إيران تسعى لحل مشكلة الملف النووي.. ما وراء تحركات بزشكيان؟
تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT
ضمن جهود متجددة لإعادة إحياء الاتفاق النووي، أبدت إيران استعدادها لحل أزمة برنامجها النووي مع الغرب، مؤكدة رغبتها في استئناف المحادثات المتعلقة بهذا الملف، بعد ست سنوات على انسحاب إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، من الاتفاق الموقع عام 2015.
وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الثلاثاء، عبر الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، عن تطلع بلاده لتسوية الخلافات مع الدول الغربية.
وتعكس تصريحات بزشكيان الأخيرة "توقا حذرا" لإنعاش الاقتصاد الإيراني المنهك بسبب سنوات العقوبات الغربية، إذ يسعى الرئيس الجديد، منذ توليه منصبه، إلى تحقيق توازن دقيق، بين تلبية تطلعات ناخبيه، ومواجهة الهيمنة الكبيرة للمؤسستين الدينية والعسكرية على صناعة القرار في البلاد، وفقا لـ"بلومبرغ".
"امتصاص الغضب"في تعليقه على التصريحات الإيرانية الأخيرة، يرى الخبير في الشؤون الإيرانية، جعفر الهاشمي، أن مساعي طهران الجديدة لبعث الروح في الاتفاق النووي، تمثل "محاولة لامتصاص الغضب الداخلي وتحقيق تقارب شكلي على أقل تقدير مع جيرانها وصناع القرار في الغرب، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي".
ويؤكد الخبير الإيراني المقيم في لندن في تصريح لموقع "الحرة"، أن الخطابات الأخيرة "لا تعكس جوهر السياسة الداخلية الإيرانية، بقدر ما تهدف إلى كبح الأزمات التي يواجهها النظام"، مشيرا إلى أن "الشعارات التصعيدية والصدامية التي رفعتها السلطة لسنوات أثرت عليها سلبا، في ظل محدودية قدراتها وعجزها عن مواجهة التحديات بفعالية".
وتولّى الإصلاحي بزشكيان الرئاسة في إيران، أواخر شهر يوليو الماضي، بعد فوزه بانتخابات مبكرة أعقبت مقتل الرئيس المحافظ المتشدد، إبراهيم رئيسي، بحادث تحطم مروحية.
ويعد بزشكيان أول شخصية محسوبة على التيار الإصلاحي تتولى الرئاسة في إيران منذ نهاية عهد، محمد خاتمي، عام 2005، بينما تبقى الكلمة الفصل في السياسات العليا للدولة في يد المرشد الأعلى، وهو منصب يتولاه، علي خامنئي، منذ نحو 35 عاما.
ويصف الخبير الإيراني الرئيس بزشكيان، بأنه نسخة جديدة عن شخصيات إيرانية سابقة مثل خاتمي، وحسن روحاني، ومحمد جواد ظريف، معروفة بميولها الإصلاحية وانفتاحها على الغرب، معتبرا أن نهجه يمثل محاولة جديدة لاستمالة الجانب الغربي وتهدئة الداخل، بعد أن أضرت سنوات من العقوبات على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للإيرانيين.
ومع ذلك، يشكك الهاشمي في قدرة طهران على اتخاذ خطوات عملية وملموسة على أرض الواقع لتعزيز مصداقيتها في هذا الطرح وإقناع المجتمع الدولي بنواياها.
ويرى أن هناك "وجهان" لتعامل طهران مع الملف النووي "الأول واقعي يعكس نواياها الاستراتيجية الحقيقية، والثاني تكتيكي تسوقه طهران للخارج، ويهدف إلى التهدئة وتجاوز هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد".
الرئيس الإيراني: مستعدون للعمل مع القوى العالمية لحل الأزمة النووية وتشعر بريطانيا وفرنسا وألمانيا، التي لا تزال طرفا في الاتفاق النووي، بأن قيادة طهران لن تغير مسارها وأن التوصل إلى اتفاق أوسع يشمل البرنامج النووي والدور الجيوسياسي لإيران، أمر غير واقعي في الوقت الراهن. "الحمائم والصقور"في السياق ذاته، يشير الباحث في الشأن الإيراني، عارف نصر، إلى أن هناك "خطاب مزدوج" في إيران بين من يسميهم بـ"الحمائم والصقور"، مؤكدا أن الهيمنة في النهاية تكون للصقور، وعلى رأسهم المرشد الأعلى، الذي يعتبر صاحب القرار النهائي في الملفات الخارجية والاستراتيجية.
ويعتبر نصر في تصريحه لموقع "الحرة"، أن الغرب أصبح الآن "أكثر فهما واستيعابا للعقلية السياسية الإيرانية"، بالتالي لم يعد يلتفت لتصريحات المسؤولين الحكوميين.
ويوضح أن القوى الغربية تميز بين "العنصر الثابت المتمثل في هرم السلطة، والعنصر المتغير متمثلا بالحكومات المتعاقبة، والتي يتغير خطابها مع الأشخاص، ووفقا للظروف اللحظية والإقليمية".
وعبر بزشكيان عن استعداد طهران للانخراط مع المشاركين في الاتفاق النووي لعام 2015. إذا ما جرى تنفيذ التزامات الاتفاق على نحو كامل وبنية حسنة، يمكن بعد ذلك الدخول في حوار بشأن القضايا الأخرى".
وسبق للرئيس الإيراني أن أبدى في أكثر من مناسبة، رغبة بلاده في إعادة إطلاق المفاوضات الرامية لإحياء الاتفاق المبرم في 2015 بينها وبين مجموعة الست (باريس ولندن وبرلين وواشنطن وموسكو وبكين).
وسبق أن دعا خلال حملته الانتخابية إلى "علاقات بناءة" مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية من أجل "إخراج إيران من عزلتها"، ما بعث أملا بإمكانية استئناف المفاوضات الرامية لإحياء الاتفاق النووي.
في هذا الجانب يجدد نصر، تأكيده أن الجانب الآخر في الاتفاقية يولي الاهتمام أكبر لتصريحات وإشارات المرشد الإيراني، باعتباره صاحب القرار الفعلي. وبناء على ذلك، يتعامل مع الحكومات الإيرانية المختلفة على أنها "مجرد فرصة للتواصل أو وسيط بينه وبين مركز صنع القرار الحقيقي في إيران".
تعقيدات الخارج و"انقسامات الداخل"وبعد مرور ست سنوات على انسحاب الولايات المتحدة، اعتبرت بلومبرغ، أن الجهود الرامية لإعادة إحياء الاتفاق النووي "تعقّدت" بشكل كبير، مشيرة إلى أن السياق الإقليمي والدولي قد تغير بصورة جذرية، مما خلق تحديات جديدة أمام أي محاولات للتفاوض.
وحاليا هناك حلفاء لإيران، ومنهم حماس وحزب الله والحوثيين، يخوضون صراعا مع إسرائيل. كما أثار الموقف الإيراني من غزو أوكرانيا غضب الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية، التي تتهم طهران بتقديم الدعم العسكري للقوات الروسية. وهو ما تنفيه الحكومة الإيرانية.
وفي ظل تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد لبنان، ظهرت مؤخرا تصريحات إيرانية تحمل في طياتها نبرة غير مسبوقة من الانفتاح والمرونة، ولم تقتصر على تغيير اللهجة فحسب، بل تجاوزتها لتلمح إلى إمكانية "سلام مشروط" في قضايا متعددة.
وبشأن ما إذا كانت هذه التصريحات، تشير إلى بداية مرحلة جديدة في السياسة الخارجية الإيرانية، وربما تفتح آفاقا جديدة للتعامل مع الأزمات الإقليمية، يقول نصر، إن الخطاب "اللين" الذي يتبناه الرئيس بزشكيان، يمثل فقط "عملية تخلي من إيران عن أجنحتها في العراق ولبنان واليمن"، وذلك مقابل تجنب أي هجمات محتملة ضدها في الداخل.
ووصلت التوترات بين إيران وإسرائيل إلى مستوى جديد خلال الحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة.
وشنت طهران هجوما غير مسبوق بطائرات مسيرة وصواريخ على إسرائيل، في أبريل، بعد سنوات من حرب الظل بين البلدين، والتي بلغت ذروتها مع الهجوم الإسرائيلي على سفارة إيران في دمشق، والذي أسفر عن مقتل اثنين من الجنرالات الإيرانيين وآخرين.
ودفع اغتيال زعيم حماس، إسماعيل هنية، في طهران، في يوليو الماضي، إيران إلى التهديد بالرد على إسرائيل.
وخلال لقاء مع صحفيين، لم يجب بزشكيان في شكل مباشر على سؤال ما إذا كانت طهران سترد مباشرة على إسرائيل.
وأشار، الثلاثاء، إلى أن إيران "لم تبدأ قط حربا خلال القرن الماضي"، وشدد على أن بلاده "لن تسمح أبدا لأي دولة" بأن "تهدد أمنها ووحدة أراضيها".
بين إيران وحزب الله.. مأزق استثنائي وتساؤلات عن "موقف جديد" المأزق الذي يعيشه "حزب الله" في جنوب لبنان على المستوى العسكري وعلى صعيد القاعدة الشعبية بفعل حملة الضربات الإسرائيلية أطلق خلال الساعات الماضية تساؤلات ارتبطت على وجه محدد بالموقف الذي تتخذه إيران إزاء ما يجري الآن وما ستتبعه لاحقا في حال تدحرجت كرة النار على نحو أكبر.الخبير الاستراتيجي الإيراني، سعيد شاوردي، يوضح أن خطاب الرئاسة الإيرانية "لم يتغير بل يتماشى" مع نهج الحكومات الإيرانية المتعاقبة منذ بدء محادثات الملف النووي، قبل أكثر من عقدين.
ويشير شاوردي في تصريح لموقع "الحرة"، إلى أن بزشكيان يواصل هذا المسار من خلال إظهار انفتاحه على التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والسعي لإثبات الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيراني.
ويلفت الخبير الإيراني إلى أن العنصر المستجد في خطاب الرئيس الإيراني، يبقى التعبير عن مخاوف طهران من عدم التزام الولايات المتحدة بالاتفاق في حال إعادة إحيائه، خاصة في ظل الضغوط الإسرائيلية على واشنطن.
وينفي شاوردي وجود "ازدواجية في الخطاب الرسمي" المرتبط بالملف النووي، موضحا أن الأمر يتعلق فقط باختلاف رؤى وتقديرات، بين الإيرانيين، موضحا أن الطيف الواسع بينهم، يرون أن إحياء الاتفاق لن ينهي العقوبات الأميركية، حيث ستسعى واشنطن لفرض عقوبات جديدة بذرائع مختلفة كقضايا حقوق الإنسان والمرأة والنفوذ الإقليمي.
وكان الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، قد قرر في 2018 التراجع عن الاتفاق بين طهران والقوى العالمية الست، معيدا فرض عقوبات كبيرة على طهران.
وفرض اتفاق عام 2015 سقفا لإيران في تخصيب اليورانيوم عند درجة نقاء 3.67 في المئة، والاحتفاظ بمخزون من هذه المادة لا يتجاوز 202.8 كيلوغرام، وهي حدود تخطتها إيران بفارق كبير منذ ذلك الحين.
ومنذ انهيار الاتفاق، تخلت إيران عن جميع القيود التي فرضها الاتفاق على برنامجها، وتخصب اليورانيوم بنسبة نقاء تصل إلى 60 في المئة، وهو ما يقارب المستويات التي تسمح بصنع الأسلحة النووية، والتي تبلغ 90 في المئة.
وتشعر بريطانيا وفرنسا وألمانيا، التي لا تزال طرفا في الاتفاق النووي، بأن قيادة طهران لن تغير مسارها وأن التوصل إلى اتفاق أوسع يشمل البرنامج النووي والدور الجيوسياسي لإيران، أمر غير واقعي في الوقت الراهن.
في هذا الجانب، يضيف شاوردي أن معارضي الاتفاق بالداخل يشككون أيضا في إمكانية إحياء الاتفاق النووي، خاصة بعد المساعي الفاشلة، خلال فترة حكم الرئيس السابق رئيسي، "بسبب المطالب الغربية المتقلبة".
ومن جهة أخرى، يقول إن هناك رؤية مقابلة، يتبناها عادة الإصلاحيون، وتؤكد على ضرورة إحياء الاتفاق، وتقوم على أن الوضع الحالي مناسب لإبرام اتفاق جديد أو إحياء القديم، إذ يرون أن واشنطن استفادت من تجربة المرحلة السابقة، وعلمت أن الضغوط والعقوبات لا تثمر بأي نتيجة، إذ استطاعت إيران تطوير برنامجها النووي بشكل أكبر وأقوى منذ ذلك الحين.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: إحیاء الاتفاق النووی فی الاتفاق النووی الولایات المتحدة الملف النووی فی إیران إلى أن
إقرأ أيضاً:
غروسي: هامش المناورة بشأن برنامج إيران النووي "يتقلص"
حذّر مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي، الثلاثاء، من أن "هوامش المناورة بدأت تتقلّص" في ما يتعلّق ببرنامج إيران النووي، قبيل زيارة مهمة إلى طهران.
وقال غروسي لفرانس برس في مقابلة أثناء مؤتمر "كوب29" للمناخ الذي تستضيفه باكو "على الإدارة الإيرانية أن تفهم أن الوضع الدولي يزداد توترا وأن هوامش المناورة بدأت تتقلص وأن إيجاد سبل للتوصل إلى حلول دبلوماسية هو أمر ضروري".وأفاد بأن إيران تسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالقيام بعمليات تفتيش في إيران لكن "نحتاج إلى المزيد. نظراً إلى حجم وعمق ومدى طموح برنامج إيران، علينا إيجاد وسائل لمنح الوكالة رؤية أوضح".
إيران توجّه رسالة إلى ترامب - موقع 24دعت إيران، السبت، الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى "تغيير" سياسة "الضغوط القصوى"، التي اتبعها خلال ولايته الأولى تجاه الجمهورية الإسلامية. تأتي زيارته بعدما أعيد انتخاب دونالد ترامب الذي أعلن الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران في ولايته الأولى، رئيساً للولايات المتحدة هذا الشهر، علماً بأنه تم التوصل إلى الاتفاق في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.
وقال غروسي "عملت بالفعل مع إدارة ترامب الأولى وعملنا جيداً معاً".
وأعلنت واشنطن عام 2018 الانسحاب من الاتفاق النووي، لتثير خيبة أمل العديد من حلفائها. كان من المفترض بأن يفكك الاتفاق الجزء الأكبر من برنامج إيران النووي ويفسح المجال لتعزيز عمليات التفتيش مقابل رفع العقوبات المفروضة على إيران.
فشلت مذاك جميع المحاولات الرامية لإعادة إحياء اتفاق 2015 الذي تم توقيعه مع الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.
وأقر غروسي "إنه وعاء فارغ".
واصل برنامج إيران النووي مذاك التوسع وإن كانت طهران نفت امتلاكها قنبلة ذرية.
زادت إيران بشكل كبير مخزونها من اليورانيوم المخصّب إلى 60 %، بحسب الوكالة، وهي نسبة قريبة من 90% التي يحتاجها تطوير سلاح نووي.
لكن منذ تولى الرئيس الإصلاحي الجديد مسعود بزشكيان منصبه في أغسطس (آب)، أشارت طهران إلى أنها ستكون منفتحة على عقد محادثات لإعادة إحياء الاتفاق.
ماذا ينتظر #إيران مع تولي #ترامب منصب الرئاسة مجدداً؟
لمشاهدة المزيد من الفيديوهات:https://t.co/XKZstSvtfW pic.twitter.com/5hfqKqzuLl
حضّ قادة إيران بعد ذلك على تبني إجراءات "ملموسة" استجابة للمخاوف حيال البرنامج النووي الإيراني وتكثيف التعاون مع المفتشين.