من الخطأ اعتبار التقارب المصرى الصومالى وليد اللحظة أو انه موجه ضد دولة إثيوبيا على وجه الخصوص، مصر لا تقيم تحالفات وقتية وإنما تحيى علاقات قديمة ومستمرة ولم تستحدثها من العدم خاصة مع دول القرن الافريقى. الطريق إلى مقديشو عاصمة الصومال مثلا ليس جديدًا بل ولم ينقطع، فالعلاقات المصرية الصومالية تاريخ عريق وأواصر متينة.
وتجمع البلدين علاقات تاريخية عميقة تمتد لقرون عديدة. هذه العلاقات مبنية على أسس متينة من التعاون والتضامن، وتشمل جوانب سياسية واقتصادية وثقافية منها علاقات تجارية قديمة ويعود أقدم دليل على العلاقات بين مصر والصومال إلى عهد الفراعنة، حيث كانت هناك رحلات تجارية مكثفة بين مصر وبلاد بونت (التى يعتقد أنها تشمل أجزاء من الصومال حاليًا).
وكانت مصر من أوائل الدول التى اعترفت باستقلال الصومال ودعمته فى نضاله ضد الاستعمار.. كما قدمت مصر مساعدات اقتصادية وفنية للصومال فى مراحل بناء الدولة.
بالإضافة إلى ذلك يجمع البلدين وحدة المصير فى مواجهة التحديات المشتركة، مثل مكافحة الإرهاب والتطرف، والحفاظ على الأمن والاستقرار فى المنطقة.
ويشمل التعاون بين البلدين مجالات عدة، مثل التجارة والاستثمار والثقافة والتعليم. وهناك روابط ثقافية مشتركة بين الشعبين المصرى والصومالى، حيث تتأثر الثقافة الصومالية بالثقافة المصرية فى العديد من الجوانب.
وتأتى أهمية العلاقات المصرية الصومالية فى تعزيز الأمن والاستقرار فى المنطقة وتساهم العلاقات القوية بين مصر والصومال فى تعزيز الأمن والاستقرار فى منطقة القرن الأفريقى.
ويساهم التعاون الاقتصادى بين البلدين فى دعم التنمية الاقتصادية فى كلا البلدين وتعزيز التضامن العربى والإسلامي
العلاقات بين مصر والصومال ليست وليدة اليوم، بل هى امتداد لحضارات عريقة وتاريخ مشترك. هذه العلاقات ستظل قوية ومتينة فى المستقبل، وستساهم فى تحقيق مصالح البلدين.
وبالإضافة إلى الصومال، تسعى مصر جاهدة لتعزيز علاقاتها مع دول أخرى فى منطقة القرن الأفريقى، وذلك لأسباب سياسية واقتصادية وأمنية. من أهم هذه الدول جيبوتى تتميز جيبوتى بموقعها الاستراتيجى على البحر الأحمر، ما يجعلها نقطة وصل مهمة بين آسيا وأفريقيا. تعود العلاقات بين مصر وجيبوتى إلى عهد الفراعنة، وقد شهدت تطورات كبيرة فى السنوات الأخيرة، خاصة بعد الزيارة التاريخية التى قام بها الرئيس السيسى إلى جيبوتى فى عام 2021.
إريتريا ايضًا تسعى مصر إلى توطيد علاقاتها بإريتريا، وذلك نظرًا لأهمية دورها فى تحقيق الاستقرار فى المنطقة.
ولكن ما أسباب سعى مصر للتقارب مع دول القرن الافريقي؟
الأمن المائى المصرى طبعًا على رأس الأسباب وتعتبر قضية مياه النيل من أهم القضايا التى تشغل مصر، وتسعى مصر من خلال تقاربها مع دول حوض النيل والقرن الافريقى إلى تأمين حصتها من المياه.
مصر تريد ايضًا تعزيز أمنها القومى من خلال بناء علاقات قوية مع الدول المجاورة، ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة مثل الإرهاب والتطرف.
وتسعى مصر إلى تعزيز نفوذها فى المنطقة، ومواجهة أى محاولات لتقويض أمنها واستقرارها.
التعاون الاقتصادى مصر تسعى إلى توسيع علاقاتها الاقتصادية مع دول القرن الأفريقى، والاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة.
وتعود جذور العلاقات المصرية مع دول القرن الأفريقى كما قلنا إلى عصور قديمة، حيث كانت هناك علاقات تجارية وثقافية بين الحضارات المصرية القديمة وحضارات المنطقة. وقد شهدت هذه العلاقات تقلبات عديدة على مر التاريخ، ولكنها ظلت دائمًا قائمة.
ولا شك أن التقارب المصرى مع دول القرن الأفريقى سوف يساهم فى تعزيز الاستقرار الإقليمى، ومواجهة التحديات المشتركة.
ويؤدى إلى بناء علاقات قوية ومتوازنة مع دول القرن الأفريقى، وذلك لتحقيق مصالحها القومية، وتعزيز الأمن والاستقرار فى المنطقة.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: وجه الخصوص فى المنطقة بین مصر
إقرأ أيضاً:
الفينيقيون ومستعمراهم في بريطانيا وآيرلندا (2-3)
د. هيثم مزاحم **
يرى المؤرخون المختصون بمنطقة الشرق الأدنى القديم أن الفينيقيين أو الكنعانيين قد هاجروا من شبه الجزيرة العربية بشكل موجات هجرة كبيرة في فترات متباعدة، وقد استندوا في ذلك إلى أمرين، أولًا أوجه الشبه القوية بين اللغات أو اللهجات التي انتشرت في منطقة الهلال الخصيب (بلاد الشام والعراق) وبين اللغة العربية. والأمر الثاني هو أن صحاري الجزيرة العربية كانت في العصور القديمة مفتوحة على بادية الهلال الخصيب وكانت أراضي الهلال الخصيب تجذب القبائل العربية المتنقلة ومن ثم كانت عاملًا أساسيًا في استقرارها.
وهناك أدلة كثيرة على أن الفينيقيين سكان المدن الساحلية، كانوا يعتبرون أنفسهم كنعانيين ولم يصفوا أنفسهم بالفينيقيين لأن هذه التسمية أطلقها عليهم الإغريق ومن بعدهم الرومان. إن إطلاق اليونانيين تسمية فينيقيين على الكنعانيين بمعنى الرجال الحمر لا يعني بالضرورة أنهم أخذوها عن تسمية الحميريين؛ فالفينيقيون أو الكنعانيون قد سبق وجودهم الحميريين بأكثر من ألفي سنة. يقول جان مازيل في كتابه "تاريخ الحضارة الفينيقية الكنعانية" إن أولى المنازل الحضرية في مدينة جبيل في لبنان تعود لحوالي 3000 سنة قبل الميلاد، وأن فترة "العموريين" القادمين من أقاصي الصحراء السورية ابتدأت فيها حوالي 2000 قبل الميلاد، وهو تاريخ ابتداء الفينيقيين".
ويرى بعض الباحثين أن اتجار الكنعانيين بصباغ الأرجوان ذي اللون الأحمر واحتكارهم لسر إنتاجه قد دفع باليونان لإطلاق تسمية «فونيكي» أي الحمر عليهم.
تقول الباحثة جوزفين كوين، أستاذة التاريخ القديم في كلية ورشيستر بجامعة أوكسفورد في كتابها "في البحث عن الفينيقيين": إن مصطلح "فينيقي" كان وسمًا عامًا ابتكره المؤلفون اليونانيون القدماء وكان يقصدون به بحارة بلاد الشام الذين صادفوهم خلال اكتشافاتهم البحرية. ولكن الكتاب الإغريق لم يستخدموا ذلك المصطلح قط لوصف مجتمع عرقي ثقافي متفرد. يتحدث المؤرخ هيرودوتس في كثير من المواضع عن الفينيقيين بإعجاب كبير، ولكنه لم يكتب قط وصفًا إثنيًا لهم، كما فعل مع المجموعات الأخرى مثل المصريين والإثيوبيين والفرس.
بدأت قصة التفرد العرقي للفينيقيين القدماء مع نشوء القومية اللبنانية مع المسيحيين الموارنة في القرن العشرين في محاولة لتمييز أنفسهم عن العرب والمسلمين، الذين ينتمون بدورهم إلى الكنعانيين، الإسم الحقيقي للفينيقيين.
بدورهم، بحث سكان الجزيرة التي تدعى اليوم بريطانيا العظمى في القرون الوسطى عن أصول قومية بنوعيات إنكليزية وبريطانية. بوشر بالاتجاه الإنكليزي أولًا في القرن الثامن وتم التركيز على ملوك البلاد من الساكسون. بينما تعاظم المنحى البريطاني في القرن الثاني عشر مع أعمال العالم الويلزي جيفري الذي تتبع تاريخه لملوك بريطانيا إلى بروتس الطروادي حفيد حفيد أينياس. وكان جيفري أول مؤلف يكتب تقريرًا مفصلًا لمآثر الملك آرثر الذي هزم غزاة بريطانيا الساكسونيين.
وقد وجدت هذه الأساطير فرصة جديدة للحياة بعد انفصال الملك هنري الثامن عن روما، لأن الكنيسة الكاثوليكية المحلية كانت وثيقة الارتباط مع الساكسون الإنكليز الذين تربعوا على الجزيرة في القرن السادس الميلادي. جعلت الأصول الويلزية لملوك تيودور الرؤية البريطانية الأوسع للأمة جذابة بشكل خاص لتلك الفترة، وكذلك لطموحاتهم الإمبريالية نحو اسكتلندا.
وفي منتصف القرن السادس عشر كتب جون تواين مجلدين باللغة اللاتينية نشرت بعد موته عام 1590 ولم تترجم إلى الإنجليزية قط، ويتحدث فيها عن قضية جديدة مثيرة بشأن جذور بريطانيا. ينقل فيها عن الأباتي فوشي نفيه للأصول الطروادية المزعومة ويعلن أن عرقًا من العمالقة سكنوا الكهوف في الأرض التي منحها اسمه ألبيون. كان الفينيقيون أول أجانب يصلون إلى هذه الجزيرة مدفوعين بالوصول إلى معادن كورنوال. تشمل أدلته على هذا الادعاء الزي البيوني الذي لا تزال بعض النسوة يرتدينه في ويلز إضافة إلى الأكواخ البونية في تلك المنطقة. ويضيف الأباتي أن العادة البريطانية لطلاء الجسم بنبات الوسمة كانت محاولة واضحة من الفينيقيين لاستعادة بعض اللون الذي فقدوه على مدار أجيال من الابتعاد عن الشمس.
من خلال استبعاد الفرضية الطروادية القديمة قدم تواين هوية تاريخية جديدة لسلالة تيودور الجديدة هي الفينيقية ومنحت بريطانيا أسلافًا أكثر بطولة وتحضرًا. فالفينيقيون في زعمه كانوا تجارًا نشأوا في بابل قبل الهجرة إلى العديد من الأراضي القديمة الأخرى، بما في ذلك مصر وإثيوبيا وسوريا واليونان وإسبانيا وأخيرًا وصلوا إلى بريطانيا.
ويتساءل: من أين يأتي الرجال بعادة حلق اللحية باستثناء الشفة العليا إن لم يكن من البابليين؟
ونشر ايليت سامز كتاب "عادات بريطانيا القديمة المشتقة من الفينيقيين" عام 1676 حيث تعززت نظرية سامز حول فينيقية بريطانيا القديمة بالعمل الشهير للعالم الفرنسي صموئيل بوشارت الذي تتبع في "الجغرافية المقدسة" عام 1646 تفرق ذرية نوح عبر العالم. فقد أولى بوشارت اهتمامًا خاصًا بالفينيقيين، مقترحًا أنهم وصلوا إلى بريطانيا وآيرلندا. ادعى سامز أن الفينيقيين استوطنوا في جنوب بريطانيا بينما استعمر السيمبري الألمان الشمال. وكتب سامز أن الفينيقيين تركوا أكبر الأثر ليس فقط اسم بريطانيا وحده ولكن معظم الأماكن هناك ذات الجماعات القديمة اشتُقت من اللسان الفينيقي؛ بل اللغة نفسها إلى حد كبير إضافة إلى العادات والأديان والأصنام والمراتب والأدوات الحربية في بريطانيا القديمة، فهي كلها فينيقية.
وبالنسبة إلى سامز شملت الكلمات البريطانية المشتقة من الفينيقية إسم كورنوال وكلمة بيرة وضم بقاء الثقافة الفينيقية موقع ستونهنغ.
وبالرغم من أن سامز قد ركز على أصول الممالك البريطانية فقد ميّز بشدة بريطانيا عن الأمم الأوروبية الأخرى، وعلى الأخص كان ضد منافستها اللدود فرنسا وشعبها. وبالنسبة إلى سامز ومعاصريه، فقد ارتبط الفرنسيون بشكل وثيق بالرومان. وقد فاقم تحدر البريطانيين المفترض من أعداء روما التقليديين، قرطاجة الفينيقية ذات القوة التجارية البحرية، الفوارق بين الدولتين الحديثتين وعزز تفوق بريطانيا في البحر.
بالنسبة لسامز كانت بريطانيا على الدوام أمة مستقلة بحد ذاتها وينطبق المبدأ ذاته على سكانها الأصليين، فهو أول من وصف الفينيقيين بأنهم أمة ودولة.
ظهرت في آيرلندا نسخة بديلة من القومية الفينيقية. كان معاصر سامز رودريك أوفلاهرتي أول عالم آيرلندي يقترح في عمله عام 1685 أن الفينيقيين شكلوا جزءًا من الأرومة الآيرلندية. أصبحت نظرية أوفلاهرتي في القرن الثامن عشر بأن الفينيقيين أسلاف الآيرلنديين شديدة الرواج بين المفكرين الغال ودعاة التفوق البروتستانتي.
كان تشارلز فالانسي أحد أكثر المتحمسين البروتستانت الذي وصل إلى آيرلندا عام 1756 كمراقب عسكري بريطاني وبقي هناك كآثاري محلي محترم وعضو مؤسس للأكاديمية الآيرلندية الملكية. انصب
اهتمام فالانسي الرئيسي على اللغة الآيرلندية القديمة، حيث أعلن في واحدة من دراساته المطولة أن الآيرلندية القديمة ربما كانت بدرجة كبيرة لغة هاني بعل هاميلكار الفينيقي.
وكما استخدم القوميون البريطانيون الفينيقيين لتمييز أنفسهم عن الفرنسيين الرومان، فإن المناصرين للقومية الآيرلندية استخدموا الماضي الفينيقي لتمييز الآيرلنديين عن البريطانيين الأكثر رومانية. وبهذا المنظور صُوّر الاحتلال البريطاني لآيرلندا كصراع عظيم بين قرطاجة النبيلة المتطورة أي الأيرلنديون- الفينيقيون، والقوة الغوغائية الإمبريالية لروما أي بريطانيا.
وفي الوقت ذاته فإن التلقف الفالانسي للخصوصية الفينيقية في العالم القديم كان ضبابيًا ولم يميزهم بقوة عن
احتفى المفكرون الآيرلنديون بالفينيقيين كمجموعة من الجذور القديمة المركبة والمتداخلة، فقد بجلوا الأسلاف الفينيقيين، ولكنهم لم يسعوا إلى إنشاء أمة فينيقية مستقلة.
** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية في لبنان
رابط مختصر