الإبادة البيئية في غزة.. السلوك العدواني لقوات الاحتلال الإسرائيلي
تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT
في مخيم عشوائي بالقرب من مكب خاص بالنفايات، تعيش نيفين خليل "48" عامًا برفقة أبنائها الصغار وأكثر من 15 فردًا آخر من أفراد عائلتها النازحين من مخيم الشاطئ بمدينة غزة. تعاني داخل مكان النزوح من ظروف معيشية صعبة بسبب عدم توفر مياه الشرب، ناهيك عن الرائحة الكريهة المنبعثة من مكب النفايات القريب من المخيم والتي تسبب في تفاقم حالتها الصحية حيث إنها تعاني من صعوبة في التنفس بعد إصابتها بالربو منذ طفولتها.
يقول أمير"32" عامًا، أحد سكان رفح النازحين إلى منطقة خان يونس" الناس أصبحوا مثقلين بتلوث الهواء حيث يستخدم الناس الأخشاب والبلاستيك لإشعال النار لإعداد الطعام، يقوم بعض الأشخاص بقطع الأشجار الخضراء المزروعة بالشوارع لاستخدامها للطبخ، وقد تفاقمت وساءت الحال بعد استخدام السائقين لتشغيل السيارات بزيت الطهي، هذا الأمر يسبب ضيق وصعوبة في التنفس لدينا نحن النازحين".
ويتابع بالقول: "الرائحة كريهة والدخان المنبعث من السيارات لا يطاق، لقد أصابني المرض لعدة أيام. إن رائحة البارود وهذه الغازات الفظيعة الناجمة عن القصف المستمر تلحق ضررًا حقيقيًّا بنا وبالبيئة على حد سواء الجو مليء بالملوثات وعودام السيارات والأبخرة الناتجة عن قصف المنازل والممتلكات بالقنابل الحارقة ".
وتقول ليلي وهي مازالت تعيش بمنزلها في منطقة مواصي خانيونس: "إن مياه الصرف الصحي والنفايات حول المنزل هي مأساة كبيرة، القطط والكلاب تنجذب إلى النفايات، ثم تنشرها في الشوارع، المخيمات غير مؤهلة بشبكات الصرف الصحي بل هناك مكبات عشوائية للأبار المنتشرة بين خيام النازحين".
وبعد صمت أشارت بيدها إلى أرض زراعية أصابها الجفاف نتيجة قلة المياه وعدم سقي المزروعات " لقد انحصرت البقعة الخضراء الجميلة التي كانت تحيط بالمكان نتيجة جفاف الأشجار، الهواء الذي نتنفسه مليء بالملوثات، المياه ملوثة تحمل الأمراض، معظم الأراضي الزراعية دمرتها القنابل والجرافات الإسرائيلية".
واستطردت قائلةً "حسبما ورد عن بعض المنظمات الدولية المعنية بقضايا البيئة فإن هناك تلوث في كل مكان، في الهواء، في الماء الذي نستحم فيه، في الماء الذي نشربه، في الطعام الذي نأكله، في المنطقة المحيطة بنا، حتى مياه البحر لا تخلو من التلوث".
ويقول برنامج الأمم المتحدة للبيئة إنه عندما قطعت إسرائيل الوقود عن غزة بعد 7 أكتوبر، أدى انقطاع التيار الكهربائي إلى عدم إمكانية ضخ مياه الصرف الصحي إلى محطات المعالجة، مما أدى إلى تدفق 100 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي يوميًّا إلى البحر.
ووسط الحديث عن إبادة بيئية، فالاحتلال دمر حوالي 38-48% من الغطاء الشجري والأراضي الزراعية في قطاع غزة كما يظهر تحليل صور الأقمار الصناعية المقدمة لصحيفة "الجارديان البريطانية".
وقد أوضحت ذات الصحيفة البريطانية: "لقد تحولت بساتين الزيتون والمزارع إلى أراض مكتظة بالنازحين، وتلوثت التربة والمياه الجوفية بالذخائر والسموم، ويختنق البحر بمياه الصرف الصحي والنفايات؛ والهواء ملوث بالدخان".
ويقول باحثون ومنظمات بيئية إن الدمار سيكون له آثار هائلة على النظم البيئية، والتنوع البيولوجي في غزة. وقد أدى حجم الضرر وتأثيره المحتمل على المدى الطويل إلى دعوات لاعتباره "إبادة بيئية" والتحقيق فيه باعتباره جريمة حرب محتملة.
من جانب آخر قال الحاج عايش عليان وهو نازح من بيت لاهيا إلى منطقة النصيرات وسط قطاع غزة بأن الاحتلال قام بتجريف الأرض الزراعية التي يمتلكها أثناء الدخول البري للمنطقة في يناير الماضي وقال: " لقد أصبت بصدمه كبيرة عندما شاهدت حجم الدمار الذي أصيبت به أرضي الزراعية، لقد قام الاحتلال الإسرائيلي بتجريف الأرض التي ورثتها عن أبي وأجدادي بالكامل وتم استبدالها بسواتر ترابية عسكرية لتمركز الدبابات."
واستطرد قائلًا: "لا يوجد شيء تقريبًا يمكن التعرف عليه هناك. لا توجد آثار للأرض التي عرفناها. لقد تم محوها تمامًا، لا توجد شجرة واحدة هناك. لا توجد آثار للحياة السابقة. إذا ذهبت إلى هناك، فلن أتمكن من التعرف عليها،كانت الأرض عبارة عن جنة بها أشجار زيتون ونخيل وبرتقال وليمون وجوافه والكثير من المزروعات، لقد دمروها بالكامل وأصبحت اثر بعد عين".
يترافق هذا الحديث، مع قيام الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ منطقة عازلة على حدود قطاع غزة.
وفي تقرير لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أشارت إلى أن هذه المنطقة التي تشمل عمليات هدم وتجريف سوف تساهم في تقليص مساحة غزة 16%.
في سياق متصل قام مركز الميزان لحقوق الإنسان، بإعداد تقرير متخصص بعنوان "إبادة البيئة"، يوضّح فيه إبادة قوات الاحتلال الإسرائيلي لمكونات البيئة المختلفة خلال حرب الإبادة الجماعية التي تشنّها على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 م، جاء فيه " منذ بداية الحرب على غزة حتى اللحظة، وقوات الاحتلال الإسرائيلي تهاجم المدنيين الفلسطينيين والمكونات البيئية على نطاق واسع، دون اكتراث بالقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، لا سيما اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب، ويأتي استهداف قوات الاحتلال للبيئة الفلسطينية بشكل مقصود، حيث طال التدمير البنية الأساسية لقطاعات المياه والصرف الصحي والنفايات الصلبة والسائلة والتربة، وألحق ضررا كبيرا بالبيئة الهوائية، وسبب تلوثا سمعيا، ما أسهم في انتشار الأوبئة والأمراض المختلفة، وهو ما يضع سكان قطاع غزة أمام خطر الموت بسبب الكارثة البيئية التي تسببت بها عمدا قوات الاحتلال".
وقد أشار التقرير إلى أنه " نتيجة التدمير الممنهج لآبار المياه وشبكات نقل وتوزيع المياه، انخفضت كميات المياه التي تصل السكان بشكل خطير، بحيث تصل نسبة الفاقد إلى حوالي 70% من إجمالي المياه التي تضخ في شبكات المياه، والذي تسبب في تناقص ملحوظ في حصة الفرد من المياه خلال الحرب بحيث أصبحت لا تتعدى (8) لترات في اليوم".
كما يستعرض التقرير تدمير قوات الاحتلال لشبكات الصرف الصحي، وهي نفايات سائلة، فدمرت محطات المعالجة ومحطات الضخ والشبكات في مختلف المناطق؛ ما تسبب في طفح المياه العادمة في الشوارع وبين منازل السكان وخيام النازحين، فكانت سببا في نقل الأمراض والأوبئة ومكانا لتوالد وانتشار الحشرات الضارّة.
وتعرضت مكونات التربة لأضرار لا يمكن حصرها؛ جراء الانفجارات الهائلة التي طالتها، سواء تربة المناطق العمرانية أو التربة الزراعية، فكانت الخسائر كبيرة وحجم الضرر كبير خاصّة على الزراعة النباتية والحيوانية، وتضاعفت معاناة المزارعين والعاملين في المهن الزراعية، كما تضررت أوجه الزراعة الحيوانية كالأبقار والأغنام (اللاحمة والحلوب) أو مزارع الطيور كالدواجن (اللاحمة والبياضّة) والحبش كما دمرت تماما مزارع الأسماك سواء بالقصف أو بانعدام الطاقة والمواد الضرورية لتغذية الأسماك.
ويبرز التقرير أثر حرب الإبادة في تلويث الهواء، جراء انتشار الأدخنة بكثافة، جراء القصف الجوي والمدفعي للمناطق السكنية والأراضي الزراعية، إضافة إلى القنابل الدخانية والقذائف الفسفورية التي تطلقها تجاه تلك المناطق.
وفي سياق متصل؛ يعاني سكان قطاع غزة من تلوث سمعي- يسمى أيضا بالتلوث الصوتي أو الضوضائي- وهو متواصل جراء استمرار أصوات الانفجارات، واستمرار تحليق الطائرات الحربية وخاصة الطائرات بدون طيار، حيث تصدر أزيزا غير منقطع له تأثيرات صحية وعصبية ونفسية على الإنسان.
*كاتبة فلسطينية من غزة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاحتلال الإسرائیلی میاه الصرف الصحی قوات الاحتلال قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
الجامعة العربية: ما يحدث في غزة من أبشع حملات الإبادة الجماعية بالعصر الحديث
أكدت جامعة الدول العربية أنه رغم مرور أكثر من 14 شهراً أي 436 يوماً منذ بدء العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة إلا أن الاحتلال مستمر في جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة، والذي بلغ ذروته في شمال القطاع الذي يتعرض للتطهير العرقي والتهجير القسري في واحدة من أبشع حملات الإبادة الجماعية في العصر الحديث.
وقال السفير سعيد أبو علي الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية رئيس قطاع فلسطين والأراضي العربية المحتلة، في مؤتمر المشرفين على شؤون الفلسطينيين في الدول العربية المضيفة، أن هذا العدوان أسفر عن ابادة أكثر من 10% من سكان القطاع ما بين شهيد ومفقود وجريح واسير، وجرى شطب حوالي 1410 عائلة فلسطينية من السجل المدني بلغ عدد افرادها 5444 شهيدا، وتدمير ما يقارب من 80% من المباني السكنية، حيث ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 9900 مجزرة مروعة، واستخدام حوالي 90 ألف طن من المتفجرات.
وأشار إلى أن الوضع في قطاع غزة يجتاز المرحلة الأخطر منذ بدء العدوان في ظل انتشار المجاعة بمستو مروعة، وما يدخل للقطاع من مساعدات حالياً لا تكفي سوى 6 في المائة من أبناء القطاع، ومن المتوقع أن تزداد حدة هذه المجاعة والكارثة الإنسانية تدهوراً خلال فصل الشتاء، حيث بات أكثر من 96% من سكان القطاع يواجهون انعداما حادا في مستويات الأمن الغذائي، كما أصبح كل سكان قطاع غزة يعانون الفقر مع بلوغ نسبته حاجز المئة في المئة.
وأوضح أن خطورةَ الوضعِ الحالي تُؤَكِّدُ الحاجةَ المُلحَّةَ لضمان وصولِ الموادِّ الغذائيةِ والإمداداتِ الأخرى إلى جميع سكانِ غزة، عبر تسريع عملية تقديم المساعدة وتبسيطها وتسريعها، وتحديد سبل تعزيز استجابة المجتمع الدولي للكارثة الإنسانية، وتحديد التدابير والإجراءات الموحدة الفعالة لتقديم جميع المساعدات اللازمة إلى غزة، وتحديد الاحتياجات التشغيلية واللوجستية وأنواع الدعم اللازم في هذا الصدد، ومناقشة الاستعدادات للإنعاش المبكر وتحقيق الالتزام بعملية جماعية منسقة، في استجابة لمعالجة الوضع الإنساني في قطاع غزة.
وشدد على أن الوضع في الضفة الغربية المحتلة لا يقل خطورة وكارثية من حيث مواصلة سلطات الإسرائيلي التصعيد في تنفيذ سياساته العدوانية في مدينة القدس وكافة المدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية، حيث تواصل عصابات المستوطنين المسلحة وبدعم مباشر من جيش الاحتلال ممارسة الإرهاب والاعتداءات المتواصلة في إطار سياسة الاحتلال الرسمية الممنهجة في حرق واقتلاع وتدمير للممتلكات، وفرض العزل والاغلاقات إلى تنفيذ الاعدامات الميدانية والتهويد وممارسة التمييز العنصري والتطهير العرقي والتهجير القسري، والتمدد الاستعماري.