جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-06@14:23:09 GMT

الخطة (ب)!

تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT

الخطة (ب)!

 

فاطمة الحارثية

 

تقارب وجهات النظر لا يعني بالضرورة توافقًا فكريًا أو ودًّا في العلاقة، فمعظمنا استقى معرفته وعلمه من ذات الكتب والبعض من ذات المعلم، الاختلاف يحدث من الزاوية التي نرى منها الأمور، ومقدار الفهم، ثم العائد والمصلحة، وقبلها المنبع أو بتعبير أدق البشر الذين كتبوا كُتبنا التي تعلمنا منها، فمن اختلفت مناهجه التعليمية لظروف الغربة، سوف يختلف؛ فهل نختلف بسبب الاختلاف؟

كان للأولين حظ الاختيار، القبول أو الرفض للمدارس الفكرية التي يتقدمون إليها، ودُور العلم والعلماء والكتب التي يدرسها ويتدارسها، بيد أنه في وقتنا الحاضر لا نملك الخيار ولا ننتقي ما نتعلمه ومن نتتلمذ على يديه؛ وهذا ما أوجد التحديات الجسام، وساهم في ظل العولمة في ضعف الاستقرار الفكري والتناسخ العلمي وندرة الابداع.

"إذا ما أنا، ما غيري!" على ماذا قد تنشر الفساد والفتن أو تُهلك الجهود؟ فالاستثمار الناجع يرتكز ويعتمد على إتقان لعب دور الشريك، أكثر من قوة الضمانات "الوساطات والمعارف" أو حجم العوائد التي قد تحققها، فكلاهما غير مستقر ولا يدوم؛ فطبيعة الإنسان الشك في كل شيء، وإن أجدت التعبير هنا سوف أقول "الحذر" بدل الشك، كلا يرى من زاويته، والشريك المناسب، من يُكمل نقصك وأنت تكمل نقصه، وهذا الذي يُديم العلاقة ويُبقيها مع الانتباه على موضوع التعود، الذي يُعد خطرًا حقيقيًا في تجانس وبقاء أية علاقة، فنحن كطبيعة بشرية نعتاد على الأشخاص والأمور، حتى نخال أنها جزء طبيعي ونستطيع العيش بدونها، والاستغناء أو أضعف الوضع الاستبدال، وهذا لمحدودية الإدراك والوعي في القادم من الحياة، وحقيقة المسائل مثل الروتين والرتابة والاستقرار، لنا أن نضيف مفاهيم الاختلاف، مثل السعادة والقبول؛ لأن المتعارف أننا نضجر سريعًا، ونُسلم بأن النعم دائمة ومستحقة، وفي حقيقة الأمر، أننا لا نعلم الغيب ولا نُدرك حجم التغيير الذي قد يحدث في حالة الاستغناء أو الاستبدال، أو حتى التجاهل، وأضف أيضًا التفرد والبصمة التي يتميز بها الناس بعضهم بين بعض، وهذا ما يُصعب علينا حقيقة التعويض الذي يأتي بعد الاستغناء أو الاستبدال أو التجاهل، فيحدث الندم.

نمارس مفهوم الخطة "ب" في الأعمال أحياناً لكن نادرا ما نضعه في مضمار أحلامنا أو خططنا الشخصية، لهوس قد نصاب به اسمه "الغرور"، أو يُلهنا الأمل، وربما لأسباب أخرى كثيرة تنبع من البيئة أو المعتقد، والأهم أنَّ قبول التغيير يُعتبر عاملا أساسيا للخطة "ب"، أي القضاء وحكم الله.

الخطة "ب"، تحتاج أن تُحتسب وأن تكون جزءًا من المخطط الأساسي، في عمق مضامين آليات التنفيذ ومرونة التأقلم مع المستجدات والمتغيرات، طالما الهدف الرئيسي قائم بثبات؛ قد يقول البعض إن هدفي أن أعمل ضمن ما أحب أو أُتقن، وأقول لهم، هدف العمل اثنان أولهما بناء موارد الحياة الأساسية أي المال والثاني التعلم والنمو أي الارتقاء الاجتماعي، وما تُحب وتتقن ربما ليس إلا جزءا يسيرا جدا من إمكانياتك وكفاءتك، وربما ما تتقن ليس حقيقة شغفك، والتردد أو ضعف الاستثمار الذاتي مخاطرة بحد ذاتها؛ قال لي أحدهم، نحن نعلم الكثير، والتحدي لم يعد بمقدار ما نعلمه بل القدرة على تحويل الكم الهائل من المعرفة التي لدينا إلى أدوات ومبادرات تنفع الناس، وترفع من أدائنا العملي، وهذا نبهني إلى الجدل الذي يقدمه شخوص الـ "أعرف/أعلم"، مقابل النتائج العملية التي صنعوها وترجموها من الكم المعرفي والعلمي الذي لديهم.

أكثر ما يؤرق الخطة "ب" مشاعرنا غير الواقعية، مثل المنافسات العدائية الفاسدة والتحفيز السلبي، والغيرة والمقارنات، وغيرها من التكتلات النفسية التي لا توصل الإنسان إلى نتائج حقيقية، أو نفع عام، الخطة "ب" تحتاج إلى تسليم تام وقبول لتستطيع أن تمتلك المرونة اللازمة للاستمرار بنفس مشرقة راضية مرضية.

إن طال...

الجُهد الذي يُبذل في العلاقات، فيه الكثير من العناء، ليس علينا أن نقترض القبول، فمثل هذا الدين عظيم، يبقى على الأعناق إلى يوم الدين، ومن اشتريت وده وقربه بهدية يبيعك بهدية أغلى.

لا تُؤلم أو تلُم قلبي، فنحن خاضعين لقول الله تعالى (لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ). ولله السمع والطاعة والرضا.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ملاحظات لا بدّ منها برسم الرئيس المكّلف

سواء تشكّلت الحكومة العتيدة خلال 24 ساعة أو لم تتشكّل فإن ثمة ملاحظات سريعة لا بدّ منها توضع أمام الرئيس المكّلف القاضي نواف سلام، الذي يُفترض أن يكون صدره رحبًا وواسعًا ليتلقّى به ما يُقال له في السرّ أو في العلن، فيترك ما هو مسيء لحكم التاريخ، ويتفاعل مع ما هو مفيد وجيد، والذي يُقصد به الخير العام بعيدًا عن التجريح أو الإساءة بالشخصي وغير ذلك من انتقادات طابعها مصلحي أكثر مما تهدف إلى إصلاح بعض الاعوجاج.

ومن بين هذه الملاحظات، التي توقفت عندها أوساط سياسية مراقبة، والتي استشفتها من كلام الرئيس المكّلف عقب لقائه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، ثلاث:

أولى هذه الملاحظات تتعلق بمسألة توزير حزبيين. وقد سُجّل له نصف تراجع عن موقف سابق رافض في المطلق هذه المسألة، لكنه أدرك هذه المرّة "أهمية دور الأحزاب في الحياة السياسية"، بل أكد أنه "من المؤمنين بأن بلا احزاب لا تستقيم الحياة السياسية في أي بلد"، لكنه "في هذه المرحلة الدقيقة من حياتنا الوطنية، اخترت تغليب فعالية العمل الحكومي على مخاطر التجاذبات الحزبية داخل الحكومة". وهذا يعني في المنطق الأولي أن وجود الأحزاب داخل مجلس النواب مثلًا من شأنه أن يعطّل الحياة البرلمانية، ولذلك فإنه وفق منطق الرئيس المكّلف استبعاد الأحزاب عن المجلس النيابي والاتيان بأشخاص لا علاقة لهم بالأحزاب السياسية، وذلك خوفًا من تعطيل عمل المجلس النيابي، الذي توافق على انتخاب رئيس للجمهورية وعلى تسميته رئيسًا مكّلفًا لتشكيل حكومة العهد الأولى على رغم التباينات بين أعضائه والخلافات بينهم، والتي أدّت إلى تعطيل الرئاسة الأولى سنتين وشهرين.

ولكن وعلى رغم هذه الخلافات فإن من بين بديهيات الأمور أن تعالج هذه الخلافات داخل المؤسسات الدستورية وليس خارجها بالطبع. وقد رأينا ما كانت نتيجة تفاعل الخلافات بين اللبنانيين في الشارع، ونحن على مقربة إحياء ذكرى مرور خمسين عامًا على بداية الحرب الأهلية وغير الأهلية على أرض لبنان.

ولتبيان أهمية وجود وزراء حزبيين داخل السلطة التنفيذية يمكن التوقف عند مسألة في غاية الأهمية، وهي تتعلق بجدول أعمال جلسات مجلس الوزراء، الذي يوزّع على الوزراء قبل 48 ساعة، والذي يتضمّن في الحالات العادية بنودًا كثيرة تحتاج إلى دراستها والتمحيص فيها الوقت الكافي لكي يستطيع أي وزير أن يكون على اطلاع وافٍ وكافٍ في أي قرار قد يتخذ في شأن هذه البنود الموضوعة على جدول الأعمال، وهو يفوق قدرة شخص واحد على القيام بما يفترض القيام به لكي تبنى القرارات على دراسة معمقة ومشبعة درسًا، وهو أمر متعذّر، ولكنه ممكن بالنسبة إلى الوزراء الحزبيين، الذين يتكلون على اللجان المختصة داخل أحزابهم، التي تنكب على دراسة هذا الجدول بالتفصيل والخروج بخلاصات تساعد كثيرًا في أن يكون الوزير الحزبي على بينة مما يجري حوله وخلفه وأمامه.

ثاني هذه الملاحظات تتعلق بما قاله الرئيس المكّلف، الذي طمأن إلى "أنني أعمل على تأليف حكومة تكون على درجة عالية من الانسجام بين أعضائها، ومتلزمة مبدأ التضامن الوزاري، وهذا الأمر ينسحب على كل الوزراء من دون استثناء، وأكرر من دون استثناء". والمقصود بتكرار كلمة "من دون استثناء" هم الوزراء الذين سماهم كل من "الثنائي الشيعي" وحزب "القوات اللبنانية". فالتضامن الوزاري والانسجام بين الوزراء بأعلى درجة لا يعني تخّلي الوزراء عمّا يرونه مناسبًا لتقويم الاعوجاج، وهذا الأمر يقود حتمًا إلى تضارب في الآراء وإلى التناقض في المقاربات؛ وهو أمر يجب ألا يخيف، بل هو ظاهرة صحية، خصوصًا إذا أدّت النقاشات إلى خلاصات تصب في خانة المصلحة الوطنية. وهذا ما اعترف به نواب ووزراء من "القوات اللبنانية"، يتوافقون مع نواب ووزراء في "الثنائي الشيعي" على أمور كثيرة. ولعل أهم ما توافقوا عليه هو تمديد تسريح قائد الجيش لمرتين.

أمّا الملاحظة الثالثة، وهي شكلية أكثر منها جوهرية، وتتعلق بالعمل الإعلامي. ويُفترض بالرئيس المكّلف أن يكون على دراية تامة بـ "مهنة المتاعب" كون عقيلته السيدة سحر بعاصيري لا تزال تحّن إلى الأسرة الإعلامية، التي تنتمي إليها طوعًا وعفويًا أكثر من أي مهمة أخرى تولتها بعد اقترانها بالقاضي نواف سلام.

فالإعلاميات والاعلاميون الذين يؤدّون دورهم بكل حرفية ومهنية عالية وينتظرون ساعات في مكان الحدث للحصول على "سكوب" صحافي يستحقون أن يُعاملوا بتقدير واحترام، وعدم اعتبارهم صندوقة بريد. فمن حقهم الطبيعي أن يسألوا، ومن حق المسؤول أن يجيب أو لا يجيب، ولكن هذا الأمر لا ينفي ما يمكن أن يُستنتج من عملية السؤال والجواب من معلومات تتمظهر من خلال الأجوبة العفوية، التي تختلف ظاهريًا عن البيانات المعدّة سلفًا.
  المصدر: خاص لبنان24

مقالات مشابهة

  • ملاحظات لا بدّ منها برسم الرئيس المكّلف
  • فلسطين قضية عادلة
  • أسرار أم كلثوم.. لا يعرفها أحد!
  • الرئيس الصماد .. القائد الذي حمى وبنى واستشهد شامخا
  • من هو الجنجويدي المجنون الذي سيبيت الليلة في منطقة السوق العربي
  • ما الذي ينتظر العراق بعد استئناف حملة الضغط الأقصى على إيران؟
  • حليم عباس: من هو هذا الحمار الذي يفكر للمليشيا؟
  • شخص يعتق طيره الذي يمتلكه منذ 21 عاماً ..فيديو
  • قنابل نووية.. الكشف عن سبب الغبار المشع الذي جاء من أفريقيا إلى أوروبا
  • كريستيانو رونالدو: أنا أفضل لاعب في التاريخ