الكرملين: زيلينسكي يرتكب خطأ فادحا.. وبوتين يبحث طرق الردع النووي
تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT
عواصم " وكالات ": قالت روسيا اليوم الأربعاء إن خطة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لإجبارها على السلام "خطأ فادح" سيكون له عواقب على كييف.
وقال زيلينسكي لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أمس إن الحرب بين روسيا وأوكرانيا لا يمكن أن تهدأ بالمحادثات وحدها ويجب إجبار موسكو على السلام.
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحفيين "مثل هذا الموقف خطأ فادح، وخطأ منهجي.
وقال بيسكوف إن روسيا تريد السلام لكن لا يمكن أن يكون ذلك بالإجبار وأضاف "الموقف المبني على محاولة إجبار روسيا على السلام هو خطأ فادح تماما، لأنه من المستحيل إجبار روسيا على السلام".
وتابع قائلا "روسيا داعمة للسلام لكن بشرط ضمان أسس أمنها".
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يونيو إن روسيا ستنهي الحرب في أوكرانيا فقط إذا وافقت كييف على التخلي عن طموحات الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وتسليم المناطق الأربع التي تطالب بها موسكو بالكامل.
ورفضت كييف تماما المطالب واعتبرت أنها تصل إلى حد طلب إعلانها الاستسلام.
من جهته، دعا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد الذين يدعمون روسيا في حربها في أوكرانيا.
وقال بلينكن خلال اجتماع رفيع المستوى لمجلس الأمن الدولي والذي عقد على هامش مناقشات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك: "الطريقة الأسرع للمضي قدما هي ببساطة إيقاف الذين يمكنون ويغذون (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين".
ودعا بلينكن إلى "سلام عادل يحترم مبادئ ميثاق الأمم المتحدة".
وقال بلينكن: "كلما زادت روسيا اعتمادها على دعمهما، زاد ما تستخرجه كوريا الشمالية وغيرها في المقابل، وكلما أعطى بوتين لبيونج يانج ودول اخرى، زادت تهديدات السلام والأمن، ليس فقط في أوروبا، ولكن في منطقة الهند والهادئ، وفي الشرق الأوسط، وفي جميع أنحاء العالم، حيث تعزز كوريا الشمالية دعمها العسكري لروسيا".
وذكر وزير الخارجية الأمريكي أيضا الصين، التي قال إنها تساعد روسيا في الحفاظ على عمل آلة الحرب.
وذكر بلينكن مجلس الأمن بمهمته الأساسية وهي "السعي لحل النزاعات بطرق سلمية". وأضاف أن ميثاق الأمم المتحدة "واضح تماما" في هذا الصدد، مضيفا: "يجب علينا السعي من أجل سلام يعزز، بدلا من تقويض، المبادئ الأساسية للأمم المتحدة".
بوتين يترأس اجتماعا بشأن الردع النووي
من جهة اخرى، ترأس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الاربعاء اجتماعا لمجلس الأمن الروسي بشأن الردع النووي فيما تبحث موسكو كيفية الرد على طلبات أوكرانيا بأن تسمح لها الولايات المتحدة بقصف عمق الأراضي الروسية بالصواريخ الغربية بعيدة المدى.
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحفيين إن اجتماع مجلس الأمن حدث مهم وإن "الرئيس سيدلي بكلمة".
وتابع "أما بقية (الاجتماع)، ولأسباب واضحة، فستحمل صفة سري للغاية’".
ويدرس بوتين، صانع القرار الرئيسي فيما يتعلق بالترسانة النووية الضخمة لدى روسيا، كيفية الرد إذا سمحت واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون لأوكرانيا باستخدام الصواريخ التي يزودها بها الغرب لضرب عمق روسيا.
وقال الرئيس الروسي في 12 سبتمبر إنه إذا أعطى الغرب ذلك الإذن لكييف فإنه سيكون قد دخل في قتال مباشر ضد روسيا التي ستضطر لاتخاذ "القرارات المناسبة".
ويحث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حلفاء كييف منذ أشهر على السماح لها بإطلاق الصواريخ الغربية، مثل صواريخ أتاكمز الأمريكية بعيدة المدى وصواريخ ستورم شادوز البريطانية، على عمق الأراضي الروسية للحد من قدرة موسكو على شن هجمات.
وروسيا هي أكبر قوة نووية على مستوى العالم. وتسيطر مع الولايات المتحدة على 88 بالمائة من الرؤوس النووية في العالم.
في هذه الاثناء، تعكف روسيا حاليا على مراجعة عقيدتها النووية التي تحدد الظروف التي قد تلجأ فيها لاستخدام الأسلحة النووية.
وذكر الكرملين أن أي مناقشات بشأن بديل لمعاهدة نيو ستارت بين الولايات المتحدة وروسيا، التي تحد من الأسلحة النووية وينقضي أجلها في عام 2026، يجب أن تأخذ في الاعتبار الإمكانات النووية الأوروبية، وهو ما يعني ترسانتي بريطانيا وفرنسا.
وقال بيسكوف ردا على سؤال عن بديل محتمل لمعاهدة نيو ستارت "لم نتلق بعد ردا من الأمريكيين على ذلك، ولكن بالطبع يتعين التوصل إلى اتفاق ويجب أن تبدأ المفاوضات في أقرب وقت ممكن".
الخارجية الألمانية تحدد نقاط مفاوضات السلام
من جانبها، حددت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك نقاطا رئيسية لمفاوضات سلام محتملة لإنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا.
وقالت بيربوك في اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نيويورك: "السلام يعني ضمان وجود أوكرانيا كدولة حرة ومستقلة. إنه يعني ضمانات أمنية".
وأضافت بيربوك: "عندما نتحدث عن السلام، فإننا نعني أنه يجب أن يكون سلاما عادلا ودائما... عندما نتحدث عن السلام، فهذا يعني بالنسبة لأوكرانيا أن بوسعها التأكد من أن انتهاء القتال لا يعني جولة أخرى من الاستعدادات في روسيا"، موضحا أن هذا ينطبق على أوكرانيا ومولدوفا وبولندا، مؤكدة أن السلام يجب أن يكون عادلا ومستداما.
وقالت بيربوك: "من ناحية نحن ممتنون للغاية لأن المزيد من شركائنا في العالم يفكرون في كيفية إنهاء هذه الحرب... نحن بحاجة إلى هذا. نحن بحاجة إلى نهاية لهذه الحرب"، مؤكدة في الوقت نفسه أن هذا لا يعني الوقوف مكتوف الأيدي بينما لا تلوح في الأفق نهاية للحرب ولا يكون للرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقعدا على طاولة المفاوضات، مضيفة أنه لا يمكن الوقوف متفرجين بينما تدمر روسيا الأجزاء المتبقية من أوكرانيا.
روسيا تحقيق مكاسب في شرق أوكرانيا
الى ذلك، قال الكرملين اليوم الأربعاء إن ما يحدث على ساحة المعركة في شرق أوكرانيا إيجابي بالنسبة للقوات الروسية في الوقت الذي أعلنت فيه موسكو أنها سيطرت على قريتين إضافيتين هناك وبدا أن قواتها تقترب من موقع أوكراني حصين.
وفي أغسطس، تقدمت القوات الروسية في شرق أوكرانيا بأسرع وتيرة في عامين رغم توغل أوكراني مباغت في منطقة كورسك الروسية في محاولة لدفع موسكو لتغيير انتشار قواتها.
ولدى سؤاله عن تقارير أفادت بأن القوات الروسية طوّقت بلدة فوليدار المحصنة التي تعزز الدفاعات الأوكرانية في منطقة دونيتسك جنوب البلاد منذ 2022، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف "ديناميكيات المعركة إيجابية".
وذكرت وزارة الدفاع في إفادتها اليومية أن قواتها سيطرت على قريتين صغيرتين في ذات المنطقة.
ولم يتسن لرويترز التحقق بشكل مستقل من التقارير الواردة عما يجري في أرض المعركة.
وفي وقت سابق اليوم الأربعاء، نقلت وكالة الإعلام الروسية عن دينيس بوشيلين، حاكم منطقة دونيتسك الذي عينته روسيا، قوله إن المعارك دائرة داخل فوليدار. وعدد سكان تلك البلدة قبل الحرب كان نحو 14 ألف نسمة.
ولم يشر الجيش الأوكراني اليوم إلى المكاسب التي حققتها روسيا حول البلدة لكنه اعترف بأن قتالا يدور في المنطقة. وقال مدونون روس يكتبون عن الحرب ووسائل إعلام روسية رسمية إن قوات موسكو بدأت بالفعل اقتحام البلدة.
كما أكد بوشيلين أن القوات الروسية سيطرت على بلدة أوكراينسك التي تبعد نحو 50 كيلومترا شمالي فوليدار.
الناتو يعد خطة اجلاء للمصابين اذا نشبت الحرب
وفي سياق آخر، قال قائد عسكري كبير إن حلف شمال الأطلسي يعد خططا لتنسيق نقل عدد كبير من الجنود المصابين بعيدا عن خطوط المواجهة في حالة نشوب حرب مع روسيا، ربما على متن قطارات مجهزة كمستشفيات لأن عمليات الإجلاء الجوي ربما لا تكون ممكنة.
وقال اللفتنانت جنرال ألكسندر سولفرانك رئيس القيادة اللوجستية لحلف شمال الأطلسي في مقابلة مع رويترز إن السيناريو المحتمل في المستقبل لعمليات الإجلاء الطبي سوف يختلف عن التجربة التي مر بها أعضاء الحلف في أفغانستان والعراق.
وأضاف الجنرال الألماني أنه في حالة اندلاع صراع مع روسيا، ستواجه الجيوش الغربية على الأرجح منطقة حرب أكبر بكثير وإصابة عدد أكبر من الجنود وافتقارا مؤقتا على الأقل للتفوق الجوي بالقرب من خطوط المواجهة.
وخطط الإجلاء الطبي هي جزء من حملة أوسع نطاقا من جانب حلف شمال الأطلسي أثارها التدخل الروسي في أوكرانيا في عام 2022 وتهدف لإصلاح وتعزيز قدرة الحلف على الردع والدفاع في مواجهة أي هجوم روسي.
تركيا ترغب في إحياء مبادرة تصدير الحبوب
وبعيدا عن الحرب، أبلغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بجهود تركيا لإحياء مبادرة تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود والسعي للوصول إلى وقف لإطلاق النار بين روسيا أوكرانيا في الحرب الدائرة بينهما منذ نحو عامين.
جاء ذلك خلال لقاء الرئيسين في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ونقلت وكالة بلومبرج للأنباء عن بيان المكتب الصحفي للرئاسة التركية قول أردوغان إن تركيا مستعدة للقيام بكل الخطوات اللازمة بما في ذلك الوساطة من أجل الوصول إلى سلام دائم وعادل بين موسكو وكييف.
يذكر أنه تم التوصل إلى اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية أو ما يسمى بمبادرة البحر الأسود بين روسيا وأوكرانيا وتركيا بقيادة الأمم المتحدة في 22 يوليو 2022 بهدف عودة حجم صادرات الحبوب الأوكرانية إلى مستوى ما قبل الحرب أي تصدير 5 ملايين طن شهريا.
ونص الاتفاق على أنه يقضي بتفتيش السفن المشاركة في تصدير الحبوب الأوكرانية عند الدخول والخروج من البحر الأسود للتأكد من عدم حمل أسلحة علي متنها، مع قصر التصدير على 3 موانئ أوكرانية على البحر الأسود.
وفي 19 يوليو 2023 أعلنت روسيا انسحابها من اتفاق الحبوب واخطرت الحكومة الروسية الأمم المتحدة وتركيا وأوكرانيا بعدم رغبتها في تجديد الإتفاق وذلك لعدم تلبية مطالبها والتى من بينها إلغاء الغرب للعوائق التي وضعها على تصدير الحبوب والأسمدة من روسيا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الحبوب الأوکرانیة الروسی فلادیمیر الأمم المتحدة للأمم المتحدة الرئیس الروسی تصدیر الحبوب شمال الأطلسی البحر الأسود لمجلس الأمن على السلام یجب أن
إقرأ أيضاً:
لماذا علاقة ترامب وبوتين مثيرة للمخاوف بشدة؟
أبانت مقابلة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لرئيس أوكرانيا في البيت الأبيض توجّهًا جديدًا في السياسية الخارجية الأميركية نحو العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا من جهة، وبين دور الولايات المتحدة الأميركية في حماية أوروبا واستمرار دعمها أوكرانيا من جهة أخرى.
أظهرت المقابلة أيضًا صلفًا دبلوماسيًا أميركيًا لم يعهده البيت الأبيض من قبل متجاوزةً اللباقة والأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها دوليًا. وربما سيذكر التاريخ لاحقًا هذه المقابلة باعتبارها نقطة إعادة تشكيل أولويات السياسة الخارجية الأميركية، ومن ثم ملامح نظام عالمي جديد مُتعدّد الأقطاب، لا تلعب فيه الولايات المتحدة الأميركية دور الشرطي العالمي كما كان العهد بها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق في مطلع التسعينيات من القرن الماضي.
يحاول الرئيس الأميركي ترامب جاهدًا تغيير اتجاه أولويات السياسة الخارجية الأميركية تغييرًا لم يحدث في تاريخها الحديث منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ترامب والترتيبات الأمنية لما بعد الحرب العالمية الثانيةانتهج الآباء المؤسّسون للولايات المتحدة الأميركية سياسةً خارجيةً تقوم على العزلة السياسية، والابتعاد كليةً عن الصراعات الأوروبية، والانكفاء على تطوير الولايات المتحدة الأميركية.
إعلاناستمرّت سياسة العزلة لفترةٍ طويلةٍ حتى قيام الحرب العالمية الأولى، حيث دخلت الولايات المتحدة الحرب بعد سنتين من اشتعالها ليعود الجنود الأميركيون إلى وطنهم بعد نهاية الحرب، وتعود الولايات المتحدة الأميركية مرةً أخرى لانتهاج سياسة العزلة الدولية، والابتعاد عن الصراعات الأوروبية وغيرها في العالم.
لقد كانت حادثة الهجوم الياباني ضد قاعدة بيرل هاربر الأميركية سببًا مباشرًا لدخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية لترجح كفّة الحلفاء، وتصيب ألمانيا واليابان وحلفاءهما بخسائر فادحةٍ تتوّجت باستسلامهما ونهاية الحرب.
تخلّت الولايات المتحدة الأميركية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عن سياسة العزلة الدولية وتبنّت سياسةً دوليةً جديدةً تلعب فيها دور الشرطي العالمي، وقامت بمساعدة القوى الدولية الأخرى الحليفة لها ببناء مؤسّسات ومنظمات دولية، مثل الأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة "الغات" للتجارة العالمية – التي تطوّرت لاحقًا لتصبح منظمة التجارة العالمية- لتشكّل بذلك ملامح النظام الدولي الممتد منذ ذلك الحين إلى وقتنا الراهن.
كما كان أحد الترتيبات الدولية التي التزمت به الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية لحلفائها في أوروبا الغربية هو توفير مظلة حماية عسكرية لهم من خلال حلف الناتو كأقوى تحالف عسكري دولي تلعب فيه الولايات المتحدة دورًا رئيسيًا.
وإذا تركنا الضجيج الإعلامي- الذي غالبًا ما يصاحب تصريحات الرئيس ترامب- نجد أن الأخير قد أدرك إدراكًا كاملًا التكلفة المالية الباهظة لقيادة الولايات المتحدة للعالم، وخاصةً في حماية أوروبا، ومواجهة روسيا، وغيرها.
فاز ترامب بالانتخابات الرئاسية الماضية، بسبب رفعه شعار "أميركا أولًا وجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، ولعلّ هذا الشعار يشكّل إعلانًا رسميًا غير مباشر من الرئيس ترامب بأن دور الهيمنة الأميركية قد انتهى، مما سيفتح الباب على مصراعيه لظهور قوى دولية جديدة تحاول ملء الفراغ الذي سيشكله غياب الدور العسكري الأميركي في قارة أوروبا، ومناطق أخرى من العالم.
إعلانستثير هذه التغيرات، بلا شك، أسئلةً مهمةً لدى دولٍ عديدةٍ في القارة الأوروبية مثل ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا حول قراءة المواقف الأميركية الأخيرة من حرب أوكرانيا وإعادة العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين أميركا وروسيا.
لقد أدركت أوروبا أن عهد الحماية الأميركية ربما شارف على الانتهاء، وبالتالي فعليها اتخاذ خطوات عملية سريعة حاسمة لتشكيل قوة دفاعية أوروبية خالصة ضد الأطماع الروسية التوسعية حيال أوروبا.
هل تستطيع أوروبا تشكيل كتلة عسكرية خاصة بها؟لا تبدو أوروبا في أحسن حالٍ وهي تحاول أن تتلمس خطاها في التعامل مع الرئيس الأميركي ترامب، فهي من جهة لا تريد قطع شعرة معاوية التي بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية، ومن جهة أخرى لا تستطيع أن تتحمل بمفردها أعباء التكلفة المالية الضخمة لحماية القارة الأوروبية، وكذلك دعم مجهودات الحرب، ومواجهة روسيا في أوكرانيا بدون الدعم الأميركي القوي.
لقد عرضت فرنسا المساهمة في مد أوروبا بمظلة نووية تحميها وتردع بها روسيا من أي هجمات عدوانية مستقبلية، كما التزمت بمواصلة دعم أوكرانيا حتى ولو تخلّى الرئيس ترامب عن أوكرانيا وأوروبا كليةً. كما أبدت فرنسا وبعض الدول الأوروبية الأخرى رغبتها في إرسال قوات حفظ سلام دولية لمراقبة أي اتفاق لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، الأمر الذي ترفضه روسيا حاليًا بشدة.
لقد بدأت آثار توجهات سياسة ترامب الخارجية حيال أوكرانيا وروسيا تظهر في دفع أوروبا للإعلان عن زيادة ميزانية الدفاع والأمن الوطني بها زيادةً غير مسبوقة، مما سيزيد من مساهمتها في حلف الناتو العسكري.
ولعل الحرب الأوكرانية ستشكل علامة فارقة في الإنفاق العسكري الألماني، حيث زادت إنفاقها منذ بداية الحرب الأوكرانية إلى حوالي مئة مليار دولار أميركي. وستحاول الحكومة القادمة في ألمانيا مواصلة زيادة الإنفاق العسكري والاقتصادي لدعم مظلة الدفاع الأوروبية في ظل مخاوف حقيقية من مستقبل حلف الناتو.
إعلانولولا وجود تشريع من الكونغرس الأميركي يمنع الرئيس الأميركي من الانسحاب من حلف الناتو العسكري منفردًا دون الرجوع إلى الكونغرس، لوجد ترامب الطريق سهلًا للانسحاب منه مبكرًا.
تمتلك أوروبا خيارات كثيرة أخرى تستطيع أن تساعد بها أوكرانيا رغم المشاكل الاقتصادية والسياسية التي تمر بها القارة العجوز، فمثلًا، تستطيع أن تُصادر الأصول المالية الروسية – المقدرة بحوالي 200 مليار دولار أميركي- لدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، إلا أن مثل هذا القرار سيثير حفيظة روسيا إثارة كبيرة ذات عواقب وخيمة.
سر العلاقة بين ترامب وبوتينفي الماضي، كان أي تقارب أميركي روسي مبعث أمل في استقرار الأمن العالمي وإشاعة روح السلام الدولي. وعلى الرغم أن دعوات الرئيس ترامب لتحسين العلاقات مع روسيا ورفع العقوبات الاقتصادية عنها، وإيقاف الحرب في أوكرانيا حتى يتجنّب العالم حربًا عالميةً ثالثة تبدو أمرًا حسنًا، فإن هذا التقارب بين الرئيسين ترامب وبوتين يبدو في ظاهره غريبًا ومثيرًا لمخاوف كثيرة بدلًا من أن يبعث الأمل لدى العديد من الفاعلين الدوليين.
تبدو العلاقة الخاصة بين ترامب وبوتين محيّرة للكثير من المراقبين والسياسيين الأميركيين، فبينما لا يألو الرئيس ترامب جهدًا في الرد بقسوة على أي خصم سياسي أو حتّى ناشطٍ سياسي، نجده يتحفظ بشكل ملحوظ في إبداء النقد حيال الرئيس بوتين، بل تبدو سياسته حيال الحرب في أوكرانيا شبه متماهية مع الإستراتيجيات الروسية.
فهو على سبيل المثال، ضاعف ضغوطه ضدّ أوكرانيا حتى ترضخ لشروط السلام مع روسيا من خلال تجميد المساعدات الأميركية لها، الأمر الذي سيشكّل خطورةً كبيرةً على سير العمليات العسكرية فيها، إلا إذا تراجع ترامب عن قراره، أو تدخّلت الدول الأوروبية بقوة لتعويض فقدان الدعم الأميركي لأوكرانيا.
سيحاول الرئيس الروسي الاستفادة القصوى من التقارب الأميركي لفكّ الحصار الاقتصادي والعزلة الدولية لروسيا دون تقديم أي تنازلات أساسية في الحرب الأوكرانية، وربما استطاع الاحتفاظ بجزء من الأراضي التي احتلتها قواته في أوكرانيا، معزّزًا بذلك المخاوف الأوروبية من التوسعات الروسية.
إعلانلا شك أن مواقف الرئيس ترامب الجديدة حيال أوكرانيا وروسيا ستدفع أوروبا لتكون أكثر استقلاليةً عن الولايات المتحدة، كما ستجعل من روسيا قوة دولية لا يستهان بها، تستطيع خوض الحروب وقضم أراضي الدول الأخرى دون رادع أو عواقب وخيمة.
لقد بدأ ترامب ولايته الثانية بتفكيك قواعد النظام العالمي الذي أسّسته الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وقامت على الاعتناء به والمحافظة عليه عقودًا طويلة جعلت منها الشرطي الآمِر والناهي.
وإذا استمر الحال – كما هو عليه الآن- فسيكون ثمة نظام عالمي جديد متعدّد الأقطاب يضم الولايات المتحدة، وروسيا، وأوروبا المستقلة عن الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الصين، ودول أخرى ستحاول أن تجد لها موطأ قدمٍ في هذا العالم متعدّد الأقطاب، مثل الهند، والبرازيل، وتركيا.
وتكمن خطورة التعامل مع ترامب في ولايته الثانية في كونه أصبح يشعر شعورًا مبالغًا فيه بقدرته على حل الكثير من المشاكل الداخلية للولايات المتحدة الأميركية، وكذلك المشاكل العالمية المعقّدة اعتمادًا على رؤية سياسية لا تخضع للفحص والمراجعة من قبل فريق استشاري متمرّس، كما كان الحال أثناء فترة ولايته الأولى.
ربما يكون بمقدور ترامب تقرير حفاظ الولايات المتحدة على الترتيبات الأمنية لما بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن لن يكون في مقدوره السيطرة الكلية على كيفية تشكل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.
وسوف تكشف السنوات المقبلة ما إذا كان ذلك النظام- حال قيامه- سيصنع عالمًا يتسم بالأمن والاستقرار، أم سيكون أشبه بالنظام العالمي لفترة ما بين الحربين العالميتين؛ الأولى والثانية، حيث كان التنافس الدولي، والأطماع الاستعمارية في أوج استعارهما.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline