طهران- مع تصاعد الهجمات المتبادلة بين المقاومة الإسلامية في لبنان والجانب الإسرائيلي، إثر قرار الأخير الانتقال من التصعيد العسكري مع حزب الله إلى الحرب المفتوحة، تتساءل بعض الأصوات الإقليمية عما إذا كانت إيران سترسل مستشارين عسكريين إلى لبنان، على غرار قرارها بدعم النظام السوري عام 2011.

وفي حين يرسم صانع القرار الإيراني تأجيل تهديداته بالرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في قلب طهران، تُقدم تل أبيب علی مهاجمة حزب الله في لبنان، لذا حذرت شريحة من المراقبين طهران من مغبة الوقوف متفرجة على "استفراد العدو الإسرائيلي بالحليف اللبناني".

وانقسمت الآراء بين ضرورة الانخراط في المواجهة لنصرة القضية الفلسطينية وحزب الله، حيث لا يوجد مانع لوصول المستشارين الإيرانيين إلى جنوب لبنان خلافا لقطاع غزة المحاصر، مع آخرين يهيبون بحكمة القيادة الإيرانية لتجنيب البلاد طاحونة الحرب.

النصر النهائي في هذه المعركة حليف جبهة #المقاومة وجبهة #حزب_الله.

— الإمام الخامنئي (@ar_khamenei) September 25, 2024

مواجهة الاستكبار

وفي كلمته أمام حشد من المحاربين القدامى، صباح اليوم الأربعاء، قال المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي إن "العدو لا يتجرأ على مهاجمة حدود إيران بسبب صمود شعبنا، لكنه يمارس العداء بشكل آخر"، عازيا سبب العداء لبلاده إلى الثورة الإسلامية التي قال إنها "خلقت رؤية جديدة لمواجهة الاستكبار ولإدارة العالم".

ولفت المرشد الإيراني، إلى أن مشكل العداء مع إيران ليس فقط بسبب برنامجها النووي أو حقوق الإنسان، بل في سياستها "التي لن تغيرها أبدا، وستواصل مواجهة قوى الهيمنة والاستكبار العالميين".

وشدد خامنئي على أن "النصر سيكون حليفا للمقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان، رغم عدم تكافؤ القوة بينهما وبين العدو الصهيوني"، لافتا إلى أن الاغتيالات بحق قادة المقاومة الإسلامية في لبنان لن تهز حزب الله.

كنعاني مقدم: مخازن سلاح محور المقاومة مفتوحة بوجه حزب الله (الجزيرة) خارطة طريق

من ناحيته، يعتبر القيادي السابق وأحد أبرز مؤسسي الحرس الثوري الجنرال المتقاعد حسين كنعاني مقدم، مواقف المرشد الإيراني الأخيرة أنها تمثل "خارطة طريق حيال العدوان الإسرائيلي المتواصل على لبنان"، مؤكدا أن المشاورات بين بلاده وفصائل "محور المقاومة" متواصلة في الوقت الراهن، بشأن إدارة المعركة ودعم المقاومة اللبنانية، لا سيما فيما يتعلق بـ"وحدة الساحات".

وفي حديثه للجزيرة نت، رأى كنعاني أن القيادة الإيرانية تدعم ردا منسقا ضد الجانب الإسرائيلي "تجعله يندم على الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب الفلسطيني في غزة طوال عام، وشنه الحرب التي أراد من خلالها إعادة المستوطنين إلى شمال الأراضي المحتلة وتقويض قدرات حزب الله".

وتابع أنه علاوة على المواقف السياسية والدبلوماسية الإيرانية الداعمة للمقاومة الإسلامية في مقارعة الاحتلال الإسرائيلي، فإن المؤسسة الدينية أعلنت دعمها الكامل لجبهة المقاومة، وطالبت القوات المسلحة بإنزال عقوبة شديدة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

بدورهم، نظّم رجال الدين وطلاب الحوزات العلمية، قبل ظهر اليوم الأربعاء، تجمعا كبيرا في مدينة قم الواقعة جنوب العاصمة طهران، ارتدوا فيه الزي العسكري.

واعتبر عضو مجلسي خبراء القيادة وتشخيص مصلحة النظام آية الله محسن أراكي في كلمته أمام الحشود، أن تقديم الدعم للمقاومة في لبنان وفلسطين "واجب شرعي"، كما حرّم "الخضوع والاستسلام أمام  المحور الصهيوني الأميركي"، مؤكدا ضرورة "شن هجوم واسع على كيان الاحتلال لاجتثاث الغدة السرطانية من المنطقة" حسب وصفه.

????طلاب الحوزات الدينية في مدينة "#قم_المقدسة يتظاهرون دعما للمقاومة الإسلامية في #لبنان واستنكارا للجر..ائم الصهيـ..ـونية في #فلسطين ولبنان pic.twitter.com/Q0t4mwsqji

— وكالة مهر للأنباء (@mehrnewsarabic) September 25, 2024

حرب مصيرية

ويصف العميد منصور حقيقت بور القيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني والمساعد الأسبق للجنرال قاسم سليماني، المواجهة الراهنة بين المقاومة وكيان الاحتلال بأنها "مصيرية، وستنضم لها قوى ثورية وفصائل مقاومة أخرى لنصرة حزب الله والمقاومة الفلسطينية، لتتحول إلى مواجهة شاملة "، على حد تعبيره.

وفي حديث للجزيرة نت، أشار حقيقت بور إلى أن جغرافيا الصراع بين حزب الله وإسرائيل تختلف عن قطاع غزة المحاصر، وأن "مشاركة الفصائل الأخرى في أي اجتياح بري محتمل وفتح جبهة جديدة في المرحلة الراهنة أمر وارد جدا"، لكنه استدرك أن "الظروف ليست مهيأة للمعركة النهائية الرامية للقضاء على الاحتلال، ولو كانت الظروف الدولية والإقليمية تسمح بذلك لانطلقت المعركة قبل عام".

وبرأي المتحدث، الذي كان على علاقة وطيدة مع فصائل المقاومة بحكم عمله نائبا للقائد السابق لفيلق القدس، أن "العدو أخطأ في حساباته عندما أراد تطبيق نموذج غزة في لبنان"، وأضاف أن حزب الله وفصائل المقاومة تدّخر أوراق قوة عظيمة قد تكشف عنها في المراحل المقبلة، مؤكدا أنها "ستفاجئ العدو الإسرائيلي في الميدان".

وبينما يرجّح حقيقت بور فتح جبهة الجولان السوري لدعم حزب الله خلال الفترة المقبلة، يتوقع كنعاني مقدم أن تتحول المعركة التي بدأتها إسرائيل على لبنان إلى حرب مفتوحة ومتعددة الجبهات، مستدركا أن "العملية البرية قد تتأجل لفترة حسب مستجدات المعركة والتنسيق اللازم"، ومؤكدا "ضرورة قطع الطريق على العدو من المبادرة بشن عملية برية على لبنان".

وتعليقا على الإعلام العبري الذي يتحدث عن قدوم نحو 40 ألف مقاتل من سوريا والعراق واليمن إلى الجولان، وأنهم ينتظرون دعوة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله للقتال، كشف القيادي السابق في الحرس الثوري حسين كنعاني مقدم أنه وفق المعلومات المتوفرة لديه فإن العدد الحقيقي للمقاتلين والمتطوعين في منطقتي القنيطرة والجولان السوريتين أكثر بكثير من الإحصاءات الإسرائيلية.

وبرأي المتحدث نفسه، فإن "فتح جبهة الجولان السوري وارد جدا خلال المرحلة المقبلة"، مؤكدا أنه "لا يستبعد مشاركة القوات الإيرانية في الجبهة السورية لاستعادة هضبات الجولان، نظرا لمواقف المؤسستين السياسية والدينية في الجمهورية الإسلامية حيال ما يحدث في بلاد الشام"، معتبرا أن "شعوب المنطقة تواقة لدحر الاحتلال وأن تحظى بشرف المشاركة في تحرير المسجد الأقصى"، على حد تعبيره.

وردا على سؤال حول إمكانية إيفاد مستشارين إيرانيين إلى لبنان لمساعدة حزب الله في مواجهة العدوان الإسرائيلي، قال القيادي السابق بالحرس الثوري إن هذا الخيار وارد في حال طلب الجانب اللبناني ذلك من طهران، على غرار التجربة السورية بعد أحداث 2011.

وعما إذا تطورت المعركة وشاركت فيها الولايات المتحدة الأميركية، أو بعض الدول الغربية لدعم الجانب الإسرائيلي فإن "طهران لن تتريث لحظة في تقديم الدعم الشامل للحليف اللبناني"، وفق كنعاني مقدم، ويضيف "أن الحرب الإقليمية بمشاركة جميع حلقات محور المقاومة ستكون لا بد منها".

حقيقت بور: الظروف ليست مهيأة للمعركة النهائية الرامية للقضاء على الاحتلال (الصحافة الإيرانية) ذخائر الأسلحة

في المقابل، يعتقد حقيقت بور أن "الأرضية غير متوفرة لانخراط الدول الغربية أو حلف شمال الأطلسي لمساعدة إسرائيل"، وأنه يستبعد مجازفة هذه الدول باتخاذ مثل هذا القرار، الذي من شأنه أن يضعها في مواجهة العالم الإسلامي والتضحية بمصالحها في المنطقة، مؤكدا أن حدوث مثل هذا السيناريو سيفتح الباب بوجه حلفاء حزب الله لمساعدته.

وردا على التقارير التي تتحدث عن نجاح إسرائيل في القضاء على جانب كبير من مخازن الأسلحة لدى حزب الله، قال إن "المقاومة اللبنانية تمكنت من بناء ترسانة رهيبة جدا من الأسلحة لم يمسها شر حتى الآن، وأنه وفق معرفته بها، فإنها كافية لاستمرار إطلاق الصواريخ والمسيرات بوتيرة مضاعفة نحو الاحتلال لعدة أعوام، مضيفا أن خطوط إنتاج السلاح لدى حزب الله لم تتوقف".

وعن الاغتيالات الإسرائيلية بحق عدد من القادة العسكريين في حزب الله، وصف حقيقت بور هذا التطور بأنه "خسارة للمقاومة والعالم الإسلامي"، مستدركا بالقول "إذا مات سيد قام سيد آخر"، وأنه يطمئن الرأي العام الإقليمي بأنه لا خشية على سلاح المقاومة ولا على قيادتها السياسية والميدانية.

أما كنعاني مقدم، فيقول إن "لبنان ليس غزة، وإن مخازن سلاح محور المقاومة مفتوحة بوجه حزب الله، وإن السلاح المناسب سوف يتوفر خلال بضع ساعات فقط عندما يلزم الأمر".

سيناريو محتمل

ورأى كنعاني أنه لا يمكن التفكيك بين جبهتي غزة ولبنان، وأنه لا تصور لنهاية الحرب المتواصلة إلا بوقف العدوان على قطاع غزة، مؤكدا أن السيناريو الأكثر احتمالا هو أن تنتهي الحرب بتقويض إسرائيل وانتصار المقاومة، وقال "نتيجة الحرب ستكون مصيرية، وستضع الاحتلال على سكة الزوال، لأن المقاومة سوف تتقدم أكثر كلما استمرت الحرب لفترة أطول".

ويتفق العميد حقيقت بور مع هذا السيناريو المحتمل، موضحا أن "وتيرة انتصارات المقاومة ستأخذ منحى تصاعديا عقب فتح جبهة الجولان السوري المحتل، وهو ما سيربك حسابات حلفاء الاحتلال، الذين لن يجدوا حينها سبيلا لإنقاذ تل أبيب سوى تحريك الوساطات لوقف الصراع"، وتابع أن "العد العكسي لزوال إسرائيل قد بدأ منذ أعوام، وأن العالم الإسلامي سيعمل على تحقيق هذا الوعد الإلهي".

ورأى المتحدثان أن الجبهة الإسرائيلية "تسعى لتسجيل انتصار في المعركة الراهنة، وأن تأخذ تطورات المعركة إلى سيناريو مغاير، بيد أن إرادة جبهة المقاومة عصية على الهزيمة، كما أثبتت في حروبها السابقة، وأنه لا كلام يعلو لديها على الجهاد في سبيل الله".

وعن سبب تأجيل إيران ردها الانتقامي لاغتيال القيادي البارز في حركة حماس إسماعيل هنية، يعتقد كنعاني مقدم أن التهديد الصادر عن المرشد الإيراني الأعلى جاء تحت عنوان "ثأرا لدماء الضيف"، مما يعني أنه "لا بد من إراقة دماء قائد صهيوني كبير انتقاما للضيف الفلسطيني الذي قصد طهران بشكل رسمي".

وأكد أن الرد الإيراني مطروح على الطاولة بقوة، "وقد تسرع تطورات الجبهة اللبنانية في تنفيذه، لتتوالى ضربات على مدى أيام وعلى مقياس أوسع من عملية الوعد الصادق، انتقاما لدماء هنية ودعما لعمليات المقاومة الإسلامية".

وخلص المتحدث إلى أن "الصراع الإسلامي الصهيوني بلغ مرحلة اللاعودة، وأن حدة التوتر لن تتراجع، لا بمفاوضات ولا بتبادل الأسرى، وإنما ساحة نزال الإرادات هي الكفيلة بلجم عصابة الاحتلال".

أما حقيقت بور فاكتفى بالقول إنه "لا تغيير ولا تراجع عن تنفيذ الثأر لإسماعيل هنية"، مستدركا أن بلاده "لن تضبط ساعتها سوى بالتوقيت الذي تراه مناسبا".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات القیادی السابق الجولان السوری محور المقاومة جبهة الجولان الإسلامیة فی مؤکدا أن حزب الله فی لبنان أنه لا إلى أن

إقرأ أيضاً:

مقاومون يكشفون للجزيرة نت تفاصيل عايشوها خلال حرب الإبادة بغزة

غزة ـ من جيب بنطاله العسكري حين وُجد مسجى داخل نفق في بطن الأرض بقطاع غزة، استخرج أصدقاؤه ورقةً كُتب عليها "وإني أقيم الحجة على الأصحاء، وأُعلِمكم أن البتر ليس في البدن وإنما في الهمة".

لقد خطّ المقاوم المبتور وصيته قبل ارتقائه بعد أن زرع عبوات ناسفة وهو رابض في عقدته القتالية، ليتمكن من تفجير كمين قتل على إثره 7 جنود إسرائيليين، في منطقة التوام شمال غرب مدينة غزة.

جاهد خليل (اسم مستعار) بقدم واحدة واندفاع كامل، بعدما استهدفته إسرائيل في الشهر الأول من الحرب فبُترت على إثر ذلك قدمه، بتر لم يزعزع إقدامه ليكون في الصفوف الأولى، يقول صديقه المقرّب عمر للجزيرة نت "لقد جن جنونه حين لم يكن واحدا من المشاركين في هجوم السابع من أكتوبر، لكنه بعد ذلك قاتل بكل شراسة وإقدام وكأن الميدان ليس فيه أحد سواه".

كان خليل أصغر شاب يقود مجموعة عسكرية بعمر الثالثة والعشرين، فقد تميز بحنكته واندفاعه وتفوقه في الاختبارات العسكرية المنهجية التي خضع لها، ورغم محاولات قيادته المتكررة تخفيف الأعباء عنه مراعاة لإصابته، فإنه كان "شعلة متّقدة" يقود دراجته الهوائية بقدم واحدة، ويشرف على عقدة قتالية قافزا من فوق الجدران المرتفعة لأداء مهامه العسكرية.

إعلان

يرفض أن يزرع أحد غيره العبوات الناسفة، معللا ذلك لرفاقه "أخشى أن أرتقي دون أن أفعل شيئا"، ومع ترديده أمام أصدقائه "لقد رضيت بإصابتي سيرضيني الله ويجبر خاطري ويصطفيني إليه"، استجاب الله له ليرتقي بعدما استهدفت الطائرات الحربية عقدته القتالية حيث كان ميدان عمله الجهادي.

وصية الشهيد خليل الذي وجدها رفاقه معه بعد استشهاده (الجزيرة) لا أبرح حتى أبلغ

أما المقاوم حسن (اسم مستعار) الذي نصب له أهله خيمة عزاء ووزعوا الطعام رحمة عليه، بعدما وصلهم خبر انهيار مبنى من عدة طبقات عليه، وأن جثمانه عالق تحت أنقاضه حين كان محاصرا في مخيم جباليا، فيجلس أمام الجزيرة نت بجسد معافى، يعقب على ذلك متبسما "لم أمت بعد، سقطت عليّ 7 بيوت، خرجت منها جميعها من تحت الأنقاض، لقد نجوت بأعجوبة"، قاد حسن فصيلا عسكريا ولم يبرح عقدته القتالية خلال 4 شهور من حصار محافظة الشمال الأخير.

كان مشهد نصب علم إسرائيل الضخم في قلب المخيم والذي يُرى من مسافات بعيدة صعبا على استيعاب المقاومين من أبناء المخيم، ورغم أن وقع ذلك كان على قلوبهم كبيرا، فإنه كان فتيلا انضرمت منه نيران الاندفاع للمقاومة، فهو اعتداء سافر على مخيمهم الذي لم يسقط يوما.

لا شيء نخسره

ومع كثافة النيران المنطلقة على رؤوس الصامدين في الشمال، ومئات الجثث التي دهستها الدبابات وتلك التي نهشتها الكلاب في الطرقات، والجماجم المتناثرة في كل مكان، ومع ازدحام مشاهد القتل والتطهير العرقي، لم يجد المقاومون شيئا ليخسروه، فاشتعلت رغبة الثأر في صدورهم، فكانوا يندفعون بطلباتهم لقيادة المقاومة لتفخيخ أجسادهم أو الثورة على المحتل بالسكاكين، خاصة بعد شهور من الحصار حين بدأ عتادهم بالنفاد.

وقد كانت الموافقة على هذه العمليات تتطلب قرارا ميدانيا من قيادة المقاومة لاتباع قواعد الاشتباك المتفق عليها، والتي تقوم بدورها بدراسة المعطيات المتوفرة من حيث الهدف وعدد المقاومين المتوفرين، وأنواع التسليح.

إعلان

ويقول حسن "لا نفرط بعناصرنا إذا لم يكن الهدف ثمينا والنتيجة مضمونة"، ويضيف "كان جنود العدو في المناطق المتقدمة خلف الخطوط يضعون أسلحتهم على اعتبار استحالة وصول أيدي المقاومين لهم في هذه المناطق، لكن المقاومة نجحت في عدة مرات بمباغتتهم بعد مراقبة دامت لأيام والقضاء عليهم من مسافة صفر".

معارك خداعية

مارس الاحتلال في هجومه البري على محافظة الشمال خديعته مع المقاومين عدة مرات، فقد كان يُسدل الأغطية على نوافذ عدد من البيوت ليموّه المكان الذي توجد فيه قواته، يقول حسن "كنا نضطر لرصد ومراقبة جميع هذه البيوت بشكل مستمر حتى نتمكن من تحديد المكان الدقيق لمبيت الجنود وتمييزه، وقد كان أمرا مرهقا يتطلب منا يقظة عالية فكان عناصرنا يتناوبون على المراقبة".

ومن معاركه الخداعية أيضا أن الاحتلال كان يعلن انسحاب لواء المدرعات من بعض المناطق، لكنه يظل فارضا سيطرته الجوية من خلال طائرات "الكواد كابتر" المسيّرة التي تتجسس وترصد حركة الأجسام المتحركة، ومن خلال كاميرات مثبتة عليها تقوم بتمشيط الشوارع والدخول إلى البيوت.

كما كان الاحتلال يغيّر أساليب قتاله المعهودة بشكل مفاجئ، فاعتمد في الفترة الأخيرة من حصاره على أسلوب القتال بالمدرعات، خاصة في الصفوف المتقدمة للتخفيف من حركة المشاة فيها والتقليل من احتمالية الإصابات في صفوفهم، حيث تتمركز قوات المشاة على بُعد مئات الأمتار من مدرعاته، طلبت قيادة المقاومة الفلسطينية من عناصرها آنذاك التركيز على استهداف الجنود باعتباره يخلق زعزعة وارتباكا في صفوفهم بشكل أكبر.

عقب ذلك فقد بذل عناصر المقاومة جهدا هندسيا مميزا، حيث تمكنوا من تفخيخ أكثر من 60% من المنازل بالاعتماد على العبوات المتفجرة بشتى أنواعها، وأوقعوا عشرات القتلى في صفوف الجنود في عمليات نوعية أعلنت المقاومة عنها بشكل رسمي.

إعلان

معية الله

عاش المقاومون حرب تجويع قاسية، حاولوا خلالها اتخاذ بعض التدابير كي لا يموتوا جوعا أو عطشا كما يقول حسن "لقد قمنا بملء عدة جالونات من الماء ووزعناها على عدة أماكن، كما اعتمدنا الصيام أو أكل وجبة طعام واحدة، توفيرا للطعام وللتخفيف من الحاجة لجلي الأطباق، ولمنع الحاجة لدخول المرحاض بشكل متكرر".

كان ضمن رفاق حسن طبيب مقاوم كان له دور كبير في تنظيم الطعام ومداواة المصابين وعلاج المرضى، يتحدث حسن للجزيرة نت عن استشعارهم لمعية الله في كل خطواتهم قائلا "كنا كلما دخلنا بيتا وجدنا علاجات نحتاجها، حتى إننا كنا نستخدم حقائب الإسعافات الأولية التي يتركها الجنود خلفهم".

كما كان المقاومون يعتمدون على تعزيز الجانب الروحاني لديهم ليبددوا اليأس الذي أصابهم مرارا من طول الحرب وضراوتها، وهو ما كان يشعرهم بالسكينة.

المقاوم الإنسان

ومع تحييد الاحتلال للدفاع المدني والإسعاف في محافظة الشمال، وجد المقاومون أنفسهم في كثير من المرات أمام مهام إضافية يقومون فيها بمساعدة كبار السن وذوي الإعاقة الذين ظلوا في بيوتهم وقضاء حوائجهم أو بإنقاذ العالقين من تحت الأنقاض.

ويذكر حسن ما حدث معه ورفاقه حيث قُصف المنزل المجاور لهم، فلم يستطيعوا تجاوز صراخ فتاة من تحت الأنقاض، يقول "غامرنا بأرواحنا واستمر الإنقاذ عدة ساعات، وقد انتشلناها بمعجزة من تحت ألواح إسمنتية قبل حلول الظلام".

عمليات مشتركة

توحّد المقاومون في العمل العسكري، حيث جمعهم الميدان في أعمال مشتركة، ولم يتوقف التنسيق الميداني بين العقد القتالية دون اعتبار للنزعة الفصائلية، يعلق حسن "حدث أن يحمل قناص من كتائب القسام بارودة سرايا القدس لتنفيذ عملية مشتركة".

كما أن هناك مهمة صعبة جدا تُلقى على عاتق الإعلامي المقاوم الذي يقوم بتصوير العملية وتوثيقها وإنتاجها والوصول إلى مكان محدد لإرسالها، وهي لا تقل صعوبة ومخاطرة عن تنفيذ مهمة ضرب الهدف، يقول حسن "نحاول ألا نضرب هدفا دون وجود كاميرا، فنحن مؤمنون بأهمية الحرب الإعلامية وتأثيرها النفسي على العدو، وهي ضرورية لإثبات الخسائر التي يحاول الاحتلال إنكار وقوعها".

إعلان انسحاب المضطر

قابلت الجزيرة نت أحد المسؤولين عن سرية من المقاومين يزيد عددهم على 160 مقاوما، ولفت إلى انسحاب المقاتلين من عمليات مختلفة عدة مرات، حين تأكدهم من وجود مواطنين في المنطقة رغم أنه لا تفصلهم عن الجنود سوى أمتار قليلة.

ويقول أحمد (اسم مستعار) "أمرنا عناصرنا بالانسحاب والتراجع عن ضرب الهدف حين التأكد من وجود سكان في المحيط، حيث ستشكل العملية خطرا عليهم لاتباع الاحتلال سياسة تدمير المناطق التي يقوم المقاومون منها بإطلاق قذائفهم دون اعتبار لوجود مدنيين فيها".

وقال أحمد إن الاحتلال استخدم المواطنين دروعا بشرية في كثير من الأحيان، فكان يجبرهم على الركوب على ظهر دباباتهم خلال سيرها في الشوارع، ليحجم المقاومون عن استهدافها حماية لأنفسهم.

رفد الميدان

التحم أصحاب الرتب العسكرية العالية مع الجنود من المقاومين في هذا العدوان، فقد أجبرتهم ضراوة المعركة وكمية الفقد الكبيرة على ذلك خلافا للمعارك السابقة، ولفت أحمد إلى أن الثغرات التي أحدثها اغتيال كبار المقاومين كانت تسد من خلال بدائل يختارها التنظيم بشكل مباشر.

وقال أحمد إن آلاف العناصر الجدد انضموا لصفوف المقاومين بعد فتح باب التجنيد من خلال القيام بإجراءات التجنيد الرسمية التي يقومون بها، إذ خضع العناصر الجدد قبل قبولهم للفحص الأمني وللتدريب الميداني أثناء الحرب، وكانوا يستجدون من قادتهم فرصا للتقدم والمواجهة المباشرة.

وعقب انتهاء الحرب وفي ظل الحصار المطبق يؤكد المقاومون أن العمل في الميادين الجهادية لم يتوقف، حيث بدأوا بترميم قدراتهم العسكرية، مستغلين مخلفات الصواريخ الإسرائيلية، يقول أحمد "فخخنا بيوتا من مخلفات صواريخهم وقتلنا جنودهم بها".

ثمة مصطلحات استخدمها المقاومون خلال حديثهم معنا، يجمعون عليها، فهم يسمون الاحتلال بالعدو، ويصفون القتال الدائر بينهم وبين عدوهم بالمعركة الجهادية، التي يقرون بعدم تكافئها، ويؤمنون بأن عدوا لا يقاتل إلا بدبابة محصنة أو من طائرة مرتفعة ولا يجرؤ على القتال وجها لوجه رغم حداثة سلاحه هو خاسر لا محالة، وهي النتيجة التي يؤمنون أنهم حققوها بعد عام ونصف من الإبادة.

إعلان

مقالات مشابهة

  • مقاومون يكشفون للجزيرة نت تفاصيل عايشوها خلال حرب الإبادة بغزة
  • غارات لطيران الاحتلال الإسرائيلي على لبنان
  • الجيش الإسرائيلي يقصف منشأة لحزب الله جنوب لبنان
  • الجيش الإسرائيلي يشن غارات على مواقع لحزب الله جنوبي لبنان
  • اللواء أحمد العوضي: الأحداث الحالية بغزة هى الأصعب على مدار تاريخ الصراع العربى الإسرائيلي
  • مساءً… هذا ما يفعله الجيش الإسرائيلي في عدد من البلدات الجنوبيّة
  • الحرب الإقليمية القادمة ودور حزب الله واليمانيين
  • جنرالان للاحتلال يدعوان لخيار ثالث في غزة يستثني التهجير واستئناف الحرب
  • الاحتلال الإسرائيلي يوافق على محادثات بشأن الحدود مع لبنان
  • لبنان تلوح باستئناف المواجهة مع الاحتلال