أكره كلمة «الغزو الثقافى».. و نحتاج إلى التواصل مع الأدب العالمىما زلنا نقع تحت هيمنة وسطوة الثقافة الأوروبيةمقولة «نعيش فى زمن الرواية» باطلة الشعر روحى وحياتى وليس رفاهية
قال عنهصديق عمرهودربه الشاعرالكبير فاروق شوشة«إنه لايوجد بينشعرائنا المعاصرين من يجسدفى حضورهالإنسانى وسلوكه اليومى ومواقفه من كلشىء معنىالشاعر وحقيقته مثلما يفعل(أبوسنة) الشاعر فيهيسكن فىلحظة، ولايفارقه أبدًا ويلونردود أفعالهومنطلقاته بشعرية ضافية تصلبالانفعال فى كثيرمن الأحيانإلى ذروتهوتؤجج منكيانه هذهالمعاناة الكونية وهو يضعحدوده الفاصلةبين الجمالوالقبح والإنسانى وغير الإنسانى،الثابت والمتغير، ووصفه الناقدالراحل الكبير الدكتور صلاح فضلبأنه دارسالأزهر اللاجئ للأدب.
حصل «أبوسنة» أيضًا على العديد من الجوائز أهمها جائزة الدولة التقديرية عن ديوان «البحر موعدنا» وجائزة «كفافيس» 1990 عن «رماد الأسئلة الخضراء»، وجائزة «أندلسية» عن «رقصات نيلية» وجائزة محمد حسن فقى عن «ورد الفصول الأخيرة» وجائزة التفوق فى الآداب عن مجمل أعماله الشعرية، وجائزة أمير الشعراء من اتحاد كتاب مصر حول مسيرته الإبداعية ومشواره الشعرى ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1984. «الوفد» التقت الشاعر الكبير محمد إبراهيم أبوسنة فى منزله، وهذا نص الحوار:
● بداية.. لكل شاعرفلسفته فى الحياة.. فالشاعر أحمد شوقىكان يراها«عقيدة وجهاد» و«المعرى»كان يراها«تعب كلها»فماذا عن فلسفتك؟
●● فلسفتى فى الحياة أن الحياة هى الحب، والحب كلمة كتبت عنها فى كتابى «فلسفة المثل الشعبى» فقلت إن الحب هو الذى يحكم هذا الكون، بمعنى أنه لولا الحب لما قام هذا التوازن ولما حدث اضطراب هائل فى كل شىء، فالحب معناه التوازن والترابط والتواصل بين الكائنات والأشياء والبشر، ففلسفتى هى الاعتماد على الحب، والحب ليس مجرد كلمة عاطفية وإنما كلمة فلسفية عاطفية إنسانية فى المقام الأول، فمدخلى إلى الوجود هو الحب.
● مؤخرًا حصلت علىجائزة هى الأرفعوهى جائزة«النيل» فماذا يمثل لكهذا الفوز؟
●● أعتبر ذلك تتويجًا كبيرًا لمسيرتى مع الشعر، فالشعر روحى وحياتى ولا أتخلى أبدًا عنه، وهو ليس رفاهية، بل ضرورة لا بديل عنها، فهو فن العربية الأول، والجائزة تحمل اسم نيلنا العظيم من بلدى الحبيب مصر، فهذا شرف كبير لى.
● أنت واحدمن أبرزشعراء مصر والعالمالعربى الذين ينتمون إلى جيلالستينيات ويلاحظ أنه فىالستينيات كانت القصيدةلصيقة بالهم السياسى والآن فى ظلهذا الزخمالهائل والحراك السياسى فى مصروالعالم أين الشاعرمن هذاوهل هناكما يسمىبالشعر السياسى بالفعل؟
●● أحب أن أقول إن الشعر الستينى ليس مجرد شعر سياسى، فالحركة الشعرية الحديثة بدأت فى الخمسينيات متأثرة بالهم السياسى بعد قيام ثورة 1952، ولكن فى هذه الحالة كثير من الشعراء اتجهوا إلى الشعر السياسى والشعر الوطنى، خصوصًا أن الخمسينيات كانت معبأة بالهموم الاجتماعية من ناحية والهموم الوطنية من ناحية ثانية والهموم الإنسانية من ناحية ثالثة، لأن الثورة حملت إلى الحياة الثقافية والإنسانية والوطنية والمصرية بعدًا جديدًا وهو الاتجاه إلى الكونية، والاتجاه أيضا ليس فقط إلى الروابط العربية الشعرية والثقافية وإنما الاتجاه إلى الثقافة العالمية، ولذلك ترى أن شعراء الستينيات كانوا متأثرين إلى حدٍ كبيرٍ بشعراء إسبان مثل «لوركا» ومتأثرين بشعراء روس، فشاعر الستينيات مختلف عن شعراء الخمسينيات، فشعر الخمسنيات كان سياسيا خالصًا تقريبًا، لكن شعراء الستينيات وأذكر منهم محمد عفيفى مطر وفاروق شوشة وأمل دنقل، هؤلاء الشعراء كانت اتجاههم فى تلك المرحلة المراجعة الفنية والموضوعية لتجربة الخمسينيات، ولذلك تستطيع أن تقول إن شعر الستينيات كان شعرًا مختلفًا، ويمثل إضافة لتجربة الشعر الحديث فى الخمسينيات، فشعر الستينيات -كما ذكرت- الرموز التى أؤمن بها وهم عدد كبير، فهناك وفاء وجدى وعدد آخر وكبير من الشعراء الذين تتسم رؤيتهم بالشمولية والإنسانية، -فكما قلت لك- نحن كنا خطوة بعد الخمسينيات، فشعراء الخمسينيات طبعًا كان يمثلهم رمزان كبيران هما صلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطى حجازى، ويتميزان بثقافةٍ واسعةٍ، لكنهما كانا فى الوقت نفسه تحت ظروف ووطأة الثورة فى الخمسينيات ولكن مثلا نستطيع أن نقول إن صلاح عبدالصبور راجع نفسه فى الستينيات وتمثل هذا فى ديوانه «أحلام الفارس القديم» كذلك أحمد عبدالمعطى حجازى كان ديوانه الرائد «مدينة بلا قلب» استطاع أن يطور تجربته وأن يمتد بهذه التجربة إلى مشارف السبعينيات، نحن نستطيع أن نقول لابد من رؤية نقدية عميقة تبلور الفكرة الحقيقية لعطاء مدرسة الشعر الحديث فى الخمسينيات والستينيات والانعطاف الفنى والموضوعى بعد حرب 73، لأن ما حدث بعد حرب 73 كان هائلا على المستوى الوطنى والعسكرى ولكن تستطيع أن تقول إن المنحنى الثقافى كان مختلفًا بعد 73 وطبعًا هذا نتيجة ظهور جيل جديد سمى نفسه جيل السبعينيات «سبعينيين» وأظهر عددًا من الشعراء الممتازين مثل حسن طلب على سبيل المثال وحلمى سالم ومحمد سليمان وعبدالمنعم رمضان، هؤلاء شعراء لهم بصمتهم ولهم حضورهم، لكن الشىء الغريب أن إسهام المرأة الشاعرة فى التجربة الشعرية المصرية والعربية إسهام متواضع، فلو قلنا مثلا نازك الملائكة تتوسط حلقة الرواد فى الخمسينيات والستينيات، لأن نازك الملائكة تقف ندًا لبدر شاكر السياب وعبدالوهاب البياتى وتقف أيضًا مع شعراء العالم العربى، لكن لا يوجد فى العالم العربى إلا نزار قبانى، الذى نعتبره يمثل صوتا ليس فقط سورياً وإنما صوت الوطن العربى بأكمله، أنا أقول أرجو أن ينتبه النقد إلى الرؤية الشاملة، ليست رؤية إقليمية أو وطنية وإنما رؤية إنسانية، لأن الشعر الحديث امتزج فى نسيجه اللغوى والفنى والموضوعى ليس فقط بالأبعاد التراثية، كما نجد عند أمل دنقل على سبيل المثال ولا الأبعاد الرمزية عند محمد عفيفى مطر ولا العاطفية عند فاروق شوشة وإنما امتزج كذلك بالرؤية الإنسانية الشاملة على المستوى العالمى.
● بما أننانتحدث عن شعراءالسبعينيات هناك بعضالشعراء الموجودين على الساحةيقولون إن شعراءالسبعينيات أحدثوا قطيعة بين الشعروالناس بسبب أنهمكانوا يستخدمون ألفاظًا صعبة مماكرَّه الناس فى الشعرفما رأيك؟
●● لا أقول هذا، وإنما ذكرت بعض الأسماء، كما قلت، وهذه الأسماء شعراء يمثلون جيلًا جديدًا وموجة جديدة وهم كذلك يمتلئون وعيًا ويمثلون ثقافة حقيقية، فهم شعراء مثقفون ثقافة واسعة على المستويات الوطنى والعربى والعالمى، فهذا الجيل جذوره عميقة جدًا، فقد بدأ بالقطيعة مع شعراء الستينيات فى الواقع، على أساس أنهم كانوا يريدون أن يخلوا الساحة لوجودهم، وكان وجودهم صاخبًا وكان يتسم بالغموض نتيجة أنهم كانوا يطمحون إلى رؤية أوروبية أو ثقافية أخرى ولكن للأسف الشديد، هذا الاتجاه فى الستينيات لم يصل إلى جمهور عريض، كما وصل الشعر الستينى، فحركة الشعر متطورة وتتقدم كل فترة، ولكن المشكلة أننا فى أخطر مرحلة تهدد الشعر نفسه، لماذا أولا لأن معظم الشعراء يواصلون فكرة الفردية والذاتية، وكل شاعر يتصور أنه رائد وأنه قد اخترع من جديد رؤية لم يسبقه إليها أحد، ولذلك أطالب -فى الحقيقة- برؤية شاملة تجمع ما بين الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، وتضىء الوعى أمام شعراء الثمانينيات والتسعينيات، وهناك شعراء حقيقيون فى كل جيل، لكن المشكلة هى القطيعة أولا بين الجمهور وبين الشعراء، والجمهور أقصد بهم هؤلاء القراء، الذين يستخدمون الشعر أو يحيون الشعر، للأسف الشديد نحن فى مرحلة صعب جدًا، أن نقول إننا نجد فيها قراء أو مثقفين يستهلكون الشعر أو يميلون إلى الشعر، خاصة أن بعض النقاد الكبار ومنهم جابر عصفور على سبيل المثال أعلن أننا فى زمن الرواية، وهذه كلمة باطلة لأننا لا نقول نحن فى زمن كذا، فنحن فى زمن كل شىء، لماذا لأن كل مرحلة تفرز عددًا من الموهوبين فى كل المجالات، فى الشعر والقصة والرواية والمسرح، فهناك موهوبون لكن لابد من الاهتمام بهم، على سبيل المثال كنا فى الستينيات نجد مجلات تنتشر فيها مثل مجلة الشعر ومجلة المجلة ومجلة الكاتب، وهذه المجلات كانت تستوعب إنتاجنا فى الستينيات، بعد ذلك فى السبعينيات لم نجد مجلات حقيقية، والآن أين تجد مجلة ثقافية حقيقية يتجه إليها شاعر أصيل، هناك طبعًا مجلة «الثقافة الجديدة» التى تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة والتى أقدم لها التحية منذ إنشائها وحتى الآن، لأنها فى الواقع تغطى مساحة هائلة من الإنتاج الثقافى فى كل الاتجاهات والميادين، ولكن كل شىء يتطور وينمو ويتقدم بسبب الاهتمام، حين يتوقف الاهتمام، لا أقول يتوقف الإبداع، لكن يحدث تراجع، ومن ثم الاهتمام، الاهتمام، الاهتمام، ضرورى، وأنا أطلب أن الشعراء والأدباء والمثقفين فى الشعر والقصة والمسرح أن يتمسكوا برسالتهم وأن يكونوا على ثقة من أنفسهم حتى لو انفضت الساحة من حولهم.
● ارتباطك بالعديد من كبارالنقاد فى مقدمتهمعبدالقادر القط ومحمدمندور ولويس عوض ومحمودأمين العالموعز الدينإسماعيل.. هل كانله أثرفى تجربتكفى الإبداع.. وهل أنصفالنقد هذه التجربة؟
●● ذكرت أحب الناس إلى نفسى وأولهم الدكتور عبدالقادر القط والدكتور لويس عوض والدكتور شكرى عياد والأستاذ محمود أمين العالم.. والدكتور عز الدين إسماعيل، هذه الكوكبة من الشعراء نحن مدينون لهم باستمرار واستقرار وتقدم حركة الشعر الحديث من الستينيات وحتى الآن، وفيما يتعلق بتجربتى، فالدكتور عبدالقادر القط كتب دراسة كبيرة فى مجلة «إبداع» فى العدد الأول فى أول الثمانينيات وكانت دراسة مطولة، أما الدكتور لويس عوض فكتب ثلاث مقالات، الأولى فى الأهرام فى أواخر السبعينيات ومقالة فى مجلة المصور ومقالة فى الأهرام مرة أخرى عن ديوان «مرايا النهار البعيد» فأنا مدين لهؤلاء ليس فقط بتطور تجربتى الشعرية بل بوجودى كشاعر.
● على الرغممن وجودكفى قلبالحياة الثقافية لكنك تختفىأحيانًا وتحيط نفسك بعزلةمؤقتة، هل العزلةضرورة للشاعر؟
- هى ليست عزلة اختيارية، أولا لا أحب أن أذكر صقل المرحلة العمرية التى أمر بها، فقد تجاوزت الثمانين من عمرى، وكما قال لبيد بن ربيعة:
إن الثمانين وبلغتها.. قد أحوجت سمعى إلى ترجمان.
وقد كتبت عددًا من الدواوين، أربعة عشر ديوانًا ومسرحيتين شعريتين وأحد عشر كتابًا نثريًا، فماذا تعنى فكرة الحضور سوى هذا، فالحضور بالنسبة لى ما كتبته، أما ما ذكرته من قبل عدم الاهتمام والتواصل بين الأجيال، فأين هم النقاد الذين يقرأون ما تكتب أو ما يكتب الجيل الجديد، فكأنك تلومنى، أنا لا أختفى، فأنا أقرأ بشكل دائم، ولكن لا أستطيع الخروج والتردد على المنتديات والمقاهى، بعد أن بلغت الثمانين من عمرى.
●إذا كانالعنوان هو عتبةالنص الشعرىفما معنىالعنوان عندك وهلتشرع فيهقبل الكتابةأم أنكتنتقيه بعد الانتهاءمن العمل؟
- أولا أشكرك جدًا على هذا الالتفات، وهذا التذكر، لأن العنوان يلعب دورًا أساسيا ليس فقط عناوين دواوينى، بل عناوين قصائدى، فأنا أهتم جدًا بالكتابة الشعرية ولا أختار العنوان إلا بعد الانتهاء من كتابة القصيدة، وبعد جمع قصائد الديوان أختار مرة أخرى بعناية العنوان، فالعنوان ليس كما قلت عتبة العمل، لكن العنوان ربما كان إضاءة إلى محتوى العمل، إضاءة ولكنها ليست عتبة.
● ما موقفكمن الشعر«المنثور» أو مايسمى بشعرالحداثة خاصة أنكعايشت فترة التأسيسللحداثة العربية فى الأدبوالشعر بخاصة، فهل ترىأن الحداثةاتخذت مسار التأسيسأم سارتمسار التقليدللآخر الغربى؟
- أؤمن إيمانًا جازمًا بحرية المبدع، فيكتب ما يشاء وبالطريقة التى تلائم موهبته وذوقه وثقافته، فإذا استطاع أن يفعل ذلك بصدق علينا أن نتقبله ونتعامل معه ونحترم تجربته، فالقضية فى واقع الأمر أننا كأمة نقع تحت هيمنة وسطوة الثقافة الأوروبية، وهذا أمر مفروغ منه، ليس فقط بالمستوى الثقافى بل على المستوى الحضارى أيضًا، فنحن نقع تحت هيمنة وثقل الحضارة والثقافة الأوروبية ولكن أيضًا حتى الثقافة الأوروبية لم يعد هناك الشعر الأوروبى رموز مثلما كان الشاعر والناقد (توماس ستيرنز إليوت) فى إنجلترا و«ديلان توماس»، هناك شىء أساسى أيضًا، لماذا لا تهتم الدولة برعاية المثقفين رعاية خاصة من ناحية إيفاد هؤلاء المثقفين فى بعثات خارجية كما تفعل مع خريجى الجامعات، ففى بعض الدول العربية فى مرحلة الازدهار كانوا يوفدون شعراءهم وأدباءهم إلى الخارج للاحتكاك بالثقافة الخارجية فلماذا لا تنتقى الدولة عددًا من الموهوبين وتوفدهم، لا أقول للدراسة فى إنجلترا وفرنسا، خصوصًا فرنسا والولايات المتحدة وروسيا وإن كان العصر القادم هو عصر الصين، أطالب الدولة بأن توفد عددًا من الموهوبين فى كل مجالات الإبداع الأدبى الشعر والقصة والرواية والمسرحية والنقد الأدبى إلى الخارج، بأى طريقة عن طريق العلاقات الثقافية الخارجية ليمتزج هؤلاء الموهوبون بآفاق الثقافة العالمية، نحن فى حاجة إلى الامتزاج بالثقافة العالمية، وأستبعد تمامًا فكرة الغزو الثقافى، فهذه كلمة أكرهها، فلا يوجد ما يسمى بالغزو الثقافى، لأن الثقافة هى روح الإنسان، فحين نجد ثقافة جيدة معناها أنك وجدت غذاء حقيقيًا للإنسان الحقيقى.
● ما سرالإقبال على قصيدةالنثر من قبلشعرائنا العرب هل هوحاجة أمغاية للردعلى استنفادالشعر الكلاسيكى وظيفته؟
- قصيدة النثر هى فى الحقيقة اتجاه ظهر بعد أن تأملنا الحركة التعليمية والقراءة الحقيقية للشعر، وخصوصًا أننا ابتعدنا عن الرموز القديمة وبدأنا كما قلت أننا أصبحنا تحت هيمنة الثقافة الأوروبية وللأسف الشديد القصيدة النثرية لا تجد تواصلًا مع الجمهور على الإطلاق، والذين يكتبون لكى ينشروا فقط وهل هناك شعراء حقيقيون الآن، يكتبون قصيدة النثر سوى الجيل الأول، أدونيس على سبيل المثال ومحمد عفيفى مطر، وقد كتبت مقالة فى أحد كتبى ونشرتها وتساءلت فيها: هل تموت الموسيقى ويظل الشعر حيًا؟ أشك لأن روح الشعر هى الموسيقى وروح الأدب العظيم هو الشعر.
● السياسة، الجنس، الدين هو الثالوثالمحرم فى الإبداع.. هل أصبحهذا الثالوثثنائيًا بعد استبعادالجنس بسبب انتشارالقنوات الفضائية المتحررة وما مسئوليةالنقاد فى ذلك؟
- أولاً لا توجد محرمات فى الإبداع، لابد أن تتحدث عن السياسة، لأن السياسة هى حياتنا بأكملها فى كل المجالات والسياسة ضرورية جدًا، ولابد من التعبير عن السياسة، أما الجنس فأظن أننا مدينون ببقائنا كبشر لهذا الجنس فى العلاقة بين الرجل والمرأة، أما الدين فهو روح الإنسان العليا، فأقول إن السياسة والجنس والدين موضوعات كبرى للمبدع فى كل العصور، هناك تناول لهذا الثلاثى فى كل المراحل، لكن القضية هى كيف تتناول هذا الثلاثى فى إبداعك، إما بطريقة جاذبة أو بطريقة منفرة أو بطريقة هشة أو بطريقة غير جيدة أو ليس فيها إبداع.
● دول غربيةكثيرة ترصد مبالغطائلة لترجمة أعمالها للغات الأخرى فيما تكادالدول العربية لا تهتمبالأمر نفسه.. كيف ترىذلك؟
- أولا الأعمال الكبرى هى التى تفرض نفسها على الترجمة، نجيب محفوظ ترجمت أعماله إلى معظم لغات العالم، وأعتقد أن الأدباء أو القائمين على الثقافة الأوروبية يرحبون جدًا بترجمة الثقافة العربية بسبب أنهم يريدون أن يطعموا ثقافتهم بروح جديدة، أهم شىء أن تهتم بجودة إبداعك وثانيًا: لابد أن تتخذ الدولة وسيلة للتواصل مع الثقافة العالمية، فالترجمة لا أحد يستطيع أن يفرض نفسه على الآخرين، إنما نصك هو الذى يفرض نفسه على الآخرين.
● أخيرًا ما رسالتكلفلسطين اليوم فى ظلهذه المأساة؟
●● فلسطين فى حنايا صدورنا وهى عزيزة علينا، وإن كانت تمر بهذه المأساة الحزينة لكنها حتمًا ستنتصر، ويومًا ما ستحصد ثمارًا وتحيا حياة تليق بكل تضحياتها.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الوفد الشاعر الكبير محمد ابراهيم أبوسنة فلسطين ستنتصر الأدب العالمى الثقافة الأوروبية
إقرأ أيضاً:
الشعر متّحداً بالحياة: ستة عقود على غياب السياب
حاتم الصكر
ها قد مر على رحيل بدر شاكر السياب ستة عقود. ذهب سريعاً ذلك التعس في حياته وموته، كما وصفه محمد الماغوط. قضى ثمانية وثلاثين عاماً توزعتها الأوجاع والخسائر والحرمان، فغاب يوم 24/2/1964.
وها نحن نتعثر في تلافيف حياته ومأساة فقدانه، بعدوى قصيدته الحزينة حتى في أوج تفاؤله.
حين كان ملتزماً انتظر فجراً جديداً (في عالم الغد الفتيّ، واهبِ الحياة) بحسب ما تسميه قصيدته الأشهر “أنشودة المطر”. لكنه ذهب إلى أشد الموضوعات ألماً وعناء لتجسيد ذلك الأمل أو الحلم، واختار الشخوص الغرقى في المعاناة: حفار القبور والمومس العمياء والأسلحة والأطفال.. وتناظرات وتقابلات لوجهَي الحياة القاسيين.
كل قراءة جديدة لشعر السياب تؤكد ما اختصره أوكتافيو باث حول حياة الشعراء بالقول: ليس للشعراء سِير ذاتية. سيَرهم هي قصائدهم.
هذا التطابق بين شعر السياب ووقائع حياته يظهر بوضوح في ثنايا قصائده التي حرص على تثبيت تواريخ كتابتها – زيادة في تأكيد التطابق في ثنائية: الحياة/الشعر. إن التطابق، أو التماثل بتعبير أكثر دقة ومناسبة لاقتراحنا، لا يبرز فحسب في المواضيع والمضامين ودلالات الجُمل الشعرية ومعانيها، بل في الأشكال والأساليب والتراكيب والإيقاعات أيضاً، فتتأثر قصائد السياب ضعفاً وقوة، اندفاعاً وخذلاناً، تقليداً وتجديداً، أملاً وانكساراً، صحةً واعتلالاً، وفق تقويم أوجاعه الكثيرة ومباهجه النادرة.
هكذا نشأت دورة حياة غريبة لقصيدته، من التقليد وأشجان المراهقة والصبا، فالحرمان والخواء، ثم الحب والثورة، فالانكسار والخيبة، والركون للضعف والمرض، مصحوبة بعودة ثانية للغنائية والمباشرة.
تكتفي قصيدة السياب بذاتها للتعرف على مرجعياته وثقافته واهتماماته وانشغالاته الرؤيوية، والفنية بالضرورة. لذا أرى أن يوسف الخال في تقديمه لكتاب عيسى بلاطة “بدر شاكر السياب – حياته وشعره” 1971، كان موفقا في وصف التماثل بين حياة السياب وشعره بقوله: إنه اتحد بالشعر كما اتحد بتراثه، واتحد بذاته أيضاً. ولاحظَ أن الموت لم يسلبه روحه (فكان كمَن حياتُه موتٌ، وموتُه حياة). ثم ختم المقدمة بسؤال: بماذا يكافأ السياب وقد مات؟ مجيباً بأنها (ذكراه. فستبقى في تاريخ الشعر العربي ما بقيَ هذا الشعر).
في بدايات تعرفي على نصوص السياب لم أكن أطمئن كثيراً للتقسيمات التي اقترحها نقاده الأوائل الذين كتبوا قريبا من غيابه زمنيا. وهم تحت تأثير ذلك الغياب المبكر، وتراجيديا حياته القصيرة التي استغرق المرض جزءاً مهماً منها.
يقدم ناجي علوش ديوان السياب مثلاً، وهو أول مجموعة لأشعاره بعد غيابه، فيقسم المراحل التي مرَّ بها شعر السياب تسلسلاً: الرومانسية، والواقعية، والتموزية، والذاتية التي قرنها كمرحلة أخيرة بالعودة. وعنونَ الفصل الخاص بها في تقديمه بـ(العودة إلى الذات).
وكذلك ما قدمه عيسى بلاطة من مقترح تسلسلي أيضاً: الرومنطيقية، الواقعية الاشتراكية، التموزية، المرحلة المأساوية.
وفي كتاب مبكر عن حياة السياب وشعره “بدر شاكر السياب رائد الشعر الحر” لعبد الجبار داود البصري، 1966 لم يخرج عن تلك التقسيمات التي تبدأ بالرومانسية فالواقعية، ثم الرمزية، والمرض أخيراً.
وإحسان عباس في كتابه “بدر شاكر السياب- دراسة في حياته وشعره” 1969، لا يقطع بين الحياة والشعر، بل يبدأ من السيرة الشخصية والمهاد الحياتي للسياب بين نخيل جيكور، وأجواء القرية وعلاقات أهلها، وتجارب السياب المبكرة في الحب، وما يكتب في رصدها أو انعكاساتها على يومياته بمفرداتها وتفاصيلها.
لقد اعتبرتُ ما اقترحوه وقاموا بقراءة شعر السياب في ضوئه، مجرد تقسيم آلي ينصاع للموضوع أكثر من الأساليب التي برع السياب في تنويعها، والمغامرة في تجريبها.
لكنني في قراءات لاحقة، وبهدْي موضوع التماثل بين النص والحياة، وجدتني أعدّل اعتراضاتي على التقسيمات المرحلية، واستقصاء وعي السياب وشعريته عبرها، لأن استقراء وعي السياب ممكن في ضوء تلك التقسيمات المستمدة نصياً في الأغلب، وإخبارياً في حالات أخرى. وقد تجسد ذلك في عناوين الدراسات والكتب والأبحاث وموضوعاتها التي قرنت شعره وحياته كثيراً.
وقد تنبّه السياب مبكراً لما يمتد من حياته لشعره ضعفاً وانفعالاً ورد فعل. فلم ينشر كثيراَ مما كتب تحت تلك المؤثرات.
لكن شعره تعرض بعد وفاته لكثير من التعسف في النشر، ما يترك أثراً سلبياً في تلقّيه وقراءته: فديوان بدر مثلاً، بطبعة دار العودة 1971، يضم مجلده الأول فصلاً بعنوان (أزهار وأساطير) يجمع قصائد ديوانيه “أزهار ذابلة” و”أساطير”. ولم يتضمن حدوداً تُعين الدارسين والقراء في التعرف على كل ديوان. كما حُذفت مقدمة السياب القصيرة لديوانه “أساطير” التي بيّن فيها منهجه في الكتابة مركّزاً على تجديده للموسيقى الشعرية، وهجر القافية الموحدة، والأبيات المستقلة، والغموض الذي في قصائده. كما حذف الناشرون الهامشَ الذي وضعه في قصيدته الحرة الأولى (هل كان حباً)، حيث لفت نظر قارئه إلى أن القصيدة متعددة التفعيلات والقوافي، عامداً، وواعياً بقيمتها الفنية والتجريبية.
والمؤسف أن كثيراً من أشعاره صدرت في كتب بعد رحيله. وبعضها مستل من دفاتر وخطاطات مهملة، فينشر المؤلفون والمحققون منها ما يشاؤون، لا ما كان الشاعر يريد أن ينشر لقناعة خاصة به توجب احترامها. فيصدر ديوان بعنوان “أنشودة المطر” مثلاً، ليتم تسويقه اعتماداً على شهرة القصيدة. وكمثال على ما فعل ناشرو أشعاره، ليجعلوا منها ديواناً، نذكر “قيثارة الريح” بغداد 1971، فقد جمع قصائدَه غير المنشورة الأدباءُ سامي مهدي وخالد علي مصطفى وزكي الجابر، ومجموعة “أعاصير” 1972 التي جمع قصائدها عبدالجبار العاشور، مما ألقى السياب في المحافل والتظاهرات وسواها، ولم يشأ ضمَّها لدواوينه المنشورة.
لقد قدَّم النقد الأدبي إضاءاتِ كثيرة في دراسة شعر السياب خارج المعيار الزمني. وتعددت مقتربات القراءة بإغراءٍ مما تحمله قصائد السياب من ممكنات تأويلية وبحث دلالي وصوري. لكن الأكثر تداولية كانت الدراسات الموضوعاتية التي تذهب إلى الخلايا المعنوية المولِّدة لقصيدته، فتحضر حياة السياب بجانب ملفوظه الشعري. في عودة لتلازم ثنائية السيرة والقصيدة، أو الحياة والشعر.
كما نوهت الدراسات بثقافة قصيدته، والمرجعيات الفاعلة فيها. وهي مستقاة من جهات مختلفة، تتراوح بين لغة وإيقاع وصور ومجازات واضحة الصلة بالموروث الشعري، وتنصيصات واقتباسات وتأثرات واضحة بالشعر الغربي. ويتسلل ذلك إلى الأبنية والتراكيب. نذكر منها مثلاً إكثاره من الهوامش وشرح الجمل الشعرية والرموز والأساطير وإحالتها إلى مراجعها. وهو صنيع تلقفه خاصة من إليوت، وما حفلت به قصائده من مراجع متعددة، ومحاولته في الرموز والأساطير أيضاً، وما دشن من مفرداتها التي أشاعها في الشعر العربي الحديث. وقد استند إليها في فترة عافيته الشعرية المتمثلة بدواوينه “أنشودة المطر” و”المعبد الغريق” و”منزل الأقنان” و”شناشيل ابنة الجلبي”.
لقد تعرضت حياة السياب بدورها لكثير من التعارضات والتوافقات التي لا يربطها رابط سببي. فكانت كقصيدته كثيرة التحولات والمفاجآت والمصادفات.
لقد تمسك بالمسيح رمزاً للتضحية والاعتراض على ما في الحياة من تشوهات. وها قد فارق الحياة يوم 24/12، اليوم والشهر يشيران إلى قرب مناسبة ميلاد المسيح تلك الليلة، وصباح يوم 25 الذي يعد الآن التاريخ الرسمي للأعياد. وسيلحق بالسياب في غيابه شاعره المفضل إليوت بعد قرابة عشرة أيام.
أما قصيدته الأشهر (أنشودة المطر) فتمضي هذا العام سبعة عقود على كتابتها. ظهرت القصيدة في الصفحة الثامنة عشرة من العدد السادس لمجلة “الآداب” اللبنانية الصادر في حزيران/يونيو من عام 1954. وقد دوّن (بغداد) كمكان لكتابتها، مصدّراً بعبارة جانبية تحت عنوان القصيدة، هي (من أيام الضياع في الكويت على الخليج العربي) والتي حذفت لاحقاً عند نشرها في ديوان “أنشودة المطر”. كان ترتيب نشرها يوحي بأنها لم تكن في حساب التغيير الكبير الذي ستحدثه، رغم أنها انفردت، فقد تقدمتها قصائد قصيرة لفدوى طوقان ونازك الملائكة وخليل حاوي وصلاح عبدالصبور.
تلك العقود السبعة جديرة بالاحتفاء بالقصيدة جرياً على ما يقوم به المهتمون بالآداب والفنون العالمية احتفاء بالنصوص المهمة واللافتة. وجدارة الأنشودة متأتٍ مما ضمت من رمزية عالية وشعرية فريدة. فهي تراوح بين الحياتي والسياسي، والرمزي والواقعي، وتبدأ بمقدمة غزلية تحكي عن غموض تلك العينين اللتين قال السياب إنهما (غابتا نخيل ساعة السحر/ أو شرفتان راح ينآى عنهما القمر) في صورة تحيل إلى مراجع فنية وشعرية ورمزية تركت النقاد في تفاوت تأويلي واضح بصدد موقعها كمقدمة غزلية في نص ينشغل بعناء القرى الغرقى ومعاناة فقرائها، والأمل بعالم جديد أيضاً، عالم ٍلم يُكتب للسياب أن يراه ولا لقرائه العرب، منذ غيابه وربما لعقود لا تُحصى من بعد.
المصدر: القدس العربي