لجريدة عمان:
2024-11-22@22:34:42 GMT

حرب مبارك الصغيرة

تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT

حرب مبارك الصغيرة

نهض مبارك من نومه كعادته مع أذان الفجر، توضأ واستغفر وهلل وكبر في طريقه للمسجد، ورغم برودة الطقس وحلكة الظلام، لم يكترث، مشى وهو يشعر بنفسه خفيفًا، وبأن أنوار الفجر الأولى تكاد تتداخل في مسامات جسمه، شعر بفرحة غامرة، وهو يكاد يصل إلى السكة الأخيرة التي سوف توصله إلى المسجد، لمح في لحظة تلك العيون البراقة، وصوت نباح حاد شرس يصدر من خلف مكب النفايات، لم يكترث مبارك بداية للصوت وحاول تجاهله عبر السير في خطوات أكبر لتقليص تلك المسافة للوصول إلى المسجد، غير أن الصوت الذي صدر بشكل أكثر حدة واتصالا دفعه للنظر مرة أخرى للمكان الذي يقبع فيه ذلك الكيان، دقق النظر، كان كلبًا ضخمًا بلون أسود حالك لا يضاهيه سوى لون الظلام المنتشر حوله.

ما أثقل قلب مبارك! زرع في قلبه حالة من الخوف والتوجس هو منظر تلك العيون التي ظلت ترمق كل حركاته بلا خوف، رفع مبارك حجرًا لإخافته، الغريب أنه لم يتزحزح قيد أنملة، رمى بالحجر الذي اصطدم بإحدى قوائمه غير أن نظراته ظلت ثابتة ترمق مبارك، شعر مبارك هذه المرة بخوف كبير، وسرت في داخله قشعريرة باردة، استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، وأكمل خطواته نحو المسجد، لم يدرِ مبارك كيف أدى ركعتي الفجر، ولم يتذكر السورة الأولى التي قرأها إمام المسجد خليل المطوع، كل ما كان يشغله هو أن يعود إلى بيته ليمر بمكب النفايات فلا يعثر على ذلك الكلب الذي أقلق راحته وشغل تفكيره وقلبه.

في طريق عودته لم ينتظر مبارك خروج الناس للتسليم عليهم، أسرع الخطى ودقات قلبه تتسارع بلا توقف، وصل إلى مكب النفايات شعر لحظة بالراحة حين لم يشاهد تلك العيون المحدقة به، غذّى السير نحو بيتهم، غير أن تلك العيون التي ظهرت في مواجهته مباشرة أوقفت الدماء في عروقه، وكاد قلبه أن يثب من صدره، قرأ المعوذتين واستغفر ربه في سره، سار بهدوء متوقعًا هجومًا مباغتًا، حمل حجرًا أكبر من الحجر السابق، بعد عدة خطوات التفت إلى الخلف، ما زالت تلك العيون مصوبة نحوه لا نباح يصدر من ذلك الكلب ولا أي صوت وهو ما يثير رعب مبارك بشدة.

وصل مبارك إلى بيته نظر نظرة أخيرة للخارج، كان الوضع هادئًا بشكل أثار ريبته، أخيرًا شعر بالراحة حين وضع رأسه على الوسادة، وغطى نفسه بالبطانية، وحاول مرارًا وتكرارًا تجاهل صورة ذلك الكلب المخيف التي انطبعت في ذاكرته، ورفضت أن تتزحزح من أمام ناظريه.

في نومه تخبط مبارك في عدة مشاهد متتابعة لم تكن بينها أي صلة، غير أن المشهد الأكثر بروزًا كان مشهد كلب أسود ضخم يهاجمه ويحاصره من عدة اتجاهات، بل وحاول عضه بأنيابه الطويلة من رقبته، الجهد الذي بذله مبارك في الحلم لمحاولة الهرب من ذلك الكلب كانت مستميتة قطع خلالها مسافات طويلة، واختبأ في أماكن كثيرة ضيقة وواسعة غير أنه في كل تلك الحالات كان يشاهد وجه الكلب أمامه، وعيونه الحمراء تكاد تخترق عينيه وصدره، أدرك مبارك أن الكلب لن يتركه ولو اختبأ في أعمق بقعة وأقصى مكان، وقف مكانه، واقترب منه الكلب بكل هدوء كان الجزع هو سيد المشهد، ودقات قلبه تعلو دون توقف حتى صدر ذلك العواء المخيف الممزوج بزمجرة عالية كادت أن تصم أذني مبارك... ونهض مبارك من الكابوس مثقلا بحبات من العرق وبحركة حادة أزال البطانية من فوقه، شعر بجفاف حاد في حلقه، وداهمه شعور غريب وهو يسير نحو المطبخ ملتقطًا أنفاسه المتسارعة بصعوبة.

في الساعات القادمة حاول مبارك تجاهل تفاصيل ذلك الكابوس الذي أفزعه وطرد النوم من عينيه، جلس لتناول الفطور بهدوء لم يكن منتبهًا لثرثرة زوجته ولا لصراخ أولاده من حوله، كما لم ينتبه لعدد فناجين القهوة التي شربها دون توقف، استعد للذهاب في سيارة الأجرة التي ترك محركها يشتغل منذ دقائق، فكرة الكلب ما زالت تستحوذ على تفكيره، والغريب بأنه يشعر بالخوف من مجرد الحديث عن الموضوع رغم فيض الكلمات التي تكاد تسد حلقه.

ظل تائهًا مشغول الفكر لم يتذكر عدد الركاب الذين ركبوا سيارته، كما لم يحص عدد الأموال التي حصل عليها، ولم يثرثر مع الراكبين كعادته.

عاد إلى البيت وهو ينتظر أذان الظهر، ويترقب اللقاء الموعود بذلك الكائن الذي ينتظره، كان الضوء يملأ المكان والشمس جاثمة بكل ثقلها على الكون، لم يجده، توقف للحظة ليتبين مكان جلوسه، كان مكان جلوسه يبدو جليًا عبر الرمال، وآثار خطوات كثيرة تتحرك باتجاه واحد، نظر مبارك بخوف نحو اتجاه الخطوات التي وجدها تسير باتجاه واحد وبإصرار غريب نحو بيتهم، ترك مبارك الطريق المؤدي لمسجد قريتهم الصغير وتتبع آثار الخطوات وجدها تنتهي عند باب بيتهم بالضبط، أحس بحركة خفيفة نظر بسرعة ليجد ذلك الكلب الأسود يرمقه بنظرة واحدة مخيفة، ثم يتحرك ببطء ليختفي، لم تكن لدى مبارك الشجاعة ليبحث عنه أو يطارده، داهمه شعور بالارتباك والتقييد، فتسمر في مكانه عدة لحظات حتى سمع صوت إقامة الصلاة فجرجر رجليه الثابتتين واتجه نحو الطريق الترابي.

في الأيام التالية صار ظهور الكلب أكثر وضوحًا وتكرارًا، يرمق مبارك بنظرات ثابتة، والأغرب من ذلك أن أحدا لم يتحدث عن رؤيته لأي كلب. يمر من ذلك الدرب مجموعة من الرجال حياتهم، ما زالت كما هي وثرثرتهم ما زالت تعلو عقب كل صلاة، بينما يحاول مبارك السير بسرعة تاركًا التجمعات هاربًا من كل الأسئلة.

كبرت الهواجس في صدره، وأصبح مبارك أكثر فزعًا ومترقبًا لأي هجوم مرتقب، الغريب أنه يخرج في لحظات متباينة، وتصبح هيئته أكثر رعبًا في فترات الليل، وصار يزوره في معظم أحلامه التي تتحول إلى مطاردات دائمة تنتهي بانهزام مبارك، بينما صوت النباح يصل ليوقظه ويسرق النوم من بين جفونه.

أصبح جسده هزيلا وبان التعب على ملامحه، أراد اليوم فتح باب الحديث مع صديقه سالم بن تعيب غير أنه شعر بقوة تمنعه من الحديث، الكلمات لا تخرج، أو تخرج ناقصة لا شيء يربط بينها، حاول سالم أن يتبين ما يريده مبارك، كان العجز الذي يشعر به قويًا وغريبًا، نهض من فوق الحصير، ونفض التراب عن ملابسه، وسار بخطوات غير متوازنة، وبرزت في داخله فكرة مخيفة، وأدرك أن الكلب سوف يباغته في ليلة من الليالي، وسوف يقضي عليه بطريقة وحشية.

صار مبارك يعد الليالي ويترقب حركات الكلب في ذهابه وإيابه، بل وشاهده وهو ينظر إليه من نافذة غرفته، حاول الاستنجاد بزوجته غير أن ذلك الوجه اختفى بغتة كما ظهر، ولم ينم مبارك طوال تلك الليلة، بينما بحث في ذاكرته طوال ساعات طويلة عن كلب آذاه أو عمل سيئ ارتبط بأحد الكلاب، لم يتذكر سوى معاقبته لكلب صغير مع ثلة من أصدقائه أكل دجاجاتهم منذ سنوات طفولته البعيدة، وهذا يناقض ما يفعله ذلك الكلب الذي يبحث عنه باستمرار ويحدق فيه دون توقف.

اليوم بالتحديد شعر مبارك بشعور غريب بعد أن صام عن الكلام والحديث، واكتفى بأقل القليل من الماء والزاد، أحس بأن عليه مواجهة الكلب اليوم بكل قوته، حمل في جيبه سكين العيد التي كان يقطع بها اللحم، كانت دقات قلبه تعلو رغم أنه لم يخرج من البيت، سار في الظلام رغم خوفه، كانت حركته غير متوازنة، وصل إلى ذات الموضع، توقف وجد نفس تلك العيون تحدق فيه، أخرج سكينه بيد مرتجفة، صدر صوت مخيف من بين شفتي الكلب، ونهض بكل جسمه ليواجه مبارك، حاول مبارك إخافته عبر تحريك السكين في الهواء، العيون ما زالت كما هي مصوبة على عين مبارك، كان يتحداه، خوف مبارك خانه وشله عن الحركة، حين رأى بأن الكلب قلص المسافة بينهما في حركة واحدة سريعة...

في ساعات الصباح الباكر سمع الرجال في المسجد صوت صراخ حاد متواصل أثار خوفهم وارتباكهم، كما يقسم بعضهم بأنه شاهد مبارك معفرًا بالتراب وهو يصارع الهواء من حوله بسكين حادة كبيرة ويصرخ بكلمات كثيرة غير واضحة.

حين حمله الرجال كان يرتجف ويتمتم بكلمات غير مفهومة عن كلب ونباح، شعر الرجال بالحزن والحسرة على مبارك، حملوه نحو بيتهم، بينما أدار رأسه بكل قوة ليشاهد من خلف أكتافهم الكلب بنفس الصورة وهو يرمقه بتحدٍ، عجز مبارك عن القيام بأي حركة، واكتفى بهز السكين في الهواء بحركة غير مفهومة.

رحمة المغيزوي قاصة عمانية صدرت لها عدة مجموعات قصصية بينها «كاذية بنت الشيخ» و»ذاكرة ورق» و»سفر المنامات».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: تلک العیون ذلک الکلب ما زالت غیر أن من ذلک

إقرأ أيضاً:

انفراد|مخرج "وحشتيني" يكشف تأثير الموسيقى التصويرية على الفيلم| نجاة الصغيرة كلمة السر

رحلة خفيفة مليئة بالمشاعر والذكريات تأخذك معها إلى عالم آخر، بداية من شوارع الزمالك الجميلة المعروفة بزحمتها وأشجارها وأهلها اللطاف، وصولا إلى شوارع الإسكندرية وجوها الساحر مع نسمة الهواء التي ترد الروح إلى صاحبها، عرض فيلم "وحشتيني.. العودة إلى الأسكندرية" ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ 45، بطولة المخرجة والفنانة نادين لبكي، وعلى الرغم من كل الصفات الموجودة في الفيلم، إلا أن الموسيقة التصويرية لفتت أنظار الجماهير.

خاص.. مخرج "وحشتيني" يكشف مدة تحضير الفيلم| وعلاقته بـ نادين لبكي حازم إيهاب يكشف لـ الوفد مفاجأة حدثت أثناء تصوير فيلم "وحشتيني" تامر روجلي: أنا بعشق البحر أغنية الطفولة

مع بداية فيلم "وحشتيني العودة إلى الأسكندرية"، تلتف أذنك لسماع صوت داليا الدافئ المليء بالحب، ومن ثم يسحرك عبد الحليم بصوته، وتذهب في إتجاه آخر مع صوت وردة، وتختتم بـ "أنا بعشق البحر" للجميلة نجاة الصغيرة وانت تستمتع بمشهد البحر والسماء على شاطئ الأسكندرية.
 

مخرج وحشتيني

 

ومن هنا في إنفراد لبوابة الوفد الإلكترونية، كشف المخرج تامر روجلي، عن اسباب اختياره للموسيقى التصويرية والتي شكلت عامل رئيسي في الفيلم، إذ قال إن كل هذه الأغاني من اختياره والتي تذكره كثيرًا بذكريات الطفولة.

 

وأضاف روجلي، أن والدته كانت تستمتع إلى هذه الأغاني وكان يحبها كثيرًا خاصة أغنية "أنا بعشق البحر" التي كانت تتماشي مع مشهد رجوع " سو" إلى الأسكندرية، فكان يسمعها دائمًا أثناء زيارة جدته التي كانت تعيش هناك.

فيلم وحشتيني فيلم وحشتيني مخرج وحشتيني يكشف تفاصيل الفيلم

وكشف المخرج المصري السويسري تامر روجلي في تصريحات خاصة لبوابة الوفد الإلكترونية، أن فكرة الفيلم مستوحى من طفولته خاصة السيدات الكبار في السن الذي ترعرع وسطهم وكان يحب أن يبرز فكرة التنوع الثقافي بين مصر وسويسرا خاصة أن الطفل في مرحلة عمرية يكون من الأسفنجة التي تمتص كل الأشياء من حوله.

 

قال تامر روجلي، إن الفيلم سرق جزء من حياته، إذ استغرق تحضيره وتنفيذه 10 سنوات وهذه المدة ساهمت بشكل كبير في نضوج العمل الفني، خاصة بأنه كان يجمع ذكريات الطفولة والقصص والأخبار التي كانت ترويها له والدته، موضحًا :" الفيلم أخذ وقت في التعديلات وكتابه السيناريو واللي شارك فيه المخرج يسري نصر الله، وفي البداية كنت أنوي التصوير في سويسرا ولكن تم تعديل الفكرة، وحبيت اصور في مصر بسبب الذكريات ومشاعر الحنين التي ترادوني، فكنت اسكن في منطقة الدقي وجدتي كانت في الأسكندرية وكنا نذهب لزيارتها باستمرار والأمر الذي دفعني لأخذ هذه الخطوة".
 

مخرج فيلم وحشتينيمخرج فيلم وحشتينيأبطال فيلم وحشتيني العودة إلى الأسكندرية

فيلم وحشتيني العودة إلى الإسكندرية، من بطولة نادين لبكي، فاني أردانت، ليلى عز العرب، هاني عادل، كريمة منصور، إنعام سالوسة، سلوى عثمان، منحة البطراوي، حازم إيهاب، حسن العدل، ومن إخراج تامر روجلي، وشارك في كتابته المخرج يسري نصر الله.

مقالات مشابهة

  • إب تشهد تفشياً مقلقاً لداء الكلب وسط نقص حاد في الأمصال ووفاة جديدة لطفل
  • وفاة طفل جراء إصابته بداء الكلب في إب
  • اختتام فعاليات الملتقى العربي الدولي العاشر للصناعات الصغيرة والمتوسطة بالمغرب
  • المنظمة العربية للتنمية الصناعية تفتتح الملتقى الدولي للصناعات الصغيرة والمتوسطة بالمغرب
  • دورة تدريبية حول إعداد الخطة التسويقية للمشاريع الزراعية الصغيرة بالظاهرة
  • انطلاق فاعليات الملتقى العربي الدولي العاشر للصناعات الصغيـرة والمتوسطة بالمملكة المغربية
  • انفراد|مخرج "وحشتيني" يكشف تأثير الموسيقى التصويرية على الفيلم| نجاة الصغيرة كلمة السر
  • مدبولي: لا يمكن للصناعات العملاقة أن تعمل دون الصغيرة والمتوسطة
  • "المصدرين المصريين" توقع اتفاقية مع البنك الافريقي لدعم الشركات الصغيرة
  • سيارات ميني كوبر.. الأيقونة البريطانية الصغيرة