عودة إلى إشكاليات رواية المقريزي للبقط 3
تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT
من كان يحكم منطقة أسوان عندما بدأت حملات المسلمين المبكرة على النوبة؟
د. أحمد الياس حسين
med.elyas@gmail.com
نسبة لعدم توفر معلومات عن حملة عبد الله بن سعد على النوبة ووصوله مدينة دنقلة، ولكي نتمكن من التعرف على أحداث تلك الحملة بصورة أكثر وضوحا أرى أن الإجابة على سؤالين مهمين يساعدان على إلقاء بعض الضوء عليها.
والسؤال الثاني: يتعلق بالطريق الذي سلكت حملة عبد الله بن سعد من صعيد مصر حتى وصلت دنقلة
سيبدأ هذا الموضوع بإلقاء بعض الضوء على السؤال الأول:
الأوضاع في صعيد مصر عندما بدأت غزوات المسلمين المبكرة على منطقة أسوان
كيف كانت الأوضاع في صعيد مصر في العقود الأخيرة من الحكم البيزنطي لمصر؟ وهل كان البيزنطيون وحدهم يحكمون الصعيد أم كانت هنالك قوى أخرى تشاركهم؟
البيزنطيون والقوى الأخرى في الصعيد
خضعت مصر للإمبراطورية البيزنطية بعد ضعف الإمبراطورية الرومانية الغربية في القرن الرابع الميلادي. ويعرف البيزنطيون في المصادر العربية بالروم. وفي القرآن الكريم سورة الروم (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ 1-3) وظلت مصر تحت الحكم البيزنطي حتى الفتح الإسلامي عام 640 م ما عدا فترة الحكم الفارسي الثاني القصير بين عامي 616 – 628 م، فقد كان صعيد مصر تحت الحكم الفارسي قبل اثني عشر عاما من الفتح الإسلامي لمصر.
وقد عانت مصر الكثير من الاضطرابات في الأربعة عقود التي سبقت الفتح الإسلامي. فقد كانت تعاني من مشاكل الخلافات بين المذاهب المسيحية والتعصب الذي ساد الإمبراطورية البيزنطية. وقد كانت كنيسة مصر القبطية تتبع المذهب اليعقوبي بينما تؤيد السلطات البيزنطية الحاكمة أتباع المذهب الملكاني، فكان الصراع حاميا بين اتباع المذهبين في مصر. وكان أكثر أتباع الكنيسة القبطية يتركزون في صعيد مصر. كما عانت مصر في السنوات التي سبقت الفتح الإسلامي الحروب بين المتنافسين على عرش الإمبراطورية والتي انتهت بتتويج هِرَقل امبراطوراً وهو الامبراطور الذي هزمه المسلمون عام 639 في سوريا.
وهكذا كان الحكم البيزنطي في مصر يعاني الكثير ما الاضطرابات والضعف إبان الغزو الإسلامي عام 20ه/640 م. ولم يكن حكم المنطقة الجنوبية من صعيد مصر خالصاَ للبيزنطيين، بل كان هنالك وجود واضح لقوتين أخريتين شاركتا البيزنطيين في هذه المنطقة هما البليميون (أحد أسلاف البجة) والمريس (النوباديون). والتعرف على أثر وجود هاتين القوتين في المنطقة الواقعة بين مدينتي طيبة (الأقصر الحالية) وأسوان يمَكّننا من التعرف على: من الذي تصدى لحملات المسلمين المبكرة على منطقة أسوان؟ هل هم البيزنطيون؟ أم القوى التي كانت تشارك البيزنطيين في حكم المنطقة والمعروفين في المصادر العربية المبكرة باسم النوبة الذين حاربهم عبد الله بن سعد؟
البليميون
سيتم فيما يلي التعرف – بإيجاز شديد – على البليميين. وللمزيد من التفاصيل ارجع إلى (مصطفى مسعد، الفصلين الثاني والثالث وأحمد الياس ج 1 ص 206 - 237) البليميون أحد فروع أسلاف البجة، ويرجع وجودهم البليميين في صعيد مصر إلى قرون كثيرة قبل العصر البيزنطي حيث كانوا يشكلون ثِقَلاً سكانيّاً وسياسياً في المنطقة. ففي القرن الثالث قبل الميلاد عندما كانت مصر تحت حكم البطالمة، ونسبة للعلاقات الطيبة مع مملكة مروي، تحصل البليميون المولودون في مصر على نفس حقوق اليونانيين المولودين في مصر. (Butler, 1913 p 40) وكان الوجود الأكبر للبليميين في منطقة جنوب أسوان ومركزهم في كلابشة حيث تمكنوا من تأسيس مملكتهم في آخر القرن الرابع الميلادي. ((Torok,1989, p398
ولم ينحصر وجود البليميين على مناطق النيل فقط، بل وصل امتدادهم ونفوذهم في القرن الرابع الميلادي شرقاً حتى البحر الأحمر. ورغم دخولهم في صراع مع الرومان الذين حكموا مصر بعد البطالمة، إلا أنهم حافظوا على وجودهم في منطقة طيبة. (Mac Michael, Vol. 1 o 37) ورغم انتصار الملك النوبادي سلكو في الثلث الأول من القرن الخامس الميلادي على البليميين جنوب منطقة أسوان، إلا أن الهزيمة لم تؤد إلى زوال مملكتهم ونفوذهم في الصحراء الغربية ومنطقة طيبة.
وكانت علاقة البليميين طيبة مع البيزنطيين، فقد وعد الامبراطور البيزنطي جستنيان عام 524 م ملك اكسوم بإرسال جنود بليميين لمساعدته في حروبه ضد مملكة حمير. (Torok, 1987, p 240) كما ساعد ملك البليميين في وصول الداعية المسيحي لونجينوس عام 580م عبر الطريق الصحراوي إلى مملكة علوة متفادياً مملكة المقرة. وليامز، ص 398)
وقد كان وجود مملكة البليميين ونفوذها واضحا في القرن الساس الميلادي في منطقة طيبة في الصعيد قُبيل فتح المسلمين مصر، حيث كانوا يشاركون البيزنطيين في حكم الصعيد كما يتضح ذلك في وثائق جزيرة الجبلين التي تقع على بُعد خمسة عشرة ميلاً جنوب طيبة. (مصطفى مسعد، ص 53 وTorok, 1987, p 236
وهكذا كان البليميون يشكلون وجوداً سكانيّاً وسياسيّاً واضحاً في صعيد مصر عندما بدأ المسلمون يحاربون النوبة. وقد اتضح ذلك بصورة جلية في رواية ابن حوقل عن حروب عبد الله بن سعد عام 31ه/51-1052 م حيث قال:
"وكانت البجة أمة تعبد الأصنام بهذه الناحية وما استحسنوه إلى سنة إحدى وثلاثين، فإن عبد الله بن سعد لما فتح مدينة أسوان، وكانت مدينة أولية قديمة، وكان عبر إليها من الحجاز قهر جميع من كان بالصعيد وبها من فراعنة البجة وغيرهم" (ابن حوقل ص 55)
ونواصل
المراجـع
- أحمد الياس حسين، السودان الوعي بالذات وتأصيل الهوية، ط 3، الخرطوم: مركز بناء الأمة للبحوث والدراسات 2018.
- ابن حوقل، صورة الأرض، بيروت: دار مكتبة الحياة 1979.
- مصطفى محمد مسعد، الإسلام والنوبة في العصور الوسطى، القاهرة: المكتبة الانجلو المصرية 1972.
- وليامز، آدم، النوبة رواق افريقيا, ترجمة محجوب التجاني محمود، القاهرة: 2004.
- Butler, Alfred J., 1913, The Treaty of Misr in Tabary an Essay in Historical Criticism,Oxford
- Mac Michael, A History of the Arabs in the Sudan. London: Frang Cass & com. Ltd. 1976.
- Torok L., 1987, “A contribution to post Meroitic chronology: the Blemmyes in Lower Nubia ”Rinista degli Studi Orientali, Vol. LVIII Fasc I-IV, 1984, 201 – 243.
- Torok, L., 1989, “Notes on the Kingdom of the Blymmyes” Studia Aegyptiaca. XII, p 397-412.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: عبد الله بن سعد الفتح الإسلامی منطقة أسوان فی صعید مصر فی القرن على من فی مصر
إقرأ أيضاً:
البرهان يصدر قرار بتكوين لجنة تحقيق في أحداث كمبو طيبة
أصدر الجيش السوداني الجنرال عبدالفتاح البرهان، قراراً قضى بتشكيل لجنة للتحقيق في الأحداث التي وقعت بكمبو طيبة بولاية الجزيرة وسط السودان.
بورتسودان _ التغيير
ووفقاً لإعلام المجلس السيادي، تأتي لجنة التحقيق برئاسة ياسر بشير البخاري مساعد أول النائب العام لجمهورية السودان وعضوية آخرين .
ونص القرار على أن تكون مهام اللجنة جمع الأدلة والتحقيق في الأحداث التي وقعت بالكمبو بولاية الجزيرة من موقع حدوثها، والحصول على الشهادات والأقوال وإستدعاء الأشخاص المعنيين بالأحداث والشهود.
وأشار القرار إلى أن مهام اللجنة تتمثل في توثيق جميع الخطوات والإجراءات التي تم إتخاذها خلال عملية التحقيق، إضافة إلى إعداد تقرير مفصل عن الحقائق والنتائج التى تم التوصل إليها ، والتنسيق مع الجهات الحكومية والقانونية والأمنية بالولاية، علاوة على ضمان الشفافية في جميع مراحل التحقيق وتقديم المعلومات الصحيحة للرأي العام .
و منح القرار الحق للجنة الإستعانة بمن تراه مناسبا، وعلى أن ترفع اللجنة تقريرها الختامي خلال فترة لا تتجاوز الأسبوع ، و أنه على أعضاء اللجنة والجهات ذات الصلة وضع هذا القرار موضع التنفيذ.
وكان قد كشفت مركزية مؤتمر الكنابي عن وقوع مجزرة مروعة بمنطقة كمبو خمسة (كمبو طيبة) شرق أم القرى بولاية الجزيرة شملت حرق طفلين داخل المنازل، هما أحمد عسي وحامد محمد، بالإضافة إلى اغتيال ستة أشخاص بدم بارد، وهم عبدالعزيز عبدالكريم، خاطر إبراهيم، أحمد إسحاق كيتا، صالح حماد، شيخ الخلوة، وعلي نازح.
وأكدت المركزية في بيان لها الأحد الماضي بشأن الأحداث المؤلمة التي شهدتها بتاريخ 9 يناير الحالي، اختطاف 13 امرأة في انتهاك وصفه البيان بأنه يتعارض مع كل القوانين الوطنية والدولية، فضلاً عن نهب الممتلكات، وشمل ذلك المحاصيل الزراعية، المواشي، والممتلكات الشخصية، و حرق الكمبو بالكامل، مما أدى إلى تشريد السكان وتحويلهم إلى نازحين بلا مأوى، واستهداف المدنيين بشكل مباشر، مع تدمير المنازل ونهب الممتلكات.
الوسومالبرهان انتهاكات قرار كمبو طيبة