جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-15@11:26:36 GMT

الابتكار والشراكات في القطاع الصحي

تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT

الابتكار والشراكات في القطاع الصحي

 

بلقيس بنت سعود المخمري

 

تُعد الشَرَاكات بين القطاعين العام والخاص او ما يعرف بـ(PPP) عنصرًا أساسيًا لتحقيق تحسينات شاملة ومستدامة في جودة الخدمات الحكومية على المستوى العالمي؛ حيث تسهم هذه الشراكات في تخفيف الأعباء المالية والإدارية عن الحكومات من خلال تقديم بنية أساسية متقدمة وخبرات عالية الجودة.

هذا بدوره يؤدي إلى تحسين مستوى الخدمات المقدمة ويدفع نحو الابتكار في تقنيات جديدة تلبي الاحتياجات المتزايدة. ومع ذلك، تختلف نتائج هذه الشراكات بناءً على كفاءة إدارتها ومدى التنسيق بين الأطراف المعنية؛ إذ يعتمد نجاحها بشكل كبير على وجود نظام حوكمة فعال وإدارة دقيقة، فضلًا عن تشريعات وإصلاحات شاملة تضمن تحقيق الأهداف المشتركة بين الجانبين، مما يعزز من استدامة وفاعلية هذه الشراكات في تحقيق التنمية المستدامة.

وفي سلطنة عُمان، تُعد الشراكة بين القطاعين العام والخاص من الوسائل المبتكرة لتمويل المشاريع التنموية، وهي أحد الركائز الأساسية لتحقيق رؤية "عُمان 2040" التي تسعى إلى تعزيز التنمية المستدامة وتنويع مصادر الدخل. ومن المؤكد أن تنوُّع هذه المصادر يُسهم بشكل كبير في تعزيز ميزانية الدولة ورفع كفاءتها الاقتصادية، مما يجعل الشراكة بين القطاعين عاملًا حيويًا في تحقيق الاستدامة الاقتصادية وتعزيز الموارد المالية.

فقد أدركت السلطنة منذ أوائل السبعينيات أهمية تعزيز التعاون بين القطاعين، مما أسهم في تطوير العديد من المشاريع الحيوية، بدءًا من قطاع الإسكان ووصولًا إلى تطوير قطاعات هامة مثل الصحة، التعليم، النقل، وغيرها. وتأسيسا على ذلك، فإن هذه الشراكات لا تقتصر فقط على تحسين الخدمات العامة؛ بل تساهم بشكل مباشر في خلق بيئة اقتصادية ديناميكية من خلال جذب الاستثمارات الخاصة للمشروعات الكبرى، مما يؤدي إلى تعزيز البنية التحتية وخلق فرص العمل وتعزيز الابتكار وتعظيم القيمة المحلية المضافة من خلال الاستفادة من قدرات القطاع الخاص في تقديم حلول تمويلية وإدارية وفنية مبتكرة تسهم في دعم أهداف التنمية الشاملة.

وبناءً على ذلك، سعت الحكومة خلال الخمسين عام المنصرمة إلى تعزيز هذه الشراكات؛ حيث أثمرت هذه الجهود، صدور المرسوم السلطاني رقم 52/2019 الذي ينظم الشراكة بين القطاعين. هذا المرسوم وضع إطارًا قانونيًا يسهم في توجيه التعاون بين القطاعين بشكل فعال؛ حيث يتيح اختيار الشركاء بمرونة مع تحديد دقيق للمسؤوليات وتقاسم المخاطر. إضافة إلى ذلك، أعفى القانون مشاريع الشراكة من بعض الاشتراطات التقليدية، مما ساهم في إيجاد بيئة استثمارية جاذبة، تشجع القطاع الخاص على المشاركة بفعالية أكبر وتحفز الابتكار والتوسع في مشاريع التنمية.

ومنذ ذلك الحين، شهدت سلطنة عُمان تطورًا ملحوظًا في تبني نماذج متنوعة للشراكة بين القطاعين العام والخاص، ما ساهم في توزيع الأدوار والمخاطر بين الجانبين بشكل يضمن استدامة ونجاح المشاريع على المدى الطويل. حيث يعتبر تعزيز استدامة هذه الشراكات أمرًا بالغ الأهمية، خاصة في القطاع الصحي الذي يتسم بتعقيداته نتيجة لتعامله المباشر مع صحة الأفراد وحياتهم.

وفي هذا الإطار، يؤدي إشراك القطاع الخاص دورًا محوريًا في تحقيق التغطية الصحية الشاملة، حيث تساهم الشراكات الاستراتيجية بين القطاعين في توحيد الموارد العامة مع خبرات القطاع الخاص، مما يسهم في تحقيق نتائج مستدامة تخدم المجتمع وتدعم استمرارية تحسين الخدمات الصحية.

ومن أبرز الأمثلة الحديثة على ذلك هو مشروع "بيوت التعافي" الذي سجلته وزارة الصحة ووحدة الشراكة بوزارة المالية، بحصولهم على جائزة الشراكة بين القطاعين العام والخاص لعام 2024 عن فئة "أكثر المشاريع ابتكارًا في الشراكة"، وذلك من خلال منتدى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للشراكة بين القطاعين العام والخاص الرابع الذي أُقيم في إمارة دبي، الإمارات العربية المتحدة.

ويُعد هذا المشروع الاستثماري نموذجًا رائدًا في تقديم خدمات إعادة التأهيل للمرضى المدمنين وفقًا لمعايير دولية، ويجسد نهجًا متطورًا في التعاون بين القطاعين العام والخاص لتلبية الاحتياجات الصحية للمجتمع، مما يعزز دور القطاع الصحي الخاص كشريك أساسي في تقديم الرعاية. كما يُعد مثالًا يُحتذى به في الابتكار والشراكة لتحقيق الأهداف التنموية. والجدير بالذكر أيضا، أن الفرص الاستثمارية الواعدة التي تتبناها وزارة الصحة بالتعاون مع وحدة الشراكة في وزارة المالية تسهم في توفير فرص جديدة لتطوير البنية التحتية الصحية.

ونتيجة لذلك، تدرس الوزارة إمكانية الشراكة لبعض المشاريع غير الإكلينيكية لدعم استدامة النظام الصحي، وذلك ضمن إطار التعاون بين القطاعين العام والخاص.

وعلى الرغم من الإنجازات التي حققتها سلطنة عُمان في تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ما تزال هناك تحديات مستمرة تتعلق بضمان استدامة خدمات الرعاية الصحية، والتي يمكن أن تشكل فرصًا مهمة للنمو والتطوير.

ولمواجهة هذه التحديات والاستفادة من الفرص المتاحة، ينبغي العمل على تطوير نهج استراتيجي يعزز استدامة الشراكات، لا سيما في القطاعات الحيوية مثل قطاع الصحة، وذلك من خلال التركيز على عدة عوامل جوهرية، من أبرزها إنشاء نظام حوكمة قوي يضمن تقديم رعاية صحية عالية الجودة والالتزام بتنظيمات صارمة تحفظ حقوق المرضى. هذا النظام يشكل ركيزة أساسية لتوجيه المشاريع نحو النجاح وضمان استدامتها.

وعلاوة على ذلك، يُعد توفير التسهيلات أمرًا ضروريًا لتعزيز هذه الشراكات؛ حيث يُعد الوصول إلى البيانات في الوقت الفعلي عنصرًا أساسيًا لاتخاذ القرارات الصحيحة وتحديد الأولويات الصحية بدقة، مما يسهم في زيادة فعالية الشراكات. ويتطلب تشجيع القطاع الخاص توفير حوافز استثمارية وبيئة استثمارية جاذبة تسهم في استقطاب الاستثمارات اللازمة للمشاريع الصحية المشتركة، مما يعزز التنمية المستدامة في سلطنة عُمان ويعزز دور القطاع الخاص في تحقيق الأهداف الوطنية المنشودة.

والابتكار الرقمي عنصر أساسي في تحسين كفاءة الخدمات الصحية وتقليل التكاليف؛ حيث تسهم التكنولوجيا الحديثة في تقديم حلول متطورة وتوفير نماذج تمويلية مرنة تدعم التكامل بين القطاعين العام والخاص، مما يعزز استمرارية الشراكات.

ومن جهة أخرى، يعد اختيار المستثمرين المناسبين، الذين يتمتعون بالخبرة والكفاءة، عاملًا حيويًا في ضمان تقديم خدمات صحية عالية الجودة وتحقيق الأهداف المرجوة. كما إن التعاون بين الأطراف المعنية، من خلال تعزيز الشفافية والتواصل الفعّال، يسهم في بناء علاقات متينة قائمة على الثقة المتبادلة، وهو ما يتطلب عقودًا واضحة ومحددة تضمن تنفيذ المشاريع دون تأخير أو تعارض.

إجمالًا.. لا يمكن تحقيق هذه العوامل إلا من خلال إدارة فعالة للتغيير واعتماد نهج شامل يسمح بالمرونة المستقبلية لمواجهة التحديات المذكورة، مما يضمن تكيّف الأطراف المعنية مع الأنظمة الجديدة وتلبية احتياجات المستفيدين بكفاءة وفعالية.

وفي الختام، وبالرغم من أن آفاق الشراكة بين القطاعين العام والخاص في سلطنة عُمان تبدو واعدة لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، إلا أن الاعتماد الكامل على هذه الشراكات لا ينبغي أن يكون الخيار الوحيد للمشاريع الحكومية؛ إذ يبقى تنويع مصادر التمويل أمرًا حيويًا لضمان تحقيق الأهداف بفاعلية وشمولية، مما يعزز هذا التنوع من قدرة الاقتصاد العُماني على المنافسة، كما يسهم في تحقيق التنوع الاقتصادي والاستدامة المالية بما يتماشى مع رؤية "عُمان 2040". كما إن توحيد الجهود بين القطاعين العام والخاص لتحقيق أهداف صحية مشتركة يتطلب وجود رؤية موحدة وأهداف واضحة. ففي حين يتولى القطاع الحكومي وضع السياسات والاستراتيجيات، يساهم القطاع الخاص في تقديم الخبرات والتكنولوجيا اللازمة لتحقيق هذه الأهداف، مع الالتزام بالمعايير العالمية لضمان تقديم خدمات صحية متفوقة. ولتحقيق ذلك، يتطلب النهوض بالقطاع الصحي التزامًا كاملًا من جميع الأطراف؛ حيث يكمن النجاح في إيجاد إطار تنظيمي يشجع القطاع الخاص على المشاركة بفعالية في تحقيق أهداف النظام الصحي الوطني، بعيدًا عن المصالح المالية البحتة، مما يضمن استدامة الرعاية الصحية وتطورها؛ بما يتوافق مع التطلعات المستقبلية للتحسين المستمر.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الحكومي والخاص.. ماذا تحظر القوانين على الموظف؟

حظر مشروع قانون العمل الجديد على الموظفين بالقطاع الخاص 6 أعمال، في المقابل حظر قانون الخدمة المدنية على الموظفين بالقطاع الحكومي 6 أعمال أيضًا.

البداية مع مشروع قانون العمل الجديد الذي يناقش حاليا في مجلس النواب وانتهى من 261 مادة منه.

محظورات على موظفي القطاع الخاص

ونصت المادة (135) على أنه يحظر على العامل أن يقوم بنفسه، أو بواسطة غيره بالأعمال الآتية:


1- الاحتفاظ لنفسه بأي ورقة أو مستند خاص بالعمل أو أي بيانات إلكترونية أو اي من وسائل التأمين الإلكترونية الخاصة بالعمل سواء بنفسه، أو تمكين الغير من الحصول على أي منها أو على أية معلومات تخص العمل.

2- العمل لدى الغير سواء بأجر، أو دون أجر إذا كان في قيامه بهذا العمل ما يخل بحسن أدائه لعمله أو يمكن الغير، أو يساعده على التعرف على أسرار المنشأة، أو منافسة صاحب العمل.

3- ممارسة نشاط مماثل للنشاط الذي يمارسه صاحب العمل أثناء قيام علاقة العمل، أو الاشتراك في نشاط من هذا القبيل، سواء بصفته شريكاً، أو عاملاً.

4- الاقتراض من عملاء صاحب العمل، أو ممن يمارسون نشاطاً مماثلاً للنشاط الذي يمارسه صاحب العمل ولا يسري هذا الحظر على الاقتراض من البنوك أو غيرها من الجهات المرخص لها بذلك.

5- طلب أو قبول هدايا، أو مكافات، أو عمولات، أو مبالغ، أو أشياء أخرى بأية صفة كانت بمناسبة قيامه بواجباته بغير موافقة صاحب العمل.

قانون العمل الجديد في مصر.. حقوق أقوى ومكافأة نهاية خدمة مُحسّنةمشروع قانون العمل يلزم بإصدار شهادة خبرة للعامل

6- جمع تبرعات نقدية أو عينية، أو توزيع منشورات، أو جمع توقيعات، أو تنظيم اجتماعات داخل مكان العمل دون موافقة صاحب العمل كتابة، مع مراعاة ما تقضي به أحكام قانون المنظمات النقابية العمالية وحماية حق التنظيم النقابي.

محظورات على موظفي الحكومة

في المقابل، حدد قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، عدة محظورات يجب على الموظف الحكومى عدم القيام بها، وتشمل: 

1-مباشرة الأعمال التي تتنافى مع الحياد والتجرد والالتزام الوظيفي أثناء ساعات العمل الرسمية.

2- التصريح بأي بيان عن أعمال وظيفته إلا بتصريح كتابي من الرئيس المختص . 

3- عدم الرد وموافاة الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة والجهاز المركزي للمحاسبات بما يطلبوه من بيانات ومستندات.

4- ممارسة أي عمل حزبي أو سياسي أو جمع تبرعات أو مساهمات لصالح أحزاب أو جماعات داخل مكان العمل أو بمناسبة تأديته. 

5- إساءة معاملة الجمهور متلقي الخدمة أو استغلال النفوذ الوظيفي أو تلقي عمولة أو هدايا بمناسبة القيام بواجبات الوظيفة.

6- الجمع بين وظيفتين وأي عمل آخر من شأنه الإضرار بواجبات وظيفته.
 

مقالات مشابهة

  • حمدان بن محمد: تعاون القطاعين الحكومي والخاص لدعم المشاريع الخيرية يجسّد رسالة دبي الإنسانية
  • نجوم العراق.. زاخو يعتلي القمة وميمي يفض الشراكة مع غوستافو بصدارة الهدافين
  • عن حقوق العاملين في القطاعين العام والخاص.. مذكرة من الإتحاد العمالي إلى عون!
  • الحكومي والخاص.. ماذا تحظر القوانين على الموظف؟
  • الاسمر: لدمج الرواتب التي تعطى كمساعدات في القطاع العام ضمن أساس الراتب
  • الحارث يكشف حجم خسائر القطاع الصحي جراء حرب
  • القائم بأعمال وزارة الصحة يؤكد أهمية اختصاصي الصحة العامة والنظم الصحية لتطوير القطاع الصحي
  • قمة أوروبية جنوب أفريقية تبحث الشراكة رغم الخلافات الجيوسياسية
  • وزير الطاقة السوداني: خطتنا تمكين القطاع الخاص وتحرير الوقود لتوفير النفط
  • «طرق دبي» تنظم ملتقى الشراكات بحضور 58 ممثلاً من جهات حكومية وخاصة