
إعلان سيادة سياسيةبدوره، يرى نايك وايثني الخبير البريطاني في السياسات الدفاعية الأوروبية الرئيس السابق لوكالة الدفاع الأوروبية في بروكسل أن لندن تمتلك السيادة السياسية الكاملة على قوتها النووية والمستقلة نظريا في اتخاذ أي قرار بشأن طرق استعمالها، ويستطيع رئيس الوزراء منفردا الأمر بشن هجوم نووي دون الحاجة لموافقة أميركية.
لكن اعتماد لندن لوجستيا على نظام "ترايدنت" واضطرارها إلى استقدام الرؤوس النووية من مخازن الأسلحة النووية الموجودة في خليج كينغز بولاية جورجيا الأميركية، وحاجتها للتكنولوجيا والتقنيات العسكرية الأميركية لاستبدال وصيانة هذه الأسلحة بشكل دوري يجعل أي خلاف أميركي بريطاني بشأن الإستراتيجية النووية يضر بجهاز الردع النووي البريطاني ويضع مستقبله على المحك، يقول وايثني للجزيرة نت.
ويؤكد أنه على البريطانيين التفكير بجدية في حلول سريعة لانتزاع استقلالية أكبر لبرنامجهم النووي عن واشنطن، معتبرا أن اللحظة السياسية الحالية موائمة لإنضاج هذا المشروع بشراكة مع الأوروبيين والفرنسيين تحديدا، وتجاوز العقبات التقنية واللوجستية التي قد تحول دون ذلك، باعتبارها مخاوف أنتجتها سنوات التبعية الطويلة لحماية المظلة النووية الأميركية.
لكن قدرة منظومة الدفاع البريطانية لتحقيق الردع وسد الفراغ الذي قد يخلفه أي انسحاب أميركي محل تساؤل، إذ تواترت خلال السنوات الماضية حوادث أعطاب فيها بعد فشل إحدى الغواصات النووية في إطلاق صاروخ باليستي تجريبي عام 2016 وتكرار الحادث نفسه خلال تدريبات عسكرية مشتركة مع واشنطن العام الماضي.
وتضع حاجة الترسانة النووية لإصلاحات وتأهيل مستمر لندن أمام أعباء اقتصادية إضافية يفرضها رفع إنفاقها العسكري، وتطرح التساؤل بشأن قدرتها على تحمل تكلفة الاستقلال عن الدعم الأميركي لتشغيل ترسانتها بكفاءة وفاعلية.
إعلانوكان ستارمر قد أعلن قبل أيام ضخ 6 ملايين جنيه إسترليني (الجنيه الإسترليني يعادل 1.29 دولار) إضافية في ميزانية الدفاع لتعزيز قدرات بلاده العسكرية على مواجهة التحولات الجيوسياسية التي تعيش على وقعها القارة الأوروبية، ليرفع معدل الإنفاق على هذا القطاع إلى 2.5% قبل نهاية عام 2027، في تحرك وصفه منتقدون بأنه استجابة واضحة لضغوط ترامب بتحمل أعباء الحماية العسكرية.
وتستأثر تكلفة صيانة نظام "ترايدنت" بنحو 6% من ميزانية الدفاع السنوية، بما قيمته 3 ملايين جنيه إسترليني عام 2023.
إعادة تأهيلوحسب صحيفة تلغراف البريطانية، أعلنت وزارة الدفاع عن ارتفاع تكلفة إعادة تأهيل وتصنيع جيل جديد من غواصات "فانغارد" الحاملة للرؤوس النووية إلى نحو 36 مليون جنيه إسترليني خلال العام الحالي، بزيادة بـ5 ملايين جنيه إسترليني عن تقديرات سابقة لتكلفة هذا البرنامج عام 2020 عزتها الوزارة إلى نسب التضخم الاقتصادي المرتفعة التي تعصف بالاقتصاد البريطاني.
في المقابل، يرى رافائيل لوست الخبير في سياسات الأمن والدفاع الأطلسية بالمعهد الأوروبي للسياسات الخارجية في لندن أن على بريطانيا استكشاف مساحات ممكنة للتعاون العسكري النووي مع الشركاء الأوروبيين، عبر التوجه لإعادة تأهيل جهازها النووي ليعمل بكفاءة مع الترسانة النووية الفرنسية بدلا عن صرف المزيد من النفقات على جهاز ردع نووي لا يحقق لها الاستقلالية المطلوبة.
ويوضح لوست للجزيرة نت أن فك الارتباط مع واشنطن لا يمر إلا عبر استبدال نظام "ترايدنت" بآخر يتم تصنيعه بالاعتماد على البنية العسكرية الإنتاجية البريطانية، أو إعادة تصميم الجيل الجديد من الغواصات النووية لتتكيف مع الرؤوس النووية الفرنسية.
وبرأيه، يمكن لكل من لندن وباريس العمل معا من أجل تطوير الجيل المقبل من صواريخ كروز "إيه إس إم بي" التي تحمل رؤوسا نووية وتطلق من طائرات رافال الفرنسية، وهو مشروع فرنسي يُرتقب أن يخرج للعلن منتصف عام 2030 يمكن أن تلتحق به بريطانيا لتحقيق المزيد من التعاون الأوروبي- الأوروبي، في استقلالية عن واشنطن.
إعلانويضيف الخبير أن كلا منهما نجحتا طوال العقود الماضية -حتى خلال فترات الجفاء السياسي بينهما- في إرسال إشارات إلى الأعداء المحتملين أنهما قادرتان على مواجهة أي اعتداء نووي بقوة ردع مشتركة.
وأشار إلى أنه بعد "تآكل الثقة في الحليف الأميركي" خرجت المشاورات التي خيضت خلف الأبواب المغلقة إلى العلن بدعم ألماني أيضا، في محاولة لاستكشاف مدى إمكانية بناء إستراتيجية نووية مستقلة بديلة عن تلك التي وفرتها واشنطن للأوروبيين على مدى عقود.