الجزيرة:
2024-11-05@15:33:01 GMT

استدراج الجيش الإسرائيلي لحرب استنزاف

تاريخ النشر: 26th, September 2024 GMT

استدراج الجيش الإسرائيلي لحرب استنزاف

حال إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على مواصلة العدوان على قطاع غزّة ولبنان، لن يكون أمام المقاومة الفلسطينية هناك من سبيل سوى ممارسة "حرب استنزاف"، وصفها أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام (الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية – حماس)، بأنها "وحْل غزة"، وذلك في معرض تعقيبه في خطابه الأخير على ضرب جماعة الحوثيين تل أبيب للمرّة الثانية.

وتجربة "حرب الاستنزاف" تخوضها المقاومة الفلسطينية للمرة الثانية في تاريخها، بعد معركة الكرامة عام 1970، حيث جرّب الفلسطينيون على مدار أكثر من نصف قرن وسائل أخرى للكفاح، منها الانتفاضات الشعبية، والعمليات الاستشهادية، والاشتباكات المحدودة عند نقاط التماس، والقصف الصاروخي الذي يرمي بالأساس إلى تخفيض قدرة الجيش الإسرائيلي على تحقيق الأمن للمجتمع اليهوديّ.

نعم، خاضت المقاومة في غزة تجربة التهديد المستمرّ للجيش الإسرائيلي من خلال عمليات فردية وضربات جماعية محدودة، أجبرته على الانسحاب الأحادي من القطاع في أغسطس/آب من عام 2005، لكنها كانت مختلفة في الدرجة والأساليب والكثافة عما تعتزمه في الوقت الراهن، كما أنه لم تكن واقعة في أتون حرب ضروس، إنما في سياق كفاح يزاوج بين الوسائل المسلّحة والمدنية خلال احتلال إسرائيل للقطاع على مدار 38 عامًا.
وحرب الاستنزاف، وفق القواميس العسكرية، هي قتال محدّد مستمر يرمي إلى إضعاف وتدمير أفراد العدوّ، من كافة الأسلحة، وخصوصًا القوات البرية، وكذلك تكبيده خسائر مادية، وتحطيم معنوياته، حين يتم جرّه إلى مواجهات متقطعة أو غير محسومة تستغرق فترة طويلة، تحرمه من بلوغ النصر، وتسمح للمقاومين بترتيب أوراقهم ورصّ صفوفهم؛ استعدادًا لمواجهة حاسمة فيما بعد.

ظهرت هذه الممارسة للمرّة الأولى خلال الحرب العالمية الأولى في الهجمات البريطانية والفرنسية على التحصينات الألمانية، ثم شاعت خلال الحرب العالمية الثانية، لا سيما في معركة ستالينغراد ضد الألمان، بعد استدراجهم إلى أرض يجهلونها، ووسط مناخ لم يألفوه ولم يستعدّوا له.

ومثّلت حرب فيتنام تجربة مهمة لهذا النوع من الحروب، حيث تمّ توريط الولايات المتحدة في مستنقع فيتنام الشمالية، وراحت موسكو وبكين تمدّان المقاومة بالسلاح والمؤونة؛ لإنهاك الجيش الأميركي. وفي اتجاه معاكس فعلت الولايات المتحدة الأمر نفسه بالقوات السوفياتية التي غزت أفغانستان عام 1979 حتى أرهقت تمامًا، وهُزمت في النهاية.

وللجيش الإسرائيلي تجربة سابقة خاضتها ضده مصر، استمرّت من يونيو/حزيران 1967 حتى أغسطس/آب 1970، وكان مسرحها ممتدًا من عمق الدولة المصرية حتى أعماق سيناء، بل ويبلغ ما هو أبعد، حين ضربت مصر حفارًا إسرائيليًا كان راسيًا في ميناء أبيدجان عاصمة السنغال، وكان سيُستخدم في الحفر عن النفط في خليج السويس.

هذه الحرب أرهقت الجيش الإسرائيلي كثيرًا، وحرمته من تعزيز وجوده في سيناء، ومهّدت لمبادرة روجرز التي تمكن الجيش المصري بمقتضاها من بناء حائط الصواريخ الذي أعانه في حرب أكتوبر/تشرين الأوّل عام 1973. لكن هذه التجربة، على أهميتها، كانت لجيش نظامي، حتى لو لجأ إلى أسلوب "حرب العصابات".

ربما تكون تجربة الإسرائيليين في لبنان بين 1982 و2000 هي الأقرب لتجربة غزة التي بدأت منذ توغل الجيش الإسرائيلي في القطاع في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وإقامة مراكز ثابتة لقواته في بعض المناطق، لكنه لم ينجح في غزة، مثلما تمكّن في لبنان من تكوين مليشيات محلية عميلة، كانت تخوض بعض المعارك والاشتباكات بديلًا له، أو تخفف وطأة ضربات المقاومة نيابة عنه.

وترمي المقاومة في غزة إلى تحقيق عدة أهداف من خوضها حربَ استنزاف ضد الجيش الإسرائيلي، هي:

الاستنزاف المستمر للقدرات البشرية والتسليحية للجيش الإسرائيلي بما يجعل قادته يدركون، في خاتمة المطاف، أن البقاء في قطاع غزة مكلف جدًا. توسيع دائرة المشتبكين مع القوات الإسرائيلية، إذ إن طول بقائها في القطاع، وتلقيها ضربات متلاحقة، سيشجّع بعض شباب غزة على الانخراط في المقاومة، كل على قدر استطاعتِه. وقد نشهد عمليات فردية، يقوم بها من يمكن أن نطلق عليهم "الأسود المنفردة"، علاوة على نجاح المقاومة بالفعل في استقطاب وتجنيد شباب جدد ينضمون إلى صفوفها ذات القوام المتماسك والمنتظم. كما أن مثل هذه العمليات يمكنها أن تنتقل إلى الضفة الغربية بمرور الوقت، وهي إقليم لم تُنزع منه المقاومة، رغم ظروفه السياسية والاقتصادية المختلفة عن قطاع غزة. تحقيق انتصارات في معارك صغيرة أو محدودة، ترفع الروح المعنوية للمقاتلين، ولأهل غزة حولهم، ممن يشكلون حاضنة اجتماعية للمقاومة، فيتعزز صمودهم، ويقوى إصرارهم على البقاء في مكانهم، رافضين الاقتلاع أو التهجير القسري. إبقاء المقاومة فاعلًا سياسيًا في أي ترتيبات لاحقة تخص إدارة قطاع غزة بعد الحرب، على العكس من سعي تل أبيب إلى إبعادها تمامًا عن المشهد السياسي والإداري، حتى لو لم تحقق هدفها الذي أعلنته في بداية الحرب من استئصال فصائل المقاومة. زيادة إنهاك الاقتصاد الإسرائيلي، الذي تأثر عميقًا بهذه الحرب، حيث ضُربت السياحة، وأُغلقت عشرات الآلاف من الشركات الصغيرة، وزاد العبء على الموازنة العامة إثر تخصيص أموال لإيواء النازحين بسبب الحرب، سواء من غلاف غزة، أو من شمال إسرائيل الذي يتلقى ضربات منتظمة من المقاومة اللبنانية. تعميق إدراك المواطنين في إسرائيل للورطة الأمنية التي يعيشونها، إثر تأكدهم من عجز الجيش عن تحقيق الحماية المطلقة لهم وفق ما يعولون عليه دومًا، ويثقون في تمكنه من منع أي أذى من أن يطولهم أو يلحق بهم. وسيؤدي هذا مع الأيام إلى زيادة معدلات الهجرة من إسرائيل، لتتحول إلى دولة طاردة، بعد أن ظلت سنوات طويلة دولة جاذبة لليهود من مختلف أرجاء العالم. يُبقي الاستنزاف القضية الفلسطينية ملتهبة لدى أصحاب الضمائر في العالم بأسره، إذ إن إسرائيل سترد بعنف وقسوة على عمليات المقاومة المستمرة، مفرغة طاقتها الغضبية في المدنيين كالعادة، وهو السلوك الذي جلب تعاطفًا مع تضحيات الفلسطينيين، وجعل إسرائيل تخسر معركة الصورة التي ربحتها على مدار عقود من الزمن.

لقد اعتاد الجيش الإسرائيلي الحروب الخاطفة، أو الاستنزاف المحدود الذي يُطوقه سياج حمائي يقوم به العملاء المسلحون المنظمون، أو ذلك الذي يندلع ضد جيش نظامي يسهل مع الوقت تحديد أنماط عملياته، وطبيعة اختراقاته، ونوع ضرباته، لكنه يجد نفسه الآن في قطاع غزة يواجه تجربة جديدة عليه، زادت قسوتها بالنسبة له من قدرة المقاومة على الصمود نحو أحد عشر شهرًا.

لكن حرب الاستنزاف لا تجري في اتجاه واحد بالطبع، فالجيش الإسرائيلي يريد استنزاف المقاومة أيضًا، لا سيما بعد الحصار المطبق الذي فرضه عليها، معولًا على صعوبة حصولها على السلاح اللازم لمواصلة المعركة، والتمكن من قتل كثير من مقاتليها المدربين جيدًا.

لكن، رغم قسوة الظروف، فإن التأثير السلبي للاستنزاف على قوة تمارس "حرب عصابات" أقل منه لدى جيش نظامي، لا سيما أن المقاومة تعرف أرض المعركة جيدًا، بينما الجيش الإسرائيلي يحاول تحقيق أهدافه في أرض غريبة عليه نسبيًا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الجیش الإسرائیلی قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

في استطلاع لمركز أفق: %52 يفضلون التفاوض على الحسم العسكري لحرب السودان

أجرى مركز أفق للإنتاج الإعلامي وقياس الرأي العام استطلاعاً للرأي على مواقع التواصل الاجتماعي حول السيناريوهات المتوقعة لوقف الحرب في السودان، اختار المركز تطبيقي X وفيسبوك، نسبةً لسهولة الوصول عبرهما إلى مئات الآلاف من السودانيين في كافة بقاع العالم، وقد وصلت الدعوة إلى 5,256 من الناشطين والناشطات المستهدفين.
واستخدمنا تطبيقات فيسبوك والتراسل الفوري" واتساب" على التطبيقين، وبلغ عدد المتفاعلين 1,424، فيما بلغ عدد المشاركين 712 ناشطاً وناشطة.
وضعنا ثلاثة خيارات أمام الأشخاص المستهدفين للتصويت على أحد الخيارات من بينها، وتمثلت في: -
1- انتصار الجيش في الحرب الحالية.
2- انتصار قوات الدعم السريع في الحرب الحالية.
3- إجراء تفاوض يوقف الحرب.
جاءت نتيجة التصويت على الخيارات على النحو التالي
1- حاز إجراء تفاوض يوقف الحرب نسبة 52%
2- حاز انتصار الجيش في الحرب الحالية على نسبة 37%
3- حاز انتصار قوات الدعم السريع على نسبة 11%.

نتوجه بجزيل الشكر إلى جميع الناشطين والناشطات؛ الذين شاركوا بأصواتهم/ن في هذا الاستطلاع، والذين ساهموا في توزيع استبيان الاستطلاع إلى آخرين وأخريات، ونؤكد أن عملية توزيع الاستبيان تمت بشكل عشوائي؛ وذلك بالتوزيع على بعض مجموعات تطبيق الواتساب والأفراد ونشرها عبر الفيسبوك و X مراعاةً للوصول إلى أكبر عددٍ، ومراعاة الاختلافات السياسية والفكرية، و كذلك الفئات الاجتماعية والمهنية، إضافةً إلى فوارق النوع والعمر.
وننوه إلى أنَّ بعض الذين وصلتهم الدعوة للمشاركة، اختاروا عدم التصويت لعدم امتلاكهم لحسابات على تطبيق x فيما أعطى البعض خياراتهم خارج موقعX ، وأبدى البعض ملاحظات مهمة سوف نستفيد منها في استطلاعاتنا القادمة.
نشير إلى أننا سنواصل عملية اجراء استطلاع وقياس الرأي العام بغرض توضح اتجاهات الجماهير في كل قضية لمساعدة صانعي القرارات بتوفير المعلومات الأساسية، ونؤكد أننا في مركز أفق نضع مسألة استطلاع الرأي العام وقياس اتجاهاته ضمن أولوياتنا نسبةً لافتقار العمل الإعلامي في السودان للمعلومات الدقيقة، والإحصاءات في كثير من القضايا مما يعيق عمليات التخطيط المنهجي والتفكير العلمي، ومخاطة القضايا وفق رؤى موضوعية.

فايز الشيخ السليك
المدير التنفيذي لمركز أفق
الأحد الموافق ٢ نوفمبر ٢٠٢٤

   

مقالات مشابهة

  • لماذا يستمر الجيش الإسرائيلي في تخفيض أعداد قتلى حماس؟
  • الجيش الإسرائيلي: إطلاق حوالي 60 صاروخا من لبنان نحو إسرائيل
  • خسائر الجيش الإسرائيلي تنذر بتصدّع داخلي وتحذر من التورط بـالوحل اللبناني
  • تحذيرات من جر جيش الاحتلال لحرب استنزاف مدمرة.. تضاؤل الآمال في تحقيق تقدم بمفاوضات وقف الحرب في غزة
  • في استطلاع لمركز أفق: %52 يفضلون التفاوض على الحسم العسكري لحرب السودان
  • وزير الخارجية لنظيره الإيراني: استدراج المنطقة لحرب إقليمية لن يحقق مصلحة أحد
  • "لجان المقاومة": هجوم المستوطنين في البيرة استكمال لحرب الإبادة
  • الجيش الإسرائيلي: "حزب الله" أطلق 105 من الصواريخ والمقذوفات على إسرائيل منذ الصباح
  • حينما تسعى إسرائيل وأمريكا وبعض حكومات المنطقة لتعويض خسائرها في الحرب بالسياسة
  • الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جنديين آخرين في جنوب قطاع غزة