سودانايل:
2025-03-20@12:53:21 GMT

الإعلام سلاح المنتصر

تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT

منذ حرب الخليج الثانية على عتبة عقد التسعينيات الأخير انضمت فيالق مستحدثة إلى الترسانة العسكرية . ف(عاصفة الصحراء ) لم تكن كسابقاتها من من الحروب. العالم شاهد للمرة الأولى نسخة تلفزيونية مصورة حيّة للمعارك حسب توصيف المفكر الفرنسي جان بودريار. بذلك افتتحت قناة سي إن إن أفقًا جديدا في عالم البث التلفزيوني.

قطاع عريض من المشاهدين تابع من تحت ألحفتهم داخل غرف النوم الصواريخ التقليدية والذكية تدك أبراج النظام العراقي الإعلامية والعسكرية. كما تابع العالم أرتال الدبابات الأميركية تطبق من الشمال والجنوب على بغداد حتى عبرت بين الرصافة والجسر والنشامى حفاة على حافة النهر. هكذا دشنت حرب بوش الأب-صدام عهد الجبهات الاعلامية المتقدمة والمصاحبة للمعارك وذات الثقل في حسم القتال.
*****

ميسلوفيتش لم يكن صدام لكن سيناريو بغداد أُعيد استنساخه في بلغراد تحت سقف العقد التسعيني نفسه. كذلك ترسّخ إبان الحرب اللبنانية الإسرائلية في العام ٢٠٠٦ دور الآلة الإعلامية سلاحا استراتيجياً في مسارات المعارك. هكذا لم يصبح النقل التلفزيوني فقط فصلا حيويا في الخطاب الحربي بل بات سلاحا فعالاً و جبهة ملتهبة. في الحرب السودانية الراهنة لا يغيب الإعلام كسلاح استراتيجي بل نفتقد دور الكاميرا في نقل إحداثيات المعارك. لكأن هذه الحرب الخاسرة تجري خارج العصر أو ربما ثمة تواطوء يستهدف حجب عملياتها القذرة عن عيون العالم أو طمسها. فليس مثيرا فقط اخفاق وسائل الاعلام السودانية في متابعة إقتتال الإخوة الأعداء بل ضمور - ان لم نقل قصور-تغطية شبكات التلفزة الإقليمية والعالمية لعمليات التقتيل، التهجير والتدمير اليومية بايقاع جاذب مغرٍ لتلك الشبكات كما في اوكرانيا المزامنة.
*****

فعجز الإعلام السوداني له مايبرره. إذ هو نتاج نظام قمعي لم يدرك أهمية دور الإعلام في عملية التطور والبناء والإنماء ، فالنظام اكتفى بتكريس الصحافة وأجهزة الاعلام ضمن آليات قهر الجماهير فتحول الصحافيون إلى موظفين في خدمة رجال الإنقاذ .كما أمست أجهزة الاعلام برمتها (جسداً بلا روح). هي نمطية تتوافق مع توجهات الإنقاذ السياسية، الإقتصادية والإجتماعية. تلك التوجهات الشائهة أقعدت العملية الاعلامية ثلاثين سنة بينما كانت أجهزة الاعلام تتوثب بخطوات عملاقة على صعيد العالم. ذلك وضع مأزوم زاد من تعقيداته مصادرة النظام حرية التعبير وتغييب الرأي بل والعقل كذلك.
*****

كذلك أخفقت المرحلة الانتقالية في إحداث نقلة نوعية في مفهوم دور الإعلام في غياب سياسة مكتوبة تقنن ملكية الشعب لوسائل الاعلام .ذلك الوضع الملتبس عند بدايات تحول ثوري جعل القضية برمتها رغم حيويتها عرضة للاجتهادات الشخصية وردود أفعال فأجهضت بيروقراطية الدولة فرص تكريس دور الإعلام في عملية التغيير والتحديث إبان المرحلة. في أولويات التحول المنشود إخراج الصحافة من التبعية إلى الشراكة مع السلطة . المؤسف استمرار السيمفونية ذاتها بل وبالعازفين أنفسهم . لم تتبلور أي مبادرات في شأن اصلاح حال الصحافيين تدريباً أو في شأن المؤسسات تمويلا. للمفارقة مع أننا شعب كثير الثرثرة في حياتنا اليومية فيما نعرف وما نزعم إدراكه إلا أن زمن الغناء على شاشاتنا يتفوق على مساحات الكلام !
*****

لمّا كانت آلية الاعلام الموروث خاضعة للنظام الرأسي فمن الطبيعي إصابتها بسكتة دماغية عند غياب الرأس. الحرب كشفت كل سوءات النظام . من تلك وضع المؤسسات الاعلامية في حراسة الجنجويد .مهما بلغت النوايا الحسنة فليس من حسن الفطن استبعاد كل الاحتمالات الممكنة.تلك الخطيئة اخرجت محطات الإذاعة والتلفزة عن دائرة الفعل تماما طوال شهور الاقتتال ، فحدثت قطيعة فعلية بين الحرب و الشعب . الصمت الاعلامي تجاه الحرب لم يكن خيارا . فصحافتنا ان كانت قادرة على الميز بين القضايا العادلة وغير العادلة فانها لم تكن مستعدة للدفاع عن الأولى أو النضال ضد الثانية .
*****

قليل من الصحافيين ظل يمارس دوره الوطني بيقين( الصحافة مثل السياسة هي فن الممكن).لكن هناك لم يفق من الغيبوبة حتى تحت كل هذا القصف العشوائي. محطات التلفزة وجدت في هؤلاء استثمارا رخيصا لتغطية فراغها الزماني .هم كذلك عثروا على فرص سهلة لاشباع شهواتهم في حب الظهور وملء جيوبهم فاجتهدت شلة من الخارج في توصيف معارك لم يشهدوها ،وانفمست في حبك روايات لإحداثيات عسكريةلم تقع بعدوشطح بعض ٌفي اختلاق سيناريوهات سياسية، بعضها مدفوع بشغف التفرّد وبعضها مدفوع الأجر
*****

مع القناعة بقول العالم النمساوي بول فانسلافيك (أخطر انواع الوهم القول بوجود حقيقة واحدة).فان هذا الوهم يتصخم في زمن وسائط التواصل الاجتماعي .فما بالك اذا كانت هي مصادر المعلومات الفاعل في زمن الحرب؟فالمتلقي لا يعرف هوية المرسل ،دع عنك مصداقيته.لذلك تتعدد نسخ الحقيقة الواحدة ورواياتها نظرا لتعدد رواتها .تلك ليست معضلة الجماهير فمحطات تلفزة كبيرة سقطت في اختبار المصداقية إذ اعتمدت على هذه الوسائط.!!! فافتقدت الخد الادنى من المهنية ومثله من الموضوعية. أي مقارنة بين التغطية للحرب في اوكرانيا في السودان تثير أسئلة محيّرة مربكة.
*****

بقدر تجسير الهوة بين المرسل و المتلقي ، فإن الاعلام الالكتروني موسوم على صعيد العالم بنشر الكراهية والعداء.التقدم التكنلوجي لم يزدمساحة اطلاع الشعوب على المعلومات. هذه إحدى أبرز شواهد الحرب السودانية الراهنة.الصحافة تظل هي الصحافة الحقيقية حينما تتمثل المقولة المتداولة في توصيفها بانها مهنة المتاعب ليست مهنة الابتعاد عن المتاعب كما يقول الصديق السوري حكم البابا.

aloomar@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

نتانياهو يحارب العالم

لم يعد بنيامين نتانياهو مجرد رئيس وزراء يقود حرباً ضد غزة بل ضد العالم، وهو يخوضها بكل وحشية وبشاعة مجدداً دون أي حجة لها علاقة باستهداف «حماس»، بل ضحاياه اليوم من الأطفال والنساء والأبرياء الذين جوَّعهم طوال فترة إيقاف الحرب ضمن جزء من معركته الشخصية والخاصة والشاملة ضد كل من يهدد سلطته، خصوصاً داخل إسرائيل من المعارضة السياسية وحتى مؤسسات الدولة الإسرائيلية نفسها.

في الوقت الذي يسعى فيه العالم إلى وقف الحرب، والحد من المجازر بحق المدنيين والأطفال، يصرّ نتانياهو على التصعيد، رافضاً الالتزام بوقف الحرب واستئناف المفاوضات، متجاهلاً كل الضغوط الدولية، كأن معركته ليست فقط ضد أهل غزة، بل ضد كل من ينادي بإنهاء العنف من كل الأطراف.
وحشية وهيستيريا نتانياهو تجسدت في صراخه في المحكمة: «لقد سلبوا حياتي، لقد سلبوا حياة عائلتي، لقد دفعونا إلى أبواب الجحيم!»، لكن السؤال الأهم: من هم؟ «حماس»، أم خصومه السياسيون، أم العالم الذي يرفض أساليبه القمعية؟
والحال أنه بدا بوضوح الآن أن تصرفات نتانياهو لا علاقة لها بأمن إسرائيل، بل من أجل بقائه الشخصي في السلطة، ولا أدلَّ على ذلك من إقالة رئيس «الشاباك»، رونين بار والتي تعد جزءاً من مسلسل الارتباك السياسي المحمول على التفوق العسكري، هذا الارتباك المتمثل في حملته المستمرة لتصفية كل من يشكّل تهديداً لحُكمه، بعد أن كشف الجهاز إخفاقات السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وتورط نتانياهو في تمرير الأموال لحركة «حماس».
دعونا نتذكر جيداً أن هذه الإقالة ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة؛ فقد سبقتها إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت، في خطوة تهدف إلى تمهيد الطريق لإقالة رئيس الأركان الإسرائيلي، وتعيين شخصيات أكثر ولاءً له، مثل إيال زامير، ومن هنا يمكن القول بناءً على السياق الداخلي للجدل الإسرائيلي حول هذه الهيستيريا المتلبسة بقناع السياسة، إن قراراته تكشف أنَّه يسعى إلى تشكيل نظام أمني يخدم مصالحه السياسية أولاً وأخيراً، حتى لو أدى ذلك إلى تفكيك مؤسسات الدولة ذاتها، وهذا صوت يتنامى داخل الأوساط البحثية الإسرائيلية بما فيها المناهضة لوجود «حماس».
استراتيجية ما أصفه بالهيستيريا السياسية اختزلها نتانياهو بطريق واحد يقود لبقائه في السلطة، وهو إبقاء إسرائيل في حالة حرب دائمة، والمعادلة أن كل تصعيد في غزة مهما كانت تكلفة الضحايا من الأبرياء والمدنيين، يضمن له استمرار الدعم من اليمين المتطرف، ويشتت الأنظار عن أزماته الداخلية.
مفهوم الحرب النتانياهوي لم يعد مجرد وسيلة لحماية الإسرائيليين، بل أداء لتكريس السلطوية، فبينما يعاني الرهائن المحتجزون، يركز هو على رفع دعاوى قضائية ضد خصومه، متهماً إياهم بالتشهير، في محاولة يائسة لإسكات أي معارضة، وربما كانت محاولة ترمب في فتح قنوات خلفية للتواصل مع «حماس» كانت جزءاً من الشعور بالإحباط من هذا الانسداد السياسي، والتي يمكن الآن مع مزيد من الضغط الدولي، والمرجح أن تقوده السعودية التي جاء بيانها بلغة قوية وثابتة، حين أكدت استنكارها بأشد العبارات استئناف قوات الاحتلال الإسرائيلية العدوان على قطاع غزة، وقصفها المباشر على مناطق مأهولة بالمدنيين العزل، دون أدنى اعتبار للقانون الدولي الإنساني.
من المرجح مع سقوط مزيد من الضحايا واستمرار الحرب وعدم العودة إلى وقفها، أن تشتد عزلة إسرائيل الدولية ويزداد الغضب الداخلي، خصوصاً في مسألة مصير الرهائن، ومع ذلك لا يبدو أن سقوطاً مدوياً لنتانياهو يلوح في الأفق لسبب بسيط، وهو أن الرجل مستعد لإحراق كل شيء قبل أن يترك السلطة، حتى لو كان الثمن هو مستقبل إسرائيل نفسها.
اليوم تأكد أن الحديث عن أي مشاريع سلام أو تهدئة قبل حل شامل وإيقاف نزف الدماء لا معنى له، فالقضية اليوم مرتبطة عند عقلاء العالم بضرورة حل جذري، وهو ما لم تتضح له أي أفق... نتانياهو اليوم لا يحارب أهل غزة بل يحارب العالم!

مقالات مشابهة

  • مرقص: وزارة الاعلام ستحرص على تعميم الارشادات الزراعية والممارسات الفضلى لتجنّب الحرائق
  • أستاذ علوم سياسية: نتنياهو لم يكن جادًا في اتفاق غزة.. وعودة الحرب كانت متوقعة
  • الميليشيا كانت تمنع الدفن وتقول لذوي المتوفين: (أجدعوه بس)
  • ماذا قالت الصحافة الغربية عن نتائج مكالمة بوتين وترامب المطولة؟
  • عاصر الحرب العالمية الثانية.. وفاة آخر طيار شارك في “معركة بريطانيا”
  • نتانياهو يحارب العالم
  • وزير الثقافة والإعلام يدعو الإعلاميين لوضع رؤية مشتركة للتنسيق بشأن العمل الإعلامي وهموم الصحفيين
  • الاعلام الاسرائيلي يقرّ بفرار حاملات الطائرات الأمريكية بفعل ضربات صنعاء إلى عمق البحر الأحمر
  • محافظ عنيزة رعى ليلة مراسم الرمضانية
  • غدا.. نهائي البطولة الكروية الرمضانية لـ"جمعية الصحفيين"