المقاومة بالتمادي في التفكير
تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT
ذهب بلا عودة الموقف المتساهل الذي يقول إننا ضحايا للسلطة الشرسة، والنظام الاستهلاكي الماكر الذي يختلق لنا -بلا توقف- حاجات، ويشغلنا بمطاردتها. يُجرد أشياءنا اليومية حتى يُفرغها من المعنى، بحيث يُصبح مستحيلاً أن ترى التبعات الحقيقية للفعل. لا تلتبس عليكم الأمور، إنه يفعل ذلك بلا هوادة، وبكل ما أوتي من حيل الإغراء، والتحايل، وقوة الإخضاع والإكراه.
ما أصعب أن نُترجم ضغطة الشراء من أمازون إلى ما تعنيه حقاً: المساهمة في استدامة ظروف العمل القاهرة، والتغاضي عن الانتهاكات بحق العاملين فيها. ثم مواصلة التفكير في المنتج نفسه الذي حتى وإن سلِم من شرطنا الأول، أعني وإن لم يكن مساهماً في تمويل الحروب والإبادات، فهو على الأغلب متورط في تجاوزات أخلاقية من قبيل استغلال العمال الأطفال خصوصا، أو إساءة استعمال موارد الأرض.
بالانتقال من نمط الاستهلاك إلى طبيعة العمل في هذا العصر، فغالباً ما يتجاوز دورنا مجرد المساهمة السلبية، ويرقى ليكون دورا فاعلا في توطين الشر. دور يصعب علينا ملاحظته وتحديده نتيجة تقسيم العمل، تجزئة الوظائف، وتشعيب الإدارة وفق هيكلية معقدة يصعب معها تقفي الأثر وتحميل المسؤولية.
ولأن العالم لم يشتعل ككتلة نار، والأرض لم تقف على رجل واحدة، لا مع إبادة غزة، ولا مع الحرب على لبنان، ولأن كل شيء يسير مضبوطاً، عدا الإرباك المحدود والجبار في الوقت نفسه، لمشاغبات اليمنيين؛ ولأنه اتضح لنا بأصعب الطرق أن فلسطين قضية الفلسطينيين وحدهم (إلى أن يحين الدور على البقية)، فلنسائل على الأقل النظام الاقتصادي القاهر والمنحاز الذي أوصلنا إلى هنا، ونواجهه سواء بالمقاطعة السياسية الموجهة، أو الأخلاقية بالعموم.
ما أحاول قوله لنفسي وللآخرين هو أن إطالة التفكير، التردد، في كل شيء، واجب. لا أتحدث عن سلوكنا الاستهلاكي وحده (رغم أنه الأهم حالياً)، لكن عن الطريقة التي نُسير بها حياتنا، حتى في الأمور التي لا يبدو أن لها علاقة كعلاقاتنا الإنسانية، العلاقات التي تحتاج منا إلى إعادة تفكير، ونزع الغربنة عنها.
المقاومة (بالاوڤر-ثينكينج) في عالم لا تسمح سرعته بأن تقف لتتأمل، تبقى ممكنة متى ما طُورت حركات وتنظيمات تختصر علينا العمل، كل الفكرة في الانتظام، بغير هذا لا يكون بين أيدينا سوى جهود مهدرة، واستدامة لشعور العجز والخذلان.
ثمة أمر آخر يجول في خاطري كثيرا هذه الأيام، وأنا أشهد على الفصل في المقاهي والمطاعم البرلينية، وإعلان العربي (أو الشرق أوسطي) منها أماكن خالية من الصهاينة. لطالما استخدم «الاندماج» كأداة عنف، وتمييز، فالمهاجر المندمج (أيا يكن ما يعنيه ذلك) أرفع شأنا من المهاجر غير المندمج. ولابد أن نتفق أننا لا نعلم عما نتحدث حين نتحدث عن الاندماج. التصور في بالي أن صناع السياسات في البلدان الجاذبة للمهاجرين، يرغبون -في أحسن حال- بتفكيك هويات المهاجرين والاحتفاظ بالجوانب الحلوة من «ثقافتهم» أي الطبيخ والبهارات ، وآلات العزف الاكزوتيكية، ورفض ما عداه. لا يخطر في بال صناع السياسات أن للمهاجر حقا أن يُغير، لا أن يتغير فحسب.
وعند الحديث عن الاندماج، نادرا ما يتم تناوله بمعنى إجادة اللغة، أو كسب المعرفة المؤهلة للتعامل مع مؤسسات الدولة، فهذه واجبات بديهية من نظرهم. إنه يكرز على القيم، والثقافة، ونمط الحياة.
بالمثل، ينظر إلى الزواج المتعدد الأعراق كإشارة إيجابية، دون إعادة تفكير. إنه يعكس -هكذا يُقال- التسامح، وهو طريقنا إلى مجتمع غير منحاز. دون التفكير في أن الارتباط بشخص من غير عرقك قد يعني نقصان تجربة المشاركة، قد يضاعف فرصة ألا تصطفا في فريق واحد في قضايا جوهرية، وهو يخلق ديناميكية تسطيح تعلي من شأن المشتركات، وتحط من الاختلافات، مهما تكن هذه الاختلافات جوهرية لهوية المرء.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
"وحش لندن".. قاطع أجساد النساء الذي ظهر قبل جاك السفاح
كانت نساء لندن ترفضن كثيراً مغادرة المنزل بمفردهن، بينما يتجول في شوارع المدينة رجل مجنون، يلاحق ضحاياه الإناث ويقطع ويشوه أجسامهن، وعرض رجال أثرياء مكافآت نقدية ضخمة لمن يعثر عليه، وأصبحت دوريات الحراسة تجول ليل نهار، وفشلت الشرطة لعامين في القبض عليه.
كان هذا قبل 100 عام من ظهور جاك السفاح الشهير.
وعرف الرجل باسم "وحش لندن"، وهو مجرم متسلسل تاريخي، غير أن كثيرين لم يسمعوا عنه من قبل، وقد أرعب العاصمة البريطانية، وفق ما روت "دايلي ميل".
ووحش لندن، وهو مختل عقلي، كان له أكثر من 50 ضحية معروفة، منهن 6 في يوم واحد، وكان يهاجم النساء خارج المنازل في الأحياء والمتنزهات، مدفوعاً بما قيل إنه انحراف جنسي يسعى لتمزيق جلد المرأة.
وتم الكشف عن قصته من قبل المؤرخ الأكاديمي والهواة الدكتور جان بوندسون، الذي وجد ملصقًا عنه كمطلوب، وتاريخ الملصق يعود لـ 200 عام في سجلات المكتبة البريطانية، ثم درس بعناية الوثائق والصحف والرسوم الكاريكاتورية وسجلات المحكمة ليحكي قصة الوحش لأول مرة.
وعلى مدار عامين، من 1788 إلى 1790، قام وحش لندن بجرح النساء عبر الأرداف أو البطن أو الوجه بسكين أو مسمار أو مشرط، وكان يقترب دائماً من ضحيته من الخلف حتى لا يظهر وجهه، قبل أن يقطع هدفه بسكين حاد، و قيل إنه كان يصرف انتباه الضحية بالصراخ: "هل هذا أنت؟".
وطُعنت بعض النساء بمسامير حادة في نهاية الركبة، وكان معروفًا أيضاً بحمله باقة زهور، ويخفي في وسطها مسماراً، يستخدمه لطعن المرأة في وجهها وأنفها.
ومع انتشار الذعر، قامت بعض النساء بخياطة أواني الحساء تحت فساتينهن لحماية أنفسهن، فيما قامت النساء الثريات في المجتمع بصنع تنانير معدنية.
واستهدف الجاني الملقب بالوحش، الشابات المرتديات ملابس أنيقة.
اختراق الجلد
وأثارت جرائمه الذعر بطريقة لم تشهدها البلاد مرة أخرى إلا عندما ضرب جاك السفاح في لندن عام 1888.
ومرة أخرى عندما قتل سفاح يوركشاير 13 شخصاً بين عامي 1975 و1980 في جميع أنحاء شمال إنجلترا، وكان دافع وحش لندن هو الوخز.
وبعد قرن من الزمان، كان لدى جاك السفاح نفس الانحراف وأصبح السمة المميزة لجرائم القتل التي ارتكبها.
وكتب الدكتور جان بوندسون عنه في كتابه "وحش لندن: الرعب في الشوارع"، ورغم أن بائع الزهور وراقص الباليه الويلزي رينويك ويليامز تم اعتقاله ومحاكمته في النهاية، إلا أن الشكوك لا تزال قائمة حول ما إذا كان هو الوحش الحقيقي، أو في الواقع، ما إذا كان هناك واحد أو أكثر من المقلدين.
وقال الدكتور بوندسون: "كانت طريقة عمل وحش لندن هي الاقتراب من ضحيته من الخلف، وكان يتحدث إليهم أحياناً بلغة مسيئة أو يصرخ أوه، هل هذا أنت؟، مثل بعض الأشرار المسرحيين، ثم يقطع في الفخذين أو الأرداف، وهاجم بعض الضحايا باستخدام مسمار بارز من ركبته، وهاجم الوحش النساء في منطقة مايفير وسانت جيمس في لندن، وكذلك بالقرب من قصر باكنغهام اليوم، حول غرين بارك".
وكانت النساء في حالة ذعر، واتبعن طرقاً غير عادية لحماية أنفسهن، فاشترت سيدات لندن الميسورات "أردافًا من الفلين" لربطها أسفل تنانيرهن أو حتى ارتدين تنانير نحاسية، لكن السيدات الأقل ثراءً اضطررن إلى استخدام وعاء طبخ بدلاً من ذلك، و قال الدكتور بوندسون: "وعلى الرغم من تعرض بعض الضحايا للانتهاك، كانت هناك نساء تظاهرن بالهجمات من أجل الشهرة وأسباب أخرى، نظرا لأنه كان يُعتقد أنه يقطع النساء الصغيرات الجميلات الأنيقات فقط، فقد قامت العديد من النساء بتزوير هجمات الوحش لجعل الناس يعتقدون أنهن ما زلن جذابات".
وأضاف: "كان هناك أيضًا احتمال وجود أكثر من وحش واحد".
وحين قبض على الوحش أخيراً، قيل إنه راقص باليه ويلزي يكره النساء وقد تم فصله من دوره في ويست إند.
راقص الباليه
وفي الأشهر التي سبقت القبض على الوحش، اجتاحت الهستيريا العاصمة، ونشرت الصحف ملصقات تصور جرائمه الدنيئة وتم وضع مكافأة قدرها 100 جنيه إسترليني (7700 جنيه إسترليني بأسعار اليوم) على رأسه، و قام صائدو الجوائز بضرب الرجال الأبرياء الذين أثاروا الشكوك، وتكهن البعض بأن الوحش كان نبيلاً مجنوناً عازماً على تشويه كل امرأة جميلة في العاصمة، أو حتى كائنًا خارقًا للطبيعة يمكنه أن يجعل نفسه غير مرئي للتهرب من الاكتشاف.
و أخيراً، في 13 يونيو 1790، تم القبض على المشتبه به، باسم راينويك ويليامز، 23 عاماً، من مسرح لارتكابه سرقة وتم التعرف عليه على أنه الوحش من قبل الضحية آن بورتر في جرين بارك، وسط لندن.
وكاد أن يُشنق على يد حشد.
وقد حوكم ويليامز وأدين بجنحه في محكمة أولد بيلي، لكن حُكم عليه بالسجن لمدة ست سنوات في سجن نيوجيت، وما حدث له بعد إطلاق سراحه لا يزال لغزاً.
وكشف الدكتور بوندسون عن شكوك جدية حول ما إذا كان ويليامز مسؤولاً بالفعل عن كل الجرائم القذرة، وقال إن الشرطة ربما أجبرت الضحايا على التعرف عليه، وبينما كان ويليامز شخصية "غير مرغوب فيها"، فإنه يعتقد أنه ربما استُخدم ككبش فداء للجرائم في محاولة لإنهاء الذعر في الشوارع.
وبعد إجراء بحث متعمق، قال الدكتور بوندسون إنه من المرجح أن تكون هذه الجرائم قد ارتكبها مجموعة من المجرمين الذين تورطوا في أول جريمة "تقليد" معروفة.