يرى الخبير الاقتصادي فرانسوا بيرد أنه بعد الانقلاب الأخير في النيجر، لم تتحدد التداعيات متوسطة المدى، لكن النتيجة واضحة. فالانقلاب يهدد الاستقرار في غرب أفريقيا، والمصالح الأمريكية والفرنسية في القارة الأفريقية، ويعزز الفرص الصينية. وسوف يعاني الأفارقة وسيواصل المتطرفون في كسب مناطق نفوذ، وليس من المرجح أن تعود النيجر للديمقراطية في المدى القصير.

وفي تقرير نشرته مجلة "ناشونال انتريست" الأمريكية، قال بيرد، مؤسس حركة اللعب النظيف في مجال التجارة، وهي حركة تأسست عام 2016 لمكافحة الإغراق والتجارة المفترسة، إن الآمال الأولية التي أعربت عنها فرنسا بأن تسارع القوات المسلحة النيجرية لإنهاء الانقلاب الذي قام به رئيس الحرس الرئاسي تبددت سريعاً، عندما انحاز الجيش للانقلاب.

كما أن الموعد الذي حدده قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) ليقوم الجيش بإعادة الرئيس المخلوع محمد بازوم إلى السلطة، وإلا فإنه سيكون هناك تدخل عسكري، انتهى كما بدأ. وتم فرض عقوبات وقطعت نيجيريا الكهرباء عن النيجر، ولكن هذا سيلحق الضرر بالمواطنين وليس بالجيش أو المتمردين.
لقد وقعت التطورات في النيجر في أعقاب الوضع الأمني المتدهور في بوركينا فاسو، الذي يؤثر أيضاً على الدول الأخرى في المنطقة. ويًعد هذا اختباراً مبكراً لممثل الأمم المتحدة الخاص لمنطقة غرب أفريقيا والساحل، ليوناردو سيماو، الذي يتعين عليه حشد رد فعل قوي. ومن المتوقع أن يقوم سيماو الذي كان وزيراً للخارجية في موزمبيق بالعمل على استجماع رد فعل أفضل مما حدث حتى الآن لمواجهة المخاطر في أفريقيا والساحل.

Why should a coup in one of the world's poorest countries be a serious concern for the United States? https://t.co/BQ46v9GoVI

— National Interest (@TheNatlInterest) August 11, 2023 عراقيل 

وأضاف بيرد، أن الإيكواس كانت تخطط لتشكيل فريق لمواجهة الأزمات، ولكنها فشلت في تمويله حتى الآن. وعلى الرغم من الإعلان عن اجتماع مقرر للقادة العسكريين لإيكواس، هناك احتمال ضئيل في أن يكون هناك تدخل عسكري أفريقي فعلي ما لم يتم تمويله ودعمه من جانب الولايات المتحدة وفرنسا. والسؤال هو ما إذا كان الافتقار للإرادة السياسية، والقيادة، والتمويل يعني أنه لن يحدث أي شىء.
لقد استفاد العسكريون في النيجر من الانقلابات التي شهدتها مالي، وغينيا، والسودان، وبوركينا فاسو، وغينيا بيساو أن عواقبها يمكن إدارتها ومكاسبها مرغوبة. وفي الغالب، في تلك الانقلابات، عندما انسحبت أمريكا وفرنسا، تم دعوة الروس، في شكل مرتزقة مجموعة فاغنر للدخول. ولم تتعلم الحكومتان الأمريكية والفرنسية من هذا التاريخ القريب.

مخاطرة 

وإذا لم تقم أمريكا وفرنسا بإعادة تقييم نهجيهما ومشاركتهما في أفريقيا، فإنهما تخاطران بصورة متزايدة بالتخلي عن النفوذ في القارة للصين وروسيا. ويشمل هذا فقدان الحصول على المعادن الاستراتيجية، ومن بينها أكثر من 7% من يورانيوم العالم في النيجر، إلى جانب خسائر جغرافية، وأمنية، وتجارية. ويتطلب المستقبل، تركيز الدولتين على تعزيز حكم القانون والديمقراطية مع امتلاك الجرأة أيضاً للتعامل بصورة عملية مع الأنظمة غير الديمقراطية والحكومات العسكرية. 

#أمريكا تستنكر رفض إطلاق سراح رئيس #النيجر وأسرته

https://t.co/kbMV1rcTcu

— 24.ae (@20fourMedia) August 12, 2023

والتعامل بصورة عملية لا يعني تبني الانقلابات على حساب حقوق الانسان، ولكنه يعني خدمة مصالح الفقراء، المحرومين من الحقوق باختيار أقل الشرور. ومنذ أن تخلت فرنسا عن التزاماتها القوية السابقة في غرب أفريقيا ، لا سيما بعد انقلاب بوركينا فاسو، هناك الآن المزيد من النازحين، والمزيد من غارات المتمردين، والتدهور الاقتصادي الأكثر سرعة، والمزيد من الانقلابات، وقدر أقل من الديمقراطية عن ذي قبل.
ويؤكد بيرد أن المخاطر بالنسبة لغرب أفريقيا واضحة بالفعل. فهناك أنباء تتعلق بقطاع التعدين في كوت ديفوار تفيد بحدوث غارات يومية من بوركينا فاسو على الجزء الشمالي الشرقي من البلاد لسرقة معدات التعدين والمواد الغذائية. وتعتبر ليبيا، وتشاد، وتوجو، وغانا، والسنغال، وبنين، ونيجيريا وكوت ديفوار معرضة لخطر الوضع الأمني الذي يزداد ضعفا نتيجة الانقلابات في النيجر وبوركينا فاسو.
وأكثر الدول استفادة من هذا الوضع هي غينيا، وهي أيضاً في غرب أفريقيا وشهدت مؤخراً انقلاباً عسكرياً. فغينيا تدعم التعدين بفعالية. وتحاول حكومة غينيا بالفعل الهيمنة على استثمار ودخل بوركينا فاسو وربما تكون أيضاً جذابة للعاملين في قطاع التعدين في نيجيريا. ومن الواضح أن غينيا أرسلت قوة لمكافحة الإرهاب إلى الحدود مع مالي مؤخراً.
ويقول بيرد إنه لمعرفة مصير النيجر في المستقبل، من الضروري ترقب دلالات معينة. وبالنسبة لأداء الجيش في مواجهة المتمردين: فإنه إذا خسرت قوات الحكومة عدة معارك مهمة على التوالي أو تم اجتياح قاعدة عسكرية رئيسية، أو إذا كانت هناك هجمات كبيرة في نيامي العاصمة، كما حدث في بوركينا فاسو، حينئذ يجب أن تعلم أمريكا أن الوضع يزداد تدهوراً بسرعة. وهناك دلالة أخرى تتمثل في رحيل ضباط عسكريين كبار، أومسؤولين حكوميين، أو مدنيين من النيجر، وإذا لم تتم إعادة فتح مكاتب المنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة والسفارات التي تشهد إغلاقاً حالياً. 

#روسيا تحذر من "مواجهة طويلة" بسبب التدخل العسكري في #النيجر https://t.co/Mhh9eaos4t

— 24.ae (@20fourMedia) August 11, 2023

وبالإضافة إلى ذلك، من الضروري مراقبة التدهور الاجتماعي، مثل معدل زيادة مخيمات النازحين، أو البيانات المتعلقة بالحصاد والانتاج الغذائي كمؤشرات لاحتمال حدوث مجاعة. كما أن تدهور دخل الضرائب بالنسبة للحكومة العسكرية في النيجر سوف يضعف وضعها أيضاً. وأي عدد من هذه التطورات سوف يفتح الباب أمام الصين، وروسيا، وحتى تركيا، التي تكثف نشاطها في أفريقيا.
وفي ختام تقريره يقول بيرد، إنه من المرجح في الوقت الحالي أن تفقد أمريكا وفرنسا استثماراتهما وقواعدهما الخاصة بمكافحة الإرهاب في النيجر. وسوف يقاتل الروس من أجل الاستفادة بالتعدين وغيره من الأصول. وسوف يكسب المتطرفون أرضاً. وسوف تحقق الصين مكاسب مالية وتزيد من نفوذها، كل ذلك بسبب تدهور الاستقرار في النيجر وغرب أفريقيا.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي ثريدز وتويتر محاكمة ترامب أحداث السودان مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة انقلاب النيجر النيجر بورکینا فاسو غرب أفریقیا فی النیجر

إقرأ أيضاً:

عُمان والصين.. نحو مزيد من الشراكات

 

محمد بن علي العريمي

mahaluraimi@gmail.com

 

تتمتع سلطنة عُمان بموقع جغرافي استراتيجي يُتيح لها الاستفادة من علاقاتها مع الصين؛ حيث تُعد عُمان الأسهل جغرافيًا بين الدول العربية في الوصول إلى الصين عبر المسار البحري، وهذا الموقع الجغرافي الفريد يُتيح لعُمان فرصًا كبيرة لتعزيز علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع الصين، خاصةً في ظل تنامي دور الصين كقوة اقتصادية عالمية وزيادة حجم التبادل التجاري بين الدولتين.

وفي هذا السياق، يُمكن لعُمان الاستفادة من موقعها لتعزيز شراكتها مع الصين في مختلف المجالات، مما يؤدي إلى تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة وتنمية مستدامة. وتمتلك عُمان شبكة موانئ قوية مثل ميناء صلالة، ميناء الدقم، وميناء صحار، التي تتمتع بموقع استراتيجي على المحيط الهندي. ميناء صلالة وحده استقبل أكثر من 4.3 مليون حاوية نمطية في عام 2022، وهو ما يجعله من أبرز الموانئ الإقليمية. كما يُعتبر ميناء صحار من بين الموانئ المتطورة؛ حيث يحتوي على مرافق حديثة ويعد مركزًا رئيسيًا لاستيراد وتصدير البضائع. وفقًا لتقارير اقتصادية، بلغ إجمالي استثمارات تطوير الموانئ العُمانية حوالي 20 مليار دولار خلال العقد الماضي. هذه الموانئ قادرة على استقطاب البضائع الصينية العابرة إلى إفريقيا وأوروبا، مما يعزز موقع السلطنة كمركز لوجستي عالمي.

إضافةً إلى ذلك، يُمكن لعُمان الاستفادة من التكنولوجيا والخبرة الصينية في تطوير موانئها. على سبيل المثال، يُمكن التعاون مع شركات صينية رائدة مثل "تشاينا هاربور" و"تشاينا كوسكو" لتوسيع المرافق اللوجستية وزيادة الطاقة الاستيعابية؛ مما يدعم حركة التجارة المتزايدة. ومن خلال هذا التعاون، يُمكن للموانئ العُمانية أن تصبح جزءًا لا يتجزأ من مبادرة "الحزام والطريق" التي تهدف إلى تعزيز الربط التجاري بين آسيا وإفريقيا وأوروبا.

التجارة البحرية بين عُمان والصين تشهد تطورًا ملحوظًا. في عام 2021، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالي 21.2 مليار دولار أمريكي؛ مما يجعل الصين الشريك التجاري الأكبر لعُمان. وعلى الرغم من أنَّ غالبية هذا التبادل تتركز في قطاع الطاقة، فإنَّ هناك فرصًا واعدة لتوسيع نطاق التعاون ليشمل الصناعات التحويلية والمنتجات الزراعية والسمكية. وتشير التوقعات إلى أنَّ تعزيز الاتفاقيات التجارية وتسهيلات النقل قد يؤدي إلى زيادة التبادل التجاري بنسبة 10% سنويًا خلال السنوات الخمس المقبلة.

ويمكن لعُمان استقطاب الاستثمارات الصينية في قطاعات مختلفة مثل البنية الأساسية، والصناعات الثقيلة، والطاقة المتجددة، والسياحة، والزراعة. وعلى سبيل المثال، تُعد منطقة الدقم الاقتصادية وجهة استثمارية مثالية.

عُمان تُعد شريكًا مثاليًا للصين في مجال الطاقة؛ حيث إنَّ الصين واحدة من أكبر مستوردي الطاقة في العالم. وفي عام 2021، صدّرت السلطنة حوالي 80% من إنتاجها النفطي إلى الأسواق الآسيوية، مع حصة كبيرة موجهة إلى الصين. وهذا التعاون يعكس تكاملاً طبيعيًا بين احتياجات الصين وموارد عُمان. إضافة إلى ذلك، يمكن تعزيز التعاون في مجالات الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وفقًا لتقارير منظمة الطاقة الدولية، تُعتبر الصين من أكبر المستثمرين في تقنيات الطاقة النظيفة، مما يوفر فرصة لعُمان للاستفادة من الخبرة الصينية في هذا المجال لتطوير مشاريع مستدامة داخل السلطنة.

وفي مجال السياحة، تُعد الصين سوقًا واعدة لعُمان، وفي عام 2019، زار السلطنة أكثر من 50 ألف سائح صيني، ومع استئناف حركة السفر العالمية، من المتوقع أن يرتفع هذا العدد بشكل كبير. وتُعد المواقع التاريخية في عُمان عوامل جذب رئيسية للسياح الصينيين، إضافة إلى الصحاري والشواطئ الجميلة التي توفر تجربة فريدة. وهنا يتعين تعزيز الجهود الترويجية وتنظيم حملات إعلامية على المنصات الصينية الشهيرة مثل "وي تشات" و"ويبو"، بما يساعد على زيادة أعداد السياح الصينيين.

كما إنَّ التبادل الثقافي بين عُمان والصين يُعد ركيزة أساسية لتعزيز العلاقات الثنائية. يمكن تنظيم مهرجانات ثقافية ومعارض فنية وبرامج تعليمية لتقريب الثقافات بين الشعبين. على سبيل المثال، يمكن إنشاء برامج لتدريس اللغة العربية للصينيين، واللغة الصينية للعُمانيين لتعزيز التواصل. علاوة على ذلك، يمكن إقامة فعاليات رياضية مشتركة تُبرز الترابط الحضاري بين البلدين.

ومن ناحية تطوير الصناعات المحلية، فإنَّ الصين سوق رئيسية للرخام العُماني؛ حيث بلغت صادرات الرخام العُماني إلى الصين حوالي 20 مليون دولار في عام 2020. وتعزيز هذه الصناعة وتوسيع قاعدة العملاء في الصين يمكن أن يزيد من إيرادات السلطنة بشكل كبير. إضافة إلى ذلك، فإنَّ المنتجات الزراعية مثل التمور والأسماك لديها إمكانيات كبيرة للدخول إلى السوق الصينية بفضل الطلب المتزايد في هذا القطاع. تُشير بيانات وزارة الزراعة والثروة السمكية العُمانية إلى أن صادرات الأسماك العُمانية إلى الصين زادت بنسبة 15% في السنوات الثلاث الأخيرة.

ويمكن القول إن أمام سلطنة عُمان والصين فرص استراتيجية يمكن استغلالها لتحقيق فوائد اقتصادية وتجارية واجتماعية كبيرة. ومن خلال التعاون المشترك واستقطاب الاستثمارات الصينية، تستطيع عُمان تعزيز مكانتها كمركز لوجستي وتجاري في المنطقة. ومشروع "الحزام والطريق" يُعد بوابة ذهبية للسلطنة لتنويع اقتصادها وتحقيق التنمية المستدامة؛ بما يخدم الأهداف الوطنية على المدى البعيد. التعاون الوثيق بين البلدين ليس فقط فرصة اقتصادية؛ بل إنه جسر ثقافي يُسهم في بناء علاقات مستدامة تعود بالنفع على الشعبين.

مقالات مشابهة

  • ترحيل مهاجرين غير شرعيين من النيجر
  • إسرائيل تهدد بشن هجوم على اليمن و«الحوثيون» يتوعدون باستهداف المصالح الأمريكية
  • تداعيات سقوط نظام الأسد على نفوذ روسيا في سوريا والشرق الأوسط
  • الحوثيون يتوعدون باستهداف المصالح الأمريكية بلا خطوط حمر.. ويرفعون جاهزية مشافي صنعاء
  • بوركينا فاسو تؤكد التزامها تجاه تحالف دول الساحل
  • الشاهد جيل ثورة ديسمبر الذي هزم انقلاب 25 أكتوبر 2021 بلا انحناء
  • عُمان والصين.. نحو مزيد من الشراكات
  • الجوهري فكر يرحله.. شوبير: الحضري كان مزرجن في بوركينا فاسو 98
  • تحليل لـCNN: لماذا يهدد ترامب باستعادة سيطرة أمريكا على قناة بنما؟
  • اشتعال حرب الرقائق الإلكترونية بين أمريكا والصين | ما القصة