سودانايل:
2025-04-23@18:36:58 GMT

عودة إلى إشكاليات رواية المقريزي للبقط 3

تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT

من كان يحكم منطقة أسوان عندما بدأت حملات المسلمين المبكرة على النوبة؟

د. أحمد الياس حسين

med.elyas@gmail.com

نسبة لعدم توفر معلومات عن حملة عبد الله بن سعد على النوبة ووصوله مدينة دنقلة، ولكي نتمكن من التعرف على أحداث تلك الحملة بصورة أكثر وضوحا أرى أن الإجابة على سؤالين مهمين يساعدان على إلقاء بعض الضوء عليها.

السؤال الأول: كيف كانت الأوضاع في صعيد مصر عندما بدأت غزوات المسلمين المبكرة على منطقة أسوان؟
والسؤال الثاني: يتعلق بالطريق الذي سلكت حملة عبد الله بن سعد من صعيد مصر حتى وصلت دنقلة
سيبدأ هذا الموضوع بإلقاء بعض الضوء على السؤال الأول:

الأوضاع في صعيد مصر عندما بدأت غزوات المسلمين المبكرة على منطقة أسوان
كيف كانت الأوضاع في صعيد مصر في العقود الأخيرة من الحكم البيزنطي لمصر؟ وهل كان البيزنطيون وحدهم يحكمون الصعيد أم كانت هنالك قوى أخرى تشاركهم؟
البيزنطيون والقوى الأخرى في الصعيد
خضعت مصر للإمبراطورية البيزنطية بعد ضعف الإمبراطورية الرومانية الغربية في القرن الرابع الميلادي. ويعرف البيزنطيون في المصادر العربية بالروم. وفي القرآن الكريم سورة الروم (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ 1-3) وظلت مصر تحت الحكم البيزنطي حتى الفتح الإسلامي عام 640 م ما عدا فترة الحكم الفارسي الثاني القصير بين عامي 616 – 628 م، فقد كان صعيد مصر تحت الحكم الفارسي قبل اثني عشر عاما من الفتح الإسلامي لمصر.
وقد عانت مصر الكثير من الاضطرابات في الأربعة عقود التي سبقت الفتح الإسلامي. فقد كانت تعاني من مشاكل الخلافات بين المذاهب المسيحية والتعصب الذي ساد الإمبراطورية البيزنطية. وقد كانت كنيسة مصر القبطية تتبع المذهب اليعقوبي بينما تؤيد السلطات البيزنطية الحاكمة أتباع المذهب الملكاني، فكان الصراع حاميا بين اتباع المذهبين في مصر. وكان أكثر أتباع الكنيسة القبطية يتركزون في صعيد مصر. كما عانت مصر في السنوات التي سبقت الفتح الإسلامي الحروب بين المتنافسين على عرش الإمبراطورية والتي انتهت بتتويج هِرَقل امبراطوراً وهو الامبراطور الذي هزمه المسلمون عام 639 في سوريا.

وهكذا كان الحكم البيزنطي في مصر يعاني الكثير ما الاضطرابات والضعف إبان الغزو الإسلامي عام 20ه/640 م. ولم يكن حكم المنطقة الجنوبية من صعيد مصر خالصاَ للبيزنطيين، بل كان هنالك وجود واضح لقوتين أخريتين شاركتا البيزنطيين في هذه المنطقة هما البليميون (أحد أسلاف البجة) والمريس (النوباديون). والتعرف على أثر وجود هاتين القوتين في المنطقة الواقعة بين مدينتي طيبة (الأقصر الحالية) وأسوان يمَكّننا من التعرف على: من الذي تصدى لحملات المسلمين المبكرة على منطقة أسوان؟ هل هم البيزنطيون؟ أم القوى التي كانت تشارك البيزنطيين في حكم المنطقة والمعروفين في المصادر العربية المبكرة باسم النوبة الذين حاربهم عبد الله بن سعد؟

البليميون
سيتم فيما يلي التعرف – بإيجاز شديد – على البليميين. وللمزيد من التفاصيل ارجع إلى (مصطفى مسعد، الفصلين الثاني والثالث وأحمد الياس ج 1 ص 206 - 237) البليميون أحد فروع أسلاف البجة، ويرجع وجودهم البليميين في صعيد مصر إلى قرون كثيرة قبل العصر البيزنطي حيث كانوا يشكلون ثِقَلاً سكانيّاً وسياسياً في المنطقة. ففي القرن الثالث قبل الميلاد عندما كانت مصر تحت حكم البطالمة، ونسبة للعلاقات الطيبة مع مملكة مروي، تحصل البليميون المولودون في مصر على نفس حقوق اليونانيين المولودين في مصر. (Butler, 1913 p 40) وكان الوجود الأكبر للبليميين في منطقة جنوب أسوان ومركزهم في كلابشة حيث تمكنوا من تأسيس مملكتهم في آخر القرن الرابع الميلادي. ((Torok,1989, p398
ولم ينحصر وجود البليميين على مناطق النيل فقط، بل وصل امتدادهم ونفوذهم في القرن الرابع الميلادي شرقاً حتى البحر الأحمر. ورغم دخولهم في صراع مع الرومان الذين حكموا مصر بعد البطالمة، إلا أنهم حافظوا على وجودهم في منطقة طيبة. (Mac Michael, Vol. 1 o 37) ورغم انتصار الملك النوبادي سلكو في الثلث الأول من القرن الخامس الميلادي على البليميين جنوب منطقة أسوان، إلا أن الهزيمة لم تؤد إلى زوال مملكتهم ونفوذهم في الصحراء الغربية ومنطقة طيبة.
وكانت علاقة البليميين طيبة مع البيزنطيين، فقد وعد الامبراطور البيزنطي جستنيان عام 524 م ملك اكسوم بإرسال جنود بليميين لمساعدته في حروبه ضد مملكة حمير. (Torok, 1987, p 240) كما ساعد ملك البليميين في وصول الداعية المسيحي لونجينوس عام 580م عبر الطريق الصحراوي إلى مملكة علوة متفادياً مملكة المقرة. وليامز، ص 398)
وقد كان وجود مملكة البليميين ونفوذها واضحا في القرن الساس الميلادي في منطقة طيبة في الصعيد قُبيل فتح المسلمين مصر، حيث كانوا يشاركون البيزنطيين في حكم الصعيد كما يتضح ذلك في وثائق جزيرة الجبلين التي تقع على بُعد خمسة عشرة ميلاً جنوب طيبة. (مصطفى مسعد، ص 53 وTorok, 1987, p 236
وهكذا كان البليميون يشكلون وجوداً سكانيّاً وسياسيّاً واضحاً في صعيد مصر عندما بدأ المسلمون يحاربون النوبة. وقد اتضح ذلك بصورة جلية في رواية ابن حوقل عن حروب عبد الله بن سعد عام 31ه/51-1052 م حيث قال:
"وكانت البجة أمة تعبد الأصنام بهذه الناحية وما استحسنوه إلى سنة إحدى وثلاثين، فإن عبد الله بن سعد لما فتح مدينة أسوان، وكانت مدينة أولية قديمة، وكان عبر إليها من الحجاز قهر جميع من كان بالصعيد وبها من فراعنة البجة وغيرهم" (ابن حوقل ص 55)
ونواصل

المراجـع
- أحمد الياس حسين، السودان الوعي بالذات وتأصيل الهوية، ط 3، الخرطوم: مركز بناء الأمة للبحوث والدراسات 2018.
- ابن حوقل، صورة الأرض، بيروت: دار مكتبة الحياة 1979.
- مصطفى محمد مسعد، الإسلام والنوبة في العصور الوسطى، القاهرة: المكتبة الانجلو المصرية 1972.
- وليامز، آدم، النوبة رواق افريقيا, ترجمة محجوب التجاني محمود، القاهرة: 2004.
- Butler, Alfred J., 1913, The Treaty of Misr in Tabary an Essay in Historical Criticism,Oxford
- Mac Michael, A History of the Arabs in the Sudan. London: Frang Cass & com. Ltd. 1976.
- Torok L., 1987, “A contribution to post Meroitic chronology: the Blemmyes in Lower Nubia ”Rinista degli Studi Orientali, Vol. LVIII Fasc I-IV, 1984, 201 – 243.
- Torok, L., 1989, “Notes on the Kingdom of the Blymmyes” Studia Aegyptiaca. XII, p 397-412.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: عبد الله بن سعد الفتح الإسلامی منطقة أسوان فی صعید مصر فی القرن على من فی مصر

إقرأ أيضاً:

عقيد أردني متقاعد: رواية الحكومة في قضية الخلايا لم تصمد 24 ساعة (شاهد)

قال العقيد الأردني المتقاعد محمد المقابلة، إن الكومة فشلت في تقديم رواية مقنعة بخصوص قضية "الخلايا التي تمس الأمن الوطني"، والتي جرى الكشف عنها مؤخرا.

المقابلة وفي مداخلة على إذاعة "حسنى" مع الإعلامي حسام غرايبة، قال إن هناك حالة من الاستياء الداخلي في الأردن، وهناك من يزيد من حدة التوتر بدلًا من إخماده.

وتابع أن "الرواية الأولى للحكومة حول الأحداث لم تصمد في الشارع الأردني لأكثر من 24 ساعة"، متابعا أنه "حتى لو كانت هذه الرواية صحيحة وصادقة وتمثل تهديدًا للأمن الأردني، إلا أنها سقطت في نظر الشعب الأردني".

وقال إن "سبب سقوط هذه الرواية هو أن الشعب الأردني، بمن فيهم شخصيات وطنية مرموقة ومتقاعدون من المؤسسات العسكرية والأمنية، يشعرون بأن هناك من يدفع بالبلاد نحو الهاوية ويقوم بتقسيم المجتمع".

وانتقد المقابلة بشدة الطريقة التي قدمت بها الحكومة روايتها عبر الإعلام، واصفًا الأشخاص الذين قدموها بأنهم "رواة غير ثقات"، مشددا على ضرورة أن تقدم الحكومة رواية صادقة ومدعومة بأشخاص موثوقين هدفهم مصلحة الوطن


ودعا المقابلة إلى التفريق بين العمليات التي تستهدف الاحتلال الإسرائيلي معتبرها "عمليات مباركة"، وبين العمليات التي تستهدف أمن الأردن الداخلي وهي "جريمة مرفوضة".

وأضاف أن هناك رفض لمحاولات شيطنة فئة معينة من المجتمع أو تصويرهم على أنهم يجب القضاء عليهم، كما يحدث في الإعلام المصري.

وأشار إلى أن "هناك من يستغل هذه الأحداث لتصفية حركة الإخوان المسلمين أو للقضاء على الديمقراطية في الأردن".

ولم ينف المقابلة "حق الدولة في اعتقال ومحاسبة من يخالف القانون على الأراضي الأردنية"، إلا أنه شدد على "ضرورة ترك الأمر للقضاء ليقول كلمته دون تقسيم المجتمع5".

وكان الناطق باسم الحكومة محمد المومني ألمح إلى صلة جماعة الإخوان المسلمين بالخلية، فيما شن نواب البرلمان هجوما عنيفا على الإخوان، ودعا بعضهم إلى حل ذراعه السياسي المتمثل في حزب جبهة العمل الإسلامي، رغم امتلاكه أكثر عدد مقاعد حزبية في البرلمان بواقع 31 نائبا.

ودعت شخصيات أردنية خلال الأيام الماضية إلى ضرورة وقف حالة التحريض والتحشيد ضد الإسلاميين في الأردن، وضد المعتقلين وذويهم، وانتظار إجراءات القضاء في القضية.


مقالات مشابهة

  • إيبارشية طيبة تُعلن عن استقبال رسمي للعزاء في «بابا السلام» بالأقصر اليوم
  • السجيني: مخالفات بلبن بلغت 135 مليون جنيه.. ونحتاج لبحث إشكاليات تراخيص المحال
  • الدفاع المدني يكشف كذب رواية العدو حول جريمته بحق مقدمي الخدمة الإنسانية برفح
  • الدفاع المدني بغزة يكشف كذب رواية العدو حول جريمته البشعة في رفح
  • جلالة السلطان المعظم: المباحثات مع الرئيس الروسي تركّزت على بناء علاقات متينة طيبة بين البلدين
  • "توصيلتي".. نموذج ريادي للتحول الرقمي في صعيد مصر
  • عقيد أردني متقاعد: رواية الحكومة في قضية الخلايا لم تصمد 24 ساعة (شاهد)
  • “الآلة التي عطشت” .. “من رواية: قنابل الثقوب السوداء”
  • محافظ أسوان يعزي إيبارشية طيبة للأقباط الكاثوليك فى وفاة بابا الفاتيكان
  • محافظ أسوان يُعزّي هاتفيًا مطران طيبة وكاهن أسوان في وفاة بابا الفاتيكان