جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-26@23:41:42 GMT

وسع عقلك: عِش الحاضر

تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT

وسع عقلك: عِش الحاضر

 

سلطان بن محمد القاسمي

في مقالنا السابق الذي كان بعنوان  "وسع عقلك"، تناولنا أهمية تجاوز الأمور الصغيرة والتركيز على ما يضيف قيمة حقيقية لحياتنا. وبفضل الله تعالى، اليوم نُواصل الحديث عن فكرة أساسية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بما سبق، وهي: التركيز على الحاضر والتَّخلص من الماضي. فالحاضر هو هدية من الله، وما أجمل أن نستقبل تلك الهدايا بكل حُب وامتنان.

لو تأملنا قليلاً، سنجد أن كثيرين منَّا يعيشون في دوامة من الذكريات والأفكار المرتبطة بالماضي؛ سواءً كان ذلك بسبب تجارب سلبية أو لحظات نجاح قديمة. ولكن إذا نظرنا إلى الأمور بمنظار الحكمة، سنجد أنَّ الانغماس في الماضي قد يكون قيدًا يمنعنا من الاستمتاع بالحاضر وتقدير النعم التي تحيط بنا في هذه اللحظة. العقل الواسع هو الذي يستطيع أن يدرك أن كل لحظة هي فرصة من الله، ويجب أن نستثمرها بحكمة وشكر.

ومن جهة أخرى، يذكرنا القرآن الكريم في كثير من المواضع بأهمية التركيز على الحاضر وعدم التشبث بالماضي. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: "وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ" (الذاريات: 22)، وهذه الآية المباركة تحمل رسالة مطمئنة، وهي أن الرزق والفرص لا تأتي من الماضي، بل من تدبير الله لنا في الحاضر والمستقبل. فكل يوم جديد هو نعمة من الله، ولهذا، إذا استمر الإنسان في التفكير فيما فقده أو ما مر به في الماضي، فإنه يحرم نفسه من الرزق الذي قد يكون في متناول يده الآن. فما أعظم حكمة الله في تدبير الأمور.

إضافة إلى ذلك، العيش في الحاضر يعني أن نكون واعين للنعم التي تحيط بنا، أن نستمتع بالتفاصيل الصغيرة التي كثيرًا ما نغفل عنها بسبب التفكير في الماضي أو القلق على المستقبل. فاللحظة التي نعيشها الآن، هي نعمة من الله تبارك وتعالى، ولعلها تكون اللحظة التي تغير حياتنا إلى الأفضل. وهكذا، التأمل في الحاضر يتيح لنا الفرصة لاكتشاف الجمال الذي أودعه الله في كل شيء، سواء كان في لحظة هدوء نعيشها مع أنفسنا أو في لحظة تواصل مع من نحب. هذه اللحظات البسيطة هي التي تشكل جوهر الحياة وهي دليل على رحمة الله بنا.

ومن هنا دعونا نتساءل: ماذا سنستفيد إذا استمررنا في إعادة شريط الذكريات السلبية؟ أو إذا جعلنا الفشل السابق حاجزًا أمام تحقيق النجاح في المستقبل؟ في الحقيقة، الاستغراق في الماضي يُشبه السير في طريق بلا نهاية، حيث نجد أنفسنا نكرر نفس التجارب دون أن نتعلم منها أو نتحرر من تأثيرها. ولكن الله سبحانه وتعالى أعطانا القدرة على التعلم من الماضي، وتجاوز ما يُثقلنا، فالحكمة تكمن في أن ندرك أن الله قد جعل من كل تجربة درسًا لنا. وبإرادة الله-عزوجل-، نحن قادرون على التعلم من الماضي دون أن نسمح له بتحديد مسارنا الحالي.

علاوة على ذلك، خذ مثلًا الشخص الذي فشل في مشروع سابق. بدلاً من الاستمرار في لوم نفسه على ذلك الفشل، يمكنه التوكل على الله واختيار التركيز على ما يمكنه فعله الآن لتحقيق النجاح. فالتوكل على الله مع العمل الجاد يفتح لنا أبواب الرزق والفرص. وعندما يختار التركيز على الحاضر ويستعين بالله، سيجد أن الفرص مفتوحة أمامه، وأنه قادر على تحقيق ما لم يستطع تحقيقه في السابق. وبالتالي، الماضي لا يجب أن يكون عبئًا، بل درسًا نستفيد منه لبناء حاضر أفضل، وهذا بفضل الله وتوفيقه.

كذلك، تأمل في العلاقات الإنسانية. قد يمر الإنسان بمواقف مؤلمة في علاقاته مع الآخرين، ويشعر بالخيانة أو الإحباط. ولكن، إذا نظرنا إلى الأمر من منظور ديني، نجد أن الله يُطالبنا بالعفو والتسامح، لأنَّ في ذلك راحة للقلوب وسكينة للأرواح. فمن يسامح يُسَامح، ومن يتجاوز عن أخطاء الآخرين، يجد السلام في داخله. إن التركيز على الحاضر لا يعني فقط تجاوز الماضي، بل يعني أيضًا التخلص من القلق بشأن المستقبل. فكلنا نعلم أن الأمور بيد الله، ونحن كثيرًا ما نشعر بالقلق من المستقبل ونتساءل عما إذا كانت القرارات التي نتخذها اليوم ستؤدي إلى النتائج التي نأملها. ولكن الله وعدنا بالرزق والفرج، وحين نترك هذه المخاوف تسيطر علينا، نفقد القدرة على الاستمتاع باللحظة الحالية. تذكر دائمًا أن ما تفعله الآن هو الذي يصنع المستقبل، بتوفيق الله ورعايته. وبالتالي، لا تدع القلق يسلب منك فرصتك في العيش بسلام.

من ناحية أخرى، هناك مقولة مأثورة تقول: "لا يمكننا تغيير الماضي، ولكن يمكننا تغيير الطريقة التي نرى بها الحاضر". وهذه الحكمة تلخص تمامًا ما نحاول الوصول إليه هنا. فبمجرد أن نركز على اللحظة الحالية، ونتوكل على الله، نجد أن الحياة تصبح أكثر سلاسة وأقل تعقيدًا. وبالتالي، نحن نملك القوة التي منحنا إياها الله لنعيش بسلام إذا اخترنا التركيز على ما لدينا الآن بدلاً مما فقدناه أو ما نخاف أن نفقده.

وبالمثل، الحياة ليست في الأمس، وليست في الغد. إنها الآن، بتوفيق الله. هذه اللحظة هي كل ما نملكه حقًا، وعندما نتعلم كيف نعيشها بشكل كامل، نجد أن السكينة والراحة النفسية تأتي بشكل طبيعي. العقل الواسع والقلب المؤمن هو الذي يعرف كيف يتعامل مع الحاضر بذكاء، وكيف يستغل الفرص التي بين يديه، بفضل الله وكرمه، بدلاً من أن ينشغل بتفاصيل الماضي أو هواجس المستقبل.

دعونا نتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كُلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان".رواه مسلم. فما أعظم توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يوجهنا نحو العمل بجد في الحاضر، والاستفادة من الفرص التي بين أيدينا، والتوكل على الله في كل خطوة نخطوها. وبناءً عليه، لا مجال للعجز أو التعلق بما فات، بل ينبغي أن نركز على ما نستطيع تحقيقه الآن، بفضل الله.

إنَّ اختيار العيش في الحاضر هو اختيار للحرية. الحرية من قيود الماضي وآثاره، والحرية من قلق المستقبل. وعندما نتبنى هذا النهج، سنجد أن الحياة تصبح أكثر هدوءًا وسلامًا، وأن طاقتنا تتحول نحو بناء ما نطمح إليه، بتوفيق الله ورحمته، بدلاً من الاستنزاف في تفاصيل لا تضيف شيئًا لروحنا.

لذا.. دعونا نختار أن نعيش في الحاضر، أن نتجاوز ما مضى ونستقبل اللحظة الحالية بروح مُمتنة لله، واثقة في تدبيره. لأنَّ الحياة الحقيقية تكمن هنا، في اللحظة التي نعيشها الآن، بفضل الله وعنايته.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

هيئة شؤون الأسرى توضح لـعربي21 الانتهاكات التي يتعرض لها الأسير عبد الله البرغوثي

أثار حديث ابنة الأسير الأردني عبد الله البرغوثي عن تعرضه للضرب والتنكيل بشكل يومي المخاوف على حياته، وطرح سردها عن وضع والدها الصحي والجسدي تساؤلاً عن ما إذا كان الاحتلال يحاول اغتياله.

وكانت ابنة البرغوثي قد نقلت عن أحد محامي والدها أنه "يتعرض لمعاملة وحشية، وضرب مفرط بواسطة أدوات قمعية مثل الأحزمة والعصي الحديدية، ويتعمد الاحتلال إفراغ القسم بالكامل من الأسرى، ليُترك البرغوثي مع السجانين لوحده وتنطلق عملية تعذيبه".

ولفتت إلى أن هذه الممارسات الوحشية، أدت إلى كسور شديدة في عظامه، مما جعله غير قادر على الحركة أو الوقوف بشكل طبيعي.



من جهتها قالت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية، إن حال الأسير عبد الله البرغوثي كحال بقية الأسرى في السجون الإسرائيلية ما بعد السابع من أكتوبر، حيث يُمارس عليهم جميعا سلسلة من العقوبات.

وأوضحت الهيئة في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، أن هذه العقوبات تتمثل بالاعتداء بالضرب والتنكيل بالأسرى، بالإضافة إلى تقليل كميات الطعام ما أدى إلى خسارة جميع الأسرى الكثير من أوزانهم، كذلك انتشرت بينهم الأمراض والأوبئة.

وأكدت أنه لا يتم تقديم العلاج الطبي اللازم للأسرى بشكل عام والأسير عبد الله البرغوثي بشكل خاص، الذي تقوم إدارة السجون الإسرائيلية بالاعتداء عليه بشكل يومي وممنهج والتنكيل به ونقله من سجن إلى أخر.

وأكملت الهيئة، أيضا تم سحب مواد التنظيف وهذا أدى إلى انتشار الأمراض والأوبئة في صفوف الأسرى في السجون الإسرائيلية، كما أن الاحتلال لا يقدم العلاج الطبي اللازم للأسرى المرضى الذين أصيبوا بالمرض الجلدي (الجرب).



وحول وضع الأسير الأردني عبد الله البرغوثي، قالت هيئة شؤون الأسرى لـ"عربي21"، بحسب مشاهدة المحامي الذي قام بزيارته تظهر على جسده آثار الضرب بوضوح، بالإضافة الى انتشار المرض الجلدي، وهناك علامات ظهور للدمامل، أيضا لا يتم تقديم العلاج الطبي له، علما أنه خسر من وزنه ما يقارب 70 كيلو منذ السابع من أكتوبر.

وأثار حديث المحامي عن وضع الأسير الأردني عبد الله البرغوثي تساؤلات حول ما إذا كان الاحتلال يتعمد اغتياله، خاصة أنه كان دائما يرفض إدراجه في أي صفقة تبادل لأسرى، وكان يتعمد وضعه في زنزانة انفرادية لسنوات ويمنع أهله من زيارته لفترات طويلة.

بدورها قالت هيئة الأسرى رداً على هذه التساؤلات، "طلبنا زيارته وننتظر تحديد موعد للزيارة حتى نعرف كل التفاصيل حول ما يحدث معه".

وكان الاحتلال الإسرائيلي قد كثف قمعه وتنكيله بالأسرى الفلسطينيين بعد السابع من أكتوبر، ونال أسرى قطاع غزة النصيب الأكبر من هذا التنكيل والمعاملة الوحشية.

حيث احتجز الاحتلال أسرى قطاع غزة في معسكر سدي تيمان سيء السمعة، ووضعهم في أقفاص حديدية وعاملهم بطريقة وحشية وغير ادمية، حيث قام بتعذيبهم بكل الوسائل الجسدية والنفسية، كما هناك روايات تناقلها الأسرى عن تعرض بعضهم للاغتصاب.

ونقلت قناة الجزيرة عن رئيس نادي الأسير الفلسطيني عبد الله زغاري أن الاحتلال الإسرائيلي نفذ منذ 7 تشرين أول/أكتوبر 15 ألف عملية اعتقال في قطاع غزة وحده.

ووفقا لزغاري فإن الاحتلال الإسرائيلي يرفض تقديم معلومات دقيقة عن عدد أسرى قطاع غزة، مؤكدا أن عمليات التعذيب والتنكيل قد تصاعدت منذ السابع من أكتوبر، علما أنه نتيجة للإهمال الطبي استشهد ما لا يقل عن 63 أسيرا فلسطينياً آخرهم الشاب مصعب عديلي (21 عاما).

مقالات مشابهة

  • الصرخةُ.. سلاحُ الوعيِ الذي أرعبَ الأساطيلَ
  • هيئة شؤون الأسرى توضح لـعربي21 الانتهاكات التي يتعرض لها الأسير عبد الله البرغوثي
  • بري في موقف مفاجئ : لن نسلم السلاح الآن!
  • الشرطة تصدر توضيحا بشأن الحدث الذي وقع في رام الله
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • غرب كردفان.. الأضرار التي لحقت بالمشروعات والبنى التحتية
  • سفيرة الجامعة العربية أمام جثمان البابا فرانسيس: «تأثرت بشدة وذكرت اللحظة التي تحدثت فيها عن معاناة الفلسطينيين»
  • قصة التوتر التي تحدث الآن بين الهند وباكستان
  • سلاح الجو النوعي الذي أرعب الحركة الإسلامية
  • مصير طائرة طيران الهند التي بيعت العام الماضي بعد تلويحة الوداع.. فيديو