ترجمة - أحمد شافعي

لا بد من إيقاف نتنياهو؛ فالرعب المشهود الآن فـي لبنان جريمة أخرى تضاف إلى جميع الجرائم السابقة. فهل بريطانيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة وجميع من عداها ممن يفترض أن يهتموا بأمر حياة المدنيين وحقوق الإنسان والقانون الدولي سيشيحون بأنظارهم بينما يعاود رئيس وزراء إسرائيل المنفلت عمل هذا من جديد؟ هذا الاحتمال المريع يستعصي على التصديق.

و«من جديد» فـي هذا السياق تعني أن يحيل نتنياهو جنوب لبنان، وربما لبنان كله، إلى غزة ثانية من نوع ما. لقد لقي أكثر من واحد وأربعين ألف فلسطيني من غزة مصرعهم، وغالبيتهم من المدنيين، منذ أعمال حماس فـي السابع من أكتوبر. ولقي ما يقرب من خمسمائة لبناني مصرعهم على أيدي القوات الإسرائيلية فـي لبنان يوم الاثنين، ومن بينهم أطفال. ونزح عشرات الآلاف من منازلهم. فكم من الأبرياء سيقتلهم هذا الرجل قبل خروجه من السلطة؟

يقول نتنياهو: إن المجزرة الأخيرة ضرورية لـ«استرداد التوازن الأمني». ولكن نتنياهو نفسه هو العديم التوازن. فلقد أشار بأمره القاطع لسكان جنوب لبنان -وهم مواطنون فـي بلد ذي سيادة- بإخلاء بيوتهم فورًا إلى أن ضربات إسرائيل الجوية غير المسبوقة سوف تشتد أكثر مما هي عليه. وقد يعقب ذلك غزو بري.

لم يحدث ذلك فـي عام 2006 ولن يحدث الآن. و«استراتيجية» نتنياهو كدأبها تحمل بذور هزيمتها. فبرغم ألف وثلاثمائة هجمة إسرائيلية يوم الاثنين، يطلق حزب الله المزيد من الصواريخ على إسرائيل، ويزيد من نطاقها. ولا يستطيع الإسرائيليون النازحون أن يرجعوا آمنين إلى منازلهم، وذلك فـي الظاهر هو هدفه الأساسي. والعنف يولِّد العنف. ولا يجلب أمنًا، وإنما يجلب المزيد من الكراهية والرغبة فـي الانتقام.

وكالعادة، يبعث نتنياهو رسائل مختلطة. فأيها نصدق؟ إنه يزعم أن للعملية هدفًا إجماليًا محدودًا، هو تقليل قدرات حزب الله ودفعه بعيدا عن الحدود، إلى الشمال من نهر الليطاني. ويزعم أنه حريص على المدنيين اللبنانيين، مثلما يزعم أنه حريص على الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس منذ السابع من أكتوبر، وكثير منهم قضى نحبه فـي شقاء.

لكن الحقيقة أن نتنياهو، وقد فشل فشلا ذريعا فـي تحقيق هدفه الوهمي بالقضاء على حماس، يتعمد أن يُوجد جبهة ثانية بتصعيده المواجهة مع حزب الله، وذلك على وجه التحديد ما قضى الدبلوماسيون الأمريكيون شهورا يحاولون الحيلولة دون حدوثه. وكانت هجمات أجهزة البيجر واللاسلكي والاغتيالات لقادة أساسيين فـي الأسبوع الماضي هي المقدمة. والخلاصة هي أن «الحرب الأبدية» تبقيه فـي السلطة وفـي الحكم.

ليس لدى نجيب ميقاتي رئيس وزراء لبنان أدنى شك فـي أنه لا بد من إيقاف نتنياهو. فقد قال إن «استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان حرب إبادة بكل ما تحمله الكلمة من معنى»، وناشد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة و«الدول المؤثرة» التحرك لمنع اتساع نطاق المذبحة.

وتضيء مصابيح الإنذار الحمراء فـي كل مكان. فقوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة فـي لبنان تقول إن التصعيد الإقليمي «المدمر» يلوح فـي الأفق وسط ما وصفته بأكثف حملة قصف إسرائيلية فـي الذاكرة الحديثة. وأضافت: إن الهجمات الإسرائيلية «ليست محض انتهاكات للقانون الدولي بل إنها قد ترقى إلى جرائم حرب».توجه إيران -التي أظهرت برغم تهديداتها ضبطا غير متوقع للنفس بعد أن اغتالت إسرائيل قائدا رفـيع المستوى لحماس فـي طهران فـي يوليو- الاتهام لنتنياهو بتعمد السعي إلى توسيع الحرب التي يزعم أنه لا يريدها. إذ قال رئيس إيران الجديد مسعود بزشكيان: إن «إسرائيل ترتكب كل يوم المزيد من الأعمال الوحشية وتقتل المزيد والمزيد من الناس» وقال أيضا «إننا نكون مخادعين لأنفسنا لو ظننا أن طرفا سوف يخرج منتصرا من هذه الحرب الإقليمية».

أما حزب الله فواضح طيلة الوقت. إذ يقول إنه سوف يتوقف عن إطلاق الصواريخ عند الاتفاق على وقف لإطلاق النار فـي غزة، وليس قبل ذلك. وقد تردد أن نتنياهو منع التوصل إلى مثل هذا الاتفاق فـي حالات كثيرة. غير أن تسيبي حوتوفلي سفـيرة إسرائيل لدى المملكة المتحدة تصر فـي برنامج (بي بي سي اليوم) أن الأمر كله يتعلق بالتهديد الإرهابي فـي الشمال. لكن إرهاب من يا تسيبي حوتوفلي؟ إرهابهم أم إرهابكم؟ ويستمر الإنكار والتضليل الإسرائيليان الرسميان، ويحذوان فـي ذلك حذو القمة.

لقد كتب عاموس هاريل المعلق فـي صحيفة هآرتس يقول: إن «أحدث خطابات نتنياهو وحواراته مع كبار مسؤولي الجيش تشير إلى عدم اهتمامه بالتوصل إلى اتفاقية [لوقف إطلاق النار]. لأن مصيره الشخصي هو الذي له الأولوية عنده قبل مصير الرهائن. وقد قرر أن يراهن بكل شيء، أو بكل شيء تقريبا...على خطوة طموحة سوف تؤذي حزب الله وقد تؤثر بشكل غير مباشر على حماس».

لا بد من إيقاف نتنياهو. لكن من سيوقفه؟ ليس رئيس الولايات المتحدة جو بايدن الذي سيقول مجددًا الأسبوع القادم فـي الأمم المتحدة: إن لديه خطة، فـي حين أنه عمليًا أساء إدارة الأزمة على نحو لا يرجى منه خير. وهو يخشى من أن حربا باتساع الشرق الأوسط قد تضير بفرص كامالا هاريس والديمقراطيين فـي انتخابات نوفمبر. فلماذا إذن لا يتدخل؟ لأن خوفه أكبر من أن يبدو كمن يقف ضد إسرائيل.

فـي ضوء موقف واشنطن المتذبذب، لا تتوقعوا من حكومة كير ستارمر أن تفعل أي شيء ذي شأن من تلقاء نفسها، من قبيل تعليق جميع تراخيص صادرات الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل وتوبيخ حوتوفلي. إن وزير الخارجية ديفـيد لامي يعلن أن «الجسارة» و«القوة» مطلوبتان فـي التعامل مع العالم اليوم. وذلك تحديدا ما ينقص كل عواصم الغرب وهو ما يوشك أن يكتشفه لبنان على حسابه الخاص.

ماذا عن المحاكم؟ هل سيوقف القانون الدولي المزيد من هجمات نتنياهو؟ لا تتوقعوا. فالقضاة فـي المحكمة الجنائية الدولية لم يصدروا بعد مذكرة اعتقال لنتنياهو بسبب جرائمه الحربية المزعومة فـي غزة برغم أن مدعي المحكمة العام قد طالب بهذه المذكرة فـي مايو. وهذا التأخير الكبير يثير الريبة.

فماذا عن الأمم المتحدة نفسها؟ هل تؤكد سلطتها المحطمة بشيء أفضل من التحرك أخيرًا لتفعيل الكثير من قراراتها بشأن فلسطين التي لم تلق احتراما، ومنها قرار حديث يطالب إسرائيل بالجلاء عن الأراضي المحتلة التي تشيع فـيها انتهاكات المستوطنين؟ المدهش أنه من المقرر أن يلقي نتنياهو خطابًا أمام الجمعية العامة فـي وقت لاحق من الأسبوع الحالي.

فبدلا من منحه هذه المنصة، يجب أن تمنع الأمم المتحدة نتنياهو من دخول مقرها. وفـي حال حضوره، ينبغي أن تتجاهل الحصانة الدبلوماسية. ويجب اعتقاله على يد شرطة نيويورك والمباحث الفـيدرالية الأمريكية، ثم ترحيله، أو اتهامه وهذا هو الأفضل. نتنياهو شخص خطير. وبكل السبل غير العنيفة المتاحة، لا بد من إيقافه.

سايمون تيسدال معلق الشؤون الخارجية فـي صحيفة أوبزيرفر البريطانية

عن الجارديان البريطانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المزید من حزب الله لا بد من

إقرأ أيضاً:

إسبانيا: لن نسمح بأن يتحول لبنان إلى أفغانستان جديد

أكدت وزيرة الدفاع الإسبانية مارغاريتا روبليس، اليوم الأربعاء، التزام إسبانيا باستعادة الوضع في لبنان، بعد تصاعد الاشتباكات المسلحة بين إسرائيل وحزب الله، وحذرت: "لا يمكننا السماح بأن يتحول لبنان إلى أفغانستان جديد".

وفي كلمتها أمام لجنة الدفاع بالبرلمان الإسباني، استعرضت روبليس البعثات الأجنبية التي تشارك فيها إسبانيا، بما في ذلك قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) وعملية الأمم المتحدة للسلام في لبنان، والتي تساهم فيها بأكثر من 600 عسكري، بالإضافة إلى دعم أوكرانيا منذ الغزو الروسي الذي بدأ في فبراير (شباط) 2022.

????️ #Galería La Comisión de Defensa acoge la comparecencia de la ministra de Defensa, Margarita Robles, a petición propia y de los grupos Popular, VOX y Mixto.

???? Fotonoticia: https://t.co/2UeOI9jeEX pic.twitter.com/Ibe1X5LuI3

— Congreso (@Congreso_Es) November 20, 2024

كما شددت روبليس للنواب على أنه "لا يمكن إعادة إنتاج ما حدث في أفغانستان"، في الوقت الذي ذكّرتهم فيه بفشل المجتمع الدولي في ذلك البلد، مع استنكار وضع النساء "اللاتي تتم ملاحقتهن" هناك بعد انسحاب القوات الدولية.

وأوضحت الوزيرة أن الجيش الإسرائيلي عبر حالياً "الخط الأزرق" (الذي يفصل بين البلد العبري ولبنان) على عدة محاور، ومستمر في حربه مع ميليشيات حزب الله.

ومنذ تصعيد الصراع بين إسرائيل وحزب الله قبل أكثر من عام، قُتل نحو 3 آلاف و 558 شخصاً، وأصيب 15 ألفاً و 123 وفقاً للأرقام اللبنانية الرسمية، في هجمات في جميع أنحاء البلاد.

بينما وقع الجزء الأكبر من هذه الضحايا منذ بدء الحملة العسكرية لإسرائيل على البلد العربي في 23 سبتمبر (أيلول) الماضي، والتي تسببت في دمار عشرات القرى في جنوب وشرق البلاد، فضلاً عن الأحياء في جنوب بيروت.

مقالات مشابهة

  • نائب أركان الجيش الأردني السابق: قرار اعتقال نتنياهو يزرع الخوف بين قادة إسرائيل
  • هل يتحول حزب الله إلى قوة سياسية فقط؟
  • عن لبنان... إسبانيا: لن نسمح بأن يتحول إلى أفغانستان جديد
  • إسبانيا: لن نسمح بأن يتحول لبنان إلى أفغانستان جديد
  • مع تقدم مفاوضات لبنان.. وسيط واشنطن يصل إسرائيل
  • بلاسخارت قدّمت احاطتها لمجلس الأمن: لبنان يواجه أزمة إنسانية ذات أبعاد كارثية
  • اليونيسف: مقتل 200 طفل بهجمات "إسرائيل" على لبنان خلال شهرين
  • «سيلفي» يتحول إلى كابوس.. لحظات مروعة في مواجهة أسد غاضب
  • باحثة سياسية: الكرة الآن في ملعب إسرائيل لوقف الحرب على لبنان
  • هوكستين يصل بيروت بعد أخذ ورد ومفاوضاتٌ بين إسرائيل وحزب الله عنوانها النار