كان مشروعاً أريد تحقيقه، وهو إجراء مناقشات مطولة مع صناع السينما، يتحدثون خلالها عن الفكرة.. القصة والحوار، عن الواقع والخيال والخبرات الحياتية والدراسة، عن الأفلام وكواليسها.. عن الحياة. ومنذ سنوات، قررت البدء فى الرحلة السينمائية، والبداية كانت مع التأليف والكتابة، بعمل حوارات مع كبار كتاب السيناريو فى مصر، بطريقة مختلفة لا تعتمد على مجرد السؤال والإجابة، لكنها تناقش تجربة مصرية مميزة، من خلال الغوص داخل «دماغ» كل مبدع.

. ونقلها للقارئ فى لقاءات نُشرت فى كتاب «أول الحكاية»، الصادر عن دار معجم، يعرض اختلاف وجهات نظرهم، أفكارهم، طرقهم فى الكتابة.

وعندما كان «أول الحكاية» مجرد «فكرة» أنشغل بها طوال الوقت، لا تخرج من رأسى، حكيتها لزميلى وصديقى الصحفى إمام أحمد فتحمس لخوض التجربة معى.. لتخرج لقاءات مع كبار صناع السينما بينهم وحيد حامد، بشير الديك وغيرهما.. وهو ما تنشره «الوطن» لأول مرة صحفياً وإلكترونياً إيماناً منها بأهمية الثقافة وصناعة السينما وتأثيرها على المجتمع.

وفى الحلقة الرابعة تحدث بشير الديك عن فيم يفكر الكاتب؟، كيف يصنع الدراما؟، من أين جاء بشخصيات أفلامه؟، كيف كتب الحوار؟، كيف يخلق على الورق؟، عن الغموض والمعالجة، عن علاقة السيناريست بالمنتج والمخرج والممثل والجمهور، عن النسخة الأخيرة من السيناريو. فتح قلبه، وقدم نصائحه للشباب المبدع، وتحدث عن تجاربه الملهمة، بداية من أول الحكاية، مروراً بالمشوار المهم والملهم والذى له كبير التأثير على السينما والمجتمع.

أمام باب فيلته فى مدينة 6 أكتوبر، كان يقف فى انتظارنا، تحرك بنا من الباب عبر الحديقة إلى المكتب الذى يخلو فيه عدة ساعات صباح كل يوم، ليمارس أجمل هواية مقربة إلى قلبه.. الكتابة، داخل مكتبه، فتح لنا خزينة أسرار رحلته على مدار السنوات الطويلة، بداية من حكايات القرية، وصولاً إلى عالم السينما والنجوم. كان يتحدث بتسلسل وتتابع ومحطات، يصف لنا الأجواء فى كل مشهد كأنه يحكى لنا سيناريو هو كاتبه، كما أنه بطله أيضاً، ربما كان هذا اللقاء هو الأطول من حيث مدته، وهو الأقل من حيث طرح الأسئلة من جانبنا، ولعل السر وراء ذلك يكمن فى قدرته الكبيرة على «الحكى»، إحدى المهارات التى يتمتع بها الكاتب والسيناريست بشير الديك، للدرجة التى لا تريد معها أن يتوقف عن الكلام.

نقطة البداية.. «فيلم أمريكانى»

يتحدث بشير الديك فى كتاب «أول الحكاية»، عن نقطة البداية التى جذبت انتباهه إلى قوة تأثير السينما، والتى جاءت بعد مشاهدته لأحد الأفلام الأمريكية، يقول عن هذا الفيلم: «لا أتذكر اسمه، لكنه كان يدور فى عالم بعيد، عالم غريب، أعتقد شمال أمريكا، بطل الفيلم كان شخصاً يعتمد فى حياته على صيد الدببة، ويعيش حياته فى هذا المكان إلى أن يلتقى امرأة، اسمها إيف، يعنى حواء فى لغتنا، وتنشأ بينهما حياة كاملة فى هذه المنطقة، هذا الفيلم هزنى بعنف بشكل خاص، لدرجة جعلتنى أشعر أننى أعيش فى هذا العالم».

ويتابع قائلاً: «بعد هذا الفيلم، وجدت نفسى أكتب معالجة مصرية لأحداثه، سميتها قصة سينمائية فى ذلك الوقت، وكانت عبارة عن 75 ورقة فلوسكاب، كتبتها بإحساس السينما، وبالفعل عندما قرأها بعض المتخصصين فى وقت لاحق، قالوا لى: قصتك فيها إحساس سينمائى عالٍ، كأنك تكتب سيناريو، لكن بدون علم أو قواعد، مفيش كلوس أب، مفيش تقطيع للمشاهد»، ويستطرد الكاتب المعروف: «منذ ذلك الوقت، بقيت باحلم إنى أعمل سينما، إنى أدخل إلى هذا العالم وأصنعه، ولا أكتفى بمشاهدته فقط».

عبقرية «طنط نبوية»

من أكثر الشخصيات التى تأثر بها بشير الديك على الإطلاق «طنط نبوية»، زوجة عمه، يقول عنها: «كانت تحكى لنا قصصاً وحواديت عندما كنت طفلاً، ومن شدة ذكائها وبراعتها كنا نظن أن هذه القصص والحواديت أحداث حقيقية وقعت على الأرض، كنا نتخيل أبطال هذه الأحداث، ونراهم ونتحدث معهم، كانت بالنسبة لى مكمن الشعر والحكاية والقصة والأسطورة، تعلمت من طنط نبوية الكثير، جعلتنى أحب الحكاية، وظلت القصص التى سردتها لنا بمثابة مخزون كبير لأفكارى وعالمى».

الأساطير المدهشة فى «الخياطة»

يعتبر بشير الديك أن مرحلة الطفولة التى قضاها فى القرية كانت أول عامل أسهم فى تشكيل شخصيته، ويقول عن ذلك: «طنط نبوية كانت جزءاً من عالم أكبر، هذا العالم هو القرية»، ويستكمل الحكاية على لسانه: ولدت فى قرية «الخياطة» بدمياط، هذه القرية كانت تتميز بناسها الطيبين، مثل كل قرى مصر، لكنها أيضاً تميزت بجغرافيتها الرائعة، فكانت تقع بين بحيرة المنزلة من ناحية الشرق، ونهر النيل من ناحية الغرب، وفى الشمال البحر المتوسط، جو يساعد على التأمل والتخيل والذهاب إلى الأساطير المدهشة، لكن للأسف، القرية الجميلة مثلت لى الحلم المفتقد، لأن طفولتى تمت سرقتها من القرية فى سن الرابعة أو الخامسة، عندما قرر أبى أن ننتقل إلى مدينة المنصورة، وهى مدينة «محايدة جداً، واقعية أكثر مما ينبغى، فقيرة الخيال»، بعكس قرية «الخياطة».

ميادين باريس داخل القرية

«أوتوماتيكلى» من نفسى كدا، كنت غاوى قراءة، عاشق لها، وانغمست بين الكتب بين مرحلتى الإعدادية والثانوية، لكن أقاربى كانوا ينظرون إلى ما أفعله باعتباره «لعب عيال وتضييع وقت»، أحد أخوالى قال لى ذات مرة: «يا بنى انت مابتذاكرش ليه.. امتحانات الثانوية على الأبواب؟».. وعندما لم يجد رداً يعجبه، ذهب إلى أمى، فقالت له: «هو كدا، بيحب اللعب والقراية، مفيش فايدة»، أمى، الله يرحمها، كانت تدرك أننى لن أتوقف عن قراءة القصص والروايات، وكانت تعرف أننى أخبئ هذه القصص والروايات بين كتب المدرسة، كانت روايات الجيب منتشرة فى تلك الأيام، وأيضاً روايات دار الهلال والروايات العالمية المترجمة، كنت أحب الترجمات جداً، لدرجة أننى كنت أحفظ شوارع وميادين باريس وأوروبا فى ذلك الوقت، رغم أن خبرتى لا تتجاوز قرية «الخياطة» أو مدينة المنصورة.

الطريق إلى «التجارة» بدلاً من «الفلسفة»

كنت أريد الالتحاق بكلية الآداب قسم فلسفة، أبويا قال لى: «عايز تدخل فلسفة ليه، هتطلع إيه؟»، قلت له: «أنا بحب الفلسفة»، فقال: «يعنى متصور هتطلع إيه.. فيلسوف؟، مفيش وظيفة اسمها فيلسوف، هتطلع مدرس، انت عايز تشتغل مدرس؟»، قلت له: «لأ»، فقال: «خلاص تدخل تجارة»، وقد كان، وغرقت من بعدها.

لم أغرق فى الحسابات والأرقام، لكنى غرقت فيما أحبه؛ القراءة والأدب، بدأت أقرأ بجنون لمدة تصل إلى 16 ساعة يومياً أحياناً، شىء مخبول، لكنه ساعدنى على الانفتاح على عالم أكبر مما كنت أعرفه، وبدأت مع الجامعة رحلة أسبوعية، أركب فيها «باص 15» من المدينة الجامعية لجامعة القاهرة، إلى وسط البلد، أتغدى كشرى، وأروح سينما فى شارع «عماد الدين»، أشاهد 3 أفلام، وبعدين أذهب إلى دكان كتب يبيع الروايات المرتجعة بأسعار مخفضة، اشتريت كل الروايات المترجمة، بدأت بالأدب الروسى بشكل مرعب، أول حاجة قرأتها كانت لـ«تشيخوف»، قلت: «واو»، ثم دخلت على روايات «دوستيفسكى وتلستوى»، ثم دخلت على الأدب الأمريكانى والأوروبى، حجرتى فى المدينة الجامعية كانت مثل الكهف، لكننى استفدت جداً من هذه المرحلة.

الوظيفة فى دمياط

انتهت الجامعة، وجاءت الوظيفة، لكننى فوجئت بتعيينى فى الإدارة المالية بمحافظة دمياط، قلت: «ماشى»، والشىء اللى هوّن عليا الأمر أنه كانت هناك دارا عرض سينما فى دمياط حينذاك، وبعد فترة أصبحوا 3 دور سينما، مع افتتاح دار جديدة فى قصر الثقافة: «معرفش راحوا فين دلوقتى؟»، لكن مع مرور الوقت لم أستطع الانتظار أكثر من ذلك، فقدمت طلب نقل للقاهرة، بحثاً عن الدخول إلى عالم الكتابة الذى أحبه، قلت فى نفسى لن أظل قارئاً أو متفرجاً، أريد أن أشارك فى صناعة هذا العالم.

العودة إلى العاصمة

تم قبول الطلب الذى قدمته، وبالفعل انتقلت للعمل بوزارة التربية والتعليم فى القاهرة، قلت: «ماشى»، أنا دماغى مش فى الوظيفة، لكن دماغى فى الأدب والكتابة، لم يكن فى بالى مطلقاً أن أكتب للسينما، كنت مشغولاً بالأدب، وبالفعل كتبت عدداً من القصص القصيرة خلال شبابى، ونشرت بعضها فى جريدة «المساء»، فى ذلك الوقت كان هناك إحساس بأن السينما أقل من الأدب، كان كاتب السينما يتكسف لو قعد قدام أديب، لكن رغم شغفى بالأدب، إلا أننى كنت محباً للسينما، لأنها أثرت فى تكوين شخصيتى بشكل كبير، وحلّقت بى فى عالم آخر، عالم من الخيال الواسع.

الطريق نحو الفيلم الأول

كتبت رواية اسمها «زائر المدينة الميتة»، كانت مستوحاة من ذلك الفيلم الأمريكى الذى كان سر التحول فى حياتى، لكنها لم تكن رواية بالمعنى الدقيق، كانت أشبه بالقصة السينمائية، بسبب حبى للسينما، ثم عرضتها على الأستاذ مصطفى محرم، بالصدفة كان واحد قريب لى يملك «سوبر ماركت» صغير بجوار بيته، أعطيته نسخة من الرواية وطلبت منه أن ينقلها إلى مصطفى محرم، وسافرت دمياط، ثم عدت إلى القاهرة، أخينا قال لى الأستاذ محرم بيدور عليك، التقيت مصطفى محرم، وقعدنا على كافيه فى وسط البلد، وقال لى: «هنجيب فاتن حمامة ومحمود ياسين»، وبقيت فرحان جداً، وخلال الجلسة أعطانى كتاباً يضم مجموعة أعمال للروائى الكبير «دوستيفسكى»، وطلب منى إعداد معالجة لرواية اسمها «الأبله»، وعندما قمت بقراءة الكتاب، اكتشفت قصة اسمها «الزوج الأبدى»، قلت لمصطفى محرم: «سيبك من الأبله وخليك فى الزوج الأبدى، القصة دى هتعمل فيلم تحفة»، وبالفعل عملت معالجة سينمائية، سينما بيور من الجلدة للجلدة، كلمنى بعد أن قرأها، قال لى: «تعالى علشان نتقابل عند أشرف فهمى»، قلت: «ليه؟»، قال: «المخرج أشرف فهمى حب الرواية جداً»، وبالفعل عندما التقيت بأشرف قال لى: «هايل خالص يا بشبش، وانت هتكتب الحوار كمان، هيبقى قصة وحوار، الحوار بتاعك حلو أوى»، وخرج إلى النور فيلم «مع سبق الإصرار»، فى فبراير سنة 1978، وكان عمرى وقتها 34 سنة، الفيلم عمل ضجة جامدة، ردود فعل قوية فى السوق، وبعد كدا، بدأ المنتجون يبحثون عن الولد الشاب اللى إيده تتلف فى حرير واسمه بشير الديك، ومن هنا بدأت رحلة الألف ميل.

السينما ثقافة.. قبل أن تكون دراسة

السينما فى المقام الأول ثقافة وفهم قبل أن تكون دراسة، كما أن إدراك طبيعة دورها الاجتماعى شديد الأهمية، أنا عندى فكر اجتماعى ورؤية اجتماعية، والسينما هى الوسيلة القادرة على أن تحمل هذه الرؤية وتعبر عنها بشكل فنى، وليس بشكل خطابى، ولو تحدثنا عن الكتابة بالتحديد، كعنصر رئيسى من عناصر صناعة السينما، فالكتابة موهبة بدرجة أساسية، ما يحصل عليه طالب المعهد موجود فى كل الكتب، لكن الكتب فقط لا تصنع كاتباً جيداً ولا تصنع فناناً، فالكتابة تحتاج إلى حس وموهبة فعلاً، بدليل أغلب الكتّاب الكبار ليسوا من خريجى معهد السينما، لكنهم أصحاب موهبة وفهم وعندهم رؤية، والأهم أن عندهم خبرة، لا أتصور كاتباً بدون خبرات وتجارب متنوعة، فالخبرة الحياتية هى ما نترجمه، فى كثير من الأحيان، إلى أعمال سينمائية يستمتع بها المشاهد.

كسر القواعد لصناعة الدهشة

القواعد وضعت لنكسرها وليس لنلتزم بها، القواعد موجودة لكى تحافظ على الشكل العام، لكن هذا الشكل العام فى حاجة إلى تجديد وتغيير دائماً، وبالتالى لا بد من كسر القواعد لكى تحدث دهشة، والسينما فن إثارة الدهشة، مفارقة للواقع بنوع من أنواع السحر، بدون دهشة تتحول السينما إلى نشرة أخبار، ولازم يبقى فيه «إزاى أخلى المشاهد يصدق؟.. ثم إزاى أخليه يندهش؟»، النمطية تقتل السينما.

ثلاثى الشلة السعيدة

بعد نجاح فيلم «مع سبق الإصرار»، جمعنى القدر بأعز اثنين إلى قلبى محمد خان وعاطف الطيب، وأصبحنا شلة قوية وسعيدة، وبدأنا سلسلة أفلام مهمة جداً، بدأت من «الرغبة»، و«طائر على الطريق»، و«موعد على العشاء»، و«سواق الأوتوبيس»، و«الحريف»، سينما بجد، مش أى كلام، سيناريو وإخراج ورؤية وجماهيرية وكل حاجة، انطلقنا كلنا، أو بالبلدى زى ما بيقولوا: «كسّرنا الدنيا وقتها».

حضور التصوير.. أنا راجل «غتت»

كنت حريصاً على حضور «لوكيشن» التصوير لثلاثة أسباب؛ أولاً علشان أنا راجل «غتت»، وثانياً علشان باحب هذا العالم، وثالثاً علشان باشتغل مع أصحابى، وده السبب الأهم، يعنى لما كنت باشتغل مع محمد خان وعاطف الطيب ونادر جلال، الله يرحمهم جميعاً، دول صحابى يعنى، فممكن أقول لخان: «أنا عايز ده كلوز»، يقول لى: «إزاى؟»، أقول له: «اعمل كده، ناخد كلوز على إيد نور وهو نازل من الناحية دى»، فيقول خان: «دى فكرة كويسة، يا جماعة بشير اقترح إننا نعمل كلوز، معلش يا نور، هنعيد تانى»، لم يكن لدينا حساسية، إحنا مع بعض جيل واحد وأحلام واحدة، خاصةً أصدقائى أوى اللى بيحبوا السينما، ومش داخلين الوسط بحثاً عن سبوبة، وهم خان وعاطف وخيرى بشارة وداود عبدالسيد «الجيل ده على بعضه».

موعد على العشاء

فى فيلم «موعد على العشاء» حضرت جميع مشاهد التصوير بدون استثناء، حتى عندما سافر فريق العمل للإسكندرية سافرت معاهم، كانت بتجيلى عربية الإنتاج تاخدنى مخصوص، ليه؟، لأن المنتج كان خايف من عصبية خان أن تؤدى لمشكلة أو خلاف بينه وبين سعاد حسنى أو أحمد زكى، «الست سعاد» كانت أهم اسم فى الوسط الفنى فى ذلك الوقت، مع الفنان عادل إمام، المنتج قال لى: «يا بشبش لازم تحضر التصوير، وتحل أى خلاف ممكن يحصل، مش عايز مشاكل علشان الفيلم يخرج»، وقد كان بالفعل، كانوا بيحبونى، وعارفين إنى شاطر، ومش بتاع حد، وبالتالى كنت باقدر أحل أى خلاف قبل أن يبدأ».

توافق سعاد حسنى وأحمد زكى

سعاد حسنى كانت شخصية خاصة جداً، هى وأحمد زكى قطعية واحدة، زى بعض بالظبط «تيبيكال»، تركيبهما النفسى واحد، وتركيبتهما الاجتماعية واحدة، هناك درجة عالية جداً من التشابه والتوافق بينهما، طبعاً سعاد كانت أكثر نجومية فى ذلك الوقت، وأصبحت صديقة لى من أول لقاء، صديقة حميمة، تحس بالاطمئنان معها، بعيداً عن الشاشة كانت إنسانة شديدة العادية، لدرجة إنك لا تعرف إن هى دى سعاد حسنى، هى قدام الكاميرا حد تانى، أول لما الكاميرا تشتغل، يطلع شخص آخر، بنى آدم آخر تماماً، أحمد زكى كان كدا برضه، نفس السمة، بعيداً عن الكاميرا «راجل بسيط وحبوب»، لا يتعامل باعتباره نجماً، لكن قدام الكاميرا تطغى نجوميته العالية وموهبته الخاصة.

«الحريف» فى مواجهة «سواق الأوتوبيس»

الصدفة جمعت فيلم «الحريف» وفيلم «سواق الأوتوبيس» فى نفس توقيت العرض، وكنت أنا وعاطف الطيب العامل المشترك بين الفيلمين، خدنى عاطف وحضرنا أول يوم عرض لـ«سواق الأوتوبيس»، حفلة منتصف الليل الساعة 12 فى سينما بوسط البلد. كانت القاعة مش مليانة أوى، نور الشريف ممثل كويس وكل حاجة، لكن السينما لم تكن «كومبليت»، لكن برغم ذلك، فوجئت أن الناس صفقوا خلال الفيلم 6 مرات، وفى أماكن لم أتوقع لحظة أنها تثير إعجاب الجمهور، تانى يوم دخلنا فى نفس الموعد فيلم «الحريف»، وكان عادل إمام واكل الجو فى الوقت ده، «نمبر وان» بحق وحقيقى، السينما كانت مليانة على آخرها، لدرجة إننا جبنا كراسى إكسترا علشان تستوعب الأعداد، وطبعنا تذاكر زيادة، دخل الناس، واتعرض الفيلم، لكن الفيلم كان فيه مستوى عالى شوية، فبدأوا يتكلموا مع بعض، والجمهور المصرى هو الجمهور الوحيد اللى بيتكلم مع نفسه، ويتكلم مع الشاشة كمان، ويتخانق ويشتم، لما سمعت الناس بتتكلم مع بعضها، قلقت، لما مشينا شوية فى الفيلم، سمعت واحد بيقول: «هو ماله بينهج ليه؟، هو فيه إيه؟»، شوية واحد تانى يقول لصاحبه بصوت عالى: «يا أخى مش قلتلك نروح أم الفيلم التانى»، بقينا قاعدين متضايقين من الحكاية دى، بعد شوية قبل نهاية الفيلم، فوجئت بالناس يتسرسبوا من السينما، وعلى العكس من ذلك، محدش خرج فى «سواق الأوتوبيس» أبداً، فهمت الرسالة سريعاً، «الحريف» فيلم خاص، والناس قطعوا تذاكر علشان يشوفوا عادل إمام اللى عارفينه، بتاع الضرب والإيفيهات الحلوة ورفعة الحاجب، رايحين يشوفوا البطل، لقوا واحد بيلعب فى الشارع مع الفريق الخسران، فالحريف كان من التجارب اللى حسستنى قد إيه الجمهور مهم.

فيلم مكتمل.. وفيلم سابق وقته

«سواق الأوتوبيس» و«الحريف» من أهم الأعمال اللى كتبتها على الإطلاق، لكن «الحريف» كان مثل القصيدة التى لا تعطى نفسها بسرعة، قصيدة تقدم نفسها بهدوء وبعمق وبدون مكاشفة، على عكس «سواق الأوتوبيس»، كان صرخة مكاشفة، فيه درجة عالية أوى من الاكتمال، منطق، بُعد سياسى شديد، اللى عايز حاجة فى الواقع اللى عايشه، هيلاقيها فى «سواق الأوتوبيس»، لكن «الحريف»، فيه بعد إنسانى شديد العمق، ومعتمد على كم هائل من التفاصيل، «البطل مش بطل أصلاً»، شخصية غير قادرة على الانتماء، الفيلم ينتهى بأن ابنه بيسأله: «هتلعب تانى يابا؟»، قال له: «لا خلاص، يا بنى زمن اللعب انتهى»، الحريف نوع من الأعمال اللى بيقدم نفسه فيما بعد، فيلم يعيش أطول حتى لو نجاحه فى موعد عرضه مش كبير، فيه لحظات لا يتم استيعابها إلا بعد فترة، مثل العمل الأدبى الجيد، اللى يتعمل له دراسة لشرحه وتفسيره وتشريحه، «سواق الأوتوبيس» على العكس تماماً، فيلم يقدم نفسه من أول وهلة، يهزك سريعاً بعنف ومباشرة ووضوح، لا يحتاج دراسة ولا شرحاً، بعكس «الحريف».

عادل إمام بدلاً من أحمد زكى

أحمد زكى كان مرشحاً لبطولة فيلم «الحريف» فى بداية الأمر، وليس «عدولا»، يقصد عادل إمام، لكن محمد خان كان شايف شخصية الحريف «مخربشة شوية»، كان عايزه يسيب ضوافره تكبر، وشعره مهوش، أحمد زكى قال: «ليه؟»، تناقشا كثيراً، واختلفا فى الرأى، ثم قال خان: «هى دى الشخصية، هتتعمل كدا»، فى اليوم التالى جاء أحمد زكى الاستديو موضب نفسه وحالق شعره كأنه عريس، فوصلت الرسالة لخان، فقال لى: «بشير، أحمد زكى مش هيعمل الدور ده»، قلت له: «ليه يا محمد؟، أنا كاتب الفيلم له، فى ذهنى أحمد زكى»، قال: «لأ، هنجيب عادل إمام»، «عدولا» بالنسبة لنا كان مكسباً بلا شك، خاصةً أن الفيلم من إنتاجنا، عادل إمام كان مكسباً لأى منتج، وهو نفسه كان يقول لنا كده بهزار: «انتوا بتكسبوا من ورايا يا ولاد.. بيعوا بيا».

«بشبش وعدولا».. شكل العلاقة مع الزعيم

للأسف لم أكتب لعادل إمام غير فيلم واحد، هو «الحريف»، أصبحنا أصحاب فى الفيلم ده جداً، حتى على المستوى الأسرى، وكنا عندما نلتقى بعد «الحريف»، يقول لى: «إيه يا بشبش، مفيش حاجة تانى؟»، أقول له: «لما تيجى حاجة تناسبك، هاقولك على طول يا عدولا».

حزن بعد تجربة «الحريف».. رغم روعتها

عادل لم يكن خائفاً من تكرار التجربة مطلقاً، وأنا رغم حزنى لكن لم أشعر بإحباط، الفيلم جيد بالفعل، ومن أفضل الأفلام فى السينما المصرية، لكن كما قلت: هو فيلم خاص، قصيدة رائعة، لكن غير مقروءة فى وقتها، «عدولا» كانت عنده رغبة نكرر التجربة، وأنا أيضاً، ولكن ماحصلش نصيب «ملقتش موضوع يركب معاه»، شعرنا بحزن لعدم نجاح الفيلم بالصورة التى يستحقها، لكنه عاش طويلاً، والفيلم مستمر حتى الآن ولم يمت. 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: بشير الديك أحمد زكي عادل إمام حسين فهمي أفلام سينما أول الحکایة هذا العالم بشیر الدیک سعاد حسنى عادل إمام أحمد زکى قال لى

إقرأ أيضاً:

بعد تأييد حبسه.. استبعاد إسلام بحيري من مؤسسة تكوين -(تفاصيل)

كتب- عمرو صالح:

قررت مؤسسة تكوين الفكر العربي استبعاد الباحث إسلام بحيري من مجلس أمنائها بعد استمرار حبسه على ذمة قضية تحرير شيكات بدون رصيد.

وأعلنت مؤسسة تكوين عن تعيين أعضاء جدد في مجلس الأمناء، وذلك بعد شطب إسلام البحيري من قائمة أعضاء مجلس الأمناء وإضافة مجموعة جديدة من الأعضاء.

ومن بين الإضافات الجديدة أشرف منصور رئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، والمفكر المغربي سعيد ناشد، والمفكر العراقي محمد حسين الرفاعي.

ويظل إبراهيم عيسى، وفراس السواح، ونايلة أبي نادر، وألفا يوسف أعضاء في مجلس أمناء المؤسسة.

أصدرت المحكمة المختصة قرارًا بتأييد حكم حبس الباحث إسلام البحيري لمدة ثلاث سنوات، وغرامة مالية قدرها 20 ألف جنيه، بتهمة إصدار شيكات بدون رصيد.

مقالات مشابهة

  • ضربات عراقية وصمت حوثي.. هل أثرت سلطة الإصلاحيين الإيرانيين على شكل المقاومة؟
  • محمد القس: تعاطفت مع شخصيتي في برغم القانون.. والأحداث «مفيهاش حشو»
  • 10 أفلام لا تفوّت.. من الخيال العلمي إلى الدراما
  • «أوبك»: الاستغناء عن النفط ضرب من الخيال
  • من المنزل إلى المدرسة.. كيف تساعد أطفالك على تكوين صداقات؟
  • شعبة السيارات تكشف عن تراجع الأوفر برايس على بعض الموديلات لهذا السبب
  • عاشا قبل نحو عشرة آلاف عام.. إعادة تكوين أقدم “جينوم بشري” لشخصين في جنوب أفريقيا
  • بعد تأييد حبسه.. استبعاد إسلام بحيري من مؤسسة تكوين -(تفاصيل)
  • لجنة الإنقاذ الدولية: الفيضانات أثرت على 268 ألف شخص في اليمن