الانتقال التكتيكي في المعركة ’’لحزب الله’’ من مرحلة الإسناد إلى مرحلة الهجوم (تفاصيل خطيرة)
تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT
الجديد برس/ تقرير
عبر مسار دقيق، وخطوات مدروسة، تنتقل المقاومة في لبنان من الإسناد إلى مرحلة الهجوم، وسط اندفاع إسرائيلي تجاه التصعيد في محاولة لفصل الجبهة مع لبنان عن الحرب على قطاع غزة.تقع منشآت “إسرائيل” العسكرية في الشمال في مواضع معروفة، إذ اتضح بالاطلاع على المقاطع المصورة للاستهدافات، خلال عام كامل، أن حزب الله درس طبيعتها ودورها تفصيلياً، ما يعني أن ضربها سيخضع بالضرورة لمنطق مكافئ، يكفل أكبر قدر من الشلل لآلية عمل إجمالي القوات في الشمال.
التفوق الجوي لـ”الجيش” الإسرائيلي.. تحدِّ تتقن المقاومة التعامل معه
يتعرض الشمال الآن لقصف صاروخي، لقطاعات بعينها ذات أهمية استراتيجية (مثل محيط حيفا ومستوطنات شمال الضفة). وأحدث الإصابات التي وثقتها عدسات الإسرائيليين، هي مواقع القبة الحديدية نفسها ومنشآت صناعية، وجاء بوتيرة تسببت، خلال يومين، في زيادة النزوح نحو الوسط.
وفي المقابل، تقع الأغلبية المطلقة لقدرات الحزب العسكرية الأساسية تحت الأرض، وداخل الطوبوغرافيا الجبلية اللبنانية، بحكم طبيعة الأسلحة الأهم في ترسانته، وجلّها كبيرة الحجم، وطبيعة التنظيم نفسه، الذي نشأ تحت واقع التفوق الجوي الإسرائيلي منذ بدايته.
والشاهد الأبرز على ذلك ما ورد بأحد مقاطع الحزب، المنشور بعنوان “جبالنا خزائننا”، واستعرض منشأة عسكرية ضخمة، تسِع ناقلات شحن كبيرة لنقل الصواريخ الباليستية، داخل أحد الجبال، ورقم تسلسلها 4، ما يعني أنها ليست الوحيدة من نوعها. فضلاً عن الأمر الواقع، المعترف به إسرائيلياً منذ عقود، أن للحزب شبكة أنفاق ومواقع معقدة، تحت الأرض على الشريط الحدودي وفي الجنوب.
لا يقع فوق الأرض للحزب سوى منشآت مدنية، تخدم حاضنته الاجتماعية المدنية وترتبط بها، وغير معنية بالعمل العسكري أو التنظيمي. وهو ما تستغله “إسرائيل” لتحاول تحقيق أحد أبرز أهدافها: تأليب بيئة المقاومة عليها، وتدفيع الناس ثمن إفرازهم لقيادة تمثّلهم، حررت أرضهم بالفعل، وتعمل لتأمينها من الغزو أو الاحتلال، وانتزاع سيادة وطنية لبنانية في مواجهة خطر واضح، يعمل منذ عقود على تركيع أو احتلال لبنان.
لذلك لم يأتِ استهداف المدنيين في إطار خطة لتقويض الحزب عسكرياً، والدليل تصاعد قصف محيط حيفا، والإصابات الموثّقة بصرياً لمنشآت عسكرية ومستوطنات وطرق ربط رئيسية، بل يهدف إلى إحداث خسائر بشرية في صفوف المدنيين، طمعاً في ضربة “عضوية” – لا عسكرية – لتماسك المقاومة التنظيمي.
حزب الله: التكتيك الذكي لحرب قد تطول
لا يبدو تركيز الحزب على أهداف عسكرية محددة في قطاع الشمال مصادفة، خاصة مع تزايد أعداد الصواريخ المستخدمة ونظراً لنوعية الأهداف، في اليوم اللاحق لضربة الجنوب والبقاع.
ويبدو أن له منطقاً، يناسب الواقع الميداني الحالي، والمستقبل القريب للمعركة التي تدور – حتى الآن – عن بعد، إذ يقوّض البيئة الاستراتيجية لـ”إسرائيل” في مناطق بأهمية صفد، التي تتوسط حدود قطاعيّ الشمال والجولان، وحيفا، ذات الميناء الهام، والأهمية الاقتصادية والسكانية، والمستوطنات الأكبر في قطاع الشمال، ومستوطنات شمال الضفة الغربية، ومدن ساحل الشمال الفلسطيني، الذي يضمّ بالفعل مستوطنين نازحين من أقصى الشمال والشريط الحدودي، باتوا معرّضين للنزوح مرة أخرى.
لذلك شملت الإصابات مطارات ومقرات قيادة وسيطرة، ومواقع للرادار والدفاع الجوي (القبة الحديدية)، الأداة الأساسية لمواجهة الصواريخ، وقواعد تمركز لفيلق الشمال وفرقة الجليل، وعدة مخازن لوجيستية وللأسلحة، ومجمع صناعات عسكرية عادةً ما يحوى مواد متفجرة.
أي كل ما يعرض الآلية الدفاعية والحركية للجيش للشلل، ويكفل عملياً توقف الحياة المدنية والنشاط الاقتصادي والتعليم.
ومن ناحية أخرى، يؤثِر الحزب التمهل في استخدام الصواريخ الأثقل، والترسانة الباليستية، والصواريخ الدقيقة، اتباعاً لأسلوب التدرّج الذي اعتمده منذ الـ8 من تشرين الأول/أكتوبر الفائت، وإدراكاً بأن المعركة قد تطول، وقد تتطلب تصعيداً أكبر، ووقاية للضاحية الجنوبية من ضربات أكثر قد يجلبها التصعيد الفوري المطلق، غير الممنهج.
كما يستخدم الحزب ورقة قوته العامة: القدرة على شلّ الحياة في “إسرائيل”، وضرب التماسك السكاني، كما أعلن من قبل امتلاكه خطة لاستخدام الورقة الخاصة، استخدام الصواريخ الدقيقة واقتحام الجليل برياً.
ويستخدم جيش الاحتلال ورقة التفوق الجوي، لإحداث خسائر مدنية تكفل – في نظره – تحقيق هدف مقارب لما عمل لتحقيقه الحزب لعام، تجاه “إسرائيل”، وهو: تقويض البيئة الاستراتيجية؛ بعد أن استخدم ورقة التفوق التكنولوجي، ببعدها الاستخباري، لتوجيه ضربة الـ”بايجر”، بهدف ضرب التماسك التنظيمي، ولتنفيذ اغتيالات لذات الهدف. على أن فرص الحزب لإحداث تقويض أعمق لم تزل واعدة، في وجود بنك أهداف ثري في حيفا وحدها، فضلاً عن قطاع غوش دان في الوسط، ويشمل تل أبيب، وفي ظل أنه لم يستخدم بعد تكتيك القصف بالإغراق الكامل، بعدد ضخم من الصواريخ، يشمل الثقيلة والباليستية طويلة المدى.
التماسك الاجتماعي في لبنان.. السلاح الأقوى
من ناحية أخرى، يعكس رد الفعل الاجتماعي عند أهل المقاومة تماسكاً معتبراً، قياساً لحجم وأثر الغارات على الجنوب والبقاع، بتكتيك الصدمة والترويع المستخدَم، كما ظهر في عشرات المقاطع المصورة، النازحين والمتضررين وهم يؤيدون خط المقاومة، ويؤكدون وقوفهم معها رغم التعرض للاستهداف.
وقد أدّى هذا التكتيك أثراً عكسياً عند المجتمع اللبناني، بصفة إجمالية، إذ شهد حالة تضامن عملي واسع مع أهل الجنوب والبقاع، شملت باقي الأقاليم، من جبل لبنان إلى الشمال وعكار. كما أظهرها التنادي على وسائل التواصل الاجتماعي، بمئات المبادرات والمنشورات لاستضافة ومساعدة النازحين والعالقين.
لذلك يبدو أن “إسرائيل” أرادت فض التفاف بيئة المقاومة حول الحزب، فأسهمت في تشكّل رأي عام متعاطف معه، ومع معاناة المدنيين اللبنانيين، ما يفيد موقفاً وطنياً محتضناً لفاعلية المقاومة، يعاكس الغطاء الغربي والدولي لدولة الاحتلال.
وفي حين يستبعد أغلب المحللين اندلاع مواجهة برية، استناداً إلى إحجام الطرفين عن خوض حرب شاملة كبيرة، لا ترفضها أميركا جذرياً لكن تتحفظ على التوقيت والتفاصيل، والمآل الاستراتيجي النهائي المقلق. إلا أنّ تسارع وتيرة المواجهة، والقرار الإسرائيلي الواضح باستمرار قصف لبنان، يفتح الباب لهذا الاحتمال، وغيره، ويجعل “حرب الاستنزاف” على الحزب ذات كلفة اقتصادية وسياسية أعلى، نظراً لقدرته على استهداف “قلب الدولة”، الوسط، بعد الشمال، بقوة نارية ثقيلة لم يُختبر أثرها الكامل بعد، وعلى إطلاق تقسيم عمل محتمل مع الحلفاء، أي قدرات إضافية من جبهات أخرى، لإتمام الاستهداف بشكل ذي أثر استراتيجي فارق.
المصدر / الميادين
المصدر: الجديد برس
إقرأ أيضاً:
إنا على العهد.. معادلة لا مجرد شعار
اكتسبت المقاومة الإسلامية في لبنان قوتها وخصوصيتها وتميزها التاريخي من دعائم رئيسية استندت إليها، ولعل أهمها وفي صدارتها تأتي دعامتان لا تقتصران على القيم الأخلاقية والإنسانية فقط، ولكن تتمتعان بانعكاسات إستراتيجية وترجمة عملية في ميادين الجهاد والسياسة، أولهما المصداقية، والتي تترجم عمليًا لجدية وجهوزية وصرامة لا يستهين بها العدو، وثانيهما البلاغة في اختيار العناوين والشعارات المعبرة عن المرحلة واللحظة الإستراتيجية بدقة، وترجمتها العملية هو إعلان الموقف والتوجه، وتضافر الدعامتين بإعلان الموقف المستند إلى المصداقية هو ما يوصل الرسائل للعدو والصديق وبيئة المقاومة، ويكسب المقاومة شرفها وهيبتها وإنجازاتها الكبرى.
ولعل اختيار شعار “إنا على العهد” عنوانًا للتشييع التاريخي المهيب للشهيد القائد السيد حسن نصر الله، وأخيه ورفيقه الشهيد هاشم صفي الدين، يشكل مصداقًا لهذه الدعائم، وهذا التوفيق في اختيار الشعارات، بما يتخطى نطاق الشعار الرمزي إلى نطاق تشكيل المعادلات، وهي مدرسة الشهيد نصر الله التي تعتمد على البصيرة والقراءة وتشكيل المسارات التصاعدية وعدم السماح بالتراجع وعودة المعادلات إلى الوراء.
وعندما أطلقت المقاومة شعار “إنا على العهد”، كانت تبدو واثقة تمام الثقة في جمهور المقاومة الوفي وفي تشكيله لمشهد تاريخي غير مسبوق في لبنان، بل وفي العالم بلحاظ الفوارق الديموغرافية المتعلقة بتعداد السكان، وقد رسمت المقاومة مسبقًا لوحات للتشييع قبل حدوثه تصور مشهدًا جماهيريًا مهيبًا، وهو ما تحقق بالفعل، وكانت الجماهير عند ظن وثقة القادة والكوادر والمجاهدين في الحزب، وهو ما يعكس وعيًا جماهيريًا بأهمية هذا المشهد وبكونه ليس مجرد وفاء لقائد تاريخي استثنائي، بل هو مشهد إستراتيجي مفصلي لا يقل عن مشاهد الجهاد بميادين وجبهات القتال، وهو ما أتاح للجماهير أن تشارك في ميدانه كتفًا إلى كتف مع جحافل المجاهدين والمرابطين على الثغور.
وهنا لا بد من التوقف قليلاً للتأمل في دلالات الشعار، ولماذا نقول إنه يشكل معادلة ولا يقتصر على كونه شعارًا للوفاء، وذلك عبر الإيضاحات تاليًا:
1- أول ما يجب أن يتبادر للأذهان في شعار “إنا على العهد” هو السؤال عن أمرين، الأول من نحن؟ والثاني ما هو هذا العهد؟ والإجابتان تحملان أبعاداً إستراتيجية مهمة.
والسؤال الأول أجابت عليه الحشود الغفيرة من بيئة المقاومة من كل الطوائف المنحازة للمقاومة، بل ورفع الشعار بالتزامن مع التشييع حشود خارج لبنان وعبروا عن تضامنهم وأمانيهم في الوفادة والحضور، وهو ما يعني تماسك بيئة المقاومة وفشل العدو في إرهابها وتفكيكها وثَنيها عن خيار المقاومة وتحول تهديد العدو إلى فرصة لإعلان التماسك والوحدة والاستنفار والجهوزية.
والسؤال الثاني ربما هو الأهم، لأنه يوضح المعادلة التي التفت حولها الجماهير وأعلنت صمودها وتجديدها للبيعة للوفاء به، وهو باختصار عهد التحرر الوطني ورفض الذلة وبذل التضحيات للحفاظ على السيادة والكرامة وإسناد المستضعفين وعدم التخلي عن الثوابت ورفض العودة بالزمن إلى الوراء.
2- يجب مراجعة التاريخ للوقوف عند اللحظة التي تشكل بها حزب الله وريثًا لحركة الجهاد اللبنانية التي اذاقت العدو وراعيه الأمريكي الويلات، هما ومن تحالف معهما من الغرب ومن عملاء الداخل، فقد كانت لحظة مفصلية، أراد العدو بها تفريغ لبنان من المقاومة بطرد منظمة التحرير الفلسطينية، واحتلال الجنوب وتقاسمه مع ميليشيات عميلة تنتسب زورًا للجيش اللبناني، وكان لبنان على وشك التطبيع والاعتراف بالعدو تحت مسميات مثل معاهدة عدم الحرب وتشكيل هيئات دبلوماسية في بيروت وفي داخل الكيان، وهو ما أفسدته المقاومة عبر ملئها لفراغ المنظمات الفلسطينية وتصديها للدفاع عن الجنوب والحفاظ على الوجه العربي للبنان، وصولاً إلى تحرير الجنوب، ثم وصولاً لإفشال مشروع الشرق الأوسط الجديد في العام 2006 عقب محاولة العدو إعادة الكرة وتصفية المقاومة.
واليوم، نحن أمام مشهد شبيه، يقوم العدو بالعودة لكرته محاولًا تصفية المقاومة وخلق مناطق عازلة وتشكيل حلفاء من العملاء بالداخل، وهو ما أعلنت المقاومة وجمهورها عبر شعار “إنا على العهد” عن تصديها له وعدم السماح بتحقيق هذه الأوهام مهما كانت التضحيات.
3- يجب أيضاً تأمل أساليب العدو وراعيه الأمريكي عند الفشل في هزيمة المقاومة بالقوة المسلحة، والاحتيال على ذلك بخلق الفتن وانتزاع المكاسب بالسياسة والمؤامرات، عبر الوقيعة بين المقاومة والجيش والدفع نحو الحرب الأهلية، وهو ما أفشلته المقاومة وجمهورها عبر بصيرتها وصبرها على التجاوزات وأعلنت عبر تجديدها للعهد بالتزامها بمدرسة الشهيد القائد بأن غضبها وسلاحها موجه للعدو الصهيوني حصرًا وليس موجهًا للداخل.
4- هناك رسالة كبرى أيضاً لا بد أن يعيها العدو وكذلك أعداء المقاومة في الداخل والخارج، وهي قدسية سلاح المقاومة وهو عهد السيد القائد الشهيد الذي أكد مرارًا في أحاديثه أن سلاح المقاومة جزء من عقيدة وثقافة بيئة المقاومة وله أبعاد أكبر بكثير مما يظنه بعض الواهمين، وأن من سيجبرنا على نزعه بالتخويف أو الحصار، فإننا سنقتله ويبقى سلاحنا معنا.
وهذا العهد قد جددته المقاومة وجمهورها بأنه لا مساس بالسلاح ولا الكرامة ولا الثوابت وأن هذا السلاح هو درع للبنان كله وليس موجهًا إلا للعدو ورعاته.
لا شك أن شعار “إنا على العهد” هو معادلة تثبتها المقاومة وجمهورها، مفادها الثبات على الخيار المقاوم للاحتلال والحصار والمناصر لقضايا الأمة والمحافظ على قدسية السلاح وامتلاك القوة والجهوزية والحرص على السلم الأهلي وعدم إهدار الجهود والدماء في غير مواضعها والاحتفاظ بها لمقارعة العدو والاستكبار، وهو تأكيد للنصر الإستراتيجي للمقاومة التي أفشلت أهداف العدو بحصارها وانزوائها وعودة الوضع لما قبل تشكيل المقاومة وتصديها لتدجين لبنان في حظائر التطبيع والمهادنة.