الحديث عن السلطة بمفاهيم عصرية يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالفكر السياسي الديمقراطي الذي تطور بشكل كبير في الغرب، لا سيما في الولايات المتحدة وأوروبا. هناك العديد من الكتب التي تناولت هذا الموضوع، لكن أحد أهم الأعمال التي أثرت في فهم السلطة والديمقراطية هو كتاب "الجمهورية" لجون رولز (John Rawls) تحت عنوانه الكامل: "نظرية في العدالة" (A Theory of Justice).

يعتبر هذا الكتاب من أهم الكتب الفلسفية والسياسية في القرن العشرين، وقد ساعد في تشكيل فهم معاصر للديمقراطية ولآليات السلطة بشكل عام.
مفهوم السلطة في الديمقراطية
في النظام الديمقراطي، السلطة تُفهم على أنها منبثقة من الشعب ومن أجل الشعب. بمعنى أن السلطة في الديمقراطية ليست ملكًا فرديًا أو مجموعة محدودة، بل هي تعبير عن إرادة جماعية تُمَارس من خلال هيئات تمثيلية منتخبة.
الشرعية والمساءلة
في الديمقراطيات، تُبنى السلطة على الشرعية التي تشتق من موافقة الشعب من خلال انتخابات حرة ونزيهة. السلطة الديمقراطية تخضع باستمرار للمساءلة والمراجعة، سواء عبر الانتخابات أو من خلال النظام القضائي والإعلام الحر، الأمر الذي يضمن بقاءها ملتزمة بمصالح الشعب.
فصل السلطات
أحد المفاهيم الجوهرية في الديمقراطية الحديثة هو فصل السلطات، وهو النظام الذي يوزع السلطة بين فروع مختلفة للحكومة (التشريعية، التنفيذية، والقضائية) لضمان أن لا يتجاوز أي فرع صلاحياته أو يستبد بالقرار. الهدف من ذلك هو الحد من تركيز السلطة وتفادي الاستبداد.
المواطنة والمساواة
في الديمقراطيات، المواطنون متساوون أمام القانون ويتمتعون بالحقوق والواجبات نفسها. هذه المساواة ليست فقط قانونية ولكن أيضًا سياسية، حيث يمكن لأي مواطن التأثير على مسار السلطة من خلال التصويت أو الترشح لمنصب.
أفضل الأطروحات حول السلطة في الفكر الإنساني المعاصر
الفكر السياسي المعاصر يشدد على أن السلطة يجب أن تكون محكومة بمعايير محددة وواضحة تضمن تحقيق العدالة الاجتماعية وحقوق الأفراد. إليك بعض الأطروحات الأهم:
الليبرالية السياسية (جون رولز)
رولز في كتابه "نظرية في العدالة" قدم مفهوم "العدالة كإنصاف"، حيث يجب أن تُبنى السلطة السياسية على عقد اجتماعي يحقق العدالة التوزيعية ويضمن تكافؤ الفرص للجميع. يرى رولز أن السلطة الديمقراطية يجب أن تحترم الاختلافات الفردية وتوفر إطارًا من الحقوق الأساسية التي لا يمكن التعدي عليها.
. السلطة والمقاومة (ميشيل فوكو)
في فكر ميشيل فوكو، السلطة ليست محصورة في المؤسسات السياسية فقط، بل هي متغلغلة في كل مستويات المجتمع. يرى فوكو أن السلطة توجد في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وأن المقاومة للسلطة ليست مجرد ثورة ضد الحاكم، بل هي مواجهة لأي نظام يحاول قمع الحريات أو فرض هيمنته بطرق غير مباشرة.
الديمقراطية التداولية (يورغن هابرماس)
هابرماس قدم مفهوم الديمقراطية التداولية الذي يقوم على الحوار والنقاش العام كأساس لممارسة السلطة. يرى أن السلطة يجب أن تستمد شرعيتها من تفاعل المواطنين في النقاشات العامة، وأن القرارات السياسية يجب أن تعكس توافقًا مشتركًا من خلال حوار مفتوح وعقلاني.
الطرح الأمثل لأمر السلطة في الفكر الإنساني المعاصر
أفضل طرح للسلطة في الفكر المعاصر يتمثل في الجمع بين عدة عناصر -
الشفافية والمساءلة يجب أن تكون السلطة واضحة في أهدافها وقراراتها وخاضعة للمحاسبة المستمرة من قبل المواطنين.
الفصل بين السلطات ضمان عدم تمركز السلطة في يد واحدة أو جهة واحدة، بحيث يتم توزيعها بين مؤسسات متعددة تراقب بعضها بعضًا.
الحقوق الفردية حماية حقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية، بحيث لا يمكن للسلطة تجاوز تلك الحقوق مهما كانت المبررات.
المشاركة الشعبية إتاحة الفرصة لكل المواطنين للمشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات السياسية من خلال الانتخابات والنقاش العام.
العدالة التوزيعية يجب أن تعمل السلطة على تحقيق توزيع عادل للموارد والفرص بما يضمن التكافؤ والعدالة بين مختلف فئات المجتمع.
وإجمالًا، الفكر المعاصر حول السلطة ينبع من مبدأ أساسي هو أن السلطة يجب أن تكون خادمة للمجتمع، وليست غاية في ذاتها، وتظل دائمًا تحت مراقبة الشعب والمبادئ الديمقراطية التي تقوم على العدالة والمساواة والحريات.

zuhair.osman@aol.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: أن السلطة السلطة فی یجب أن ت من خلال

إقرأ أيضاً:

ترامب والطغيان المعاصر بين خيارَينِ: يزيديين وكربلاء جديدة

شاهر أحمد عمير

منذ وصوله إلى السلطة، أشعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موجة من التوترات والصراعات الدولية، معتمدًا على سياسة استعلائية تدفع به إلى قمة الطغيان والغطرسة. بدا كأنه قد تجرد من أي حس إنساني أَو أخلاقي، متجاوزًا المعايير الدولية، ومُفجِّرًا أزمات جديدة في الشرق الأوسط والعالم بأسره. لقد أصبح ترامب، بقراراته الظالمة، رمزًا لاستكبار العصر، حَيثُ اتخذ من الطرد والتشريد وسيلة لتحقيق مصالحه وأهدافه، دون أدنى اعتبار للشعوب أَو حقوق الإنسان.

ما يجري هو أن ترامب قد وصل إلى قمة الطغيان والغطرسة حتى أنه أباح لنفسه طرد الشعوب من أراضيها. لقد وضع الأُمَّــة العربية والإسلامية أمام خيارين يزيديين: إما الذلة أَو السلة. هذا الخيار القاسي لا مكان فيه للحرية أَو العزة، فكما وقع في معركة كربلاء، لا خيار آخر بين الحق والباطل سوى المواجهة أَو الخنوع. ولا يمكن أن نطلق على هذا الخيار “وسطية” بأي حال من الأحوال، بل هو اختيار مرير يعكس القمع والاستبداد بكل أشكاله.

لكن، لنستذكر الخيار الذي فرضه يزيد بن معاوية على الإمام الحسين عليه السلام ورفاقه في كربلاء. كان الخيار الذي عرضه يزيد على الإمام الحسين إمّا أن يبايع له ويدخل في طاعته، أَو أن يُقتل هو وأتباعه. كان هذا الخيار، مثل الخيارات التي نواجهها اليوم، خيارًا محصورًا بين الخضوع للظلم أَو الوقوف في وجهه. اختار الإمام الحسين عليه السلام أن يكون في معركة الحق، مواجهة الطغيان والفساد، مُفضِّلًا الشهادة على الذلة. فقد كان الإمام الحسين يعرف تمامًا أن الذل لا يطاق وأن الخنوع لا يكون إلا عارًا.

وبينما يسير العالم نحو مفترق طرق، نجد أن الأُمَّــة العربية والإسلامية قد وُضِعَت أمام خيارين قاسيين لا ثالث لهما، مشابهين للخيارين الذي فرضهما يزيد بن معاوية على أهل كربلاء، فاختاروا الشهادة على الذلة. وإن كانت معادلة ترامب اليوم لا تحمل صراعًا بين دينين، فهي تحمل ذات المبدأ الطاغي: إما الاستسلام والذل أَو المقاومة والعزة. وأيًّا كان الخيار الذي سنختاره، يبقى أن الأُمَّــة الإسلامية قد وضعت في موقف لا يمكن أن نطلق عليه “الوسطية” كما يُروَّج له، بل هو خيار قاسٍ وحاد يعكس القمع والاحتلال بكل أشكاله.

وإذا تأملنا هذه المعادلة نجد أن الأُمَّــة أمام اختبار تاريخي، يشبه إلى حَــدّ بعيد معركة كربلاء، حَيثُ تُجَسد فيها التحديات، وتُرفع راية المقاومة في وجه الظلم والطغيان. إن ما يحدث في ظل سياسة ترامب لا يختلف كَثيرًا عن الكربلاء التي كانت تمثل تحديًا حقيقيًّا لمبادئ الحق والعدالة، أمام الاستبداد والفساد، وأصبحت تلك المعركة درسًا للأجيال في كيفية مقاومة الطغيان مهما بلغت قوته.

اليوم، كما في الأمس، أصبحنا في مواجهة مع طغيان جديد، ولكن هذه المرة الطغيان قد جاء بتقنيات معاصرة وأدوات أكثر تطورًا، حَيثُ يتم تبرير الظلم تحت مسميات مختلفة مثل “الأمن القومي” و”حماية المصالح”. في حين أن الحقيقة المؤلمة هي أن ترامب، ومن معه، لا يهتمون سوى بمصالحهم الخَاصَّة وتوسيع نفوذهم على حساب الشعوب المظلومة. إلا أن هذه السياسات التدميرية، وإن كانت تخلق فوضى في البداية، لن تدوم طويلًا؛ لأَنَّ إرادَة الشعوب الحرة لا يمكن أن تُقهر مهما تعرضت للضغط والظلم.

إن ما نراه اليوم هو بداية لملحمة كربلائية جديدة، حَيثُ تقف الأُمَّــة الإسلامية أمام اختبار مهم: إما الاستمرار في السير على درب المقاومة كما فعلت أجيالنا السابقة، أَو الخنوع والاستسلام. وفي ظل هذا الوضع، لا يمكننا أن نتخلى عن التمسك بمبادئنا وإرثنا النضالي، فالمصير الذي نعيشه اليوم ليس أكثر من حلقة في سلسلة طويلة من معارك الحق ضد الباطل.

المصير الذي ينتظرنا يعتمد على موقفنا من هذا الطغيان المُستمرّ، وما إذَا كنا سنقف صفًا واحدًا في وجه هذا العدوان، أَو سنسمح للظلم بأن يمر دون أن نواجهه. لكن الحقيقة الثابتة هي أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يقود هذا الصراع، وأنه كما كان في كربلاء، فَــإنَّ النصر سيكون حليف المظلومين، مهما كان حجم التضحيات.

الواجب الآن هو أن نقف معًا، بكل ما نملك من قوة وحق، وأن نرفض الذل والتفرقة، وأن نبذل كُـلّ الجهود لتحقيق نصرٍ جديد للأُمَّـة. علينا أن نتذكر دائمًا أن الله سبحانه وتعالى هو القادر على تحويل الطغيان إلى هزيمة، وأن النصر لا يأتي إلا بتمسكنا بمبادئنا وقيمنا الأصيلة.

مقالات مشابهة

  • الحرية: انخراط الشباب بالأحزاب يضخ دماء جديدة بالعملية الديمقراطية
  • قيادي بـ«الحرية المصري»: انخراط الشباب في الأحزاب يعزز العملية الديمقراطية
  • إدارة ترامب توقف تمويل أمن السلطة الفلسطينية بشكل كلي
  • إدارة ترامب توقف تمويل أجهزة أمن السلطة الفلسطينية.. كم تبلغ قيمته؟
  • ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟
  • ترامب والطغيان المعاصر بين خيارَينِ: يزيديين وكربلاء جديدة
  • بيتر ثيل.. ملياردير يكره الديمقراطية وهكذا يرى العالم
  • ولد الرشيد يؤكد أن الحماية الاجتماعية "عِمَاد الحقوق" خلال افتتاح منتدى العدالة الاجتماعية
  • «معلومات الوزراء» يستعرض أبرز نتائج استطلاعات مراكز الفكر والاستطلاعات العالمية
  • ترامب يعلّق على "حرية" إسرائيل في الخطوة التالية مع "حماس"