ولا تَهِنوا.. وأنتم الأعلَوْن
تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT
مصطفى محسن اللواتي
كانت ليلة من ليالي العمر، ليلة من ليالي السماء؛ حيث البشائر كانت تتنزل وكأنها ليلة القدر..
في حدود الساعة الثالثة فجرًا اكتشفت ان الله استجاب دعائي..
قبلها بليلة كنت كئيبًا، حزينًا، لا أعرف الهدوء، ولا يستقر لي حال.. لم أعرف كيف أنام، ولم أعرف لماذا أنا صاحٍ!! كنت أعيش حالة القلق، الضيق، الانقباض، وغيرها مزيج.
ورغم أني إنسان متفائل جدا جدا، وأعيش الابتسامة، وكل وقت أردد مقولة أبي عبدالله الحسين: "هوّن ما نزل بي إنه بعين الله"، إلا أن كل هذا لم يشفع لي، وسنظل بشرا.
الخبر في تلك الليلة، ليلة ولادة النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم كان صاعقًا، مؤذيًا، وسبقته اخبار يومين قبلهما، كانت المقاومة فيها تتلقى ضربة وراء ضربة.
في تلك الليلة شمرّت عن كل روحيتي، ورفعت الى الله كل مشاعري، وتوسلت عنده بنبي الأمة محمد أن يكشف هذا البلاء.
وكانت الإجابة، في الليلة التالية، كنت أشاهد فیها ألعابا نارية بهيجة، تعيد روحا غابت، وتبرد قلبا أنهكته الأخبار الكالحة، وتُرجع للوجه ابتسامته الحقيقية..
نعم كنت ليلة رائعة أعدت فيها احتفالي بولادة النبي الأكرم، وقرأت فيها بيني وبين نفسي عدة قصائد في مدحه ومدح أهل بيته الأطهار.
ما أجمله من منظر وأنت تشاهد أعداء الله، وأعداء الإنسانية، تشاهد المحتلين الغاصبين يولولون خوفًا ورعبًا، وهم يختبئون كالفئران في جحور ضيقة، وينامون فوق بعضهم..
ما أجملها من صورة وأنت تتخيل "النتن" ومن لفَّ لفّه من النواتن والأناتن والنتنيّين وآثار الخيبة ومظاهر الانكسار تكسو قسمات وجوههم.
هذا الاطمئنان، وهذه الراحة، وتلك السعادة، كانت كافية لتزويد الروح والقلب والعقل بكل ما يلزم من بنزين يعيد لها حيويتها وإشراقتها، ويجهزها لتحمل كل الضربات المسعورة التي ستأتي لاحقا، فالمقاومة قالت كلمتها إنها موجودة، وهذا يكفي، فنحن نثق بها، وبمصداقيّتها، وبحكمتها وشجاعتها وتقديراتها.
والرد الصهيوني الجنوني لاحقا كان متوقعًا؛ فالصهاينة لأنهم جبناء، فمنهجهم القتل، وعقيدتهم البطش، وهم أحفاد من عاشروا فرعون، فتعلموا منه منطق: "وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ".
فتأتي ردودهم على المدنيين فقط، يضربون يمينا ويسارا، لا هدف لهم إلا تفريغ الغلّ والحقد، تحكمهم السادية والعُقَد، مع اعتقاد غبي أن هذا سيخلخل تماسك حاضنة المقاومة، وغباؤهم هذا يمنعهم من قراءة التجارب السابقة والتي أثبتت أن المقاومة عند معتنقيها عقيدة، ودين، وبين هذا وذاك هي الحُسين، ذلك البطل الذي رسم التاريخ بدمه، وخطّ هذا الطريق، فصار قدوة لكل حرّ أبيّ لا يتنازل عن كرامته.
ما يُفرح القلب في كل هذا المشهد وبعد رد حزب الله المدوي هو موقف "اشباه الرجال" ولا رجال.. أولئك الذين تراكضوا معا في لعق احذية العم سام، وتكالبوا على عزة أمة نبينا الكريم، تجمعوا ولا جامع بينهم إلا بغض الخير والحرية، يذكرني اجتماعهم بما قاله الفنان عادل إمام في إحدى مسرحياته: "اتلم تنْتون على تَنْتنْ.. واحد نِتنٍ والتاني أنتَنْ".
أولئك الذين كست وجوههم غبرة الألم، وعجاج الحيرة، وقتام الإكتئاب، بعضهم اخذ يقلّم أظفاره بأسنانه في حركات لا يقوم بها إلا الممسوس، وبعضهم يذرع الممرات جيئة وذهابا وكأن زوجته تضع مولودا في المستشفى، وآخر لا يترك هاتفه، متنقلا بين هذا وذاك لعل احدا يخفف عليه هستيريته.
بالأمس القريب كانوا منشغلين بالتفتيش في قاموس الألفاظ الفاحشة والدنيئة ليستخدموها ضد أطهر الناس وأشرفهم، في كل شاردة وواردة، وفي كل موقع تصل فيه نجاستهم ونحاستهم ونخاستهم، "فَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ، هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ، مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ، عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ".
بالأمس كانوا يراهنون في تحدٍ أن المقاومة لن تفعل شيئا، وشاهت وجوههم حينما قدّم المحور كله اروع امثلة الشجاعة والإقدام وبأفضل التكتيكات.
لم تغب الشماتة عن منهجهم المنحط، فكلما سقط شهيد، أو ضرب الصهاينة موقعا، كانت السعادة لا تسعهم، لتخرج من قلوبهم كل مرادفات كلمة "الحقد"، وتبرز السموم الطائفية التي يقتاتون منها وعليها.
أما قنوات العهر التي ينتمون اليها فلا زالت تبث السم في العسل، فلم تترك صهيونيا الا ودعته ليعبّر عما يدور في خلده من مؤمرات لغسيل الادمغة.
ولكي تكمل -هذه القنوات- رسالة الطائفية البغيضة، وتواصل ما يمكن ان يشفي غليل الصهاينة، اخذت تسمي شهداء لبنان بالقتلى، وكأن الله فوّض لها توزيع المراكز والدرجات، وربما لو فتح لها المجال لسمّت كل صهيوني بالشهيد الحي السعيد، والضحية المظلومة، كما فعلت مع الارهابيين الدواعش في بدايات ظهورهم وقبل ان تصنّفهم سيدتهم امريكا انهم ارهابيون.
ستكون هذه الايام قاسية، وستتكالب قوى الشر مع دُويبة الفصل العنصري، وسنجد لها في اوساطنا دولا وجماعات وافرادا يعملون لدعمها، ولايجاد كل المبررات لها، وتخويف كل من يقف مع المقاومة، بل ومن يقف على الحياد، بنشر الاخبار الكاذبة، وتزييف الصادق منها، وإخفاء كل منجز للمقاومين، واختراع الإشاعات، وتضخيم امكانات العدو، وغيرها كثير.
في ظل هذا الوضع يجدر بكل محبٍّ للمقاومة بكامل محورها، وكل مساند لها، وكل من في قلبه حبٌّ للأقصى الشريف، ولحرمات الله، وكل من في قلبه حب الإنسانية.
يجدر به في ظل هذه الاوضاع:
- الامتناع عن كل حديث طائفي يشتت الساحة، ويشغل الناس عن الدعم المستمر لمحور المقاومة.
- عدم تداول أخبار قنوات ومحطات الكيان الغاصب، بل وكل محطات العهر السياسي والطائفي والتي كل همها تمزيق صفوف المقاومة بتفريق من يحبها ويدعمها "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ".
- التركيز على إنجازات المقاومة، ونشر أخبارها في أوسع نطاق ممكن، لخلق الالتفاف حولها.
- خلق حالة التفاؤل، وإيجاد روح الحماس، وبث هدير الثقة في هذا المحور النبيل الذي يدافع عن كرامة الأمة كلها.
- ترك التحليلات، والنقاشات، والحوارات التي يمكن أن تخلق حالة من عدم الاطمئنان، وتسبب الضيق والاكتئاب، فهذا ليس وقتها إطلاقا، وترتيب الأولويات مسألة عقلية منطقية، فالمقاومة بأمس الحاجة لروح الجهاد والنضال والإيجابية.
- ويظل الدعاء أقوى الأسلحة التي يمكننا بها أن نقهر العدو الغاصب، فالارتباط بالله، واللجوء إليه، وطلب النصر منه، له أثر عجيب، ومفعول غريب، وما كان الله ليخيب عبدًا توسل إليه بإخلاص، وتوجه إليه بإيمان، وربنا هو القائل في كتابه: "أليس الله بكافٍ عبده".
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الـ 2006 أوصلت عون إلى بعبدا... إلى أين ستوصل الـ 2024 باسيل؟
عندما قرّر العماد ميشال عون، وكان يرأس كتلة " الاصلاح والتغيير"، دعم "حزب الله" في حربه التموزية في العام 2006، ضمنَ من حيث لم يخطّط وصوله في يوم من الأيام إلى قصر بعبدا بدعم أكيد من "حارة حريك"، التي حفظت له "جميل" وقوفه إلى جانبها وإلى جانب ناسها عندما لجأوا إليه بعدما هجرهم الاسرائيلي من قراهم، التي حولها إلى ركام تمامٍا كما هو فاعل اليوم.لم ينسَ الأمين العام السابق لـ "الحزب" الشهيد حسن نصرالله، ما فعله "جنرال الرابية" معه، وهو الذي قبِل بالسير بالعماد ميشال سليمان نتيجة تسوية الدوحة، واعدًا حليفه، الذي وقّع معه " اتفاق مار مخايل"، وعدًا صادقًا، بأن لا أحد غيره سيكون في قصر بعبدا بعد انتهاء ولاية الرئيس سليمان، فكان له ما أراد بعدما عطّل الانتخابات الرئاسية سنتين ونصف السنة، وهو الذي أصرّ على ترشيح من يبدأ أسمه بحرف "ميشال".
الرجلان اللبيبان فهما على بعضهما البعض من اشارة واحدة كانت كافية لكي يصلا معًا إلى مبتغاهما المشترك، وهو ضمان إيصال رئيس للجمهورية لا يطعن "المقاومة" في ظهرها، ولا ينتهي بها الأمر كما انتهى إليه الرئيس سليمان عندما وصف معادلة "الشعب والجيش والمقاومة" بأنها معادلة خشبية في الوقت الذي كانت تُطلق عليها تسمية "المعادلة الذهبية". وبوصول العماد عون إلى قصر بعبدا ضمن "حزب الله" بما لا يقبل الشك بـ " شرعنة" عمل "المقاومة"، وذلك من خلال تضمين البيانات الوزارية في كل حكومات "العهد القوي" هذه المعادلة كأمر واقعي، مع كل الدعم الذي وفرّه له من خلال اطلالاته الدولية، وبالأخص من على منبر الأمم المتحدة، حيث طالب المجتمع الدولي بأن يعترف بأحقية ما تقوم به "المقاومة" دفاعًا عن نفسها وعن لبنان في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية. وهذا ما باعد بين الرئيس عون وبعض الدول، وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية، التي صنّفت "المقاومة" بأنها "إرهابية". وقد يكون هذا الموقف المتقدّم الذي اتخذه رئيس جمهورية لبنان من بين الأسباب الكثيرة، التي جعلت من عهده غير منتج وغير فاعل، بالإضافة إلى اتساع الهوة بينه وبين شريحة واسعة من اللبنانيين، الذين عارضوه منذ بداية البدايات في سياسته الانفتاحية على "حزب الله" واعطائه شرعية رسمية من خلال البيانات الوزارية والمواقف الرسمية، من دون أن يعني ذلك أن موقفه الأخير الرافض لمبدأ "وحدة الساحات" قد أعاد ربط ما انقطع بينه وبين هذه الشريحة.
إلا أن موقف رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، من خلال اطلالاته الاعلامية، قد نسف كل الجسور، التي كانت لا تزال معلقة بـ "خيط رفيع"، بينه وبين "حزب الله" في هذا الوقت الحرج، الذي تمرّ به "المقاومة" في حربها الوجودية ضد عدو اجتاح غزة، وهو على وشك تنفيذ المرحلة الثانية من خطّته الجنوبية بعدما أمعن في القتل والتدمير والتهجير. فما يقوله في هجومه على "الحزب" هو الأعنف له منذ بدء "حرب الاسناد والاشغال"، حيث اعتبر أن "حزب الله" أسقط عن لبنان حجة الدفاع عن النفس بإسناد غزة"، محمًّلا إياه "الخطأ الاستراتيجي بسياسة وحدة الساحات"، معتبرًا "أن سياسة "وحدة الساحات" هي لصالح دول أخرى وليست لصالح لبنان"، نافيًا أن يكون "التيار الوطني الحر اليوم في وضع تحالف مع حزب الله".
الذين سمعوا باسيل من بيئة "حزب الله" لم يصدّقوا ما سمعوه، وهم مهتمّون بأشياء كثيرة هي في نظرهم أهمّ بكثير مما يمكن أن يصدر من هنا وهناك من مواقف ظرفية تحتّمها "سياسة اللعب على الحبال". فهذه السياسة لم تنفع في الماضي، وهي حتمًا لن تؤدي اليوم سوى إلى مزيد من صبّ الزيت على النار.
المصدر: خاص لبنان24