لجريدة عمان:
2025-04-26@08:36:19 GMT

رسالة عابرة للأديان من الضفة الغربية

تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT

رسالة عابرة للأديان من الضفة الغربية

ترجمة: أحمد شافعي

أكتب إليكم من الضفة الغربية، حيث أشارك فـي وفد متعدد الأديان جاء ليشهد على ما يجري، وينصت مصغيا، ويقف بأجساد أعضائه مع الناس فـي هذه الأرض المأزومة. جماعتنا متعددة الأديان تضم مسلمين ومسيحيين ويهودا وهندوسيين وبوذيين، ونحن هنا لأننا نفهم أن هذا ليس محض صراع بين يهود ومسلمين، ولأن المعاناة هنا تلحق بجميع من يعيشون هنا.

فقد قالت لوفدنا أنجيلا كاسيه -وهي امرأة فلسطينية مسيحية من وادي المخرور، بالقرب من بيت لحم، تقاتل عائلتها من أجل حماية أرض أجدادها كي لا يستولي عليها المستوطنون الإسرائيليون إن «هذا ليس صراعا دينيا بين يهود ومسلمين. هذا استعمار استيطاني. فكلموا العالم عنا: نحن آخر المسيحيين فـي الأرض التي ولد فـيها المسيح».

بدأت إسرائيل غزوا كبيرا على غرار ما حدث فـي غزة لشمال الضفة الغربية. ومن الواضح أن هذه الإبادة الجماعية هي الفصل الأحدث فـي النكبة التي بدأت سنة 1948، ولا تزال فصول قبيحة أمامنا. فالتصعيد فـي التوترات فـي المنطقة القريبة وتزايد الإحساس بأن حربا إقليمية موشكة، والدعم المالي والتواطؤ السياسي من البلاد الغربية القوية ومنها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، والاحتجاجات الشعبية من حركات فـي كثير جدا من البلاد، كل هذا يبيِّن لنا أن الصراع يمس العالم كله. ولقد قال لنا بالفعل العالِم الفلسطيني ونصير البيئة المرموق مازن قمصية: إنه يعتقد اعتقادا كبيرا بأن هذه التوترات سوف تسفِر عن حرب نووية.

لقد دفعني حزني ورعبي إلى اغتنام الفرصة والانضمام إلى (حاخامات من أجل وقف إطلاق النار) و(مسيحيون من أجل وقف إطلاق النار) فـي حجهم هذا من أجل السلام. وقد انضممت أيضا لأنني هندية وهندوسية.

لقد قدِمت إلى فلسطين ومعي قصة الهند، وهي قصة عميقة الشبه بالقمع الذي أشهد عليه هنا. ففـيما أتحرك عبر نقاط التفتيش، وأرى البيوت المهدمة، وأتحدث إلى الأسر التي فرّقتها الأسوار والسياسة، أعي وعيا أليما أن الأيدي الملطخة بالعنف ليست فقط أيادي الدولة الإسرائيلية والولايات المتحدة التي أعيش فـيها. فالهند التي ولدت فـيها شريكة فاعلة هي الأخرى فـي دائرة العنف الجارية هنا وتساعد عليها.

الهند الآن من كبار مشتري الأسلحة والتكنولوجيا الإسرائيلية التي كثيرا ما يجري «اختبارها ميدانيا» على الفلسطينيين قبل بيعها لبلاد أخرى. وهذا التبادل ليس تجاريا وماليا وحسب، ولكنه أيديولوجي. فأدوات القمع، سواء أهي طائرات مسيّرة أم جرّافات، تتحرك بلا توقف بين تل أبيب ونيودلهي، والأدهى أن الهند أرسلت أسلحة وطائرات مسيّرة لترسانة إسرائيل، فهي متواطئة تواطؤا مباشرا فـي الإبادة الجماعية فـي غزة.

وليس التحالف بين الأيديولوجية الهندوسية العنصرية والصهيونية وليد الصدفة؛ فلكلتا الأيديولوجيتين جذور فـي رؤية نقاء ديني عرقي تهمِّش الآخرين وتقمعهم. وفـي السنين الأخيرة شهدنا تزايد التعاون بين هاتين الحركتين، بدءا بالمناورات العسكرية المشتركة وحتى تبادل تقنيات المراقبة المتطورة.

لقد ذكّرني لقائي بأنجيلا وأسرتها بالجرّافات التي استُعملت لإرهاب المسلمين الهنود. وبوسعنا أن نرى فـي كشمير مثل هذا الاستعمار الاستيطاني الذي نراه فـي الضفة الغربية حيث يعتدي المستوطنون اليهود على أراضي الفلسطينيين وبيوتهم، ففـي كشمير أيضا جرّدت الحكومة الهندية المنطقة من وضعها الخاص، وأتاحتها بذلك فعليا لقوة الهندسة الديمغرافـية حتى تعيد تشكيلها. والجرّافات التي تجتاح بيوت الفلسطينيين تبدو شبيهة شبها مفزعا بتلك المستعملة فـي هدم بيوت المسلمين فـي الهند دونما توافر أدلة أو اتباع لإجراءات قانونية فـي أغلب الأحيان.

هناك أيضا الاعتقالات التعسفـية، حيث يتعرض الناس للاعتقال دونما محاكمة، ويُسجنون بلا دليل. سافرنا إلى بير زيت، فـي شمال رام الله، لمقابلة لولو وتانيا ناصر -والأولى هي والدة ليان ناصر البالغة من العمر ثلاثة وعشرين عاما والثانية عرابتها. تم اعتقال ليان بالقوة من بيتها فـي مداهمة ليلية فـي السابع من أبريل، وهي فـي السجن منذ ذلك الحين، دونما توجيه اتهامات أو محاكمة. والصحفـي خرام برفـيز واحد من آلاف الأشخاص الذين يعانون من مثل هذا الاعتقال التعسفـي فـي كشمير؛ فالكشميريون والفلسطينيون شعبان يعرفان تمام المعرفة معنى العيش فـي ظل الاحتلال، وتخضع حياتهما اليومية لقوى لا يمكنهما السيطرة عليها.

آفرين فاطمة، ناشطة هندية مسلمة تعمل فـي مجال حقوق الإنسان هدّمت الجرّافات بيت أسرتها قبل سنتين. وكان ذلك عقابا من الحكومة الهندية على مناصرة آفرين وأبيها لحقوق الإنسان. حينما حكيت لآفرين عن رحلتي إلى فلسطين وعن هدم البيوت بالجرّافات هنا، قالت إن ما مرّت به لا يُقارن بما يجري فـي فلسطين، لكنها قالت: إن «أسلوب عمل المحتلين الفاشيين مستمد من كتاب قواعد واحد. زعماء العالم يعلمون تمام العلم ما يجري، وبوسعهم إيقافه إن أرادوا ذلك، لكنهم لا يفعلون لأنهم مستفـيدون من أنظمة القمع. لو أن ما يجري فـي فلسطين يجري فـي الهند، سيكون هذا جحيما على الأرض. ولكن مقاومة الفلسطينيين تمنحني الأمل».

ابتهجت تمارا طه، وهي أمريكية فلسطينية وعضو معنا فـي الوفد، ورفـيقة لي فـي الغرفة، عندما سمحوا لنا بزيارة المسجد الأقصى، المعروف أيضا بالحرم الشريف؛ لأنها تخشى أنه لن ينجو طويلا. ذلك المسجد البالغ من العمر ألف عام ويعتقد أن النبي محمدا قد ارتقى منه إلى السماء هو أحد أهم مساجد العالم لدى المسلمين وهو نقطة محورية فـي الصراع. يقوم المسجد، بمقامه المركزي، وقبة الصخرة، على مرتفع كبير، المقدّس لدى اليهود والمسلمين على السواء. ومعبد أورشليم كان يقوم هنا ذات يوم وتعرّض للتدمير على أيدي الرومان فـي عام 70 للميلاد. والوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفـير يحشد الزخم لـ«حركة المعبد» التي تضم يهودا صهاينة متطرفـين يخططون لشعيرة ذبح خمسة عجول حمراء جيء بها جوا من تكساس، تمهيدا لتدمير المسجد الأقصى وبناء معبد يهودي فـي مكانه.

كل هذا يذكرنا بتدمير مسجد بابري فـي أبوديا، وهو مسجد عمره خمسمائة عام دمّره متطرفون هندوس سنة 1992 لإقامة معبد هندوسي مكانه للإله راما؛ إذ يعتقد كثير من الهندوس أن معبدا للإله راما قد كان فـي هذا المكان وأقيم بدلا منه مسجد بابري بعد أن دمّر الإمبراطور المغولي [المسلم] بابور المعبد، وتؤكد كل من هيئة المسح الأثري والمحكمة العليا فـي الهند أنه ما من معبد هندوسي أسفل المسجد، ولكن ما من مجال للحقيقة أيضا فـي صراع ديني.

عندما بلغنا المسجد الأقصى، سار بنا فـيه مهدي ديسي مرورا بالكثير من الحرس المسلحين إلى أن دخلنا المسجد نفسه، ومهدي ديسي موظف بالأوقاف منذ اثنتي عشرة سنة وهو رجل ودود مضياف بشوش، ولكنه بادي التوتر أيضا. كان سعيدا للغاية وهو يطوف بنا لأن «هذا مكان مقدس وموقع تاريخي، ويجب أن يراه العالم» غير أنه قال إنه «مكان مقدس وخطير، ولا بد فـيه من اتباع التعليمات». فكان على النساء منا أن يغطين رؤوسهن، ولم يكن مسموحا بتصوير الفـيديو أو السير إلا فـي جماعة. حكى لنا عن أهمية المسجد الدينية وعن الهجمات الكثيرة التي تعرّض لها، ومنها فـي عام 1969 أن أضرم مسيحي صهيوني أسترالي النار فـيه، فضلا عن هجمات قليلة شنتها القوات الإسرائيلية على مدار السنين، وعرض علينا مهدي الشبابيك المحطمة التي لم تعد مستعملة، والمداخل التي تفجرت ثم لم تعد تستعمل.

يعلّمنا موروث الهندوس أن الرب موجود فـي كل شخص وفـي كل مظهر من مظاهر الكون. وفـيما كنت أنصت لمرشدنا صعب عليّ أن أتقبل أن الرب كان موجودا فـي أنفس الجنود الذين أطلقوا الرصاص المطاطي على المصلين فـي المسجد الأقصى أو فـي أنفس الغوغاء الهندوس الذين أحالوا مسجد بابري ركامًا. جلست فـي الكهف أتحسس الصخرة الهائلة التي تقع أسفل القبة الذهبية، وهي أيقونة صور سماء القدس. ولم يتسن لي أن أستحضر إحساس السلام الذي أنعم به فـي أماكن العبادة. هام بي عقلي إلى أيوديا وتساءلت كيف لقلب إنسان أن يحوز من الكراهية ما يجعله يدمر بيديه العاريتين مكانا ذا قيمة دينية عند كثير من الناس وقيمة تاريخية، وجمال عظيم.

لقد سافرت قبل عامين إلى أيوديا عندما كان بناء معبد راما لا يزال جاريا. وسرت عبر الممر المتعرج المؤدي إلى الضريح الداخلي، وكنت أشعر بالغثيان والخراب. كان على جانبي الممر من ناحية حرس الجيش يحملون السلاح ومن الأخرى لوحات إعلانية ضخمة لبنوك. كنت على يقين أن الإله راما لا يريد إقامة معبد له هناك. وعاهدت نفسي على ألا أرجع مرة أخرى إلى المعبد الذي لم أجده مكانا للعبادة وإنما رأيته قلعة للعنصرية الهندوسية والجشع المادي.

حكى لنا مهدي أن إحدى بوابات الأقصى تحمل لافتة تمنع دخول اليهود، وأن اليهود لا المسلمين هم الذين وضعوا تلك اللافتة. فهناك يهود كثيرون يؤمنون أنه لا يحق لهم دخول معبد الهيكل قبل مجيء المسيح. قال الحاخام ديفـيد كوبر وهو عضو معنا فـي الوفد «أنا لا أريد أن يتحول الحرم الشريف إلى معبد يهودي. وأعترف بأن هذا المكان حاليا موقع إسلامي مقدس كان فـي يوم من الأيام هيكلا لكنه لم يعد كذلك وبإذن الله لن يكون».

سبق لكوبر أن زار المسجد الأقصى مرة فـي عام 1984، برفقة مجموعة من محامي حقوق الإنسان. قاده فـي الجولة مقاول، مبرزا الأضرار التي تعرض لها المسجد فـي هجمة 1969. وسأل كوبر المقاول إن كان مر فـي إصلاح المسجد بتجربة دينية عميقة. فأجاب المقاول بالإيجاب فـي البداية ثم عاد وقال بمزيد من الهدوء «لكن كما تعلم، أنا شيوعي، والأمر بالنسبة لي متعلق بالجمال لا بإله».

كان الفن وفـيرا فـي مخيم شعفاط للاجئين فـي القدس الشرقية، وهذا مكان آخر زاره وفدنا. كان جدار الفصل العنصري الذي يحبس مخيم اللاجئين ويفصله عن الأرض الإسرائيلية ذات المزايا الاستيطانية يبدو جهما رماديا من الخارج، لكنه مطلي من الداخل بجداريات ريفـية ملونة مفعمة بالزهور. وكانت مدرسة أونروا القائمة داخل المخيم مليئة بآثار طلقات الرصاص. قال لنا صبي صغير إن الجنود الإسرائيليين يأتون بلا سابق إنذار، فـي كل يوم تقريبا، ويطلقون قنابل الغاز، والرصاص فـي بعض الأحيان. ثمة برج حراسة مقام للمراقبة عند مدخل مخيم اللاجئين قَتل منه جندي ذات يوم أربعة وخمسين طفلا. وبرج الحراسة هذا ملطخ ببقع الألوان، حيث يرميه الأطفال بالألوان والأدوات المدرسية حينما يأمنون الأنظار.

أرجو وأنا فـي الضفة الغربية أن أزور التكية الهندية، وهي ضريح عمره ثمانمائة عام لبابا فريد، وهو ولي صوفـي من القرن الثاني عشر من البنجاب أشعاره مدرجة فـي كتاب جورو جرانث صاحب المقدس لدى السيخ ولا تزال تنشد فـي المعبد الذهبي فـي أمريستار. سافر بابا فريد إلى القدس وعاش هنا لبعض الوقت، وتقول الأساطير إنه قضى أيامه يكنس ساحات المسجد الأقصى. تعاليم بابا فريد كلها تتعلق بالحب والتواضع والعدالة. كان مسلما لكنه مبجل لدى السيخ والهندوس أيضا. أقام ذلك الرجل المبارك، المنحدر من الهند، تلك العلاقة العميقة مع القدس فلا يزال ضريحه قائما فـيها بعد ثمانمائة سنة. وثمة مفارقة عميقة فـي أن توجد فـي القدس زاوية هندية مخصصة للمحبة والوحدة، وأن يهودا لاذوا بالهند لأكثر من ألفـي عام، وأن لهم معابد جليلة لم تزل قائمة فـي أماكن من قبيل كلكتا وكوتشي وبومباي. لقد كانت الهند فـي يوم من الأيام ملاذا للهاربين من القمع، ولكن اليوم تتواطأ حكومة الهند الهندوسية فـي مثل القمع العرقي والديني الذي كانت فـي يوم من الأيام تقاومه.

تاريخ البشرية حافل بأمثلة لتلك الحركات الجماهيرية -فـي جنوب أفريقيا وفـي حركة الحقوق المدنية فـي الولايات المتحدة وفـي نضال الحرية فـي الهند نفسها- التي طالبت الشعوب بالنهوض والتضحية بالكثير والنفـيس للوقوف فـي وجه القوة ومواجهتها بالحقيقة.

كل هذه الحركات الجماهيرية قامت على التعدد، وجمعت الناس للقتال من أجل عالم يحترم كرامة الجميع وإنسانيتهم. والديمقراطيات التي نسعى ونتوق إليها هي كيانات تعددية تضمن تساوي الحقوق للجميع. أما المتطرفون الدينيون فـيزدهرون فـي ظل الكراهية ويسعون إلى التفرقة بيننا. والسلاح الوحيد الذي يمكن أن نواجههم به هو رفضنا للفرقة.

يواصل القس وليم باربر ميراث مارتن لوثر كينج الابن من خلال (حملة الفقراء) داعيا الحركات إلى الاندماج الأخلاقي فـيقول: «لو أن أعداء العدالة قادرون على الوقوف معا، فـيجدر بنا أن نتحلى بالذكاء للتجمع وإقامة حركة تعيد بناء الديمقراطية».

عرابة ليان ناصر هي تانيا ناصر وهي مغنية أوبرا فـي الثالثة والثمانين من العمر. وتعتقد أن التضامن الدولي هو مصدر الأمل الوحيد للفلسطينيين. لكن تانيا ترى الأمل المشترك الذي يتردد فـيه صدى دعوة القسيس باربر إلى الاندماج الأخلاقي فـ«العالم يجد نفسه فـي فلسطين. والحق أنني أرى هذه الحرب هبة منا للعالم، عسى أن يفـيق ويصحو ضميره».

لهذا السبب أنا هنا فـي فلسطين، لأحتل مكاني ضمن حركة الاندماج العالمي الواسعة الداعية إلى وقف فوري لإطلاق النار، وحظر السلاح، والمضي فـي طريق السلام والعدالة الحقيقية لكل من يعدون هذا المكان وطنا لهم. وفـي فلسطين الحرة ثمة الهند الحرة، وأمريكا الحرة، والسودان الحر، وميانمار الحرة - وفـيها أيضا تحريرنا جميعا.

• سونيتا فيسواناث مؤسسة مشاركة ورئيسة مجلس إدارة سابقة لمنظمة (نساء من أجل الأفغانيات)، وعضوة حالية في المجلس الاستشاري لمنظمة "أنفريز أفغانستان". وهي أيضا المديرة التنفيذية لمنظمة (هندوس من أجل حقوق الإنسان).

** عن ذي نيشن

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المسجد الأقصى الضفة الغربیة فـی فلسطین فـی الهند فـی عام ما یجری من أجل

إقرأ أيضاً:

لا تبشر بالخير.. تفاصيل مجزرة جامو وكشمير التي دفعت مودي لقطع زيارة السعودية وأوصلت التوتر لأوجه بين دولتين نوويتين

(CNN)-- تشهد العلاقات بين الهند وباكستان تدهورًا ملحوظًا عقب هجومٍ مميت في باهالغام بمنطقة جامو وكشمير المتنازع عليها في جبال الهيمالايا، والذي أسفر عن مقتل أكثر من عشرين سائحًا.

وفي أعقاب الهجوم، قطع رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي زيارته التي كانت من المفترض أن تستمر ليومين إلى المملكة العربية السعودية، وذلك بعد لقائه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

وكان جميع الضحايا الـ 26 الذين قُتلوا في الهجوم الذي وقع، الثلاثاء، باستثناء شخص واحد، مواطنين هنود، مما أثار موجةً جديدة من الاضطرابات في منطقةٍ تُعدّ بؤرة صراعٍ إقليميٍّ طويل الأمد، وغالبًا ما كان عنيفًا، بين باكستان والهند.

واتهمت الهند باكستان، الأربعاء، بدعم الجماعات الإرهابية في المنطقة، بعد أن أعلنت جماعةٌ مسلحةٌ غير معروفة تُدعى "جبهة المقاومة" مسؤوليتها عن الهجوم. ونفت باكستان أي تورط لها في الهجوم.

ومنذ ذلك الحين، خفّضت نيودلهي مستوى علاقاتها مع إسلام آباد، وأغلقت معبرًا حدوديًا رئيسيًا، وعلقت لأول مرة مشاركتها في معاهدة حاسمة لتقاسم المياه، من بين إجراءات عقابية أخرى، مما دفع باكستان إلى إعلان سلسلة من الإجراءات الانتقامية، بما في ذلك تعليق التجارة. وألغى كل جانب تأشيرات دخول لمواطني الطرف الآخر.

ولعقود، خاضت عدة جماعات مسلحة محلية، تطالب إما باستقلال كشمير أو بانضمام المنطقة إلى باكستان، معارك ضد قوات الأمن الهندية، مما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف في أعمال العنف، وتعهد رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، الخميس، بملاحقة المهاجمين "حتى أقاصي الأرض"، وذلك خلال خطاب ألقاه في ولاية بيهار الشمالية الشرقية، وقال مستخدمًا اللغة الإنجليزية بدلًا من الهندية المعتادة: "من أرض بيهار، أقول للعالم أجمع، إن الهند ستحدد هوية كل إرهابي وداعميه، وستتعقبهم، وستعاقبهم".

وأضاف: "لن يكسر الإرهاب روح الهند أبدًا. ولن يفلت الإرهاب من العقاب. وسنبذل كل جهد ممكن لضمان تحقيق العدالة. والأمة بأكملها ثابتة على هذا العزم".

ماذا حدث في باهالغام؟

أطلق مسلحون النار، الثلاثاء، على زوار في وجهة سياحية شهيرة بمنطقة باهالغام الجبلية في كشمير الخاضعة للإدارة الهندية، وقُتل ما لا يقل عن 25 مواطنًا هنديًا ومواطن نيبالي واحد في المذبحة التي وقعت في وادٍ لا يمكن الوصول إليه إلا سيرًا على الأقدام أو على ظهور الخيل.

ووصف شهود عيان مشاهد رعب مع اقتراب المسلحين، وهم يطلقون النار على السياح من مسافة قريبة. واستذكر البعض كيف تم استهداف الرجال وإطلاق النار عليهم. وقال ناجون آخرون تحدثوا لوسائل الإعلام المحلية إن المسلحين اتهموا العائلات بدعم رئيس الوزراء مودي قبل إطلاق النار.

وانتشرت صور ومقاطع فيديو للحادثة - تُظهر جثثًا هامدة متناثرة على الأرض واشخاص ينتحبون خوفًا - عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في صورة حية للألم والمعاناة التي تحملتها العائلات التي انتهت عطلتها بمأساة مروعة، فيما عززت السلطات الهندية انتشارها الشرطي والعسكري في المنطقة، ويواصل أفرادها البحث عن الجناة.

من هي جبهة المقاومة؟

أعلنت جبهة المقاومة الكشميرية، المعروفة أيضًا باسم جبهة المقاومة (TRF)، مسؤوليتها عن هجوم باهالغام عبر وسائل التواصل الاجتماعي، معربةً عن استيائها من "الغرباء" الذين استقروا في المنطقة وتسببوا في "تغيير ديموغرافي"، ولم تقدم أدلة، ولا تستطيع CNN التحقق من ادعائها بشكل مستقل.

وتُعدّ جبهة المقاومة جماعة مسلحة جديدة نسبيًا، ولا يُعرف عنها الكثير، إذ أعلنت الجماعة عن وجودها عام 2019 عبر تطبيق الرسائل المشفرة تيليغرام، بعد أن أعلنت مسؤوليتها عن هجوم بقنبلة يدوية في سريناغار، أكبر مدن جامو وكشمير، وفقًا لبحث أجرته مؤسسة أوبزرفر للأبحاث (ORF) ومقرها نيودلهي.

وصنفت الهند جبهة المقاومة الكشميرية "منظمة إرهابية" وربطتها بجماعة لشكر طيبة الإسلامية المحظورة، التي كانت وراء هجمات مومباي الدامية عام 2008، والتي تتمتع بشهرة أكبر بكثير.

وتُصنّف الجبهة الثورية الكشميرية نفسها كقوة مقاومة سياسية، نشأت في كشمير، وتخدم كشمير، ضد قوات الاحتلال غير الشرعية، دون أي شخصية أو قيادة جهادية مركزية، وفقًا لشبكة ORF.

وأصدرت شرطة كشمير، الخميس، إشعاراتٍ تُسمّي ثلاثة مشتبه بهم يُزعم تورطهم في الهجوم. اثنان منهم باكستانيان، وفقًا للإشعارات. ولم تُفصح الشرطة عن كيفية تحديد هوية الرجال.

لماذا تُعدّ كشمير مهمة للهند وباكستان؟

تُعدّ منطقة كشمير الجبلية، التي تطالب بها كلٌّ من الهند وباكستان بالكامل، من أخطر بؤر التوتر في العالم، وتصاعدت التوترات بين الهند ذات الأغلبية الهندوسية وباكستان ذات الأغلبية المسلمة بشأن المنطقة المتنازع عليها في السنوات الأخيرة، بعد أن ألغت حكومة مودي الحكم الذاتي الدستوري للمنطقة عام 2019، مما جعلها تحت السيطرة المباشرة لنيودلهي.

في حين صرّحت الحكومة الهندية بتراجع التشدد منذ ذلك الحين وسط حضور عسكري مكثف، استمرت الهجمات في المنطقة، مما أثار اضطرابات واحتجاجات. في غضون ذلك، فُرضت رقابة إعلامية مشددة وقطع للاتصالات.

ويقول المحللون إن مذبحة، الثلاثاء، حطمت وهم الهدوء الذي صوّره مودي للمنطقة، وتثير تساؤلات حول كيفية حدوث مثل هذا الخلل الأمني ​​في واحدة من أكثر المناطق عسكرة في العالم.

كيف ردّت الهند وباكستان؟

لم تُلقِ الهند باللوم علنًا على أي جماعة في الهجوم، لكنها برّرت خطواتها الانتقامية بأنها رد على ما يُزعم أنه "دعم باكستان للإرهاب عبر الحدود".

وأعلنت نيودلهي عن عدة إجراءات عقابية ضد إسلام آباد بعد يوم من الهجوم، بما في ذلك إغلاق معبر حدودي رئيسي، وفرض مزيد من القيود على تأشيرات الدخول المحدودة أصلًا للمواطنين الباكستانيين. كما طردت مستشارين عسكريين وبحريين وجويين من المفوضية العليا الباكستانية في نيودلهي.

وفي خطوة أدانتها باكستان، علقت الهند أيضا دورها في معاهدة مياه نهر السند، وهي اتفاقية مهمة لتقاسم المياه بين الهند وباكستان دخلت حيز التنفيذ منذ عام 1960 وتعتبر قصة نجاح دبلوماسية نادرة بين الجارتين المتناحرتين.

وينبع نظام نهر السند الضخم، الذي يدعم سبل العيش في باكستان وشمال الهند، من التبت، ويتدفق عبر الصين وكشمير الخاضعة للسيطرة الهندية قبل أن يصل إلى باكستان. وتُعد هذه الكمية الهائلة من المياه موردًا حيويًا لكلا البلدين، وتنظم المعاهدة كيفية تقاسمها.

وصرح الأستاذ المساعد في العلوم السياسية بجامعة تافتس، فهد همايون، قائلاً إن "تخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية وتعليق معاهدة مياه نهر السند لا يبشر بالخير لاستقرار المنطقة"، مضيفا: "لا يُعد تعليق المعاهدة انتهاكًا لالتزامات المعاهدات الدولية فحسب، بل إن الحق في المياه، كدولة تقع على ضفاف نهر السند، يُنظر إليه على أنه قضية أمن قومي بالنسبة لباكستان، وسيُعتبر تعليقه عملاً عدائيًا".

وعقب الخطوة الهندية، أعلنت باكستان، الخميس، تعليق التجارة مع الهند، وإغلاق مجالها الجوي، وطرد الدبلوماسيين الهنود، واصفةً إجراءات الهند بأنها "أحادية الجانب، وغير عادلة، وذات دوافع سياسية، وغير مسؤولة للغاية، وتفتقر إلى أي أساس قانوني".

وجاء في بيان حكومي أن أي محاولة لإيقاف أو تحويل مسار المياه التابعة لباكستان ستُعتبر عملاً حربياً.

وقال وزير الخارجية إسحاق دار: "لقد مارست الهند لعبة إلقاء اللوم مراراً وتكراراً، وإذا كان هناك دليل على تورط باكستان [في باهالغام]، فيُرجى إطلاعنا عليه وعلى العالم".

كيف هو الوضع في كشمير؟

توافد الآلاف إلى الشوارع للتنديد بالهجمات الدامية، بينما أعرب أصحاب الأعمال عن قلقهم إزاء تأثيرها على هذه الوجهة السياحية الشهيرة خلال موسم الذروة.

وقال محسن، الذي يُعرّف نفسه باسم واحد فقط، ويدير شركة سياحية في المنطقة: "شهدنا إلغاءً حجوزات بنسبة 80-90% من جميع رحلاتنا ورحلاتنا في الأيام والأسابيع المقبلة. نحن نتكبد خسائر مالية فادحة. قد أضطر إلى الانتقال إلى عمل آخر إذا استمر هذا الوضع".

واستأنفت المدارس والشركات أعمالها بعد إغلاقها، الأربعاء، في أجزاء عديدة من كشمير، بينما اندلعت مظاهرات تضامنية في ساحة لال تشوك، ساحة مدينة سريناغار.

ماذا سيحدث الآن؟

تتجه الأنظار الآن نحو رد فعل نيودلهي وإسلام آباد، حيث يخشى المحللون من احتمالية التصعيد العسكري، إذ قال الباحث في مركز الأمن والتعاون الدولي بجامعة ستانفورد، أرزان تارابور: "سيكون لدى مودي دافع سياسي قوي، إن لم يكن لا يُقاوم، للرد بالقوة".

وأضاف تارابور : "السؤال الرئيسي هو: هل سيسعى الجانبان إلى فرض تكاليف ملموسة وذات معنى أكبر على الجماعات الإرهابية، بما في ذلك استهداف قياداتها أو مقراتها؟ أم ستذهب الهند إلى أبعد من ذلك، متجاوزةً بذلك عتبة مهاجمة الجيش الباكستاني؟".

وبينما ازدادت القوة العسكرية الهندية في السنوات القليلة الماضية، عانت باكستان من عدم الاستقرار السياسي والاضطراب الاقتصادي، ومع ذلك، قال همايون، الأستاذ في جامعة تافتس، إنه إذا اختارت الحكومة الهندية اللجوء إلى العمل العسكري، فهناك "كل الأسباب للاعتقاد بأن باكستان سترد بالمثل"، مضيفا: "في غياب ضبط النفس الاستراتيجي أو تدخل طرف ثالث، فإن احتمالات التصعيد غير المنضبط في الأيام المقبلة ليست ضئيلة".

مقالات مشابهة

  • صحيفة عبرية: المخطط الإسرائيلي لضم الضفة الغربية أصبح واقعا
  • شباب يواجهون الأحزاب السياسية والعرف: نحن هنا أيضا
  • لا تبشر بالخير.. تفاصيل مجزرة جامو وكشمير التي دفعت مودي لقطع زيارة السعودية وأوصلت التوتر لأوجه بين دولتين نوويتين
  • مصطفى بكري: الفيديو الافتراضي لتفجير الأقصى وبناء الهيكل رسالة خطيرة لنا جميعا
  • اقتحامات من قوات العدو الصهيوني لمخيمات وقرى في الضفة الغربية
  • قصة التوتر التي تحدث الآن بين الهند وباكستان
  • 16 عملاً للمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية خلال 48 ساعة الماضية
  • مصير طائرة طيران الهند التي بيعت العام الماضي بعد تلويحة الوداع.. فيديو
  •  جيش الاحتلال يواصل حملة اعتقالات في الضفة الغربية والقدس المحتلة
  • صرخات صور الذكاء الاصطناعي.. هل كانت تسلية عابرة ام وراءها هدف سندفعه؟