جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-22@08:56:11 GMT

الابتكار والشراكات في القطاع الصحي

تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT

الابتكار والشراكات في القطاع الصحي

 

بلقيس بنت سعود المخمري

 

تُعد الشَرَاكات بين القطاعين العام والخاص او ما يعرف بـ(PPP) عنصرًا أساسيًا لتحقيق تحسينات شاملة ومستدامة في جودة الخدمات الحكومية على المستوى العالمي؛ حيث تسهم هذه الشراكات في تخفيف الأعباء المالية والإدارية عن الحكومات من خلال تقديم بنية أساسية متقدمة وخبرات عالية الجودة.

هذا بدوره يؤدي إلى تحسين مستوى الخدمات المقدمة ويدفع نحو الابتكار في تقنيات جديدة تلبي الاحتياجات المتزايدة. ومع ذلك، تختلف نتائج هذه الشراكات بناءً على كفاءة إدارتها ومدى التنسيق بين الأطراف المعنية؛ إذ يعتمد نجاحها بشكل كبير على وجود نظام حوكمة فعال وإدارة دقيقة، فضلًا عن تشريعات وإصلاحات شاملة تضمن تحقيق الأهداف المشتركة بين الجانبين، مما يعزز من استدامة وفاعلية هذه الشراكات في تحقيق التنمية المستدامة.

وفي سلطنة عُمان، تُعد الشراكة بين القطاعين العام والخاص من الوسائل المبتكرة لتمويل المشاريع التنموية، وهي أحد الركائز الأساسية لتحقيق رؤية "عُمان 2040" التي تسعى إلى تعزيز التنمية المستدامة وتنويع مصادر الدخل. ومن المؤكد أن تنوُّع هذه المصادر يُسهم بشكل كبير في تعزيز ميزانية الدولة ورفع كفاءتها الاقتصادية، مما يجعل الشراكة بين القطاعين عاملًا حيويًا في تحقيق الاستدامة الاقتصادية وتعزيز الموارد المالية.

فقد أدركت السلطنة منذ أوائل السبعينيات أهمية تعزيز التعاون بين القطاعين، مما أسهم في تطوير العديد من المشاريع الحيوية، بدءًا من قطاع الإسكان ووصولًا إلى تطوير قطاعات هامة مثل الصحة، التعليم، النقل، وغيرها. وتأسيسا على ذلك، فإن هذه الشراكات لا تقتصر فقط على تحسين الخدمات العامة؛ بل تساهم بشكل مباشر في خلق بيئة اقتصادية ديناميكية من خلال جذب الاستثمارات الخاصة للمشروعات الكبرى، مما يؤدي إلى تعزيز البنية التحتية وخلق فرص العمل وتعزيز الابتكار وتعظيم القيمة المحلية المضافة من خلال الاستفادة من قدرات القطاع الخاص في تقديم حلول تمويلية وإدارية وفنية مبتكرة تسهم في دعم أهداف التنمية الشاملة.

وبناءً على ذلك، سعت الحكومة خلال الخمسين عام المنصرمة إلى تعزيز هذه الشراكات؛ حيث أثمرت هذه الجهود، صدور المرسوم السلطاني رقم 52/2019 الذي ينظم الشراكة بين القطاعين. هذا المرسوم وضع إطارًا قانونيًا يسهم في توجيه التعاون بين القطاعين بشكل فعال؛ حيث يتيح اختيار الشركاء بمرونة مع تحديد دقيق للمسؤوليات وتقاسم المخاطر. إضافة إلى ذلك، أعفى القانون مشاريع الشراكة من بعض الاشتراطات التقليدية، مما ساهم في إيجاد بيئة استثمارية جاذبة، تشجع القطاع الخاص على المشاركة بفعالية أكبر وتحفز الابتكار والتوسع في مشاريع التنمية.

ومنذ ذلك الحين، شهدت سلطنة عُمان تطورًا ملحوظًا في تبني نماذج متنوعة للشراكة بين القطاعين العام والخاص، ما ساهم في توزيع الأدوار والمخاطر بين الجانبين بشكل يضمن استدامة ونجاح المشاريع على المدى الطويل. حيث يعتبر تعزيز استدامة هذه الشراكات أمرًا بالغ الأهمية، خاصة في القطاع الصحي الذي يتسم بتعقيداته نتيجة لتعامله المباشر مع صحة الأفراد وحياتهم.

وفي هذا الإطار، يؤدي إشراك القطاع الخاص دورًا محوريًا في تحقيق التغطية الصحية الشاملة، حيث تساهم الشراكات الاستراتيجية بين القطاعين في توحيد الموارد العامة مع خبرات القطاع الخاص، مما يسهم في تحقيق نتائج مستدامة تخدم المجتمع وتدعم استمرارية تحسين الخدمات الصحية.

ومن أبرز الأمثلة الحديثة على ذلك هو مشروع "بيوت التعافي" الذي سجلته وزارة الصحة ووحدة الشراكة بوزارة المالية، بحصولهم على جائزة الشراكة بين القطاعين العام والخاص لعام 2024 عن فئة "أكثر المشاريع ابتكارًا في الشراكة"، وذلك من خلال منتدى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للشراكة بين القطاعين العام والخاص الرابع الذي أُقيم في إمارة دبي، الإمارات العربية المتحدة.

ويُعد هذا المشروع الاستثماري نموذجًا رائدًا في تقديم خدمات إعادة التأهيل للمرضى المدمنين وفقًا لمعايير دولية، ويجسد نهجًا متطورًا في التعاون بين القطاعين العام والخاص لتلبية الاحتياجات الصحية للمجتمع، مما يعزز دور القطاع الصحي الخاص كشريك أساسي في تقديم الرعاية. كما يُعد مثالًا يُحتذى به في الابتكار والشراكة لتحقيق الأهداف التنموية. والجدير بالذكر أيضا، أن الفرص الاستثمارية الواعدة التي تتبناها وزارة الصحة بالتعاون مع وحدة الشراكة في وزارة المالية تسهم في توفير فرص جديدة لتطوير البنية التحتية الصحية.

ونتيجة لذلك، تدرس الوزارة إمكانية الشراكة لبعض المشاريع غير الإكلينيكية لدعم استدامة النظام الصحي، وذلك ضمن إطار التعاون بين القطاعين العام والخاص.

وعلى الرغم من الإنجازات التي حققتها سلطنة عُمان في تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ما تزال هناك تحديات مستمرة تتعلق بضمان استدامة خدمات الرعاية الصحية، والتي يمكن أن تشكل فرصًا مهمة للنمو والتطوير.

ولمواجهة هذه التحديات والاستفادة من الفرص المتاحة، ينبغي العمل على تطوير نهج استراتيجي يعزز استدامة الشراكات، لا سيما في القطاعات الحيوية مثل قطاع الصحة، وذلك من خلال التركيز على عدة عوامل جوهرية، من أبرزها إنشاء نظام حوكمة قوي يضمن تقديم رعاية صحية عالية الجودة والالتزام بتنظيمات صارمة تحفظ حقوق المرضى. هذا النظام يشكل ركيزة أساسية لتوجيه المشاريع نحو النجاح وضمان استدامتها.

وعلاوة على ذلك، يُعد توفير التسهيلات أمرًا ضروريًا لتعزيز هذه الشراكات؛ حيث يُعد الوصول إلى البيانات في الوقت الفعلي عنصرًا أساسيًا لاتخاذ القرارات الصحيحة وتحديد الأولويات الصحية بدقة، مما يسهم في زيادة فعالية الشراكات. ويتطلب تشجيع القطاع الخاص توفير حوافز استثمارية وبيئة استثمارية جاذبة تسهم في استقطاب الاستثمارات اللازمة للمشاريع الصحية المشتركة، مما يعزز التنمية المستدامة في سلطنة عُمان ويعزز دور القطاع الخاص في تحقيق الأهداف الوطنية المنشودة.

والابتكار الرقمي عنصر أساسي في تحسين كفاءة الخدمات الصحية وتقليل التكاليف؛ حيث تسهم التكنولوجيا الحديثة في تقديم حلول متطورة وتوفير نماذج تمويلية مرنة تدعم التكامل بين القطاعين العام والخاص، مما يعزز استمرارية الشراكات.

ومن جهة أخرى، يعد اختيار المستثمرين المناسبين، الذين يتمتعون بالخبرة والكفاءة، عاملًا حيويًا في ضمان تقديم خدمات صحية عالية الجودة وتحقيق الأهداف المرجوة. كما إن التعاون بين الأطراف المعنية، من خلال تعزيز الشفافية والتواصل الفعّال، يسهم في بناء علاقات متينة قائمة على الثقة المتبادلة، وهو ما يتطلب عقودًا واضحة ومحددة تضمن تنفيذ المشاريع دون تأخير أو تعارض.

إجمالًا.. لا يمكن تحقيق هذه العوامل إلا من خلال إدارة فعالة للتغيير واعتماد نهج شامل يسمح بالمرونة المستقبلية لمواجهة التحديات المذكورة، مما يضمن تكيّف الأطراف المعنية مع الأنظمة الجديدة وتلبية احتياجات المستفيدين بكفاءة وفعالية.

وفي الختام، وبالرغم من أن آفاق الشراكة بين القطاعين العام والخاص في سلطنة عُمان تبدو واعدة لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، إلا أن الاعتماد الكامل على هذه الشراكات لا ينبغي أن يكون الخيار الوحيد للمشاريع الحكومية؛ إذ يبقى تنويع مصادر التمويل أمرًا حيويًا لضمان تحقيق الأهداف بفاعلية وشمولية، مما يعزز هذا التنوع من قدرة الاقتصاد العُماني على المنافسة، كما يسهم في تحقيق التنوع الاقتصادي والاستدامة المالية بما يتماشى مع رؤية "عُمان 2040". كما إن توحيد الجهود بين القطاعين العام والخاص لتحقيق أهداف صحية مشتركة يتطلب وجود رؤية موحدة وأهداف واضحة. ففي حين يتولى القطاع الحكومي وضع السياسات والاستراتيجيات، يساهم القطاع الخاص في تقديم الخبرات والتكنولوجيا اللازمة لتحقيق هذه الأهداف، مع الالتزام بالمعايير العالمية لضمان تقديم خدمات صحية متفوقة. ولتحقيق ذلك، يتطلب النهوض بالقطاع الصحي التزامًا كاملًا من جميع الأطراف؛ حيث يكمن النجاح في إيجاد إطار تنظيمي يشجع القطاع الخاص على المشاركة بفعالية في تحقيق أهداف النظام الصحي الوطني، بعيدًا عن المصالح المالية البحتة، مما يضمن استدامة الرعاية الصحية وتطورها؛ بما يتوافق مع التطلعات المستقبلية للتحسين المستمر.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الصحة تعزز التعاون مع “روش” السويسرية لتوفير حلول صحية متكاملة للمرضى العراقيين

فبراير 19, 2025آخر تحديث: فبراير 19, 2025

المستقلة/-أعلنت وزارة الصحة العراقية وشركة “روش” السويسرية، تعزيز شراكتهما من خلال مبادرات فعالة يستمر الطرفان في تنفيذها، مؤكدة أنها خطوة تعكس التزامهما المشترك بتطوير القطاع الصحي العراقي وتجسيد للعلاقات الاستراتيجية بين القطاعين العام والخاص.

وقالت الوزارة في بيان، إن “هذا التعاون امتداداً لمذكرة التفاهم التي تم توقيعها بين الجانبين قبل عامين، والتي تم تجديدها العام الماضي لتشمل عدّة محاور رئيسية منها: التحول الرقمي في القطاع الصحي، وتعزيز نهج اتخاذ القرار القائم على القيمة، وتحسين البحوث السريرية في العراق مع العديد من المحاور الطبيّة الأخرى”، موضحة أن “(روش) تسعى إلى تقديم خبراتها العالمية لدعم جهود الوزارة في العراق في تطوير حلول مبتكرة تسهم في تحسين مستوى الخدمات الصحية وتعزيز الوصول إلى العلاجات المتقدمة”.

وفي هذا الإطار، أكد وزير الصحة صالح الحسناوي أهمية هذا التعاون بقوله، “نحن ملتزمون بتطوير منظومة الرعاية الصحية في العراق وفق أحدث المعايير العالمية، والشراكة مع (روش) وتعزز قدراتنا على تحقيق هذا الهدف من خلال تبني الابتكار الرقمي وتحسين الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين”.

من جهته، قام السفير السويسري في العراق، دانييل هون، بزيارة رسمية إلى وزارة الصحة العراقية، برفقة وفد من شركة “روش” على رأسهم ألفت برّو.

وأوضحت برّو، حسب البيان، أن “هذه الزيارة تؤكد أهمية التعاون بين الجانبين لدعم مبادرات تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، كما جاءت احتفاءً بالإنجازات المشتركة التي تحققت حتى الآن مع بحث آفاق التعاون المستقبلي لتوفير حلول صحية متكاملة للمرضى العراقيين”.

وقالت، “علينا مواصلة العمل على تعزيز بيئة الاستثمار في القطاع الصحّي العراقي مع احترام الملكية الفكرية مما سيسهم في استمرارية الشراكة بين القطاع العام والخاص”.

بدوره، أكد السفير السويسري دانييل هون، أن “الجهود  المبذولة في سبيل النهوض بالقطاع الصحي العراقي وخدمة المواطنين العراقيين، حتماً ستؤدي إلى أن يكون هذا القطاع قريباً مثالاً يحتذى في التطور وجودة الخدمة، وستنعكس على جودة الرعاية الطبية  في العراق عموماً”.

وتعد شركة “روش” من الشركات الرائدة عالمياً في قطاع الأدوية والتشخيص، حيث تعمل في أكثر من 100 دولة، وتواصل التزامها بتطوير العلاجات المبتكرة والارتقاء بمستوى الرعاية الصحية، من خلال شراكات استراتيجية تسهم في تحسين حياة المرضى وتعزيز الأنظمة الصحية حول العالم.

مقالات مشابهة

  • اختتام المرحلة الثالثة من برنامج تمكين القطاع الصحي بالدمام بالتعاون بين “سدايا” وجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل بالدمام
  • لقاء يبحث تفعيل مؤسسات النفع العام
  • الأمين العام المساعد لدى الجامعة العربية: الإمارات مثال في بناء المجتمع الصحي وتمكين الأسرة
  • يوم التأسيس السعودي 2025.. موعد إجازة القطاعين الحكومي والخاص
  • انتقد الخصخصة وهاجم 3 أشخاص.. والد الشرع يثير تفاعلا بسوريا
  • لموظفي القطاعين العام والخاص: رفع الحد الأدنى للأجور إلى الواجهة مُجدداً هل يصبح 500 دولار؟
  • الصحة تعزز التعاون مع “روش” السويسرية لتوفير حلول صحية متكاملة للمرضى العراقيين
  • رئيس الوزراء يوجه بإصلاح التمويل الصحي وتحفيز الأطباء بشراكة مع القطاع الخاص
  • الحكومة اليمنية تقر إعادة هيكلة التمويل الصحي لمواجهة نقص الدعم الدولي
  • الصحة تعزز التعاون مع "روش" السويسرية لتوفير حلول صحية متكاملة للمرضى العراقيين