أصبحت البقايا المشتعلة لدبابات الميركافا الإسرائيلية المحصنة جدا، والتي تعتبر من بين الأفضل في العالم، رمزا قويا في جميع أنحاء المنطقة في الأيام الأخيرة من حرب لبنان في صيف عام 2006، وذلك عندما تحدى مقاتلو حزب الله المسلحون بأسلحة خفيفة التفوق العسكري والتكنولوجي، ورغم أنهم خرجوا من الحملة أضعف، ولكنهم لم يهزموا.

 

وقالت صحيفة "التايمز" البريطانية في تقرير لمحررة شؤون الدفاع، لاريسا براون، إنه "بعد ما يقرب من عقدين من الزمان، درس الجانبان وتعلما من الحرب، تحسبا لكون تكرارها أمرا لا مفر منه".

وأضافت الصحيفة أن "حزب الله، الميليشيا الشيعية المدعومة من إيران والتي تشكلت في الثمانينيات في فوضى الحرب الأهلية، لم يتمكن من إعادة بناء ترسانته من الأسلحة على مدى السنوات الثماني الماضية فحسب، بل زادها بشكل كبير".

وأوضحت أن الحزب يعتبر الآن "أحد أكثر الميليشيات غير الحكومية تسليحا في العالم، وجيشه على سبيل المثال يتألف من عشرات الآلاف من الجنود، وتشير التقديرات إلى أن لديه أكثر من 150 ألف صاروخ وقذيفة من جميع الأنواع".


وفي الوقت نفسه، أمضت "إسرائيل" سنوات في بناء صورتها الاستخباراتية عن حزب الله، ويقول ماثيو سافيل، مدير العلوم العسكرية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (روسي)، إن المجموعة "من غير المرجح أن ترتكب نفس الخطأ المتمثل في التقليل من شأنهم".

لقد دمرت المسيّرات المتفجرة والصواريخ الثقيلة التي تحمل رؤوسا حربية تزن 1000 كيلوغرام القرى اللبنانية في الأيام الأخيرة، مما أسفر عن مقتل مئات الأشخاص وتسبب في فرار الآلاف.

ومع ذلك، فإن "إسرائيل لا تستطيع تحقيق الكثير من خلال الجو، وخاصة عندما تهاجم قاذفات الصواريخ الصغيرة التي يسهل نقلها، وعندما يُعتقد أن الكثير من البنية التحتية لحزب الله تحت الأرض".

ويُنظر الآن إلى بعض أشكال الغزو البري على أنه أمر لا مفر منه على نحو متزايد - وهي الخطوة التي حذرت منها لبنان من أنها ستجلب قواتها المسلحة المدربة في المملكة المتحدة إلى القتال وربما المزيد من القوات العسكرية في المنطقة.

وبينت الصحيفة أن "المحللين العسكريين يعتقدون أن هذا سيكون حماقة لأنه سيؤدي إلى نوع من الحرب غير المتكافئة التي تنطوي على إستراتيجيات وتكتيكات غير تقليدية حيث يتمتع حزب الله بميزة عسكرية".

والواقع أن حسن نصر الله، زعيم حزب الله، قال الأسبوع الماضي إن الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان لا يشكل تهديدا بل "فرصة تاريخية".

وحذر قائلا: "إن الحزام الأمني سوف يتحول إلى جحيم لجيشكم إذا قررتم المجيء إلى أرضنا. وسوف تواجهون مئات الجرحى.. لأنهم أصبحوا أكثر تصميما".

وكان هذا بعد أن تم تحويل أجهزة النداء واللاسلكي إلى أجهزة متفجرة، مما أسفر عن مقتل العشرات من المقاتلين وطفلين في هجوم جريء ألقي باللوم فيه على وكالة التجسس الإسرائيلية الموساد.

وقال ألون مزراحي، وهو محلل عربي يهودي إسرائيلي، إن هدف حزب الله كان "استدراج إسرائيل إلى جحيم جنوب لبنان ـ المسرح الأكثر تصميما وتسليحا وتجهيزا إستراتيجيا لحرب العصابات من أي مكان في هذا العالم على الأرجح".

وبفضل تلالها ووديانها المتموجة، تشكل جنوب لبنان تحديا خاصا لأي جيش غازٍ، وتصب في مصلحة أي مدافع، وخاصة الجيش الذي أمضى عقودا في دراسة الأرض وتحصينها.

يوضح جاستن كرومب، الضابط السابق في الجيش البريطاني الذي يدير شركة سيبيلين للاستخبارات حول المخاطر، أن بعض مواقع حزب الله تتمتع برؤية واضحة لـ"منطقة قتل" على منحدر متقدم.

وتختبئ مواقع أخرى داخل الكهوف والأنفاق، حيث تم تصميم العديد منها للسماح للمدافعين بإطلاق النار على الأجنحة أو مؤخرة القوات المتقدمة.

وقد قدر خبراء في مركز ألما للأبحاث والتعليم، الذي يركز على التحديات الأمنية على الحدود الشمالية لـ "إسرائيل"، أن الطول التراكمي لشبكة أنفاق حزب الله في جنوب لبنان يبلغ مئات الأميال.

وقالت الصحيفة إنه "على عكس أنفاق حماس داخل غزة، والتي كانت تستخدم في المقام الأول لتهريب البضائع والأسلحة للالتفاف على الحصار، فإن أنفاق حزب الله موجودة لأسباب تكتيكية عسكرية".

ففي سبعينيات القرن العشرين، اتبعت إسرائيل نهج "الأرض المحروقة" في التعامل مع لبنان، فأحرقت مساحات شاسعة من الغابات، ولم تتعاف الأرض قط، كما توضح لينا الخطيب، الزميلة المشاركة في تشاتام هاوس. ومن خلال الحفر، تمكن حزب الله من التحرك عبر الحقول القاحلة المفتوحة دون أن يتم اكتشافه.

ويُعتبر بعضها "أنفاق هجومية" يمكن دخولها بالمركبات وحتى الشاحنات متوسطة الحجم، والتي تقود من منطقة إلى أخرى.

ثم هناك أنفاق تكتيكية تقع بالقرب من القرى والتي تمكن المسلحين من القتال من تحت الأرض. ومن هنا يمكنهم إطلاق النار من فتحات الأنفاق والقفز إلى الداخل لإعادة التسلح قبل الظهور مرة أخرى.

في آب/ أغسطس، أنتج حزب الله، الذي صنفته الولايات المتحدة والمملكة المتحدة كـ"منظمة إرهابية"، مقطع فيديو تم إعداده ببراعة لشبكة أنفاقه الواسعة، حيث يظهر مقاتلون يقودون شاحنات كبيرة تحمل صواريخ عبر طرق تحت الأرض مضاءة جيدا.

قال نيكولاس بلانفورد، الخبير في شؤون حزب الله وزميل في المجلس الأطلسي، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن العاصمة، عندما تم نشر الفيديو: "كانت هذه رسالة إلى الإسرائيليين: لقد خدشنا بالكاد سطح مدى الضرر الذي يمكن أن نلحقه بكم".


يتمتع حزب الله بمجموعة من القدرات الشبيهة بالدولة وترسانة أسلحة كبيرة تمكنه من العمل كقوة حرب عصابات فعالة.

وتتكون قواته في المقام الأول من مشاة خفيفة تم "تدريبها وبنائها للتخفي والتنقل والاستقلالية"، وفقا لمركز الأبحاث الأمنية الأمريكي، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS).

لقد مكن المرؤوسين من اتخاذ قرارات مستقلة في ساحة المعركة بناء على نية القائد، وهي نسخة مما تسميه الولايات المتحدة "قيادة المهمة". في عام 2006، تمكن حزب الله من إنشاء موقع إطلاق وإطلاق الصواريخ والتشتت في أقل من 28 ثانية، بالاعتماد على معدات مسبقة التمركز وملاجئ تحت الأرض ودراجات جبلية لتحقيق مثل هذه النافذة الصغيرة من التعرض - وهو التكتيك الذي تم تحسينه منذ ذلك الحين، كما يقول الباحثون.

وإذا أُجبر جيش الاحتلال على الدخول إلى التضاريس الأكثر حضرية، فسيكون مقاتلو حزب الله قادرين على الاستفادة من المواقع المخفية المحصنة.

وقالت الخطيب إن حزب الله كان يعمل دائما من خلال "هجمات الكر والفر" حيث يظهر مقاتلان عادة على دراجة نارية ويطلقان الصواريخ ثم يفرون، ويمكنهم القيام بذلك من أرض مفتوحة أو من ممتلكات خاصة. 

وزعمت الصحيفة أن "حزب الله أطلق الصواريخ بشكل متكرر من مناطق مدنية وكان ينظر إلى جنوب لبنان بالكامل على أنه أرض يمكنه استخدامها"، وذلك على الرغم من أن الخطيب أشارت إلى أن هذا يختلف عن استخدام المدنيين كدروع بشرية.

وأضافت الخطيب: "حزب الله عادة ما يكون سريّا في الطريقة التي يدير بها عملياته واستخدام المباني في وسط المدن ليس هو الحل الأمثل. أود أن أقول إن الغالبية العظمى من ترسانته ليست مخزنة في مناطق مدنية".

وقالت الصحيفة: "لقد تفاخر نصر الله ذات يوم بأنه ما دامت إيران لديها المال، فإن حزب الله لديه المال"، وكشف صراحة بأن ميزانيته، بما في ذلك أسلحته وصواريخه، جاءت من الجمهورية الإسلامية.
ويعتقد أن حزب الله تلقى صواريخ وصواريخ متوسطة المدى وصواريخ بعيدة المدى وصواريخ باليستية ومسيّرات وألغام من طهران.

وإذا شنت "إسرائيل" حربا برية، فمن المرجح أن تواجه وابلا تقليديا ضخما من الصواريخ. ويُعتقد أن حوالي 10000 من صواريخهم هي صواريخ بعيدة المدى موجهة بدقة من النوع الذي يمكن أن يخلف دمارا في المدن والبلدات الإسرائيلية.

وفي ترسانة حزب الله يوجد صاروخ فاتح 110، وهو صاروخ باليستي إيراني قصير المدى يتحرك على الطرق ويبلغ مداه حوالي 300 كيلومتر، وهو أكثر من كافٍ للوصول إلى تل أبيب.

وقد راقب الطيارون البريطانيون الذين حلقوا بطائرات تايفون فوق العراق وسوريا عملية نقل الأسلحة الغامضة وحللوها، حيث كشفت صحيفة التايمز العام الماضي كيف كانت المملكة المتحدة تتجسس على ميليشيا مدعومة من إيران يُعتقد أنها تهرب الأسلحة عبر سوريا إلى حزب الله وحليفته حماس.
ويُعتقد أن طهران ستعيد إمداد حزب الله بسرعة إذا لزم الأمر.

كما تلقت المجموعة أسلحة مضادة للدبابات أكثر قدرة مما كانت عليه في المرة الأخيرة التي واجهت فيها إسرائيل في قتال في جنوب لبنان.

وفي حالة الحرب البرية التي تدخلها دبابات إسرائيلية، فإن حزب الله لديه مجموعة من الأسلحة تحت تصرفه، بما في ذلك قاذفات القنابل الصاروخية غير الموجهة (نفس النوع المستخدم لتأثير مدمر في عام 2006) وكورنيت AT-14.

ومن المرجح أن تكون صواريخ AT-14 Kornet هي أطول صواريخ حزب الله الموجهة المضادة للدبابات مدى، وهي سلاح موجه بالليزر طورته روسيا في التسعينيات ويبلغ مداه الفعال حوالي 5 كيلومترات ويحمل رأسا حربيا حراريا مضاد للدروع أو مخترق للتحصينات.


وبحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن هذا الصاروخ قادر على اختراق دروع يصل سمكها إلى 1200 ملم، كما يتمتع بقدرة التصوير الحراري للحرب الليلية، فضلا عن تتبع مصدر الحرارة.

ويُقدَّر أيضا أن حزب الله يمتلك مئات الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات من طراز AT-3 التي زودته بها إيران وسوريا، والتي يصل مداها إلى 3 كيلومترات. ويمكن للنسخة الإيرانية المعروفة باسم رعد اختراق دروع يصل سمكها إلى 400 ملم.

وقال سافيل: "إنهم يمتلكون قوة نيرانية من شأنها أن تجعل أجزاء من الجيش البريطاني تشعر بالخجل في بعض النواحي"، مضيفا أن حزب الله يمكنه نشر وحدة عمليات خاصة مجهزة بشكل أفضل قوامها 2500 فرد تسمى قوة رضوان، والتي تتخصص في التسلل عبر الحدود.

كما أن العديد من مقاتلي حزب الله متمرسون في المعارك، حيث قضوا بعض الوقت في سوريا أثناء الحرب الأهلية، حيث قاتلوا إلى جانب قوات الرئيس الأسد للقضاء على المعارضة وكذلك تنظيم الدولة الإسلامية. وهناك أظهر مقطع فيديو حصلت عليه رويترز حزب الله وهو يستخدم مسيّرات مسلحة من طراز كرار الإيرانية لتدمير أهداف داعش.

ويقول الباحثون الآن إن قدرات حزب الله في مجال المسيّرات تعتبر من بين الأكثر تقدما بين أي مجموعات ميليشيات أخرى في العالم.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية سياسة دولية الإسرائيلية لبنان حزب الله الاحتلال لبنان إسرائيل حزب الله الاحتلال المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جنوب لبنان تحت الأرض حزب الله عتقد أن

إقرأ أيضاً:

أبعاد المحنة اللبنانية ودور إسرائيل

 

 

د. عبدالله الأشعل **

الوضع في لبنان مُعقد للغاية، ولكن التركيز على لبنان في هذه المرحلة في جزء منه مؤامرة أمريكا وإسرائيل على حزب الله ويمكن أن نُلخِّص الموقف في لبنان في الملاحظات الآتية:

أولًا: أن لبنان ليس طرفًا في الصراع العربي الإسرائيلي، فلم يحارب عام 1948 مع الجيوش العربية، ولا وقَّع وثيقة مع إسرائيل، وخاصة اتفاق الهدنة، لكن ملاصقة لبنان مع إسرائيل ونشأة المقاومة الفلسطينية.

ثانيًا: بدأت المقاومة الفلسطينية تضرب إسرائيل من لبنان، فرتبت إسرائيل واستغلت الوضع الطائفي في لبنان، ومع عدم إجماع الطوائف على عمل المقاومة، استعانت إسرائيل بقيادات من الطائفة المارونية حتى يمكن أن تحتل جزءًا من جنوب لبنان.

ثالثًا: إسرائيل هي التي خلقت الوضع المعقد في لبنان. وحكم الطائفة معناه عدم وجود الدولة إما الطوائف أو الدولة، وأصبح ولاء المواطن اللبناني لطائفته، وهي التي تحميه وتدافع عنه وتهتم بشؤونه، أما الدولة اللبنانية فهي غائبة بسبب سطوة الطوائف وهذا الوضع تم تقنينه منذ القرن التاسع عشر.

وكانت الطائفة الشيعية أضعف الطوائف، ولم تكن موجودة على خريطة الطوائف في لبنان وإنما كان هناك الموارنة والمسلمون السنة، فكانت الفتنة الطائفية بين المسيحيين والمسلمين، فتمَّ حل هذه المعضلة في الدستور الحديث الذي تمت صياغته في الأربعينات من القرن الماضي، فتم تشكيل كافة المؤسسات على أساس المُحاصَصَة.

رابعًا: قامت إسرائيل بغزو بيروت في 5 يونيو 1982، وهذا الغزو كان الهدف منه إخراج منظمة التحرير الفلسطينية ومقاتليها من لبنان وترتيب مجزرة صبرا وشاتيلا بالتعاون بين إسرائيل والموارنة ضد الفلسطينيين. وساومت الولايات المتحدة الأمريكية، منظمة التحرير ضمن الضغوط العربية والإسرائيلية على أساس أن تُبرم المنظمة اتفاقية سلام مع إسرائيل، خصوصًا وأن المنظمة تم الاعتراف بها في الأمم المتحدة عام 1974 ممثلًا وحيدًا للشعب الفلسطيني.

وتم لإسرائيل ما أرادت؛ حيث رحلت منظمة التحرير إلى تونس، لكن الثورة الإسلامية في إيران كانت قد قامت في فبراير 1979، وأعلنت عداءها منذ اليوم الأول لإسرائيل وأمريكا وانحيازها للفلسطينيين. ولكن إسرائيل تلكأت في الانسحاب بينما منظمة التحرير كانت قد رحلت، فقامت إيران بإنشاء "حزب الله"، لكي يُحارب الاحتلال الإسرائيلي للبنان؛ فإسرائيل هي التي تسببت في إنشاء حزب الله وفتحت ثغرة لإيران في لبنان وسوريا، وظل حزب الله يقاوم إسرائيل في لبنان حتى أخرجها من معظم الأراضي اللبنانية، باستثناء مزارع شبعا اللبنانية التي تمسكت إسرائيل بها، واغتالت الأمين الأول لحزب الله آنذاك، كما اغتالت في المرحلة الراهنة الأمين الثاني الشيخ حسن نصر الله.

خامسًا: أبلى حزب الله بلاءً حسنًا ضد إسرائيل التي تُريد لبنان بلا مقاومة وبلا جيش؛ حيث فرضت قيودًا على تسليح الجيش اللبناني حتى تُضعفه. أما حزب الله فقد رفع شأن الطائفة الشيعية في لبنان تارة بالسياسة وتارة بقوة السلاح ضد ميلشيات الطوائف الأخرى، ولكن ظلت إسرائيل تردد نغمة أن لبنان للبنانيين وتقصد عدم تدخل إيران في لبنان.

ولما كانت إيران في صراع مع الولايات المتحدة ومع السعودية، فإن بعض الطوائف الأخرى استعانت بفرنسا والولايات المتحدة والسعودية. وهكذا انتقل الصراع الإيراني السعودي الأمريكي الإسرائيلي إلى الساحة اللبنانية. وقام حزب الله بعمليات ضد إسرائيل بالصواريخ وأخلت إسرائيل شمالها والقرى المحاذية للشريط الحدودي مع لبنان. وكان حزب الله قد دخل الصراع مع إسرائيل مساندًا لغزة على أساس وحدة ساحات المقاومة في لبنان وفلسطين واليمن والعراق.

سادسًا: عقدت إسرائيل مع الحكومة اللبنانية اتفاقًا يقضى بانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية ووقف عملياتها ضد المدن اللبنانية، لكن إسرائيل- كعادتها- لم تحترم الاتفاق وأوكلت الحكومة اللبنانية إلى الجيش اللبناني للانتشار في المنطقة التي كان يقيم فيها حزب الله، وأملت إسرائيل في أن يحدث تصادم بين الجيش اللبناني وقوات حزب الله.

ويبدو أن المؤامرة ضد حزب الله وبهدف إثارة الحرب الأهلية في لبنان لا تزال قائمة، بدليل أن إسرائيل واصلت عدوانها رغم الاتفاق على لبنان فاضطر حزب الله أن يصدر بيانا يلقى فيه بالمسؤولية على الحكومة اللبنانية. وتأمل إسرائيل في المرحلة المقبلة أن يقوم الجيش اللبناني بنزع سلاح حزب الله، خاصة وأن التطورات الراهنة في سوريا أبعدت إيران عن المنطقة، وإن كانت إيران قد أعلنت انها لن تتخلى عن المقاومة وحزب الله، لكن إسرائيل تريد انكشاف لبنان وأن يكون هدفًا لعملياتها، خاصة وأن لبنان دخل في خرائط إسرائيل الكبرى، فلا الجيش اللبناني قادر على صد إسرائيل ولا حزب الله حر ويديه ليست طليقة لكي يدافع عن لبنان.

سارع الرئيس الفرنسي إلى زيارة لبنان يوم 17 يناير 2025؛ ليؤكد المؤامرة التي رسمتها إسرائيل للبنان ويتأكد بالذات من أن الجيش اللبناني ينتشر على كل الأراضي اللبنانية وألا يترك سلاحًا في أيدي المقاومة. وفرنسا كما نعلم ركن أساسي في انحياز الغرب لإسرائيل؛ فالزيارة لصالح إسرائيل وليس لصالح لبنان مقابل مجموعة من الحوافز الاقتصادية والمصرفية والعسكرية.

سابعًا: في "اتفاق الطائف" عام 1989، أجمعت الاطراف اللبنانية على آمالها في إلغاء الطوائف وإرساء مؤسسات الدولة اللبنانية، لكن منذ ذلك الوقت تكرَّست الطائفية وإن كان قد تم ترشيدها؛ فتعاونت سياسيًا على كل القرارات السياسية والاقتصادية. ومعلوم أن رئيس الجمهورية يجب أن يكون من الموارنة وأن رئيس الوزراء يجب أن يكون من المسلمين السنة، وأن رئيس مجلس النواب يجب أن يكون من الطائفة الشيعية، فتتساند حركة أمل مع حزب الله سياسيًا ومعنويًا وربما عسكريًا.

المطلوب في لبنان حاليًا من وجهة نظر إسرائيل، هو تكريس الطائفية وتأليب الطوائف الأخرى ضد حزب الله والشيعة ومن ورائهم إيران، وتأكيد اتجاه لبنان نحو الغرب وليس نحو العالم العربي وابرام اتفاق سلام بين لبنان وإسرائيل، وهذه الخطوة عصم لبنانَ منها حزبُ الله وسوريا. أما المصلحة العربية العليا التي ليس عليها إجماع عربي فهي استمرار المقاومة من خلال حزب الله، وأن يكون الحزب ضامنًا أساسيًا لأمن لبنان ضد إسرائيل، وقدر لبنان أن يدفع أكثر من غيره ثمن جواره لإسرائيل واستمرار الغرب في دعم إسرائيل وجرائمها.

يتوق اللبنانيون جميعًا إلى الانتماء للعروبة ما دام الانتماء للدولة غائبًاـ ولذلك فإنَّ المد القومي في لبنان أكبر من غيره من البلاد العربية، وهذا الاتجاه يمكن البناء عليه بمعاداة إسرائيل ودعم المقاومة فسلاح المقاومة مخصص للدفاع عن لبنان ضد إسرائيل ويجب ألا يستخدمَ في النزاعات الداخلية بين الطوائف.

ومما فاقم الأزمة اللبنانية أنه لا توجد رأس للعالم العربي بعد تخلي مصر عن دورها في قيادة العالم العربي عام 1979 باستبدال إسرائيل وأمريكا بالعرب على قول الرئيس المصري أنور السادات.

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تحذر اللبنانيين من العودة إلى منطقة الحدود
  • حزب الله: إسرائيل تُطبق سياسة "الأرض المحروقة" في القرى الحدودية
  • أبعاد المحنة اللبنانية ودور إسرائيل
  • نقاط ضعفٍ.. هكذا يتحضّر حزب الله للمعركة المُقبلة مع إسرائيل
  • تنفيذ حكم القتل بأحد الجناة في منطقة مكة المكرمة
  • إسرائيل تُخرج أرنب التمديد لضرب هدنة الـ60
  • إسرائيل: سنبقى في لبنان لما بعد مهلة الانسحاب
  • لبنان ينتظر اتصالات دولية للضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي التي دخلها 
  • حرب كلامية بين إسرائيل وحزب الله قبل نهاية اتفاق وقف إطلاق النار
  • توفيق عكاشة: سلام الشعوب العربية مع إسرائيل يمثل فرصة لإنقاذ الوضع