منذ حرب الخليج الثانية على عتبة عقد التسعينيات الأخير انضمت فيالق مستحدثة إلى الترسانة العسكرية . ف(عاصفة الصحراء ) لم تكن كسابقاتها من من الحروب. العالم شاهد للمرة الأولى نسخة تلفزيونية مصورة حيّة للمعارك حسب توصيف المفكر الفرنسي جان بودريار. بذلك افتتحت قناة سي إن إن أفقًا جديدا في عالم البث التلفزيوني.
*****
ميسلوفيتش لم يكن صدام لكن سيناريو بغداد أُعيد استنساخه في بلغراد تحت سقف العقد التسعيني نفسه. كذلك ترسّخ إبان الحرب اللبنانية الإسرائلية في العام ٢٠٠٦ دور الآلة الإعلامية سلاحا استراتيجياً في مسارات المعارك. هكذا لم يصبح النقل التلفزيوني فقط فصلا حيويا في الخطاب الحربي بل بات سلاحا فعالاً و جبهة ملتهبة. في الحرب السودانية الراهنة لا يغيب الإعلام كسلاح استراتيجي بل نفتقد دور الكاميرا في نقل إحداثيات المعارك. لكأن هذه الحرب الخاسرة تجري خارج العصر أو ربما ثمة تواطوء يستهدف حجب عملياتها القذرة عن عيون العالم أو طمسها. فليس مثيرا فقط اخفاق وسائل الاعلام السودانية في متابعة إقتتال الإخوة الأعداء بل ضمور - ان لم نقل قصور-تغطية شبكات التلفزة الإقليمية والعالمية لعمليات التقتيل، التهجير والتدمير اليومية بايقاع جاذب مغرٍ لتلك الشبكات كما في اوكرانيا المزامنة.
*****
فعجز الإعلام السوداني له مايبرره. إذ هو نتاج نظام قمعي لم يدرك أهمية دور الإعلام في عملية التطور والبناء والإنماء ، فالنظام اكتفى بتكريس الصحافة وأجهزة الاعلام ضمن آليات قهر الجماهير فتحول الصحافيون إلى موظفين في خدمة رجال الإنقاذ .كما أمست أجهزة الاعلام برمتها (جسداً بلا روح). هي نمطية تتوافق مع توجهات الإنقاذ السياسية، الإقتصادية والإجتماعية. تلك التوجهات الشائهة أقعدت العملية الاعلامية ثلاثين سنة بينما كانت أجهزة الاعلام تتوثب بخطوات عملاقة على صعيد العالم. ذلك وضع مأزوم زاد من تعقيداته مصادرة النظام حرية التعبير وتغييب الرأي بل والعقل كذلك.
*****
كذلك أخفقت المرحلة الانتقالية في إحداث نقلة نوعية في مفهوم دور الإعلام في غياب سياسة مكتوبة تقنن ملكية الشعب لوسائل الاعلام .ذلك الوضع الملتبس عند بدايات تحول ثوري جعل القضية برمتها رغم حيويتها عرضة للاجتهادات الشخصية وردود أفعال فأجهضت بيروقراطية الدولة فرص تكريس دور الإعلام في عملية التغيير والتحديث إبان المرحلة. في أولويات التحول المنشود إخراج الصحافة من التبعية إلى الشراكة مع السلطة . المؤسف استمرار السيمفونية ذاتها بل وبالعازفين أنفسهم . لم تتبلور أي مبادرات في شأن اصلاح حال الصحافيين تدريباً أو في شأن المؤسسات تمويلا. للمفارقة مع أننا شعب كثير الثرثرة في حياتنا اليومية فيما نعرف وما نزعم إدراكه إلا أن زمن الغناء على شاشاتنا يتفوق على مساحات الكلام !
*****
لمّا كانت آلية الاعلام الموروث خاضعة للنظام الرأسي فمن الطبيعي إصابتها بسكتة دماغية عند غياب الرأس. الحرب كشفت كل سوءات النظام . من تلك وضع المؤسسات الاعلامية في حراسة الجنجويد .مهما بلغت النوايا الحسنة فليس من حسن الفطن استبعاد كل الاحتمالات الممكنة.تلك الخطيئة اخرجت محطات الإذاعة والتلفزة عن دائرة الفعل تماما طوال شهور الاقتتال ، فحدثت قطيعة فعلية بين الحرب و الشعب . الصمت الاعلامي تجاه الحرب لم يكن خيارا . فصحافتنا ان كانت قادرة على الميز بين القضايا العادلة وغير العادلة فانها لم تكن مستعدة للدفاع عن الأولى أو النضال ضد الثانية .
*****
قليل من الصحافيين ظل يمارس دوره الوطني بيقين( الصحافة مثل السياسة هي فن الممكن).لكن هناك لم يفق من الغيبوبة حتى تحت كل هذا القصف العشوائي. محطات التلفزة وجدت في هؤلاء استثمارا رخيصا لتغطية فراغها الزماني .هم كذلك عثروا على فرص سهلة لاشباع شهواتهم في حب الظهور وملء جيوبهم فاجتهدت شلة من الخارج في توصيف معارك لم يشهدوها ،وانفمست في حبك روايات لإحداثيات عسكريةلم تقع بعدوشطح بعض ٌفي اختلاق سيناريوهات سياسية، بعضها مدفوع بشغف التفرّد وبعضها مدفوع الأجر
*****
مع القناعة بقول العالم النمساوي بول فانسلافيك (أخطر انواع الوهم القول بوجود حقيقة واحدة).فان هذا الوهم يتصخم في زمن وسائط التواصل الاجتماعي .فما بالك اذا كانت هي مصادر المعلومات الفاعل في زمن الحرب؟فالمتلقي لا يعرف هوية المرسل ،دع عنك مصداقيته.لذلك تتعدد نسخ الحقيقة الواحدة ورواياتها نظرا لتعدد رواتها .تلك ليست معضلة الجماهير فمحطات تلفزة كبيرة سقطت في اختبار المصداقية إذ اعتمدت على هذه الوسائط.!!! فافتقدت الخد الادنى من المهنية ومثله من الموضوعية. أي مقارنة بين التغطية للحرب في اوكرانيا في السودان تثير أسئلة محيّرة مربكة.
*****
بقدر تجسير الهوة بين المرسل و المتلقي ، فإن الاعلام الالكتروني موسوم على صعيد العالم بنشر الكراهية والعداء.التقدم التكنلوجي لم يزدمساحة اطلاع الشعوب على المعلومات. هذه إحدى أبرز شواهد الحرب السودانية الراهنة.الصحافة تظل هي الصحافة الحقيقية حينما تتمثل المقولة المتداولة في توصيفها بانها مهنة المتاعب ليست مهنة الابتعاد عن المتاعب كما يقول الصديق السوري حكم البابا.
aloomar@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
ترامب يتحدث عن إنهاء حرب أوكرانيا بـ24 ساعة ويقر بـالسخرية
سرايا - في تصريح نادر، أقر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بأنه كان "ساخرا بعض الشيء" عندما زعم خلال حملته الانتخابية أنه سيتمكن من حل الحرب بين روسيا وأوكرانيا في غضون 24 ساعة، حتى قبل توليه منصبه.
وخلال مقابلة مع برنامج "فول ميجر" التلفزيوني، تلقى ترامب سؤالا حول تعهده السابق بإنهاء النزاع سريعا، خاصة أن الحرب لا تزال مستمرة بعد مرور 54 يوما على توليه الرئاسة.
وفي مقطع فيديو تم بثه قبل عرض الحلقة المقرر إذاعتها يوم الأحد، قال ترامب: "حسنا، لقد كنت ساخرا بعض الشيء عندما قلت ذلك، ما أعنيه حقا هو أنني أود حل المشكلة وسأقوم بذلك. أعتقد أنني سأنجح".
وعند سؤاله عن خطته في حال رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقف إطلاق النار في الحرب التي اندلعت قبل ثلاثة أعوام، قال ترامب: "سيكون ذلك خبرا سيئا لهذا العالم، لأن العديد من الناس يموتون".
لكنه أضاف بثقة: "لكنني أعتقد أنه سيوافق، أعتقد هذا حقا. أعتقد أنني أعرفه جيدا، وأعتقد أنه سيوافق".
تصريحات ترامب تعيد الجدل حول مدى قدرته على التأثير في الأزمة الأوكرانية، خاصة مع استمرار المعارك وسعي الإدارة الأميركية لإيجاد حلول دبلوماسية تنهي النزاع المستمر.
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
وسوم: #روسيا#العالم#ترامب#الناس#حلول#أوكرانيا#بوتين#الرئيس
طباعة المشاهدات: 1281
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 15-03-2025 11:29 AM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...