صحيفة البلاد:
2025-03-02@22:30:22 GMT

الفار بين الذاتية والموضوعية

تاريخ النشر: 25th, September 2024 GMT

الفار بين الذاتية والموضوعية

استكمالا لموضوع كرة القدم بعد مارادونا الذي كتبنا عنه الأسبوع الماضي، وكيف أن تقنية الفار أفسدت تلقائية اللعبة الشعبية الأولى في العالم وإثارتها، يمكن القول أن هذه التقنية جاءت لعلاج مشكلة الخطأ الذي قد يقع فيه حكم الساحة في احتساب ضربة جزاء غير صحيحة، أو هدف تسلّلَ صاحبه، أو لمسة يد لم يفطن لها الحكم، أو رجال الخطوط؛ لكن مع العودة لتقنية الفيديو أثناء المباراة، اتضح أن الأمر أكثر تعقيداً ممّا كان يبدو، لأن الحكم فعلاً يقع في الخطأ، ولا يصل للقرار الصحيح، رغم أنه مكث طويلا أمام الشاشة، وأعاد اللقطة تلو اللقطة، دون أن يصل للقرار الصحيح، خاصة إذا تعلّق الأمر بحالة إعاقة داخل منطقة الجزاء.

نجحت التقنية في حالات نادرة، مثل حالات التسلّل، أو تجاوز الكرة خط المرمى، لكن الجزم بذلك أمر صعب، إذ ثبت أن تقنية الفار لم تنجح بتحديد ما إذا كانت الكرة في “الهدف الشبح”، الذي سجله برشلونة ضد ريال مدريد، قد تجاوزت المرمى، وتبع ذلك لغط كبير، عندما ألغى الفار الهدف، بحجة أن الكرة لم تتجاوز خط المرمى بكامل محيطها.

غضب أنصار برشلونة على هذا القرار الظالم كما يرونه، وانتهت المباراة بفوز ريال مدريد عليهم.
اعتقد مسؤولو برشلونه أن تقنية عين الصقر التي تستخدم خط المرمى، كانت ستحل المشكلة، لكن البعض يرى أن هذه التقنية أيضاً لا تصدق أحياناً.
لماذا الحكم يمضي وقتاً طويلاً في مراجعة حالات الإعاقة داخل منطقة الجزاء، ويتأخّر في اتخاذ القرار، هذا إذا افترضنا نزاهة الحكم، وحرصه على اتخاذ قرار عادل؟

السبب واضح هنا، فالأمر يتعلق بدخول عنصر الذاتية، في مسألة يفترض أنها موضوعية. تقدير الحكم للإعاقة على أنها ضربة جزاء، أو أنها لا ترقى لضربة جزاء، مسألة شخصية ذاتية، لا تستطيع الآلة التعامل معها، أو فهمها. لنفس السبب، يختلف المحلِّلون في الأستوديوهات التحليلية التي تعقب المباراة، مع الحكم، والكثير منهم ينتقد الحكم، ويشكِّك في نزاهته. مسألة تقديرإعاقة اللاعب داخل منطقة الجزاء، تختلف كثيراً عن حالة استخدام تقنية عين الصقر عند تجاوز الكرة خط المرمى. الأولى ذاتية، والثانية يفترض أنها موضوعية. لكن تظل مسألة إخفاء بعض اللقطات، وإظهار بعضها من قبل مخرجي المباريات، شيئاً ذاتياً، وربما يتورّط فيها حكم الفار، الذي يختار ما يريد من لقطات، والاتصال فيها بالحكم بشأنها، ويغفل بعض اللقطات، أو يختار الزاوية التي يريدها للعرض، وربما تكون هناك حالات، لم تتمكّن الكاميرا من اصطيادها أبداً.

قد يلغي حكم الفيديو هدفاً يبدو صحيحاً في نهاية اللعبة بسبب وجود خطأ ما في أول اللعبة التي استمرت لدقائق، ولم يكن بإمكان الحكم إيقافها حتى تنتهي.
لا سبيل لإلغاء الذاتية عند الحكم مهّما تدخّلت الآلة الموضوعية في الأمر.
التقنية لم تقتل الإثارة في كرة القدم فقط؛ بل تكاد أضرارها الجانبية تمتد إلى كل جوانب حياتنا.
يكفي أن ترى طفلاً متسمّرا أمام شاشة هاتفه أو جهازه، لتدرك ذلك.

khaledalawadh @

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: خط المرمى

إقرأ أيضاً:

في مجموعتها القصصية على باب البئر الأولى بعد المالحة للفلسطينية غدير حمدان.. الذاكرة الذاتية والوطنية

لعل الاقتباس التالي من نص "من طقوس الاستحمام بماء البئر، وهو النص الثاني من المجموعة، : "فقط لو تكفُّ دماغها عن استدعاء جميع الأفكار دفعة واحدة... لأراحت واستراحت،.." صفحة 8، يصف لنا إشكالية الشكل والمضمون في نصوص الكاتبة، حيث تبدو مسكونة بكل هذه الاستعادات-الاستدعاءات، والتي جعلتها مرتبطة بمكان وزمان معينين، ما زالا الأكثر تأثيرا على نفسيتها، ولربما كان ذلك ضروريا لها ككاتبة، بأن تفرغ تلك شحنات الحنين، لتبدأ في قادم الأيام بكتابة نصوص أدبية يتبلور فيها المضمون والشكل القصصي.

أطلت السيرة من خلال ضمير المتكلم، واستدعت مرحلة الطفولة وأول التكوين الرومانسي للفتاة شواهد الطبيعة، والشتاء، والطيور، والوالدين، والكتابة.

تعكس المجموعة هنا انسجام المضمون المتشظي ذي تداعيات تنوع التذكارات، الذي وجد شكلا أدبيا قصصيا اختلط مع أشكال أدبية، منها الخاطرة والرسالة، والمقال ولو في فقرات معينة؛ فقد انتبهنا للبدايات القصصية الواقعية للكثير من النصوص، ولكن ما إن تبدأ بها حتى نجدها تختط أساليب أدبية متنوعة، تجمعها الجمالية اللغوية؛ فهذا الحديث عن الأدب في نص "العم خليل"، نص نثر ورمزي، وهذا التجريد في نص "من ليالي الفقد والحب" و"رحلة البحث عن عطر الورد".

إنها سرديات قصصية تداخلت فيها أجناس أدبية، تفاوتت اللغة فيها ما بين التكثيف الشعري والكتابة. وقد لوحظ عليها وجود لغة تراثية، مثل بعض العبارات التي جاءت في سياق المخاطب "يا رعاك الله"، كأنها تحاكي المقامات الأولى.

ولعل هذا ما يفسّر استدعاء الحواس من سمع وبصر، ولعل المضمون القادم من سنوات التكوين هو السبب في هذا الاستدعاء.

ولعل عنوان المجموعة نفسه يدل على ما نذهب له، حيث أننا في سياق نصوص التكوين؛ ف"على باب البئر الأولى بعد المالحة" يحيلنا الى "البئر الأولى" لجبرا إبراهيم جبرا، والذي تشترك معه الكاتبة في مكان إقامة أسرتها، بيت لحم، كذلك في الكتابة عن التكوين الأول في حياة الإنسان.

في هذا السياق حفلت المجموعة بوجود فيروز، حنظلة ناجي العلي، وإلياس فرحات، ولكن محمود درويش كان الأكثر حضورا، لدرجة تناص العناوين كما في "أثر المسافة يرى"، و"حي في حضرة الغياب".

ما يؤكد على تحليل الشكل والمضمون هنا، حب الكاتبة للحكايات، حيث ورثت الابنة تلك الحكايات، بما فيها حكايات الذاكرة، والتي تجلت هنا حنينا وأسماء أماكن ابتداء من العنوان؛ فالمالحة الواردة هنا هي القرية الأصلية للكاتبة، التي تم استلابها عام 1948. لقد ورثت الحكاية من الأمهات والجدات، كما في "وققة طللية، و"ترويدة البشارة".

ولا بد من الانتباه للمضامين التي تقاطع فيها الخاص بالعام. ولكن عند التأمل والتعمق، سنجد أنه تم التعبير عن الذاتية بشكل أصيل وإبداعي، في حين لم يكن بالمستوى نفسه، عند التعبير عن العام الوطني.

القصص

كما قلنا، فإننا إزاء 11 قصة من أصل 30 نصا اشتملت عليها المجموعة القصصية الأولى للكاتبة الفلسطينية غدير حميدان، والتي نظنها الأكثر اقترابا من هوية شكل القصة.

في نص "فتاة البئر الأولى"، ثمة عبقرية التورية، في التعبير عن الرومانسية والواقعية، والتي يبرزها هذا الاقتباس:

"في البداية بدأتْ الشخصيات تتصرف بسيناريو يختلف قليلا عن السيناريو الذي يُفترض بها اتّباعه، ثم مع تتابع الأحداث، بدأت هذه التصرفات تحيد عن الطريق المرسوم لها بشكل لا يدع مجالا للشك: لم يعد لي ذلك التحكم الكامل في سير الأحداث، أنا الآن مجرد متفرّجة.

وسأعترف للشخصيات الرئيسة لو التقيتها وأقول: أفزعتني حينها فكرة أنّ شخصيات القصص قادرة تمام القدرة على اتخاذ قراراتها الخاصة والمستقلة، والمعارِضة -أحيانا- لقرارات كاتبتها.

فكرة العودة إلى المربع الأول ليست بالعمل اليسير، إنّ الأمر معقد، ولن يفهمه سوى من جرّبوا ممارسة الكتابة، لكن قدرة الكلمات على التحرر من سلطة الكاتب، أمر حقيقي جدا، حقيقي بصدق عنيف ومفزِع." صفحة 3

كان هذا النص عن الكتابة والكاتبة، حيث أدهشتنا الكاتبة في التعبير عن الشخصيات كما كانت تراها، من منظورها الرومانسي، ثم كيف نحت تلك الشخصيات منحى واقعيا، يختلف عما توقعته؛ فقد كانت تنتظر استئناف ما لرومانسيات حالمة، سرعان ما وعت على التغيير النفسي لديها، من مشاعر عاطفية الى مشاعر أخرى قد تكون مادية، وقد عبرت الكاتبة عن ذلك إيحاء: "ثم مع تتابع الأحداث، بدأت هذه التصرفات تحيد عن الطريق المرسوم لها".

في نص "من طقوس الاستحمام بماء البئر"، هو الذي أثار انتباهنا إلى القدرات المكتنزة لدى الكاتبة، في استعادة طقس الاستحمام، أكان ذلك في ترتيب الحدث التفصيلي أو في اللغة المستخدمة من حيث الألفاظ، في إطار محاكاة انفعالات الأطفال المعرضين للحمام ب "الصابون واالليفة"، والتي لا تخلو من مرح وكوميديا، حيث تحلّ هنا نوستالوجيا الحنين بشجن ما .

في هذا النص الجميل، تقاطع الخاص بالعام، ولكن كما قلنا قبل قليل، فإنه عند التأمل والتعمق، سنجد حضور الذاتية، وتم الإتيان بالحديث العام من باب الحرص على توازن لا ضرورة له:

لم تكن تلك الفتاة المراهقة إلّا عاشقة للبئر الأولى التي استقت منها الماء حتى ارتوت؛ فأنكرَ الناسُ عليها حبَّها، واستكثروا عليها أن تسكنَ إلى من أَحَبّت، وكَكُلِّ اللاجئين -يا صديقتي- كانت غريبة وشريدة، تبحثُ عن وطنٍ تحفظُ فيهِ أبجدياتها، وتخبِّئُ فيه ذكرياتها.." صفحة 8.

وسنختار هنا 3 نصوص قصصية، إضافة للنص السابق: "من طقوس الاستحمام بماء البئر" نزعم أنها الأكثر تبلورا في الشكل القصصي:

"أحلام اليقظة"، وهي قصة قصيرة جدا، موضوعها الشعور بالوحدة، مستخدمة فيه الخيال والحلم، بإيحاء ما، بأن كليهما، يشعران الشعور نفسه.

أما نص قصة "شيء لا يزول"، وهي القصة التي سلمت من التداعيات المتعددة والمشتتة لبنية القصة، ففيها تجربة كتابة ناضجة، حيث الرحلة في المكان، تصاحبها رحلتان: الأولى في المركبة المتجهة من رام الله الى بيت لحم، والأخرى رحلة الشخصية في استعادتها للمجموعة القصصية، "موت سرير رقم 12"، لغسان كنفاني، حيث تستعيد قراءتها الأولى قبل عشرين عاما. في النص حيوية داخل المركبة، جعلتها مسرحا للفعل وردود الفعل تجاه التنقل، وكيف يتكيف كل مسافر، نوما أو قراءة، في حين وجد السائق حيوية الشعور تجاه السيدة الجميلة.

في "صلاة استسقاء على درب العودة"، ثمة دائرة قصصية متقنة، أوحت لنا بقدرات الكاتبة المميزة، حين تستعيد عودتها الى البيت وهي طفلة، بعد أن ضلت الطريق. ثمة رمزية فلسفية هنا، إضافة الى الواقعية التي تمثلت بإيحاء الى طريقها اليوم، وهذا ما تجلى في الاقتباس التالي"

"أطلت المكوث إلى جانب النافذة في انتظار المشهد الذي أحبّ، ها هو يبدأ يرتسِمُ على السوادِ بياضٌ يحكي أرواحا قد خطفتها أنامِلُ النّوم، تعلوني ابتسامة تحسُّبًا لطلوع الفجر، أسارعُ الخطوات و قد قصدت بهو المنزل، أشعلت التلفاز و قد رافقتني أعمدة الدخان المتصاعدة من فمي لبرودة المكان، ها هي تعلو وتتراقص، جميلة تلك الأنفاس لقد زادت الجوَّ غيوما لتحجب شمس الحقيقة، شريط الأخبار الاستعجاليِّ يتكرر ظُهورُهُ ، أرَكِّزُ ناظري عليه لأقرأ ما كُتِبَ: فقدان طفلة في طريق عودتها من المدرسة، بُهِتُّ وتغيرت ملامحي مجدّدا وقد أطفأت التلفاز وأنا أقول: لا تقولي لي أيّتها النافذة الملعونة، عُودي إلى الشَّمس .. فإِنِّي أَنتمي الآنَ إلى حِزْبِ المَطَرْ سأسير مجدّدا في تلك الطريق ولكنْ سأصلي كثيرًا في درب العودة..." صفحة 64.

ولعلنا نذكر النصوص التالية:

"صرخة في جوف الكهف"، يستحضر النص عبر أساليب متنوعة في الكتابة، مولد الأب، حيث تصبح الكتابة هنا كتابة لحضور الذاكرة والنكبة. في النص مصداقية تفاعل الهمين الخاص والعام.

كذلك "عن آخر صحن زيتون أتحدث"، تناول طقس تخليل الزيتون، وهنا نجد ميراث الفعل والذاكرة معا.

أما "فنجان قهوة واحد يكفي لقول لا"، فهي من أجمل القصص الإيحائية، من خلال مونولوج داخلي، تسترجع الشخصية فصول حياتها، والقرارات التي أثرت فيها وعليها. ليست محاسبة ولا تقييم لما كان بقدر ما حملت في داخلها البوح الخفي. لقد أبدعت في الإخفاء، كأن ما كان لا يهم أحدا. وقد اختتمت ب " الى متى ستقول لا، والى متى سنبقى أسيرين لفنجان واحد في زمن واحد بمكانين؟" صفحة 54.

فهل بالإمكان أبدع مما كان؟ كان يكفي أن تقول: لا!

في "موعد مع زهرة عباد الشمس"، نص تفاعل فيه الخاص بالعام، لكن لعل أبز ما يحمله القارئ هنا، هو ما يحمله عصب الشم، في بلاغة التعبير عن رائحة الوحدة.

"حبة رمان من الجنة"، هو نص حمل مجال القص والإبداع، لما فيه من دهشة الطفولة بحبة الرمان، لكن كما غيره من النصوص، تشتت المضمون بسبب التداعيات التذكارية التي كان من المهم أن تكون وظيفتها تعميق النص.

وأخيرا، "لقد مر وقت طويل"، على دروس المدرسة في الطفولة، والحنين إليها، وكيف ان أثرها ظل حاضرا، بخلاف النصوص الجديدة، التي واكبت التحولات السياسية والتربوية.

مقالات مشابهة

  • الإدارة الذاتية الكوردية في سوريا تحذر من إيقاف العراق إعادة رعاياه
  • تركيا تقتحم عالم الفضاء بقوتها الذاتية
  • ‎الساعة الذكية تتمكن من إنقاذ الأرواح بمساعدة تقنية جديدة
  • بعد 7 دقائق من المراجعة.. هدف ملغي يثير الجدل في كأس إنجلترا
  • صور مسربة للسيارة التي قد تنقذ نيسان من الإفلاس| شاهد
  • الصين تحصّن عقولها التقنية.. قيود صارمة على سفر قادة الذكاء الاصطناعي إلى أمريكا
  • عقوبة جديدة صارمة على الحكم الذي أهان ليفربول
  • في مجموعتها القصصية على باب البئر الأولى بعد المالحة للفلسطينية غدير حمدان.. الذاكرة الذاتية والوطنية
  • جستنية يُحذر الاتحاد من مهازل تقنية الفار.. فيديو
  • تتويج الفائزين ببطولة المناظرات الثانية لجامعة التقنية والعلوم التطبيقية