لجريدة عمان:
2024-11-23@19:29:09 GMT

بين المتنبي وكارل روجرز !

تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT

يهرب الإنسان من مآسي الحياة مع قلة حيلته إلى مهارب وملاجئ شتَّى، ويتخيّر ملجأه كما يتخيّر صديقًا، فما الغرض من الملجأ إن لم يمنحنا الطمأنينة، أو المتعة حتى !. أستلذ بسماع الشعر ويطربني، لا لمصاحبة النغم، بل لما فيه من معانٍ تفوق قدرة الفنان بريشته، والساحر بسحره أن يمثّلاها كما يفعل الشاعر؛ ومن ذلك بيت المتنبي: « كَفى بِجِسمي نُحولًا أَنَّني رَجُلٌ * لَولا مُخاطَبَتي إِيّاكَ لَم تَرَني»، فكيف سيرسم الفنان رجلًا نحيلًا، وفي الوقت ذاته لا يمكن رؤيته بحال؟ وكذلك بالنسبة إلى الساحر الذي أسقط فـي يده وهو يحاول تجسيد البيت.

وإذا كانت الحياة منحت قبلتها لآينشتاين الذي جاء بعدما تضافرت جهود العلماء قبله، وبنى على أبحاثهم، فقد كان حبة الكرز فوق الكعكة بتعبير الغرب، أو تبزيرة العيد للحم الشواء عندنا، فقد كان المتنبي العبقريَ الذي لبس بُردة الشعر، وأحاط به إحاطة السوار بالمعصم، فقلَّما تبحث عن معنى ما -خيرًا كان أم شرًا- ولا تجد نظيرًا له فـي شعر المتنبي.

في صباح تعيس وأنا أشعر بقلة الحيلة بعد قراءة الأخبار الموجعة للإبادة التي يتعرض لها أهلنا الغزاويون، والعدوان الصهيوني على لبنان؛ قلتُ دعني أستمع إلى شيء من الشعر؛ كي أستطيع إنجاز مهامي اليومية وأستطيع التركيز ولو قليلا على ما فـي يدي من أمور عالقة. تذكرتُ صديقًا عزيزًا لم أستمع إليه منذ مدة طويلة، صديًقا طالما رافقني فـي السيارة والبيت والمدرسة والطفولة. بحثت فـي محرك البحث عن المتنبي، واخترت أول قصيدة ظهرت لي بصوت فالح القضاع؛ فحلّت النشوة والدهشة محلَّ الانكسار واليأس. بدأت يومي منتشيًا بقول المتنبي الذي أجابني عن سؤال النفس، «لماذا يموت كل هؤلاء البشر ويقاومون بضراوة ولم ييأسوا!» فجاء الجواب: «إذا اعتادَ الفتى خوضَ المنايا* فأهونُ ما يمرُّ به الوحولُ».

أحاول التعمق فـي علم النفس واستكشاف معالمه بطريقة جادة وحقيقية هذه المرة، فلا أريد أن أقرأ العقد الفريد فـي الوقت ذاته الذي أقرأ فيه ديوان سيلفيا بلاث، أو أن أقرأ نقد العقل المحض فـي وقت قراءتي لعينية ابن سينا بغض النظر عن صحة نسبتها إليه-، ولكن الحياة لا تتيح لك الخيارات المتعددة دائمًا، بل تلقي إليك بما تخبئ ولك الخيار فـي الأخذ أو الإعراض. متصفحًا نشأة علم النفس وتطوره، وقعت عيني على فصل عن عالم النفس الأمريكي كارل روجرز الذي طور ما نستطيع أن نطلق عليه «علم النفس الإيجابي»، وهو ببساطة -بلغة غير علمية- يركز على تحقيق المرء لذاته وتطويرها من مبدأ أن النفس البشرية تتوق إلى الكمال. •أقرأ أكثر عن مدرسة روجرز وماسلو، فأسمع صهيل خيل المتنبي آتية من أقاصي التاريخ لتخبرني عن فارسها الذي بثَّ فـي شعره نماذج مما يمكن اعتباره «العلاج المتمركز حول الشخص أو العميل» أو (Person-Centered Therapy) كما سماها روجرز.

أثّرت مدرسة روجرز فـي معاصريه، ومنهم المؤلف ورائد الأعمال الأمريكي دبليو. كليمنت ستون الذي تنسب إليه مقولة شهيرة تستعمل إلى اليوم «صوّب -رميتك- إلى القمر، فإن لم تصب القمر فستصيب النجوم»، فإذا بي أجد بيت المتنبي «إذا غامَرتَ فـي شرفٍ مرومِ * فلا تقنَعْ بما دونَ النجومِ». وعبارة المتنبي أبلغ كلاما ومعنى، فالنجوم أعلى مرتبة وأبعد شأوا. كما أن هذا البيت يتطابق مع مفهوم «تحقيق الذات» فـي نظرية روجرز، وهو سعيه لأن يحقق أقصى ما يريد مستعملًا إمكانياته الكاملة تمامًا. ومن المعلوم أن أحمد بن الحسين بحر زاخر، وإذا ما أردنا أن نتخيّر من ديوانه أبياتًا تتسق مع نظرية روجرز فلن يسعفنا المقام، ولكننا نتخير منها ما يتطابق تطابقًا عجيبا مع نظرية روجرز، كالبيت الذي يقول فيه

«على قدرِ أهلِ العزم تأتي العزائمُ * وتأتي على قدرِ الكرامِ المكارمُ»، فهو يتفق مع أحد المفاهيم الأساسية فـي نظرية روجرز، وهو الفرق بين الذات الحقيقية والذات المثالية. لذلك نجده يعبّر فـي هذا البيت عن الفجوة بين ما هو عليه حقًا وما يريد أن يكونه.

وفي العموم، نجد أن المتنبي فـي ديوانه -برواياته المختلفة- يحيط بنظرية روجرز تمام الإحاطة، وهي النظرية المرتكزة على ستة أسس فـي مجالها الأوسع؛ تحقيق الذات، الذات الحقيقية والذات المثالية، التقدير الإيجابي غير المشروط، التطابق أو الأصالة، التعاطف، البيئة المواتية للنمو، أؤمن أن علم النفس يتيح لنا قراءة شخصيات الماضي قراءة جيدة، كما أنه يرينا نسخة غير النسخة المتعارف عليها، فقراءة المتنبي على سبيل المثال من خلال نتاجه الأدبي، يقرّبنا من نفسية المتنبي ورؤيته للأمور، وهو ما يجعلنا نفهمه فهمًا أعمق ونسبر أغوار روحه جنبًا إلى جنب مع معرفة مرامي أبياته وقصائده، متجاوزين اللغة التي تحتمل الأوجه، إلى الصورة الأشمل للشاعر الإنسان.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: علم النفس

إقرأ أيضاً:

محامي "عمرو دياب" في واقعة صفع شاب: "دفاع شرعي عن النفس"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

استمعت محكمة الجنح المنعقدة في التجمع الخامس، لمرافعة  دفاع الفنان عمرو دياب، على خلفية اتهامه بصفع شاب أثناء إحياء حفل زفاف في فندق بالقاهرة الجديدة.

وتقدم محامي الفنان عمرو دياب، بمذكرة دفوع إلي هيئة المحكمة ألتمس فيها براءة موكله، وجاء نص مذكرة كالأتي:

أولاً : توافر حالة الدفاع الشرعي عن النفس وعدم تجاوز حدوده.

ثانيا: عدم توافر أركان جريمة الإصابة العمدية للمدعو "سعد أسامه سعد عبد العاطي" طبقًا للقيد والوصف الوارد بقرار الاتهام.

ثالثا: تناقض أقوال المتهم "سعد أسامه سعد" بمحضر جمع الاستدلالات وأقواله أمام النيابة العامة بعكس ما جاء بمقطع الفيديو.

رابعا :- التراخي في الإبلاغ لما كان الثابت من الأوراق بأن الفنان "عمرو عبد الباسط عبد العزيز" أن وكيله تقدم ببلاغ ضد المدعو "سعد أسامه سعد عبد العاطي" لقيامه عقب التقاط الصور معه بالأمساك به من جانبه والضغط عليه بشدة وإمساكه من جانبه بشدة وبقوة لمضايقته واستفزازه وذلك ثابت من الفيديو الذي تم إرفاقه بمحضر جمع الاستدلالات.

واستعرض الدفاع أمام عدالة المحكمة فيديو التعدي.


يذكر أن النيابة أحالت عمرو دياب لمحكمة الجنح بتهمة صفع شاب خلال حفلة داخل أحد الفنادق، كما أحالت النيابة الشاب بتهمة التعدي على الفنان عمرو دياب.

وفي وقت سابق، استمعت جهات التحقيق إلى أقوال الشاب صاحب واقعة الصفع على يد الفنان عمرو دياب خلال إحدى الحفلات.

مقالات مشابهة

  • محامي "عمرو دياب" في واقعة صفع شاب: "دفاع شرعي عن النفس"
  • علاج انقطاع النفس أثناء النوم.. حلول مبتكرة
  • طريقة بسيطة للتعامل مع التوتر والإجهاد
  • بيان منزلة النفس الإنسانية في الإسلام.. الإفتاء تجيب
  • مرشح لرئاسة FBI: مايك روجرز ودوره في التحقيقات المحيطة بهجوم بنغازي
  • روشتة نبوية لعلاج الغضب في 3 خطوات
  • «أوبن إي آي» تطلق ميزة الصوت المتقدم في «شات جي بي تي»
  • 4 أمور تعكر على الإنسان صفو توجهه إلى الله.. علي جمعة يكشف عنهم
  • "خيول القراءة" تعزز اللغة العربية تحت راية المتنبي
  • زوج يطالب زوجته برد مقدم الصداق بعد ملاحقتها له بدعوى خلع.. أقرأ التفاصيل