محمد مغربي يكتب: كيف تحدت «هواوي» قرارات الحظر الأمريكية؟
تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT
كانت الحروب بالأمس تعتمد على قاعدة أن من يمتلك السلاح الأقوى، يستطيع فرض سيطرته على العالم، ونتيجة ذلك شهدنا صراع تصنيع القنبلة النووية بين روسيا وأمريكا، وهو صراع امتد لنحو 30 عاماً وعُرف فى التاريخ الحديث باسم «الحرب الباردة» التى انتهت فى 1990 مخلفة وراءها عدة دول باتت تملك هذا السلاح وبالتالى فالقاعدة نفسها قد فشلت.
لكن فى عصر التكنولوجيا، عاد الصراع مجدداً، وكان البطل هذه المرة الصين، التى تمكّنت خلال العقود الماضية من ابتكار قاعدة جديدة وهى السيطرة على العالم تجارياً، وخاصة من بوابة التكنولوجيا، سلاح المستقبل، الذى يمكنه حسم أى صراع، وبالطبع لم تقف أمريكا مكتوفة الأيدى أمام صعود التنين الأصفر، وسرعان ما شنّت واشطن حربها ضد بكين، لينشب الصراع الذى استخدمت فيه كل دولة أدواتها ووسائلها من أجل البقاء.
ولم تكن معركة شركة هواوى سوى جزء من تلك الحرب، وتعود البداية إلى مايو 2019 حين فرضت الحكومة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب حينها، حظراً على الشركة الصينية، وبموجبه تم منع الشركات الأمريكية من بيع أى مكونات أو تكنولوجيا للشركة، بما فى ذلك أشباه الموصّلات «البروسيسور» ونظام التشغيل أندرويد.
كما شمل قرار الحظر، منع شركات مثل «Taiwan Semiconductor Manufacturing Company» من توريد معالجات «Kirin» إلى هواوى التى تعتمد على هذه المعالجات فى جزء كبير من عملها، إضافة إلى منع شركات أمريكية مثل Applied Materials وLam Research، من تزويد الشركة الصينية بأشباه الموصّلات التى تحتاج إلى معدات متقدمة لتصنيعها، وقرارات أخرى كثيرة استهدفت فى النهاية القضاء على العملاق الصينى.
واستهدفت أمريكا من تلك القرارات، منع هواوى من الوصول إلى تقنيات متقدمة تستخدمها واشنطن فى تصنيع المعالجات، خاصة الرقائق المتقدمة بتقنية 5 نانومتر أو أقل التى تعتمد عليها أمريكا فى تقدمها التكنولوجى، وبسبب تلك القرارات تأثرت الشركة الصينية كثيراً، لأنها اعتمدت على مخزون محدود من معالجات «Kirin»، وهذا أدى بدوره إلى توقف إطلاق هواتف راقية فى السوق الدولى لفترة معينة.
كما أدت القرارات الأمريكية إلى انخفاض كبير فى مبيعات هواوى من الهواتف الذكية بسبب عدم قدرتها على استخدام نظام أندرويد وخدمات «Google Play».
كيف تجاوزت هواوى الأزمة؟
لم تستسلم الشركة الصينية رغم كل تلك الخسائر، بل وسرعان ما اتجهت إلى الحلول المحلية لتجاوز كبوتها، فعملت على تطوير البرمجيات أو تصنيع المعالجات، وابتكرت نظام تشغيل «HarmonyOS» خاص بها ليكون بديلاً لأندرويد، واستثمرت بشكل مكثف فى تطوير سلسلة توريد المعالجات الخاصة بها من خلال التعاون مع الشركات الصينية لتقليل اعتمادها على التكنولوجيا الأمريكية.
أما الخطوة الأهم، فكانت اللجوء إلى شركات صينية مثل «SMIC «وهى أكبر مصنع لأشباه الموصلات فى الصين، ومن خلالها تم تصنيع معالج هواوى الجديد «Kirin 9000S» الذى تم تصنيعه بتقنية 7 نانومتر وهو إنجاز تكنولوجى فى ظل الحظر الأمريكى المفروض، ومن خلال هذا المعالج، تمكّنت هواوى من منافسة معالجات مثل Qualcomm وApple.
ويعتمد «Kirin 9000S» على وحدات معالجة مركزية «CPU» متعددة النوى، إلى جانب وحدة معالجة رسومية «GPU» لدعم الألعاب والتطبيقات الثقيلة، وتقنياً، يحتوى المعالج على قدرات الاتصال بشبكات 5G، كما يحتوى على تحسينات فى الذكاء الاصطناعى ومعالجة الصور، ما يعزز أداء الكاميرات وتجربة المستخدم.
ومقارنة بالمعالجات الأمريكية، فإن المعالج الصينى يتفوق فى السرعة والأداء العام بسبب تقنيات التصنيع التى تستخدمها «TSMC»، لكن المعالجات الأمريكية مثل «Qualcomm Snapdragon 8 Gen 2» صاحب كفاءة أعلى فى استهلاك الطاقة والمعالجة التى يستخدم فيها تقنية تصنيع 4 نانومتر، أما معالج «Apple A16 Bionic» فهو أقوى أيضاً فى استهلاك الطاقة بجانب تفوقه فى مجال تحسينات كبيرة فى الذكاء الاصطناعى ومعالجة الصورة مقارنة بالمعالج الصينى.
من خلال هذا المعالج، اتجهت هواوى إلى السيطرة على حصة كبيرة من السوق الصينية والتى بلغت فى سوق الهواتف الذكية نحو 20% عام 2023، ومع عودة الابتكار فى منتجاتها واعتماد المستخدمين على «HarmonyOS» تمكنت من بيع أكثر من 100 مليون جهاز فى النصف الأول من 2023 ما عكس عودتها القوية.
وتزامناً مع تلك الخطوات، أطلقت هواوى هاتفها «Mate XT» القابل للطى بثلاث شاشات، ويمثل قفزة تقنية بسبب تصميمه الفريد الذى يعزز تجربة المستخدم فى تعدد المهام، بجانب شاشات عالية الجودة، كما أن الهاتف مزود بمعالج «Kirin 9000S»، وتعمدت هواوى إطلاق الهاتف فى اليوم الذى أطلقت فيه أبل iPhone 16، لتثبت قدرتها على المنافسة مع عمالقة التكنولوجيا العالمية، خاصة أن الهواتف القابلة للطىّ تمثل فئة مبتكرة وجذّابة لدى المستهلكين.
والخلاصة، أنه رغم التحديات التى واجهتها هواوى بسبب الحظر الأمريكى، لكنها فى النهاية استطاعت التأقلم والتكيف بل وابتكار معالج جديد يعتمد على التكنولوجيا الصينية، وهو ما يمثل نقطة تحول مهمة لأنه بذلك، تقول الصين إنها لن تخضع لأحد، وقادرة على منافسة أقوى المعالجات الأمريكية.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: هواوي روسيا الصين أمريكا الشرکة الصینیة من خلال
إقرأ أيضاً:
الانسحاب الرسمي في يناير 2026.. أمريكا تهدد مناخ العالم وإفريقيا الخاسر الأكبر
انسحاب متوقع وجنون محتمل، سيعيشه العالم بسبب الانسحاب الأمريكى من اتفاقية «تغير المناخ» وهو الأمر الذى لم يكن مستبعدًا أن يتخذه رئيس يصف فكرة «الاحتباس الحراري العالمي» بالخدعة، و«اتفاقية باريس للمناخ»، بأنها غير عادلة ومنحازة.
فوجهة نظر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب «أن الولايات المتحدة لن تخرب صناعاتها بينما تطلق الصين العنان للتلوث مع الإفلات من العقاب» تلك هى العقيدة التى بموجبها قررت واشنطن الانسحاب من الاتفاقية، حيث تلقت الأمم المتحدة خطابًا رسميًا بأن الولايات المتحدة ستنسحب من اتفاق باريس للمناخ في 27 يناير 2026 وهو القرار الذى اتخذه ترامب بعد يوم واحد من يوم توليه منصبه.
وهو الانسحاب الذي يضع مرة أخرى أكبر مصدر للغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم، فى مواجهة المزيد من الكوارث التى سيواجهها العالم بعد انسحاب ثانى أكبر مصدر للانبعاثات الغازية، وهو ما عبر عنه سيمون ستيل، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ بالأسف قائلا: "تجاهل طفرة الطاقة النظيفة لن يؤدي إلا إلى إرسال كل هذه الثروة الهائلة إلى الاقتصادات المنافسة، في حين تستمر الكوارث المناخية مثل الجفاف وحرائق الغابات والعواصف العاتية في التفاقم، وتدمير الممتلكات والشركات، وضرب إنتاج الغذاء على مستوى البلاد، ودفع التضخم في الأسعار على مستوى الاقتصاد بأكمله".
اتفاقية باريس:
اتفاقية باريس هى الإطار الأهم المنظم للتعامل مع التغيرات المناخية وهى الاتفاقية التى تم أعتمادها فى باريس ديسمبر 2015، حيث وقّعت على الاتفاقية 175 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين وروسيا.
لكن كالعادة اختلقت أمريكا الأسباب وانسحبت رسميًا من الاتفاقية في4 نوفمبر 2019 وقت حكم ترامب وهو نفس ما فعلته إيران وليبيا واليمن لكن أمريكا عادت مجددا للاتفاقية مع تولى الرئيس السابق جو بايدن فى فبراير 2021 ثم جاء الانسحاب للمرة الثانية مع ترامب الذى يرفض أى حديث عن التعويضات والخسائر التى تسببها الدول الكبرى للدول النامية، بل وعين وزيرًا للطاقة من أكبر المشككين فى قضية تغير المناخ.
ومن المتوقع أن يعيد كل الاهتمامات بالطاقة النظيفة الى المربع صفر كما فعل فى ولايته السابقة والتى حصرتها مؤسسة بروكينجز فقد اتخذت إدارة ترامب فى عام 2020 ما يصل الى 74 إجراءً أضعف حماية البيئة في الولايات المتحدة، منها إعادة فتح مناجم الفحم، وإزالة القيود المفروضة على التنقيب عن النفط والحفر، والحد من اللوائح المناخية والبيئية.
خلاصة التدمير:
ما سيفعله الانسحاب الأمريكى من الاتفاقية الأهم لمواجهة تغير المناخ، حددته التقارير فى 12 إجراء ستتخذه ادارة ترامب وسيؤدى إلى كوارث على أمريكا والعالم فى آن واحد ومن هذه الاجراءات الانسحاب من الاتفاقية الذى سيشجع دولا أخرى على الانسحاب أبرزها الأرجنتين. كما أن الانسحاب سيضعف الالتزامات المالية تجاه المناخ، كما سيؤدى الانسحاب وتجاهل المناخ الى التوسع فى عمليات التنقيب والبحث عن النفط والغاز ما يعنى مزيدا من التدمير لخليج المكسيك وتهديدا للحياة البرية فى ألاسكا الى جانب زيادة الانبعاثات.
كذلك سيؤدى نهج ترامب إلى إلغاء رسوم الميثان والعقوبات المفروضة على شركات النفط وزيادة انبعاثات هذا الغاز الذى يزيد خطره عن ثانى أكسيد الكربون، كما سيتم إلغاء دعم الطاقة النظيفة وتقليص حجم المناطق المحمية والسماح بنشاط التعدين كما سيؤدى سلوك حكومة ترامب إلى إلغاء مبادرة العدالة البيئية التى تهدف الى تخصيص 40% من الاستثمارات لصالح المجتمعات المتضررة بيئيا.
العالم يدفع الثمن:
العالم سيدفع الثمن وأولهم الولايات المتحدة الأمريكية نفسها التى شهدت حرائق غير مسبوقة مؤخرا فى عدد من ولاياتها، هذا إضافة إلى التأثير المتزايد للكوارث المرتبطة بالمناخ والتي كلفت الولايات المتحدة 2.785 تريليون دولار وأودت بحياة ما يقرب من 17 ألف شخص منذ عام 1980 ومع ذلك يصر ترامب على الانسحاب وعدم الاعتراف بالطاقة النظيفة وهو ما عبر عنه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش فى عديد المناسبات بأن عدم استغلال الفرصة الأخيرة للكوكب سيدفع ثمنها الجميع مؤكدًا ضرورة أن تكون الخطط متسقة مع الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية ورسم مسار إلى صافي الصفر بحلول عام 2050 وأكد أنه لم يعد هناك وقت سوى للعمل من أجل حل المشكلة ومواجهة ارتفاع درجة الحرارة التى وصلت إلى رقم غير مسبوق.
ولعل ما يقوله جوتيريش يؤكده الواقع الذى رصدته تقارير اللجنة الدولية للتغيرات المناخية والتى أكدت أن عام 2024 شهد 41 يومًا إضافياً من الحرارة الشديدة بسبب تغير المناخ، وبحسب تقرير أممى فإن الكوكب يسير بسرعة نحو ارتفاع بأكثر من ثلاث درجات مئوية بحلول نهاية القرن وهو مؤشر كارثى لما سيكون عليه كوكب الأرض.
إفريقيا أكثر المتضررين:
وتعد القارة السمراء أقل المسببين للانبعاثات المسببة لتغير المناخ، هى الأكثر تضررًا حيث تواجه تهديدات مثل الأحداث الجوية المتطرفة وارتفاع درجات الحرارة وانعدام الأمن الغذائي، وبالفعل حذرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ من أنه بدون جهود عالمية كبيرة للحد من الانبعاثات، قد تشهد إفريقيا موجات جفاف شديدة وفيضانات وموجات حر تهدد سبل العيش وتفاقم الفقر.
ولا يخفى على أحد أن اعتماد القارة على الزراعة يجعلها عرضة بشكل خاص لتقلبات المناخ، فعلى سبيل المثال، واجهت دول مثل إثيوبيا والسودان حالات جفاف متكررة أدت إلى فشل المحاصيل ونقص الغذاء.
ووفقاً لتقرير اللجنة الاقتصادية لإفريقيا لعام 2023، فإن التأثير السلبي لتغير المناخ، وخاصة في قطاعات كالزراعة والطاقة والمياه والنقل والنظم الإيكولوجية، من المتوقع أن يكلف البلدان الإفريقية ما يقرب من 5٪ من ناتجها المحلي الإجمالي سنوياً.
وتشير هذه التقارير أيضاً إلى أن التكلفة الإجمالية للتكيف مع تغير المناخ قد تتجاوز 300 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030، وبحسب التقارير العلمية فالعالم عليه أن يتوقف عن الانبعاثات لتجنب المزيد من الظواهر المناخية المتطرفة والمدمرة، بعد أن تجاوزت درجة حرارة الكوكب 1.5 درجة مئوية خلال فترة العام الماضى.
فيما تؤكد التقارير أن الارتفاع الذى يمضى فيه العالم إذا وصل الى درجتين سيحدث تضاعف الأيام الحارة الشديدة في المتوسط بمقدار 4 درجات مئوية وسيرتفع مستوى سطح البحر للأعلى بمقدار 0.1 متر، مما يعرض نحو 10 ملايين شخص إضافي لأحداث مناخية، قد تشمل المزيد من الفيضانات.
سيؤدى ذلك إلى فقدان أكثر من 99% من الشعاب المرجانية وسيتعرض ضعف عدد النباتات والفقاريات (الحيوانات ذات العمود الفقري) لظروف مناخية غير مناسبة في أكثر من نصف المنطقة الجغرافية التي توجد فيها، وقد يتعرض مئات الملايين من الأشخاص للمخاطر المرتبطة بالمناخ ويصبحون عرضة للفقر بحلول عام 2050.
وهو ما يشرحه الدكتور مجدى علام خبير البيئة العالمية بأن درجات حرارة الأرض زادت عن المتوقع وعن الرقم الذى حذر منه خبراء البيئة، والعالم يمضى - للأسف - فى اتجاه زيادة درجة الحرارة درجتين وهو أمر لو حدث سيؤدى إلى سيول وجفاف وزحف الرمال والكثبان الرملية، وظاهرة النينو فى الماء فى المناطق الساحلية حيث يحدث تسخين فى سطح المسطحات المائية، فلا تخرج الحرارة من الغلاف الجوى، ولكنها تبقى على سطح الكرة الأرضية وتتسبب فى تسخينها، وهو ما جعلنا نرى درجات حرارة غير مسبوقة فى الأعوام الماضية.