إلى أين تتجه الحرب في أوكرانيا؟
تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT
الآن وقد دخلت الحرب الروسية-الأوكرانية عامها الثالث، تتزايد التساؤلات حول ما إذا كان أي شكل من أشكال السلام أو النصر ممكنا.
يتوقف كثير من الأمر بطبيعة الحال على كيفـية تعريف هذه المصطلحات. عند بوتن، يتلخص الهدف المعلن صراحة فـي القضاء على أوكرانيا كدولة قومية مستقلة وإخضاعها للسيطرة الروسية. ولكن، بعد مرور عامين ونصف العام وتعبئة مقادير هائلة من الموارد العسكرية والقوى العاملة، تسيطر روسيا على حوالي 18% فقط من أراضي أوكرانيا، وأغلب هذه المساحة انـتُـزِعَـت بالفعل فـي عام 2014.
وهذا جزء من نمط أكبر. فقد فشلت القوات المسلحة الروسية على نحو مستمر فـي تنفـيذ أي عمليات هجومية واسعة النطاق ناجحة منذ الأسابيع الأولى من الحرب. وعلى الرغم من محاولاتها المتواصلة بكل تأكيد -حيث ركزت على خاركيف هذا الصيف- فقد فشلت مرارًا وتكرارًا. ولم يتحقق القسم الأكبر من التقدم الروسي إلا بسحق المدن الأصغر.
لا شك أن الجيش الأوكراني واجه تحديات. فقد نجح فـي دفع روسيا إلى الوراء حول خيرسون وخاركيف فـي عام 2022، لكن هجومه المضاد الذي كان مرتقبا بشدة فـي صيف عام 2023 فشل فشلا ذريعا. ومع ذلك، أظهر الهجوم المفاجئ على منطقة كورسك الروسية الشهر الماضي قدرات جديدة ومبهرة، فضلًا عن تذكير العالم بعزيمة القوات الأوكرانية الخالصة وقدرتها على التكيف. ولكن فـي ظل الأوضاع الحالية، يبدو أن الجيش الأوكراني ليست لديه فرصة كبيرة لاستعادة الأراضي التي احتلتها روسيا. ربما يتمكن من تكرار النجاح الذي أحرزه فـي عملية كورسك فـي مكان ما على طول خطوط المواجهة الأمامية، وهو ما قد يترتب عليه آثار سياسية مهمة؛ لكن تحقيق نتائج مستدامة أبعد من ذلك سيكون أمرا بالغ الصعوبة. ما دام بوتن وبطانته يتصورون أنهم قادرون على سحق إرادة الأوكرانيين وداعميهم الغربيين، فسوف يستمرون فـي الحرب. ولكن عندما يتبين لهم أن هذا لن يحدث، وأن روسيا تسلك مسار الانحدار السريع على نحو متزايد، فسوف تتغير الأمور. ورغم أن هذا ربما لن يحدث هذا العام، فهو ليس من المستبعد فـي عام 2025. وربما نستطيع حينئذ أن نتصور ترتيبا مؤقتا من نوع أو آخر ينهي القتال، ولو من دون تحقيق «النصر» لأي من الجانبين. بيد أن السلام الدائم يشكّل احتمالا أشد صعوبة. ولا أعتقد أنه سيكون فـي حكم الممكن ما لم يتحقق شرطان. أولا: لا بد أن يخسر بوتن السلطة. فهو يتحكم فـي الكرملين والمجتمع الروسي بقبضة من حديد، وهو متشبث بهوسه الإمبراطوري إلى الحد الذي يمنعه من قبول أي سلام حقيقي. ثانيا: يجب أن يكون مستقبل أوكرانيا مضمونا بقوة من خلال العضوية فـي الاتحاد الأوروبي وترتيبات أمنية غربية جديرة بالثقة. حينئذ، وحينئذ فقط، قد يصبح السلام ممكنا. ومثل هذه النتيجة ستكون انتصارًا ليس فقط لأوكرانيا، بل وأيضًا لروسيا. فبعد أن تتحرر من المشروعات الإمبريالية المدمرة للذات، قد تبدأ أخيرًا العمل على التحول إلى دولة قومية طبيعية مزدهرة فـي القرن الحادي والعشرين.
كارل بيلت دبلوماسي دولي عمل وزيرًا للخارجية فـي السويد من عام 2006 إلى عام 2014 ورئيسًا للوزراء من عام 1991 إلى عام 1994.
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
أميركا لا تعرف أهدافها من الحرب في أوكرانيا
مقالات مشابهة تطبيق Gemini يقدم شاشة رئيسية مبسطة على نظام أندرويد
4 دقائق مضت
بعد دك إسرائيل جنوب لبنان بالغارات… فنادق بيروت تعج بآلاف الأسر الفارة6 دقائق مضت
تراجع تدفق النفط يخفض الإيرادات لأدنى مستوى في ثمانية أشهر10 دقائق مضت
بعد العثور على مواد بلاستيكية دقيقة في دماغ البشر… إلى أي مدى يجب أن نقلق؟14 دقيقة مضت
إصابة إسرائيلي في قصف صاروخي من لبنان19 دقيقة مضت
بعد إجراءات الدعم… الأسهم الصينية تسجل أفضل أداء يومي منذ سنوات23 دقيقة مضت
بعد مرور أكثر من عامين ونصف العام على بدء الحرب الروسية الأوكرانية وتقديم الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين مساعدات اقتصادية وعسكرية ضخمة لأوكرانيا، ما زالت نهاية هذه الحرب بعيدة للغاية، ولم تظهر أي مؤشرات على إمكانية تحقيق الهدف الغربي الأسمى وهو انتصار أوكرانيا.
وفي المناظرة الانتخابية التي جمعت نائبة الرئيس الأميركي مرشحة الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية كامالا هاريس، ومنافسها الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب، ورداً على سؤال: «هل تريد أن تكسب أوكرانيا الحرب؟» لم يقل ترمب نعم، وإنما قال إنه يريد إنهاء الحرب. وكذلك لم تقل هاريس نعم، وإنما وعلى عكس منافسها قالت إنها ستدعم أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي.
قوات أوكرانية (أ.ف.ب)
وفي تحليل نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية قال توماس غراهام زميل مجلس العلاقات الخارجية وكبير مديري إدارة روسيا في مجلس الأمن القومي الأميركي في إدارة الرئيس جورج بوش الابن إن السؤال ليس بسيطاً، كما أنه لا توجد إجابة مشتركة بين دول الغرب ولا بين دول الغرب وأوكرانيا للسؤال عن معنى النصر في حرب أوكرانيا.
منذ البداية حدد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي النصر بأنه تحرير كل الأراضي الأوكرانية التي احتلتها روسيا منذ 2014 واستعادة الحدود الدولية المعترف بها لبلاده منذ انفصالها عن الاتحاد السوفيتي السابق عام 1991.
تشير استطلاعات الرأي إلى أن أغلب الأوكرانيين يتفقون مع زيلينسكي في الهدف رغم ظهور بعض التحولات في الرأي العام، مع ارتفاع تكلفة الحرب.
ويمكن لآخرين إعلان النصر، إذا نجحت أوكرانيا في إخراج القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية التي احتلتها منذ بداية الحرب الحالية في 23 فبراير (شباط) 2022، وهناك معسكر ثالث يمكنه اعتبار مجرد الحفاظ على أوكرانيا دولةً مستقلةً ذات سيادة في نهاية الحرب انتصاراً لها حتى مع استمرار احتلال روسيا للأراضي الأوكرانية. وقد يذهب البعض إلى الادعاء بأن أوكرانيا انتصرت بالفعل، لأن روسيا قد لا تتمكن من التقدم في الأراضي الأوكرانية بأكثر مما فعلت.
الدمار يلحق سيارات بمنطقة في كورسك بعد التوغل الأوكراني (رويترز)
حالة الغموض التي تحيط بمفهوم النصر لدى الأوكرانيين موجودة وبدرجة أكبر في واشنطن، حيث لا تمتلك إدارة الرئيس جو بايدن ونائبته هاريس تعريفاً واضحاً للنصر ولا أهدافاً واضحة تسعى لتحقيقها في أوكرانيا. كما أنها لم تعلن أبداً تبنيها لهدف زيلينسكي. وبدلاً من ذلك تحدث بايدن مرتين عن قوة الحرية في الانتصار على الاستبداد، لكنه لم يحدد النصر في أوكرانيا بمصطلحات ملموسة.
وقد قدم مسؤولون آخرون لمحات عن تفكير الإدارة الأميركية، لكن أياً منهم لم يقدم تفصيلاً شاملاً لأهداف الإدارة. وتحت ضغط الكونغرس، أرسلت الإدارة أخيراً استراتيجية سرية للتعامل مع ملف أوكرانيا في منتصف سبتمبر (أيلول) لكن لم يتم الكشف عن تفاصيلها حتى الآن.
ويقول غراهام إن هذا يعني أن أميركا لا تمتلك إلا مجموعة عناصر غير متماسكة لسياستها تجاه أوكرانيا. على سبيل المثال تتعهد الإدارة بمواصلة دعم أوكرانيا «متى احتاجت ذلك»، لكنها تركت تعبير الحاجة دون تحديد. وهي تقول إنها تسلح أوكرانيا لكي تعزز موقفها على مادة المفاوضات دون إشارة إلى طبيعة الاتفاق الذي تأمل أن تحصل عليه أوكرانيا عبر المفاوضات.
كما أن الإدارة الأميركية أعلنت هدفها وهو المحافظة على أوكرانيا دولة مستقلة ذات سيادة، لكنها لم تحدد بوضوح ضمن أي حدود، رغم أن الولايات المتحدة تعترف رسمياً بحدودها عام 199. وقبل بدء الحرب قال الرئيس بايدن إن بلاده لن تحارب روسيا وتخاطر بوقوع كارثة نووية دفاعاً عن أوكرانيا. ولكن هل يمكن استمرار هذا الموقف إذا اتضح أن السبيل الوحيد للمحافظة على أوكرانيا دولة مستقلة ذات سيادة هو دخول أميركا الحرب ضد روسيا؟ لا أحد يعرف الإجابة حتى الآن بحسب توماس غراهام.
ستارمر مع الرئيس الأوكراني (إ.ب.أ)
كل هذا يوضح أن الإدارة ذاتها لم تتفق داخلياً على أهدافها، أو أنها تعتقد أن تلك الأهداف لن تصمد أمام قوة النقاش العام. وربما تشعر أيضاً بالقلق من أن يؤدي إعلان أهدافها إلى نسف الوحدة الغربية والتحالف مع أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي.
ويرى مسؤول الأمن القومي الأميركي سابقاً توماس غراهام في تحليله أن هذه استراتيجية فاشلة، وتهدد الدعم الشعبي المطلوب بشدة لنجاح أي سياسة خارجية في المجتمع الديمقراطي. كما أنها تؤكد أنه سيتم هدر الموارد المخصصة لدعم أوكرانيا، في الوقت نفسه يعزز اعتقاد روسيا بقدرتها على الصمود أمام الغرب لتحقيق أهدافها من هذه الحرب.
لذلك حان الوقت لكي تبلور الولايات المتحدة رؤية واضحة لما تريد تحقيقه من الحرب في أوكرانيا مع وضع استراتيجية لتحقيق هذه الأهداف بنجاح. ويجب أن تستند الأهداف والاستراتيجية إلى الحقائق الموضوعية مع تقييم واضح للمصالح والقدرات الروسية والأوكرانية والأوروبية والأميركية، وتحديد الموارد التي ستكون مطلوبة لتحقيق هذه الأهداف. كما يجب أن تكون أهدافها لأوكرانيا في إطار رؤية أوسع لهيكل مستقبل أمن أوروبا في مواجهة استمرار العداء الروسي. في الوقت نفسه يجب بلورة مسار للتعايش مع روسيا، بغض النظر عن نتيجة الحرب الأوكرانية، على أساس أنها، وإن ظلت خصماً استراتيجياً، فإنها ستظل شريكاً ضرورياً في إدارة الاستقرار الاستراتيجي للعالم، والتعامل مع التهديدات الملحة وفي مقدمتها مشكلة التغير المناخي.
Source link ذات صلة