نهض مبارك من نومه كعادته مع أذان الفجر، توضأ واستغفر وهلل وكبر في طريقه للمسجد، ورغم برودة الطقس وحلكة الظلام، لم يكترث، مشى وهو يشعر بنفسه خفيفًا، وبأن أنوار الفجر الأولى تكاد تتداخل في مسامات جسمه، شعر بفرحة غامرة، وهو يكاد يصل إلى السكة الأخيرة التي سوف توصله إلى المسجد، لمح في لحظة تلك العيون البراقة، وصوت نباح حاد شرس يصدر من خلف مكب النفايات، لم يكترث مبارك بداية للصوت وحاول تجاهله عبر السير في خطوات أكبر لتقليص تلك المسافة للوصول إلى المسجد، غير أن الصوت الذي صدر بشكل أكثر حدة واتصالا دفعه للنظر مرة أخرى للمكان الذي يقبع فيه ذلك الكيان، دقق النظر، كان كلبًا ضخمًا بلون أسود حالك لا يضاهيه سوى لون الظلام المنتشر حوله.
في طريق عودته لم ينتظر مبارك خروج الناس للتسليم عليهم، أسرع الخطى ودقات قلبه تتسارع بلا توقف، وصل إلى مكب النفايات شعر لحظة بالراحة حين لم يشاهد تلك العيون المحدقة به، غذّى السير نحو بيتهم، غير أن تلك العيون التي ظهرت في مواجهته مباشرة أوقفت الدماء في عروقه، وكاد قلبه أن يثب من صدره، قرأ المعوذتين واستغفر ربه في سره، سار بهدوء متوقعًا هجومًا مباغتًا، حمل حجرًا أكبر من الحجر السابق، بعد عدة خطوات التفت إلى الخلف، ما زالت تلك العيون مصوبة نحوه لا نباح يصدر من ذلك الكلب ولا أي صوت وهو ما يثير رعب مبارك بشدة.
وصل مبارك إلى بيته نظر نظرة أخيرة للخارج، كان الوضع هادئًا بشكل أثار ريبته، أخيرًا شعر بالراحة حين وضع رأسه على الوسادة، وغطى نفسه بالبطانية، وحاول مرارًا وتكرارًا تجاهل صورة ذلك الكلب المخيف التي انطبعت في ذاكرته، ورفضت أن تتزحزح من أمام ناظريه.
في نومه تخبط مبارك في عدة مشاهد متتابعة لم تكن بينها أي صلة، غير أن المشهد الأكثر بروزًا كان مشهد كلب أسود ضخم يهاجمه ويحاصره من عدة اتجاهات، بل وحاول عضه بأنيابه الطويلة من رقبته، الجهد الذي بذله مبارك في الحلم لمحاولة الهرب من ذلك الكلب كانت مستميتة قطع خلالها مسافات طويلة، واختبأ في أماكن كثيرة ضيقة وواسعة غير أنه في كل تلك الحالات كان يشاهد وجه الكلب أمامه، وعيونه الحمراء تكاد تخترق عينيه وصدره، أدرك مبارك أن الكلب لن يتركه ولو اختبأ في أعمق بقعة وأقصى مكان، وقف مكانه، واقترب منه الكلب بكل هدوء كان الجزع هو سيد المشهد، ودقات قلبه تعلو دون توقف حتى صدر ذلك العواء المخيف الممزوج بزمجرة عالية كادت أن تصم أذني مبارك... ونهض مبارك من الكابوس مثقلا بحبات من العرق وبحركة حادة أزال البطانية من فوقه، شعر بجفاف حاد في حلقه، وداهمه شعور غريب وهو يسير نحو المطبخ ملتقطًا أنفاسه المتسارعة بصعوبة.
في الساعات القادمة حاول مبارك تجاهل تفاصيل ذلك الكابوس الذي أفزعه وطرد النوم من عينيه، جلس لتناول الفطور بهدوء لم يكن منتبهًا لثرثرة زوجته ولا لصراخ أولاده من حوله، كما لم ينتبه لعدد فناجين القهوة التي شربها دون توقف، استعد للذهاب في سيارة الأجرة التي ترك محركها يشتغل منذ دقائق، فكرة الكلب ما زالت تستحوذ على تفكيره، والغريب بأنه يشعر بالخوف من مجرد الحديث عن الموضوع رغم فيض الكلمات التي تكاد تسد حلقه.
ظل تائهًا مشغول الفكر لم يتذكر عدد الركاب الذين ركبوا سيارته، كما لم يحص عدد الأموال التي حصل عليها، ولم يثرثر مع الراكبين كعادته.
عاد إلى البيت وهو ينتظر أذان الظهر، ويترقب اللقاء الموعود بذلك الكائن الذي ينتظره، كان الضوء يملأ المكان والشمس جاثمة بكل ثقلها على الكون، لم يجده، توقف للحظة ليتبين مكان جلوسه، كان مكان جلوسه يبدو جليًا عبر الرمال، وآثار خطوات كثيرة تتحرك باتجاه واحد، نظر مبارك بخوف نحو اتجاه الخطوات التي وجدها تسير باتجاه واحد وبإصرار غريب نحو بيتهم، ترك مبارك الطريق المؤدي لمسجد قريتهم الصغير وتتبع آثار الخطوات وجدها تنتهي عند باب بيتهم بالضبط، أحس بحركة خفيفة نظر بسرعة ليجد ذلك الكلب الأسود يرمقه بنظرة واحدة مخيفة، ثم يتحرك ببطء ليختفي، لم تكن لدى مبارك الشجاعة ليبحث عنه أو يطارده، داهمه شعور بالارتباك والتقييد، فتسمر في مكانه عدة لحظات حتى سمع صوت إقامة الصلاة فجرجر رجليه الثابتتين واتجه نحو الطريق الترابي.
في الأيام التالية صار ظهور الكلب أكثر وضوحًا وتكرارًا، يرمق مبارك بنظرات ثابتة، والأغرب من ذلك أن أحدا لم يتحدث عن رؤيته لأي كلب. يمر من ذلك الدرب مجموعة من الرجال حياتهم، ما زالت كما هي وثرثرتهم ما زالت تعلو عقب كل صلاة، بينما يحاول مبارك السير بسرعة تاركًا التجمعات هاربًا من كل الأسئلة.
كبرت الهواجس في صدره، وأصبح مبارك أكثر فزعًا ومترقبًا لأي هجوم مرتقب، الغريب أنه يخرج في لحظات متباينة، وتصبح هيئته أكثر رعبًا في فترات الليل، وصار يزوره في معظم أحلامه التي تتحول إلى مطاردات دائمة تنتهي بانهزام مبارك، بينما صوت النباح يصل ليوقظه ويسرق النوم من بين جفونه.
أصبح جسده هزيلا وبان التعب على ملامحه، أراد اليوم فتح باب الحديث مع صديقه سالم بن تعيب غير أنه شعر بقوة تمنعه من الحديث، الكلمات لا تخرج، أو تخرج ناقصة لا شيء يربط بينها، حاول سالم أن يتبين ما يريده مبارك، كان العجز الذي يشعر به قويًا وغريبًا، نهض من فوق الحصير، ونفض التراب عن ملابسه، وسار بخطوات غير متوازنة، وبرزت في داخله فكرة مخيفة، وأدرك أن الكلب سوف يباغته في ليلة من الليالي، وسوف يقضي عليه بطريقة وحشية.
صار مبارك يعد الليالي ويترقب حركات الكلب في ذهابه وإيابه، بل وشاهده وهو ينظر إليه من نافذة غرفته، حاول الاستنجاد بزوجته غير أن ذلك الوجه اختفى بغتة كما ظهر، ولم ينم مبارك طوال تلك الليلة، بينما بحث في ذاكرته طوال ساعات طويلة عن كلب آذاه أو عمل سيئ ارتبط بأحد الكلاب، لم يتذكر سوى معاقبته لكلب صغير مع ثلة من أصدقائه أكل دجاجاتهم منذ سنوات طفولته البعيدة، وهذا يناقض ما يفعله ذلك الكلب الذي يبحث عنه باستمرار ويحدق فيه دون توقف.
اليوم بالتحديد شعر مبارك بشعور غريب بعد أن صام عن الكلام والحديث، واكتفى بأقل القليل من الماء والزاد، أحس بأن عليه مواجهة الكلب اليوم بكل قوته، حمل في جيبه سكين العيد التي كان يقطع بها اللحم، كانت دقات قلبه تعلو رغم أنه لم يخرج من البيت، سار في الظلام رغم خوفه، كانت حركته غير متوازنة، وصل إلى ذات الموضع، توقف وجد نفس تلك العيون تحدق فيه، أخرج سكينه بيد مرتجفة، صدر صوت مخيف من بين شفتي الكلب، ونهض بكل جسمه ليواجه مبارك، حاول مبارك إخافته عبر تحريك السكين في الهواء، العيون ما زالت كما هي مصوبة على عين مبارك، كان يتحداه، خوف مبارك خانه وشله عن الحركة، حين رأى بأن الكلب قلص المسافة بينهما في حركة واحدة سريعة...
في ساعات الصباح الباكر سمع الرجال في المسجد صوت صراخ حاد متواصل أثار خوفهم وارتباكهم، كما يقسم بعضهم بأنه شاهد مبارك معفرًا بالتراب وهو يصارع الهواء من حوله بسكين حادة كبيرة ويصرخ بكلمات كثيرة غير واضحة.
حين حمله الرجال كان يرتجف ويتمتم بكلمات غير مفهومة عن كلب ونباح، شعر الرجال بالحزن والحسرة على مبارك، حملوه نحو بيتهم، بينما أدار رأسه بكل قوة ليشاهد من خلف أكتافهم الكلب بنفس الصورة وهو يرمقه بتحدٍ، عجز مبارك عن القيام بأي حركة، واكتفى بهز السكين في الهواء بحركة غير مفهومة.
رحمة المغيزوي قاصة عمانية صدرت لها عدة مجموعات قصصية بينها «كاذية بنت الشيخ» و»ذاكرة ورق» و»سفر المنامات».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: تلک العیون ذلک الکلب ما زالت غیر أن من ذلک
إقرأ أيضاً:
وزير التموين: أسواق اليوم الواحد تدعم الصناعات الصغيرة ومتناهية الصغر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تفقد الدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، فعاليات بازار القاهرة بمجمع السوق الحضاري بالحي العاشر في مدينة نصر، بحضور الدكتورة منال عوض وزيرة التنمية المحلية والدكتور إبراهيم صابر، محافظ القاهرة، وعدد من قيادات الوزارة.
يضم البازار أكثر من 200 عارض يقدمون مستلزمات الأسرة المتنوعة، بما في ذلك السلع الغذائية، الملابس، وياميش رمضان، بأسعار تنافسية تخدم جميع الفئات المجتمعية. ويهدف البازار إلى توفير المنتجات بأسعار مخفضة وتنظيم الأسواق لدعم المواطنين، خاصة مع اقتراب شهر رمضان المبارك
أكد الدكتور شريف فاروق خلال جولته أن الوزارة تولي اهتمامًا خاصًا بهذه الأسواق الحضارية التي توفر بيئة مناسبة للتجارة وتساهم في تنظيم السوق المحلي.
وأضاف الوزير أن هذه الأسواق تدعم الصناعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وتشجع المنتجين المحليين على تقديم منتجات عالية الجودة تنافس المنتجات المستوردة
وأشار الوزير إلى أن الوزارة تعمل على التوسع في إنشاء الأسواق الحضارية في مختلف المحافظات لتلبية احتياجات المواطنين، وتوفير السلع بأسعار مخفضة، بما يسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة
وأضاف الوزير أن فعاليات البازار تأتي ضمن خطة الوزارة لتخفيف الأعباء عن المواطنين من خلال توفير كافة احتياجاتهم تحت سقف واحد، وبأسعار تناسب جميع الفئات المجتمعية.
ومن جانبها أشادت الدكتورة منال عوض وزيرة التنمية المحلية بمستوي المنتجات والسلع الموجودة والأسعار والتخفيضات التي قررتها الشركات العارضة والمنتجين في " بازار القاهرة " .
كما أشادت وزيرة التنمية المحلية بالتعاون القائم بين الوزارة ووزارة التموين ومحافظة القاهرة للتوسع في الأسواق في مختلف المناطق بالعاصمة لتغطية أكبر عدد من الأحياء لخدمة جميع المواطنين بالعاصمة .
وأضافت الدكتورة منال عوض أن البازار يضم حوالي ٦٥ عارض من الحرفيين المتخصصين في المنتجات اليدوية بالمحافظات وعدد منهم مسجل على المنصة " أيادي مصر" بالإضافة لعدد آخر ساعدت الوزارة في إشراكه في هذا البازار كما يضم المعرض عارضين من الأسمرات والأسر المنتجة وجمعيات مختلفة ومنهم ذوي الهمم، وشركات الجلود .
وأشارت وزيرة التنمية المحلية الي انه سيتم توفير أماكن للمحافظات في هذا البازار لعرض منتجاتها مجاناً ودعمها ، مع دراسة مد الفترة الزمنية له بما يساهم في زيادة مبيعات العارضين والشركات واستمرار توفير السلع والخدمات والمنتجات المعروضة للمواطنين .
ومن جانبه أكد إبراهيم صابر محافظ القاهرة أن "بازار القاهرة" بمجمع السوق الحضارى بالحى العاشر بمدينة نصر هو النسخة الثالثة التى تقيمها المحافظة تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية بمحاربة الغلاء ، وتخفيف العبء عن المواطنين ، وتوفير احتياجاتهم بأسعار مناسبة خاصة مع قرب حلول شهر رمضان المبارك ويستمر فى الفترة من ١٦ - ٢٣ يناير الجارى بمشاركة أكثر من ٢٠٠ عارض وشركة .
وأشار محافظ القاهرة إلى أنه تم اختيار موقع سوق العاشر الحضاري الذى أقامته الدولة ضمن مجمع المواقف والأسواق بمنطقة الواحة بحى شرق مدينة نصر لإقامة "بازار القاهرة الثالث" لتميزه بتوافر كافة الخدمات الأساسية، مثل المرافق الصحية ومواقف السيارات ، ومزود بكافة وسائل الحماية المدنية ،كما أنها يوفر للتجار أماكن عمل حديثة ومناسبة، كما تم اختيار مكان إقامته بالسوق الحضارى بالعاشر الملاصق لموقف زهراء مدينة نصر لسهولة وصول المواطنين إليه للحصول على احتياجاتهم.
وأشار محافظ القاهرة إلى أن المعرض الذى يعد الأكبر الذى تقيمه محافظة القاهرة من حيث تنوع المنتجات وعدد المشاركين يعد فرصة كبرى للأسر للحصول على احتياجاتهم من مكان واحدة بتخفيضات كبيرة حيث يضم ٤٠ شركة قطاع خاص تقدم المواد الغذائية بتخفيضات تبدأ من ٢٠% وتصل في بعض المنتجات إلى ٥٠ % من بينها الأرز، والزيت، والمكرونة، والسكر، والخضار والفاكهة، واللحوم والدواجن، بالإضافة إلى ياميش رمضان ، والتمور، والعسل، والألبان، والأجبان، والبقوليات، والعطارة، إلى جانب مشاركة الشركات التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية بوزارة التموين بتنوع منتجاتها كالمواد الغذائية والمساحيق عالية الجودة ، كما يشارك به ٨٠ عارضًا من الأسر المنتجة ، والحرف اليدوية، وشباب الخريجين، والمشروعات الصغيرة، لعرض منتجات الأخشاب، والجلود، والنحاس، كما يضم معرضًا للملابس، والاكسسوارات، والأحذية، والبارفانات، والنظارات بتخفيضات تصل إلى أكثر من٣٠% .
خلال الجولة، عبر العديد من المواطنين عن سعادتهم بمستوى التنظيم وجودة المنتجات المعروضة داخل البازار ،وأشادوا بدور الوزارة في توفير هذه الأسواق التي تتيح لهم شراء احتياجاتهم بأسعار أقل من السوق العادي، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار في بعض القطاعات
ويعد بازار القاهرة نموذجًا ناجحًا للأسواق الحضارية التي تهدف إلى دعم الاقتصاد المحلي، تنظيم التجارة الداخلية، وتخفيف العبء عن كاهل الأسر المصرية مع قرب حلول شهر رمضان.
ويضم "بازار القاهرة الثالث" نموذجًا مصغرًا من سوق العبور يقوم فيه عدد من تجار سوق العبور ببيع الخضار، والفاكهة، والاسماك بالجملة، كما يشارك به مصانع الجلود بمدينة الأمل، ومنتجات الأسمرات وعزبة خير الله ، بالإضافة إلى العارضين التابعين لمنصة أيادي مصر التابعة لوزارة التنمية المحلية .