جريدة الرؤية العمانية:
2024-09-25@19:25:17 GMT

وسع عقلك: عِش الحاضر

تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT

وسع عقلك: عِش الحاضر

 

سلطان بن محمد القاسمي

في مقالنا السابق الذي كان بعنوان  "وسع عقلك"، تناولنا أهمية تجاوز الأمور الصغيرة والتركيز على ما يضيف قيمة حقيقية لحياتنا. وبفضل الله تعالى، اليوم نُواصل الحديث عن فكرة أساسية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بما سبق، وهي: التركيز على الحاضر والتَّخلص من الماضي. فالحاضر هو هدية من الله، وما أجمل أن نستقبل تلك الهدايا بكل حُب وامتنان.

لو تأملنا قليلاً، سنجد أن كثيرين منَّا يعيشون في دوامة من الذكريات والأفكار المرتبطة بالماضي؛ سواءً كان ذلك بسبب تجارب سلبية أو لحظات نجاح قديمة. ولكن إذا نظرنا إلى الأمور بمنظار الحكمة، سنجد أنَّ الانغماس في الماضي قد يكون قيدًا يمنعنا من الاستمتاع بالحاضر وتقدير النعم التي تحيط بنا في هذه اللحظة. العقل الواسع هو الذي يستطيع أن يدرك أن كل لحظة هي فرصة من الله، ويجب أن نستثمرها بحكمة وشكر.

ومن جهة أخرى، يذكرنا القرآن الكريم في كثير من المواضع بأهمية التركيز على الحاضر وعدم التشبث بالماضي. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: "وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ" (الذاريات: 22)، وهذه الآية المباركة تحمل رسالة مطمئنة، وهي أن الرزق والفرص لا تأتي من الماضي، بل من تدبير الله لنا في الحاضر والمستقبل. فكل يوم جديد هو نعمة من الله، ولهذا، إذا استمر الإنسان في التفكير فيما فقده أو ما مر به في الماضي، فإنه يحرم نفسه من الرزق الذي قد يكون في متناول يده الآن. فما أعظم حكمة الله في تدبير الأمور.

إضافة إلى ذلك، العيش في الحاضر يعني أن نكون واعين للنعم التي تحيط بنا، أن نستمتع بالتفاصيل الصغيرة التي كثيرًا ما نغفل عنها بسبب التفكير في الماضي أو القلق على المستقبل. فاللحظة التي نعيشها الآن، هي نعمة من الله تبارك وتعالى، ولعلها تكون اللحظة التي تغير حياتنا إلى الأفضل. وهكذا، التأمل في الحاضر يتيح لنا الفرصة لاكتشاف الجمال الذي أودعه الله في كل شيء، سواء كان في لحظة هدوء نعيشها مع أنفسنا أو في لحظة تواصل مع من نحب. هذه اللحظات البسيطة هي التي تشكل جوهر الحياة وهي دليل على رحمة الله بنا.

ومن هنا دعونا نتساءل: ماذا سنستفيد إذا استمررنا في إعادة شريط الذكريات السلبية؟ أو إذا جعلنا الفشل السابق حاجزًا أمام تحقيق النجاح في المستقبل؟ في الحقيقة، الاستغراق في الماضي يُشبه السير في طريق بلا نهاية، حيث نجد أنفسنا نكرر نفس التجارب دون أن نتعلم منها أو نتحرر من تأثيرها. ولكن الله سبحانه وتعالى أعطانا القدرة على التعلم من الماضي، وتجاوز ما يُثقلنا، فالحكمة تكمن في أن ندرك أن الله قد جعل من كل تجربة درسًا لنا. وبإرادة الله-عزوجل-، نحن قادرون على التعلم من الماضي دون أن نسمح له بتحديد مسارنا الحالي.

علاوة على ذلك، خذ مثلًا الشخص الذي فشل في مشروع سابق. بدلاً من الاستمرار في لوم نفسه على ذلك الفشل، يمكنه التوكل على الله واختيار التركيز على ما يمكنه فعله الآن لتحقيق النجاح. فالتوكل على الله مع العمل الجاد يفتح لنا أبواب الرزق والفرص. وعندما يختار التركيز على الحاضر ويستعين بالله، سيجد أن الفرص مفتوحة أمامه، وأنه قادر على تحقيق ما لم يستطع تحقيقه في السابق. وبالتالي، الماضي لا يجب أن يكون عبئًا، بل درسًا نستفيد منه لبناء حاضر أفضل، وهذا بفضل الله وتوفيقه.

كذلك، تأمل في العلاقات الإنسانية. قد يمر الإنسان بمواقف مؤلمة في علاقاته مع الآخرين، ويشعر بالخيانة أو الإحباط. ولكن، إذا نظرنا إلى الأمر من منظور ديني، نجد أن الله يُطالبنا بالعفو والتسامح، لأنَّ في ذلك راحة للقلوب وسكينة للأرواح. فمن يسامح يُسَامح، ومن يتجاوز عن أخطاء الآخرين، يجد السلام في داخله. إن التركيز على الحاضر لا يعني فقط تجاوز الماضي، بل يعني أيضًا التخلص من القلق بشأن المستقبل. فكلنا نعلم أن الأمور بيد الله، ونحن كثيرًا ما نشعر بالقلق من المستقبل ونتساءل عما إذا كانت القرارات التي نتخذها اليوم ستؤدي إلى النتائج التي نأملها. ولكن الله وعدنا بالرزق والفرج، وحين نترك هذه المخاوف تسيطر علينا، نفقد القدرة على الاستمتاع باللحظة الحالية. تذكر دائمًا أن ما تفعله الآن هو الذي يصنع المستقبل، بتوفيق الله ورعايته. وبالتالي، لا تدع القلق يسلب منك فرصتك في العيش بسلام.

من ناحية أخرى، هناك مقولة مأثورة تقول: "لا يمكننا تغيير الماضي، ولكن يمكننا تغيير الطريقة التي نرى بها الحاضر". وهذه الحكمة تلخص تمامًا ما نحاول الوصول إليه هنا. فبمجرد أن نركز على اللحظة الحالية، ونتوكل على الله، نجد أن الحياة تصبح أكثر سلاسة وأقل تعقيدًا. وبالتالي، نحن نملك القوة التي منحنا إياها الله لنعيش بسلام إذا اخترنا التركيز على ما لدينا الآن بدلاً مما فقدناه أو ما نخاف أن نفقده.

وبالمثل، الحياة ليست في الأمس، وليست في الغد. إنها الآن، بتوفيق الله. هذه اللحظة هي كل ما نملكه حقًا، وعندما نتعلم كيف نعيشها بشكل كامل، نجد أن السكينة والراحة النفسية تأتي بشكل طبيعي. العقل الواسع والقلب المؤمن هو الذي يعرف كيف يتعامل مع الحاضر بذكاء، وكيف يستغل الفرص التي بين يديه، بفضل الله وكرمه، بدلاً من أن ينشغل بتفاصيل الماضي أو هواجس المستقبل.

دعونا نتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كُلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان".رواه مسلم. فما أعظم توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يوجهنا نحو العمل بجد في الحاضر، والاستفادة من الفرص التي بين أيدينا، والتوكل على الله في كل خطوة نخطوها. وبناءً عليه، لا مجال للعجز أو التعلق بما فات، بل ينبغي أن نركز على ما نستطيع تحقيقه الآن، بفضل الله.

إنَّ اختيار العيش في الحاضر هو اختيار للحرية. الحرية من قيود الماضي وآثاره، والحرية من قلق المستقبل. وعندما نتبنى هذا النهج، سنجد أن الحياة تصبح أكثر هدوءًا وسلامًا، وأن طاقتنا تتحول نحو بناء ما نطمح إليه، بتوفيق الله ورحمته، بدلاً من الاستنزاف في تفاصيل لا تضيف شيئًا لروحنا.

لذا.. دعونا نختار أن نعيش في الحاضر، أن نتجاوز ما مضى ونستقبل اللحظة الحالية بروح مُمتنة لله، واثقة في تدبيره. لأنَّ الحياة الحقيقية تكمن هنا، في اللحظة التي نعيشها الآن، بفضل الله وعنايته.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

من هي المرأة التي "تدير" بريطانيا من خلف الكواليس؟

إن أجندة الحكومة البريطانية أصبحت تتطابق إلى حد كبير مع أجندة المستشارة راشيل ريفز رئيسة وزارة الخزانة البريطانية، سواء كان ذلك للأفضل أو الأسوأ حسبما تقول صحيفة "بوليتيكو"، وذلك منذ وصول حزب العمال إلى السلطة في تموز/يوليو.

اعلان

عمل رئيس الوزراء كير ستارمر مع كبير المتحدثين الاقتصاديين باسمه طوال الحملة الانتخابية، وأكد على رسالة مفادها أن حزب العمال يمكن الوثوق به في الشؤون المالية للبلاد بعد سنوات من حكم المحافظين.

قام ستارمر بتدخلات قليلة في حكومته تتجاوز مهمة ريفز -التي ألقت خطابًا في المؤتمر السنوي لحزب العمال في ليفربول يوم الاثنين- للحفاظ على السيطرة على المال العام قبل كل شيء.

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ووزيرة الخزانة راشيل ريفز يحضران مؤتمر حزب العمال في ليفربول بإنجلترا Jon Super/AP

ومع ذلك، فإن التحذيرات القاتمة حول حالة الاقتصاد التي ورثها حزب العمال سرعان ما أصبحت الرسالة الحقيقية الوحيدة للحكومة الجديدة، وهذا ما يجعل الوضع صعبا.

ويقول المطلعون في "وستمنستر" و"وايتهول" الذين لم تكشف هوياتهم، إن مكتب رئيس الورزاء لا يلعب دورا رئيسيا في اتخاد القرارات، راميا الحمل على وزارة الخزانة.

وقال مسؤول سابق في وزارة الخزانة ترك الحكومة مؤخرًا إنه "عندما كنا نجري محادثات حول تطوير السياسة، كان دائمًا ما يكون السؤال "ما رأي وزارة الخزانة في هذا الأمر؟".

Relatedالسفير حسام زملط ليورونيوز: حكومة بريطانيا تعهدت بالاعتراف بفلسطين ونفهم أن الطريق سيكون طويلا بعد دول الخليج.. بريطانيا تحدد تواريخ تطبيق التصريح الإلكتروني للسفر على الأوروبيينسبيدغولف 2024: لحظات ممتعة وحماس واضح في البطولة التي تجمع بين الغولف والجري في بريطانيا

عندما ألقى ستارمر خطاباً في أعقاب أعمال الشغب في جميع أنحاء البلاد، كانت النتيجة التي خرج بها رئيس الوزراء الجديد هي أن الناخبين عليهم أن يتوقعوا أن تكون هناك خيارات "مؤلمة" في الفترة المقبلة في موضوع الضرائب والإنفاق.

ويزعم البعض أن القرارات المتعلقة بأجندة حزب العمال حديثة العهد تمليها وزارة الخزانة إلى حد كبير من وراء الكواليس، كما يزعم البعض. قال نفس المسؤول سابق الذكر: "الحديث دائمًا ما يدور حول ما الذي سينجح ماليًا؟ هل سيُنظر إلى هذا على أنه معادٍ للنمو؟ و(هل) لن ينجح هذا الأمر من الناحية السياسية بالنسبة لرئيس الوزراء؟“.

وزيرة الخزانة البريطانية راشيل ريفز تتحدث خلال مؤتمر حزب العمال في ليفربولJon Super/AP

وقال المسؤول إن مستشاري ومسؤولي وزارة الخزانة موجودون دائمًا في عملية صنع القرار في الوزارة. وفي تناقض صارخ مع الحكومات السابقة، يُنظر إلى حكومة ستارمر على أنها تتبع نهجًا يعكس تدخلا قليلا في الإدارة اليومية للحكومة.

قال غايلز ويلكس وهو مستشار سابق للحكومة، وهو الآن شريك في شركة الاستشارات "فلينت غلوبال"، إن وزارة الخزانة "مهيمنة، خاصة على المستوى الرسمي"، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن وزارة الخزانة تتمتع بمستوى أكبر من الاستقرار في التوظيف مقارنةً بمكتب رئيس الوزراء، الذي يتم تفكيكه وإعادة تشكيله إلى حد كبير في كل انتخابات.

مع ذلك، لاحظ موظفو الخدمة المدنية أن وزارة الخزانة "تولي اهتماماً أكبر بكثير من الإدارات الأخرى"، كما يقول ويلكس. وذلك لأنها مسؤولة عن الإيفاء بتعهد ستارمر المتعلق برفع معدل النمو الضعيف في المملكة المتحدة إلى أعلى مستوى في مجموعة الدول السبع، وهي مهمة من المتوقع أن تلعب كل وزارة دورها فيها.

شارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية كير ستارمر يلتقي جورجيا ميلوني في روما لبحث استراتيجيات وقف تدفق المهاجرين بعد برلين.. كير ستارمر يلتقي ماكرون في باريس لبحث تعزيز العلاقات الثنائية كير ستارمر.. من أسرة متواضعة إلى رئاسة الحكومة قريبا في بريطانيا مال عام المملكة المتحدة ضرائب كير ستارمر حزب العمال تنمية اقتصادية اعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. اليوم الـ353 للحرب: قصف إسرائيلي مكثف على جنوب لبنان والبقاع ونتنياهو للبنانيين خذوا تحذيراتنا بجدية يعرض الآن Next زيلينسكي يوقع اسمه على قذائف أمريكية لضربها على أهداف روسية ويقول للغرب.. هل من مزيد؟ يعرض الآن Next مقتل أربعة مهاجرين وإنقاذ خمسة وفقدان عدد آخر عند سواحل اليونان بعد غرق قارب حملهم من تركيا يعرض الآن Next الكوليرا تنتشر في السودان وجنرالات الحرب يواصلون قتالهم دون هوادة يعرض الآن Next شولتس يتنفس الصعداء بعد فوز حزبه في ولاية براندنبورغ والحزب المتطرف يتوعد" مستقبل ألمانيا أزرق" اعلانالاكثر قراءة حب وجنس في فيلم" لوف" بعد إغلاقه بالقدس: الجيش الإسرائيلي يقتحم مكتب قناة "الجزيرة" في رام الله ويغلقه بأمر عسكري تفجيرات مدوية أشعلت مستودعا روسيا للذخيرة وترسانة الصواريخ.. أوكرانيا تمطر موسكو بمئة مسيرة شاهد: كاميرا سيارة توثق لحظة سقوط صاروخ لحزب الله على منزل في شمال إسرائيل منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.. من هم أبرز قادة حزب الله الذين قتلوا منذ طوفان الأقصى ومن بقي حيا؟ اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومحزب اللهالصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيللبنانفولوديمير زيلينسكيروسياقطاع غزةغزةجنوب لبنانبحث وإنقاذأوروبااعتداء إسرائيل Themes My Europeالعالمالأعمالالسياسة الأوروبيةGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامج Services مباشرنشرة الأخبارالطقسجدول زمنيتابعوناAppsMessaging appsWidgets & ServicesAfricanews Job offers from Amply عرض المزيد About EuronewsCommercial Servicesتقارير أوروبيةTerms and ConditionsCookie Policyتعديل خيارات ملفات الارتباطسياسة الخصوصيةContactPress OfficeWork at Euronewsتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

مقالات مشابهة

  • من القاهرة إلى دبي.. رحلة الابتكار التي ستُغير ملامح المستقبل
  • مجلس النواب يشارك في أعمال المنتدى البرلماني الذي نظمه الاتحاد البرلماني الدولي
  • تعرّف على أحد الرحالة الرقميين التي تعيش بسعادة في إسطنبول، أحد ملتقيات الطرق في العالم
  • إيران تعفو عن الفائز بجائزة "غرامي" الذي أصبحت أغنيته نشيدًا لاحتجاجات 2022 بعد مقتل مهسا أميني
  • عبدالعاطي: الأزمات التي تواجه العالم تحتاج للبحث عن رؤية واضحة لإنقاذ البشرية
  • فينجادا يكشف كواليس اقترابه من تدريب الزمالك في الموسم الماضي
  • تضارب الأنباء حول عدد الصواريخ التي استهدفت حي الماضي بالضاحية الجنوبية
  • من هي المرأة التي "تدير" بريطانيا من خلف الكواليس؟
  • قصف بها محيط حيفا للمرة الأولى.. ما هي خصائص صاروخ "فادي" التي استخدمها حزب الله وما سبب التسمية؟