فاطمة الحارثية
تقارب وجهات النظر لا يعني بالضرورة توافقًا فكريًا أو ودًّا في العلاقة، فمعظمنا استقى معرفته وعلمه من ذات الكتب والبعض من ذات المعلم، الاختلاف يحدث من الزاوية التي نرى منها الأمور، ومقدار الفهم، ثم العائد والمصلحة، وقبلها المنبع أو بتعبير أدق البشر الذين كتبوا كُتبنا التي تعلمنا منها، فمن اختلفت مناهجه التعليمية لظروف الغربة، سوف يختلف؛ فهل نختلف بسبب الاختلاف؟
كان للأولين حظ الاختيار، القبول أو الرفض للمدارس الفكرية التي يتقدمون إليها، ودُور العلم والعلماء والكتب التي يدرسها ويتدارسها، بيد أنه في وقتنا الحاضر لا نملك الخيار ولا ننتقي ما نتعلمه ومن نتتلمذ على يديه؛ وهذا ما أوجد التحديات الجسام، وساهم في ظل العولمة في ضعف الاستقرار الفكري والتناسخ العلمي وندرة الابداع.
"إذا ما أنا، ما غيري!" على ماذا قد تنشر الفساد والفتن أو تُهلك الجهود؟ فالاستثمار الناجع يرتكز ويعتمد على إتقان لعب دور الشريك، أكثر من قوة الضمانات "الوساطات والمعارف" أو حجم العوائد التي قد تحققها، فكلاهما غير مستقر ولا يدوم؛ فطبيعة الإنسان الشك في كل شيء، وإن أجدت التعبير هنا سوف أقول "الحذر" بدل الشك، كلا يرى من زاويته، والشريك المناسب، من يُكمل نقصك وأنت تكمل نقصه، وهذا الذي يُديم العلاقة ويُبقيها مع الانتباه على موضوع التعود، الذي يُعد خطرًا حقيقيًا في تجانس وبقاء أية علاقة، فنحن كطبيعة بشرية نعتاد على الأشخاص والأمور، حتى نخال أنها جزء طبيعي ونستطيع العيش بدونها، والاستغناء أو أضعف الوضع الاستبدال، وهذا لمحدودية الإدراك والوعي في القادم من الحياة، وحقيقة المسائل مثل الروتين والرتابة والاستقرار، لنا أن نضيف مفاهيم الاختلاف، مثل السعادة والقبول؛ لأن المتعارف أننا نضجر سريعًا، ونُسلم بأن النعم دائمة ومستحقة، وفي حقيقة الأمر، أننا لا نعلم الغيب ولا نُدرك حجم التغيير الذي قد يحدث في حالة الاستغناء أو الاستبدال، أو حتى التجاهل، وأضف أيضًا التفرد والبصمة التي يتميز بها الناس بعضهم بين بعض، وهذا ما يُصعب علينا حقيقة التعويض الذي يأتي بعد الاستغناء أو الاستبدال أو التجاهل، فيحدث الندم.
نمارس مفهوم الخطة "ب" في الأعمال أحياناً لكن نادرا ما نضعه في مضمار أحلامنا أو خططنا الشخصية، لهوس قد نصاب به اسمه "الغرور"، أو يُلهنا الأمل، وربما لأسباب أخرى كثيرة تنبع من البيئة أو المعتقد، والأهم أنَّ قبول التغيير يُعتبر عاملا أساسيا للخطة "ب"، أي القضاء وحكم الله.
الخطة "ب"، تحتاج أن تُحتسب وأن تكون جزءًا من المخطط الأساسي، في عمق مضامين آليات التنفيذ ومرونة التأقلم مع المستجدات والمتغيرات، طالما الهدف الرئيسي قائم بثبات؛ قد يقول البعض إن هدفي أن أعمل ضمن ما أحب أو أُتقن، وأقول لهم، هدف العمل اثنان أولهما بناء موارد الحياة الأساسية أي المال والثاني التعلم والنمو أي الارتقاء الاجتماعي، وما تُحب وتتقن ربما ليس إلا جزءا يسيرا جدا من إمكانياتك وكفاءتك، وربما ما تتقن ليس حقيقة شغفك، والتردد أو ضعف الاستثمار الذاتي مخاطرة بحد ذاتها؛ قال لي أحدهم، نحن نعلم الكثير، والتحدي لم يعد بمقدار ما نعلمه بل القدرة على تحويل الكم الهائل من المعرفة التي لدينا إلى أدوات ومبادرات تنفع الناس، وترفع من أدائنا العملي، وهذا نبهني إلى الجدل الذي يقدمه شخوص الـ "أعرف/أعلم"، مقابل النتائج العملية التي صنعوها وترجموها من الكم المعرفي والعلمي الذي لديهم.
أكثر ما يؤرق الخطة "ب" مشاعرنا غير الواقعية، مثل المنافسات العدائية الفاسدة والتحفيز السلبي، والغيرة والمقارنات، وغيرها من التكتلات النفسية التي لا توصل الإنسان إلى نتائج حقيقية، أو نفع عام، الخطة "ب" تحتاج إلى تسليم تام وقبول لتستطيع أن تمتلك المرونة اللازمة للاستمرار بنفس مشرقة راضية مرضية.
إن طال...
الجُهد الذي يُبذل في العلاقات، فيه الكثير من العناء، ليس علينا أن نقترض القبول، فمثل هذا الدين عظيم، يبقى على الأعناق إلى يوم الدين، ومن اشتريت وده وقربه بهدية يبيعك بهدية أغلى.
لا تُؤلم أو تلُم قلبي، فنحن خاضعين لقول الله تعالى (لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ). ولله السمع والطاعة والرضا.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
التحدي الوجودي الذي يواجه العرب!
د. محمد بن عوض المشيخي **
يجب الاعتراف بأننا نعيش في عالم غريب لا يعرف إلّا لغة القوة والسيطرة على الآخرين، وقوة الدول الاستعمارية غير المسؤولة والتي تفتقد إلى المنطق وتكرس قانون الغاب، تجعلُ العرب والمسلمين في أنحاء العالم على المحك، وتفرض عليهم خيارًا وحيدًا هو الجهاد في سبيل الله، وتدفعهم للمقاومة ورد الظُلم الذي وقع على الشعب الفلسطيني طوال سبعة عقود من الزمن.
ولعل التهديدات التي صدرت خلال الفترة الماضية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإبادة سكان غزة ثم التهجير القسري لمن تبقى منهم إلى مصر والأردن، قد شكَّلت صدمة غير مسبوقة للعالم وللضمير الإنساني في الشرق والغرب، باستثناء الصهاينة والأحزاب اليمينية المتطرفة فقط التي ترقص على أنغام هذيان ترامب ووعده الذي لا يُمكن أن يتحقق، لكونها أقرب لأحلام اليقظة منها إلى الحقيقة؛ لأن من خطَّط ونفَّذ "طوفان الأقصى" كفيل بإفشال كل المؤامرات والأطماع الغربية والصهيونية على حد سواء بعون الله. وبينما يقف قادة العرب هذه الأيام في حيرة من أمرهم، فهذه المرة لا مجال للمراوغة أو إصدار بيانات جوفاء لا تُساوي قيمة الحبر المكتوب بها، كما جرت العادة طوال عقود الصراع العربي الإسرائيلي المُسانَد بقوة والمزروع في الأساس من أوروبا وأمريكا في قلب الوطن العربي مثل الشوكة في الحلق؛ ذلك لكونهم يدركون أن شعوبهم لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أن تقف متفرجة على هذه المهزلة من شخص لا يعرف سوى سلب ونهب أموال الغير، وزاد على ذلك السطو على الأوطان وتحويلها إلى صفقات عقارية إذا ما تمكن من ذلك، على الرغم من توليه رئاسة أكبر دولة في العالم. وإذا كانت نكبة 1948 التي تم فيها قتل وحرق الشعب الفلسطيني أحياءً ثم تهجير من بقي منهم على قيد الحياة إلى الضفة الغربية والأردن وقطاع غزة، فإنَّ الأمر في الألفية الثالثة مُختلف تمامًا، ومن الصعب تمريره أو ابتلاعه من المواطن العربي من المحيط إلى الخليج.
المَشَاهِد التي تأتي من غزة عبر الشاشات والقنوات التلفزيونية، العربية منها والعالمية، تكشف عن أكبر محرقة في التاريخ الإنساني على أرض فلسطين المستباحة بالسلاح الأمريكي والألماني، وهي الأرض التي استبسل عليها المجاهدون وضحُّوا بأنفسهم للدفاع عن الأقصى والعرض الفلسطيني، من خلال مواجهة الجيش الصهيوني والمُرتزقة الذين أتوا من بعض البلدان بهدف الحصول على المال؛ بل والقوات الأمريكية والبريطانية التي اشتركت في القتال إلى جانب الكيان الغاصب، تحت مُبرر البحث عن الأسرى الإسرائيليين في أنفاق غزة الصامدة.
لا شك أنه كانت هناك خيانات في الشرق الأوسط في ذلك الوقت؛ بل وحتى يومنا هذا؛ لأن الخوف على الكراسي يجعل البعض يطلب الحماية الوهمية من الأعداء، وقد سجَّل لنا التاريخ أن هناك من أخذ الأثمان البخسة وباع المقدسات وتراب فلسطين الغالي للمعتدين الصهاينة الذين قدموا من كل حدب وصوب بهدف السيطرة على أرض الرباط فلسطين المباركة، بزعم بأنها أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وهي عبارة تمثل أكبر أكذوبة في التاريخ المعاصر.
والسؤال المطروح الآن: هل طرأ جديد على مؤتمرات القمة العربية لتكون مختلفة عن سابقاتها؟
نعم، الجديد هو صحوة الشعوب العربية والإسلامية ووصولها إلى مرحلة الغليان؛ كرد فعل طبيعي على طرد الشعب الفلسطيني من أرضه وتحويلها إلى منتجعات للشركات التي يملكها اللوبي الصهيوني وترامب. لذا يجب التأكيد هنا على أهمية اتخاذ قرارات شجاعة وقوية من الزعماء العرب في قمتهم المرتقبة في القاهرة، بما يمنع وقوع أي تصرفات ظالمة من الإدارة الأمريكية الراهنة والتي تتسم بالتهوُّر، وكذلك من نتنياهو الذي تلاحقه تهم خيانة الأمانة وممارسة الفساد. لقد ظهر الرئيس الأمريكي الجديد بأسلوب عدائي غير مسبوق ضد شعوب العالم في جميع القارات الخمس، بدون أي مبرر، ولعل العقوبات التي فرضها على جنوب أفريقيا بسبب ملاحقتها لإسرائيل في محكمة العدل الدولية قد قُوبلت برد فعل أكثر مما توقعه البيت الأبيض، إذ هددت جنوب أفريقيا بتعليق تصدير المعادن النفيسة إلى أمريكا.
وأخيرًا.. ماذا سيفعل العرب تجاه غطرسة النظام العنصري في واشنطن الذي لا يعرف إلّا لغة القوة؟ وهل النُظُم العربية سترفع الراية البيضاء أمام ترامب ومطالبه الجنونية؟
لا شك أن الأيام المقبلة ستكشف ما يملكه العرب من قوة وكرامة تجاه الأشقاء في فلسطين المحتلة.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري
رابط مختصر